الفصل الأول

داني فَأْرُ الْمُرُوجِ قَلِقٌ

جَلَسَ داني فَأْرُ الْمُرُوجِ عِنْدَ عَتَبَةِ بَابِ بَيْتِهِ وَاضِعًا ذَقَنَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَكَانَ مِنَ الْوَاضِحِ جِدًّا أَنَّ داني يُفَكِّرُ فِي أَمْرٍ مَا؛ فَقَدْ حَيَّا الظَّرِبَانَ جيمي بِإِيمَاءَةٍ وَحَسْبُ، بَلْ إِنَّهُ لَمْ يُحَيِّ الْأَرْنَبَ بيتر إِلَّا بِعِبَارَةِ «صَبَاحُ الْخَيْرِ» بِطَرِيقَةٍ حَادَّةٍ. وَلَمْ يَكُنِ السَّبَبُ مُبَاغَتَةَ الثَّعْلَبِ ريدي لَهُ بِالْأَمْسِ أَثْنَاءَ غَفْوَتِهِ حِينَ كَادَ ريدي يُنْهِي حَيَاتَهُ. كَلَّا، لَيْسَ هَذَا هُوَ السَّبَبَ. فَداني قَدْ تَعَلَّمَ الدَّرْسَ، وَلَمْ يَكُنْ ريدي لِيُبَاغِتَهُ ثَانِيَةً أَبَدًا، وَكَذَا لَمْ يَكُنِ السَّبَبُ أَنَّهُ وَحِيدٌ تَمَامًا بِلَا أَصْدِقَاءَ يَلْعَبُ مَعَهُمْ؛ فَداني كَانَ سَعِيدًا إِلَى حَدٍّ مَا لِأَنَّهُ بِمُفْرَدِهِ. الْحَقِيقَةُ أَنَّ داني فَأْرَ الْمُرُوجِ انْتَابَهُ الْقَلَقُ.

إِنَّ الْقَلَقَ هُوَ أَحَدُ أَسْوَأِ الْأُمُورِ فِي الْعَالَمِ، وَلَمْ يَبْدُ كَمَا لَوْ كَانَ هُنَاكَ أَيُّ شَيْءٍ يَسْتَدْعِي قَلَقَ داني فَأْرِ الْمُرُوجِ. وَلَكِنْ كَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ أَسْهَلُ مِنْ أَنْ تَبْحَثَ عَنْ شَيْءٍ يُقْلِقُكَ وَتُزْعِجُ نَفْسَكَ بِسَبَبِهِ، وَحِينَ تُزْعِجُ نَفْسَكَ بِهِ، تَهْتَمُّ كَثِيرًا بِأَنْ يَنْزَعِجَ كُلُّ مَنْ حَوْلَكَ بِالْقَدْرِ نَفْسِهِ بِهِ أَيْضًا. وَهَكَذَا كَانَ الْحَالُ مَعَ داني. نَعَتَهُ السِّنْجَابُ الْمُخَطَّطُ مَرَّتَيْنِ «بِالْمُتَذَمِّرِ» ذَلِكَ الصَّبَاحَ، وَكَذَا الْخُلْدُ جوني — الَّذِي تَعَارَكَ مَعَ الثَّعْلَبِ ريدي مِنْ أَجْلِ داني بِالْأَمْسِ — نَعَتَهُ «بِالنَّكِدِ». فِي رَأْيِكَ مَاذَا كَانَ خَطْبُ داني فَأْرِ الْمُرُوجِ؟ كَانَ داني قَلِقًا بِسَبَبِ قِصَرِ ذَيْلِهِ. أَجَلْ؛ هَذَا كُلُّ مَا فِي الْأَمْرِ، هَذَا مَا أَرَّقَ داني فَأْرَ الْمُرُوجِ فِي ذَلِكَ الصَّبَاحِ الْمُشْرِقِ.

بَعْضُ الْأَشْخَاصِ يَنْشَغِلُونَ بِمَظْهَرِهِمْ كَثِيرًا إِلَى الْحَدِّ الَّذِي يَدْفَعُهُمْ إِلَى الشُّعُورِ بِالتَّعَاسَةِ؛ فَهُمْ يَقْلَقُونَ لِأَنَّ مَظْهَرَهُمْ غَيْرُ جَذَّابٍ أَوْ بِهِمْ نَمَشٌ، أَوْ لِأَنَّهُمْ قِصَارٌ أَوْ طِوَالُ الْقَامَةِ، أَوْ لِأَنَّهُمْ نُحَفَاءُ أَوْ بُدَنَاءُ، إِلَى آخِرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَتَّسِمُ بِالسَّذَاجَةِ الشَّدِيدَةِ. وَكَانَ داني فَأْرُ الْمُرُوجِ شَدِيدَ السَّذَاجَةِ لِدَرَجَةِ أَنَّهُ كَانَ يَنْزَعِجُ بِسَبَبِ قِصَرِ ذَيْلِهِ.

كَانَ ذَيْلُهُ قَصِيرًا بِالْفِعْلِ! بِالتَّأْكِيدِ هُوَ قَصِيرٌ بِمَعْنَى الْكَلِمَةِ! مَعَ أَنَّ داني لَمْ يُدْرِكْ قَطُّ مَدَى قِصَرِهِ حَتَّى الْتَقَى صُدْفَةً بِابْنِ عَمِّهِ أبيض الساق، الَّذِي يَعِيشُ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ. كَانَ ابْنُ عَمِّهِ يَرْتَدِي ثِيَابًا غَايَةً فِي الْأَنَاقَةِ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ مَا يُمَيِّزُهُ هُوَ ذَيْلُهُ الطَّوِيلُ النَّحِيلُ الْجَمِيلُ، وَأَدْرَكَ داني فِي الْحَالِ قِصَرَ ذَيْلِهِ الضَّئِيلِ الْغَلِيظِ. وَبِالْكَادِ كَانَ لَدَيْهِ مِنَ الْكِبْرِيَاءِ مَا يَكْفِي لِيُبْقِيَ رَأْسَهُ مَرْفُوعًا كَمَا كَانَ عَهْدُهُ دَائِمًا. وَمُنْذُ ذَلِكَ الْحِينِ أَخَذَ يُفَكِّرُ وَيَتَسَاءَلُ كَيْفَ انْتَهَى الْمَطَافُ بِعَائِلَتِهِ إِلَى أَنْ صَارَ لَهَا مِثْلُ هَذِهِ الذُّيُولِ الْقَصِيرَةِ. ثُمَّ ازْدَادَ حِقْدُهُ وَبَدَأَ يَتَمَنَّى بِشِدَّةٍ أَنْ يَكُونَ لَهُ ذَيْلٌ طَوِيلٌ مِثْلَ ابْنِ عَمِّهِ أبيض الساق.

انْشَغَلَ داني لِلْغَايَةِ بِهَذِهِ الْأُمْنِيَةِ؛ بِأَنْ يَغْدُوَ لَهُ ذَيْلٌ طَوِيلٌ، حَتَّى نَسِيَ تَمَامًا أَنْ يَعْتَنِيَ بِذَيْلِهِ الَّذِي لَدَيْهِ، حَتَّى كَادَ أَنْ يَفْقِدَهُ وَيَفْقِدَ حَيَاتَهُ مَعَهُ. فَكَانَ صَقْرُ الْمُسْتَنْقَعَاتِ الْعَجُوزُ أبيض الذيل يَتَرَصَّدُ داني وَهُوَ جَالِسٌ هُنَاكَ مُكْفَهِرَّ الْوَجْهِ عِنْدَ عَتَبَةِ بَابِهِ؛ فَحَلَّقَ فَوْقَ قِمَمِ أَعْشَابِ الْمَرْجِ فِي هُدُوءٍ شَدِيدٍ، حَتَّى كَادَ يُمْسِكُ بِداني. وَلَوْلَا إِحْدَى النَّسَمَاتِ الصَّغِيرَةِ الْمَرِحَةِ، لَأَمْسَكَ صَقْرُ الْمُسْتَنْقَعَاتِ أبيض الذيل بِداني، وَكُلُّ هَذَا لِأَنَّ داني كَانَ حَقُودًا، وَهَذِهِ عَادَةٌ سَيِّئَةٌ لِلْغَايَةِ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤