الفصل الثالث عشر

الْأَرْنَبُ بيتر يَذْهَبُ إِلَى بُسْتَانِ الْخَوْخِ

نَاشَدَهُ داني فَأْرُ الْمُرُوجِ قَائِلًا: «لَا تَذْهَبْ يَا بيتر! لَا تَذْهَبْ!»

قَفَزَ بيتر إِلَى حَافَةِ الدَّغَلِ الْعَزِيزِ، وَنَظَرَ عَلَى مَدَى الْمُرُوجِ الْمُغَطَّاةِ بِالْجَلِيدِ فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ وَحَتَّى التَّلِّ الْوَاقِعِ خَلْفَ مَنْزِلِ الْمُزَارِعِ براون، وَفِي أَعْلَى ذَاكَ التَّلِّ يَسْتَقِرُّ بُسْتَانُ ثِمَارِ الْخَوْخِ الْيَانِعَةِ، وَالَّتِي أَخْبَرَهُ عَنْهَا عُصْفُورُ الْقُرْقُفِ تومي، وَمِنْ وَقْتِهَا يَسِيلُ لُعَابُهُ كُلَّمَا خَطَرَتْ عَلَى بَالِهِ أَشْجَارُ الْخَوْخِ الْيَانِعَةُ تِلْكَ وَلِحَاؤُهَا الطَّرِيُّ.

قَالَ بيتر: «أَظُنُّ أَنِّي سَأَذْهَبُ يَا داني، هَذِهِ الْمَرَّةَ وَحَسْبُ، صَحِيحٌ أَنَّهُ طَرِيقٌ طَوِيلٌ، وَأَنَا لَمْ أَذْهَبْ إِلَى هُنَاكَ مِنْ قَبْلُ، لَكِنَّنِي أَظُنُّهُ آمِنٌ مِثْلُهُ مِثْلُ الْمُرُوجِ أَوِ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ.»

أَنَا جَرِيءٌ أَنَا قَلْبِي قَوِيٌّ!
غَنِّ مَعِي هُوبْ هُوبْ هُوبِي!
أَخُبُّ خُطَايَ فِي الْعَالَمِ الثَّرِيِّ!
غَنِّ مَعِي هُوبْ هُوبْ هُوبِي!
انْظُرْ إِلَيَّ … طَوِيلَةٌ هِيَ أُذُنِي،
انْظُرْ إِلَيَّ … قَوِيَّةٌ هِيَ أَرْجُلِي،
وَفِي صَبَاحِي النَّدِيِّ،
أَخُبُّ خُطَايَ!
غَنِّ مَعِي هُوبْ هُوبْ هُوبِي!

وَبِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ غَادَرَ الْأَرْنَبُ بيتر الدَّغَلَ الْعَزِيزَ الْآمِنَ وَالْمُحَبَّبَ إِلَيْهِ، وَذَهَبَ بَعِيدًا وَهُوَ يَقْفِزُ وَيَقْفِزُ عَبْرَ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ بِاتِّجَاهِ التَّلِّ وَالْبُسْتَانِ الْجَدِيدِ الْوَاقِعِ خَلْفَ مَنْزِلِ الْمُزَارِعِ براون.

وَتَابَعَهُ داني فَأْرُ الْمُرُوجِ وَهُوَ يَبْتَعِدُ، وَهَزَّ رَأْسَهُ فِي غَيْرِ رِضًا وَقَالَ: «يَا لَهُ مِنْ أَحْمَقَ!» وَأَخَذَ يُكَرِّرُهَا فِي نَفْسِهِ. وَتَسَاءَلَ داني: «لِمَ لَا يَرْضَى بيتر بِمَا لَدَيْهِ مِنْ أَشْيَاءَ جَمِيلَةٍ؟!»

وَأَسْرَعَ بيتر الْخُطَى فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ، لَكِنَّهُ كَانَ يَتَوَقَّفُ كُلَّ بِضْعِ دَقَائِقَ لِيَقِفَ عَلَى قَدَمَيْهِ لِيُمْعِنَ النَّظَرَ وَيُرْهِفَ السَّمْعَ. سَمِعَ صَيْحَةَ الصَّيْدِ الشَّرِسَةَ الَّتِي تُطْلِقُهَا الْبُومَةُ هوتي عَلَى الْمَدَى فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ؛ لِذَا فَقَدْ تَأَكَّدَ أَنَّهُ أَمِنَ جَانِبَهَا فِي الْوَقْتِ الْحَاضِرِ. أَمَّا بِشَأْنِ الْجَدَّةِ ثعلبة وَالثَّعْلَبِ ريدي فَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُنْذُ عَوْدَتِهِمَا إِلَى الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ وَالْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، فَقَدْ ظَلَّا بَعِيدَيْنِ عَنْ مُمْتَلَكَاتِ الْمُزَارِعِ براون؛ لِذَا فَهُوَ لَمْ يُلْقِ لَهُمَا بَالًا.

وَبَعْدَ قَلِيلٍ وَصَلَ بيتر إِلَى الْبُسْتَانِ الْجَدِيدِ. وَكَانَ بِالضَّبْطِ كَمَا أَخْبَرَهُ تومي عُصْفُورُ الْقُرْقُفِ. وَقَفَزَ بيتر إِلَى أَقْرَبِ شَجَرَةِ خَوْخٍ وَأَخَذَ يَقْرِضُ اللِّحَاءَ. يَا إِلَهِي! كَمْ هُوَ لَذِيذٌ! وَدَارَ حَوْلَ الشَّجَرَةِ بِالْكَامِلِ مُنْتَزِعًا اللِّحَاءَ، بَلْ وَقَفَ عَلَى أَرْجُلِهِ الْخَلْفِيَّةِ الطَّوِيلَةِ كَيْ يَصِلَ إِلَى أَعْلَى نُقْطَةٍ يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إِلَيْهَا، ثُمَّ أَخَذَ يَنْبِشُ الْجَلِيدَ مِنْ أَسْفَلِ الشَّجَرَةِ وَيَأْكُلُ حَتَّى أَدْنَى نُقْطَةٍ يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إِلَيْهَا. وَحِينَ لَمْ يَسْتَطِعِ الْحُصُولَ عَلَى الْمَزِيدِ مِنَ اللِّحَاءِ الْغَضِّ اللَّيِّنِ، كَانَ يَنْتَقِلُ إِلَى الشَّجَرَةِ التَّالِيَةِ.

هَكَذَا وَبِالرَّغْمِ مِنْ أَنَّ بيتر لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ، فَقَدْ كَانَ يَتَسَبَّبُ فِي أَسْوَأِ أَنْوَاعِ الْأَذَى. فَعِنْدَمَا يَنْتَزِعُ لِحَاءَ شَجَرَةِ الْخَوْخِ الصَّغِيرَةِ مِنْ حَوْلِهَا بِالْكَامِلِ، فَهُوَ بِذَلِكَ يَقْتُلُ الشَّجَرَةَ؛ حَيْثُ إِنَّ بِدَاخِلِ اللِّحَاءِ تَسِيرُ عُصَارَةُ الشَّجَرَةِ بِدَايَةً مِنَ الْجُذُورِ حَتَّى تَصِلَ إِلَى كَافَّةِ الْفُرُوعِ؛ مِمَّا يَمْنَحُ الشَّجَرَةَ الْحَيَاةَ وَالنُّمُوَّ. وَهَكَذَا حِينَ أَكَلَ بيتر اللِّحَاءَ مِنْ حَوْلِ جِذْعِ الشَّجَرَةِ الصَّغِيرَةِ بِالْكَامِلِ، مَنَعَ بِذَلِكَ عُصَارَةَ الشَّجَرَةِ مِنَ الْوُصُولِ إِلَيْهَا نِهَائِيًّا وَقْتَ نُمُوِّهَا. وَبِالتَّأْكِيدِ كَانَ هَذَا أَشَدَّ أَنْوَاعِ الْأَذَى الَّتِي أَقْدَمَ عَلَيْهَا الْأَرْنَبُ بيتر.

لَكِنَّ بيتر لَمْ يَعْرِفْ بِهَذَا، وَاسْتَمَرَّ فِي مَلْءِ مَعِدَتِهِ الْكَبِيرَةِ فِي اسْتِمْتَاعٍ عَظِيمٍ، حَتَّى نَسِيَ أَنْ يَحْتَرِسَ مِنَ الْخَطَرِ. وَحِينَ بَدَأَ لِتَوِّهِ فِي شَجَرَةٍ أُخْرَى، فَجْأَةً انْطَلَقَتْ زَمْجَرَةٌ عَالِيَةٌ مِنْ خَلْفِهِ بِالضَّبْطِ حَتَّى كَادَ قَلْبُهُ يَبْلُغُ حَنْجَرَتَهُ. وَعَرَفَ هَذَا الصَّوْتَ، وَدُونَ حَتَّى أَنْ يَنْتَظِرَ لِيَلْتَفِتَ خَلْفَهُ، انْطَلَقَ إِلَى الْجِدَارِ الْحَجَرِيِّ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ مِنَ الْبُسْتَانِ. وَمِنْ خَلْفِهِ تَمَامًا عِنْدَ كَعْبَيْهِ، كَانَ كَلْبُ الصَّيْدِ باوزر فَاتِحًا فَاهُ الْكَبِيرَ عَنْ آخِرِهِ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤