الفصل الحادي عشر

الْأَرْنَبُ بيتر يُصَابُ بِالْفَزَعِ

كَانَ الْأَرْنَبُ بيتر يَجْلِسُ فِي مَكَانِهِ الْمُفَضَّلِ فِي الدَّغَلِ الْعَزِيزِ الْمُحَبَّبِ إِلَيْهِ، وَيُحَاوِلُ أَنْ يُقَرِّرَ أَيَّ الطُّرُقِ يَسْلُكُهُ فِي رَحَلَاتِهِ هَذَا الْمَسَاءَ. فَفِي اللَّيْلَةِ السَّابِقَةِ كَانَ قَدْ نَجَا بِالْكَادِ مِنَ الْجَدَّةِ ثعلبة الْعَجُوزِ هُنَاكَ عِنْدَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ. وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَا يُؤْكَلُ عِنْدَ الْبِرْكَةِ الْبَاسِمَةِ وَلَمْ يَعُدْ هُنَاكَ أَيُّ أَحَدٍ كَيْ يَتَحَدَّثَ مَعَهُ، وَأَنْتَ تَعْرِفُ أَنَّ بيتر عَلَيْهِ إِمَّا أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَطْرَحَ الْأَسْئِلَةَ حَتَّى يَكُونَ سَعِيدًا قَرِيرَ الْعَيْنِ. لَكِنْ لَا؛ فَالْبِرْكَةُ الْبَاسِمَةُ كَانَتْ مَكَانًا أَكْثَرَ ضَجَرًا مِنْ أَنْ يَجْتَذِبَ بيتر فِي مِثْلِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ الْمُقْمِرَةِ الْجَمِيلَةِ، كَمَا أَنَّ بيتر لَا يُفَكِّرُ فِي مُوَاجَهَةِ الْجَدَّةِ ثعلبة الْعَجُوزِ مَرَّةً ثَانِيَةً فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ.

وَفِي وَقْتٍ مُبَكِّرٍ هَذَا الصَّبَاحَ، وَبَعْدَ أَنِ اسْتَقَرَّ بيتر لِتَوِّهِ كَيْ يَأْخُذَ قَيْلُولَتَهُ الصَّبَاحِيَّةَ، هَبَطَ تومي عُصْفُورُ الْقُرْقُفِ فَوْقَ الدَّغَلِ الْعَزِيزِ فَقَطْ مِنْ بَابِ التَّوَدُّدِ إِلَى بيتر. وَكَانَ بيتر قَدْ غَفَا لِتَوِّهِ حِينَ سَمِعَ صَاحِبَ الصَّوْتِ الضَّئِيلِ الْأَكْثَرِ مَرَحًا فِي الْعَالَمِ يَتَغَنَّى:

دِي دِي تِرَارَا … دِي تِرَارِي!
يُمْكِنُنِي أَنْ أَرَاكَ! هَلْ تَرَانِي؟

وَبَدَأَ بيتر يَبْتَسِمُ قَبْلَ أَنْ يَفْتَحَ عَيْنَيْهِ وَيَنْظُرَ لِأَعْلَى. وَهُنَاكَ فَوْقَ رَأْسِهِ تَمَامًا، كَانَ تومي يُدْلِي بِرَأْسِهِ لِلْأَسْفَلِ مِنْ أَعْلَى عُنْقُودٍ قَدِيمٍ مِنْ ثِمَارِ الْعُلَّيْقِ. وَفِي لَمْحِ الْبَصَرِ هَبَطَ تومي فَوْقَ الثَّلْجِ أَمَامَ بيتر مُبَاشَرَةً، ثُمَّ حَطَّ عَالِيًا فَوْقَ عُنْقُودِ الْعُلَّيْقِ مَرَّةً أُخْرَى، ثُمَّ رَاحَ يَتَقَلَّبُ فِي الْهَوَاءِ هُنَا وَهُنَاكَ، بِلَا تَوَقُّفٍ، وَيُغَرِّدُ طَوَالَ الْوَقْتِ بِصَوْتِهِ الضَّئِيلِ الْمَرِحِ:

تِيرَا تَاتْ تِيرَا تُورْ!
أَنَا فَرْحَانٌ أَنَا مَسْرُورْ!
حَاوِلْ دُونَ أَنْ تَكُونَ مَلُولًا
لِتَبْقَى فِي سَعَادَةٍ وَفِي حُبُورْ،
تِيرَا تَاتْ تِيرَا تُورْ!
الْكُلُّ يُحِبُّنِي وَبِكُلِّ سُرُورْ!

قَالَ الْأَرْنَبُ بيتر: «مَرْحَبًا يَا تومي! مِنْ أَيْنَ أَتَيْتَ؟»

«مِنْ عِنْدِ بُسْتَانِ الْمُزَارِعِ براون الْجَدِيدِ فِي أَعْلَى التَّلِّ. إِنَّهُ بُسْتَانٌ جَمِيلٌ يَا بيتر! بُسْتَانٌ جَمِيلٌ. أَنَا أَذْهَبُ هُنَاكَ كُلَّ صَبَاحٍ لِلْإِفْطَارِ. وَإِذَا اسْتَمَرَّ الشِّتَاءُ لِمُدَّةٍ أَطْوَلَ، فَسَوْفَ أَتَمَكَّنُ مِنْ تَنْظِيفِ جَمِيعِ الْأَشْجَارِ لِلْمُزَارِعِ براون.»

بَدَا بيتر حَائِرًا وَسَأَلَهُ: «مَاذَا تَعْنِي؟»

فَأَجَابَ تومي الْعُصْفُورُ وَهُوَ يَدُورُ وَيَتَشَقْلَبُ فِي الْهَوَاءِ: «أَعْنِي بِالضَّبْطِ مَا قُلْتُهُ؛ فَهُنَاكَ مِلْيُونُ بَيْضَةٍ مِنْ بَيْضِ الْحَشَرَاتِ عَلَى أَشْجَارِ الْخَوْخِ الصَّغِيرَةِ تِلْكَ، لَكِنِّي أَلْتَقِطُهَا كُلَّهَا بِأَقْصَى سُرْعَتِي؛ فَهِيَ غِذَاءٌ فِي مُنْتَهَى الرَّوْعَةِ أَيُّهَا الْأَرْنَبُ بيتر! غِذَاءٌ فِي مُنْتَهَى الرَّوْعَةِ!» وَبِهَذَا أَنْهَى تومي الْعُصْفُورُ كَلَامَهُ وَرَفْرَفَ بَعِيدًا.

كَانَ بيتر حِينَئِذٍ يُفَكِّرُ فِي هَذَا الْبُسْتَانِ الْجَدِيدِ، بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ يُحَاوِلُ أَنْ يَتَّخِذَ قَرَارَهُ إِلَى أَيْنَ يَذْهَبُ، فِي حِينِ أَسَالَتْ لُعَابَهُ فِكْرَةُ أَشْجَارِ الْخَوْخِ الصَّغِيرَةِ تِلْكَ، وَلَكِنَّ الطَّرِيقَ طَوِيلٌ إِلَى الْبُسْتَانِ فِي أَعْلَى التَّلِّ، طَرِيقٌ طَوِيلٌ لِلْغَايَةِ، وَكَانَ بيتر يَتَسَاءَلُ عَمَّا إِذَا كَانَ بِالْفِعْلِ الطَّرِيقُ آمِنًا كَيْ يَذْهَبَ فِيهِ. وَكَانَ قَدْ أَوْشَكَ عَلَى حَسْمِ أَمْرِهِ بِالْمُحَاوَلَةِ — حَيْثُ إِنَّ بيتر شَدِيدُ الْوَلَعِ بِلِحَاءِ أَشْجَارِ الْخَوْخِ الصَّغِيرَةِ — وَذَلِكَ حِينَ دَوَّى صَوْتٌ مَا! سَقَطَ شَيْءٌ مَا مِنَ السَّمَاءِ عِنْدَ قَدَمَيْهِ بِالضَّبْطِ.

فَزِعَ بيتر حَتَّى كَادَ يَنْقَلِبُ عَلَى ظَهْرِهِ، وَفِي اللَّحْظَةِ ذَاتِهَا صَدَرَتِ الصَّرْخَةُ الشَّرِسَةُ وَالْغَاضِبَةُ، صَرْخَةُ الْبُومَةِ هوتي، حَتَّى أَوْشَكَ قَلْبُ بيتر عَلَى التَّوَقُّفِ بِسَبَبِهَا رَغْمَ أَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ هوتي لَا يُمْكِنُهَا الْوُصُولُ إِلَيْهِ هُنَاكَ بِالْأَسْفَلِ فِي الدَّغَلِ الْعَزِيزِ. وَحِينَ اسْتَجْمَعَ بيتر شَتَاتَ نَفْسِهِ وَهَدَأَتْ قَفَزَاتُ قَلْبِهِ قَلِيلًا، نَظَرَ كَيْ يَرَى مَا الَّذِي سَقَطَ مِنَ السَّمَاءِ بِالْقُرْبِ مِنْهُ بِالضَّبْطِ؛ فَاتَّسَعَتْ عَيْنَاهُ الْوَاسِعَتَانِ عَنْ آخِرِهِمَا، وَفَرَكَ عَيْنَيْهِ كَيْ يَتَيَقَّنَ تَمَامًا أَنَّهُ بِالْفِعْلِ رَأَى مَا يَظُنُّ أَنَّهُ رَآهُ. أَجَلْ؛ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَيُّ شَكٍّ فِي ذَلِكَ … فَهُنَاكَ عِنْدَ قَدَمَيْهِ كَانَ يَرْقُدُ داني فَأْرُ الْمُرُوجِ!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤