الفصل الرابع عشر

الْمُزَارِعُ براون يَنْصِبُ فَخًّا

وَقَعَ بيتر فِي مُشْكِلَةٍ، فَهُوَ قَدْ وَرَّطَ نَفْسَهُ فِي الْأَذَى وَالْآنَ — مِثْلَ أَيِّ فَرْدٍ يَتَوَرَّطُ فِي الْأَذَى — يَتَمَنَّى لَوْ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ. وَأَسْوَأُ مَا فِي الْأَمْرِ أَنَّهُ كَانَ بَعِيدًا جِدًّا عَنْ بَيْتِهِ فِي الدَّغَلِ الْعَزِيزِ. وَلَمْ يَكُنْ يَدْرِي كَيْفَ تَتَسَنَّى لَهُ الْعَوْدَةُ إِلَى بَيْتِهِ ثَانِيَةً. أَيْنَ كَانَ؟ يَا إِلَهِي! كَانَ عِنْدَ الْجِدَارِ الْحَجَرِيِّ عِنْدَ أَحَدِ جَوَانِبِ بُسْتَانِ ثِمَارِ الْخَوْخِ الْيَانِعَةِ الْخَاصِّ بِالْمُزَارِعِ براون. وَكَمْ كَانَ بيتر مُمْتَنًّا لِوُجُودِ الْجِدَارِ الْحَجَرِيِّ الْقَدِيمِ؛ حَيْثُ وَجَدَ فِيهِ مَكَانًا آمِنًا لِلِاخْتِبَاءِ! وَظَلَّ باوزر يَتَمَشَّى تَقْرِيبًا طَوَالَ اللَّيْلِ؛ لِذَا لَمْ يَجْرُؤْ بيتر عَلَى أَنْ يُحَاوِلَ الْعَوْدَةَ إِلَى الْمَنْزِلِ. وَالْآنَ وَقَدْ حَلَّ ضَوْءُ النَّهَارِ، عَرَفَ بيتر خُطُورَةَ أَنْ يَظْهَرَ أَنْفُهُ مِنَ الْمَخْبَأِ.

كَانَ بيتر قَلِقًا، بَلْ شَدِيدَ الْقَلَقِ، حَتَّى إِنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعِ النَّوْمَ فِي ضَوْءِ النَّهَارِ كَمَا اعْتَادَ أَنْ يَفْعَلَ. وَلِذَا جَلَسَ مُخْتَبِئًا فِي الْجِدَارِ الْقَدِيمِ يَنْتَظِرُ وَيَرْقُبُ. وَبَعْدَ قَلِيلٍ رَأَى الْمُزَارِعَ براون وَابْنَهُ وَقَدْ وَصَلَا إِلَى الْبُسْتَانِ. وَشَاهَدَا عَلَى الْفَوْرِ مَا حَلَّ بِالْمَكَانِ مِنْ خَرَابٍ تَسَبَّبَ بِهِ بيتر، وَاسْتَطَاعَ بيتر مِنْ نَبْرَةِ صَوْتَيْهِمَا تَمْيِيزَ غَضَبِهِمَا الْعَارِمِ. وَذَهَبَا بَعِيدًا لَكِنَّهُمَا عَادَا ثَانِيَةً بَعْدَ قَلِيلٍ، وَظَلَّ بيتر طَوَالَ الْيَوْمِ يُتَابِعُهُمَا وَهُمَا يَعْمَلَانِ عَلَى وَضْعِ شَيْءٍ مَا حَوْلَ كُلِّ شَجَرَةٍ مِنْ شَجَرِ الْخَوْخِ الْيَانِعِ. ازْدَادَ فُضُولُ بيتر بِشِدَّةٍ حَتَّى نَسِيَ تَمَامًا مَشَاكِلَهُ وَمَدَى بُعْدِهِ عَنْ بَيْتِهِ. وَبِالْكَادِ تَمَكَّنَ مِنَ انْتِظَارِ حُلُولِ اللَّيْلِ كَيْ يَرَى مَا كَانَا يَفْعَلَانِهِ.

وَفَوْرَ أَنْ شَرَعَ قُرْصُ الشَّمْسِ الْمَرِحُ الْمُسْتَدِيرُ فِي الذَّهَابِ إِلَى فِرَاشِهِ خَلْفَ التِّلَالِ الْأُرْجُوَانِيَّةِ، شَرَعَ الْمُزَارِعُ براون وَابْنُهُ فِي الْعَوْدَةِ إِلَى الْمَنْزِلِ. وَكَانَ الْمُزَارِعُ براون يَبْتَسِمُ حِينَهَا.

وَقَالَ: «أَظُنُّ أَنَّ هَذَا سَيَتَكَفَّلُ بِهِ!»

وَفَكَّرَ بيتر قَائِلًا: «إِذَنْ مَا مَقْصِدُهُ مِمَّا قَالَ؟ وَعَمَّنْ يَتَحَدَّثُ؟ هَلْ يُمْكِنُ أَنْ أَكُونَ أَنَا الْمَقْصُودَ؟! أَنَا لَا أَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ يَتَكَفَّلُ بِي.»

انْتَظَرَ بيتر طَوِيلًا قَدْرَ اسْتِطَاعَتِهِ. وَحِينَ هَدَأَتِ الْأُمُورُ كُلُّهَا، وَبَدَأَ ضَوْءُ الْقَمَرِ يَعْكِسُ ظِلَالَ الْأَشْجَارِ فَوْقَ الْجَلِيدِ، تَسَلَّلَ بيتر بِحَذَرٍ شَدِيدٍ خَارِجَ مَخْبَئِهِ. وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَثَرٌ لِباوزر كَلْبِ الصَّيْدِ، وَبَدَا كُلُّ شَيْءٍ سَاكِنًا وَآمِنًا كَمَا كَانَ حِينَ أَتَى لِأَوَّلِ مَرَّةٍ إِلَى الْبُسْتَانِ بِالْأَمْسِ. وَكَانَ بيتر قَدْ عَقَدَ الْعَزْمَ عَلَى الْعَوْدَةِ إِلَى الْمَنْزِلِ مُبَاشَرَةً وَبِأَقْصَى سُرْعَةٍ تَحْمِلُهُ بِهَا قَدَمَاهُ الطَّوِيلَتَانِ، لَكِنَّ فُضُولَهُ الْبَغِيضَ حَدَا بِهِ إِلَى الْإِصْرَارِ عَلَى أَنْ يَعْرِفَ أَوَّلًا مَاذَا كَانَ يَفْعَلُ الْمُزَارِعُ براون وَابْنُهُ بِشَجَرِ الْخَوْخِ.

لِذَا أَسْرَعَ بيتر نَحْوَ أَقْرَبِ شَجَرَةٍ. وَوَجَدَ جِذْعَ الشَّجَرَةِ بِأَكْمَلِهِ؛ بِدَايَةً مِنْ مُسْتَوَى الْأَرْضِ وَحَتَّى أَعْلَى مِنْ مُسْتَوَى وُصُولِهِ مَلْفُوفًا بِشَبَكَةٍ مِنَ الْأَسْلَاكِ. وَلَمْ يَتَمَكَّنْ بيتر مِنْ أَنْ يَقْضَمَ وَلَوْ قَضْمَةً وَاحِدَةً مِنَ اللِّحَاءِ اللَّذِيذِ. وَلَمْ يَكُنْ يَنْتَوِي أَكْلَ أَيِّ شَيْءٍ؛ فَهُوَ كَانَ يَنْتَوِي الْعَوْدَةَ مُبَاشَرَةً إِلَى الْبَيْتِ، لَكِنِ الْآنَ وَحِينَ لَمْ يَسْتَطِعِ الْحُصُولَ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ، أَصْبَحَ كُلُّ مَا يُرِيدُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ هُوَ قَضْمَةً وَاحِدَةً. وَنَظَرَ بيتر مِنْ حَوْلِهِ وَبَدَا كُلُّ شَيْءٍ هَادِئًا؛ لِذَا سَيُحَاوِلُ فِي الشَّجَرَةِ التَّالِيَةِ، ثُمَّ يَعُودُ إِلَى الْمَنْزِلِ.

لَكِنَّ الشَّجَرَةَ التَّالِيَةَ كَانَتْ مَلْفُوفَةً بِالْأَسْلَاكِ. تَرَدَّدَ بيتر، وَنَظَرَ مِنْ حَوْلِهِ، وَاسْتَدَارَ كَيْ يَعُودَ إِلَى الْمَنْزِلِ، ثُمَّ دَارَ بِبَالِهِ كَمْ كَانَ مَذَاقُ هَذَا اللِّحَاءِ لَذِيذًا بِالْأَمْسِ، وَتَرَدَّدَ ثَانِيَةً، ثُمَّ أَسْرَعَ نَحْوَ الشَّجَرَةِ الثَّالِثَةِ، وَكَانَتْ مُطَوَّقَةً كَالْأُخْرَيَاتِ بِالضَّبْطِ بِالْأَسْلَاكِ، ثُمَّ نَسِيَ بيتر تَمَامًا فِكْرَةَ الْعَوْدَةِ إِلَى الْمَنْزِلِ؛ فَهُوَ أَرَادَ بَعْضًا مِنْ هَذَا اللِّحَاءِ اللَّذِيذِ، فَأَخَذَ يَجْرِي مِنْ شَجَرَةٍ إِلَى شَجَرَةٍ بِأَقْصَى سُرْعَتِهِ.

وَفِي النِّهَايَةِ، بَعِيدًا فِي آخِرِ الْبُسْتَانِ، وَجَدَ بيتر شَجَرَةً لَا تُحِيطُ بِهَا الْأَسْلَاكُ. وَفَكَّرَ قَائِلًا: «لَا بُدَّ أَنَّهُمَا نَسِيَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ!» وَلَمَعَتْ عَيْنَاهُ. وَلَكِنْ كَانَ يُحِيطُ بِالشَّجَرَةِ الْكَثِيرُ مِنَ الْأَسْلَاكِ الصَّغِيرَةِ اللَّامِعَةِ الْمُغَطَّاةِ بِالثُّلُوجِ، لَكِنَّ بيتر لَمْ يَلْحَظْهَا؛ فَكُلُّ مَا الْتَقَطَتْهُ عَيْنَاهُ هُوَ لِحَاءُ شَجَرَةِ الْخَوْخِ الْيَانِعَةِ اللَّذِيذُ. وَقَفَزَ مُبَاشَرَةً إِلَى مُنْتَصَفِ الْأَسْلَاكِ، وَبَعْدَهَا وَفِي حِينِ كَانَ بيتر يَشُدُّ نَفْسَهُ لِيَنَالَ الْقَضْمَةَ الْأُولَى مِنَ اللِّحَاءِ، شَعَرَ بِشَيْءٍ يَجْذِبُ إِحْدَى رِجْلَيْهِ الْخَلْفِيَّتَيْنِ بِقُوَّةٍ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤