الفصل الخامس عشر

الْأَرْنَبُ بيتر يَقَعُ فِي فَخٍّ

حِينَ كَانَ الْأَرْنَبُ بيتر يَشُدُّ نَفْسَهُ لِيَقْضَمَ اللِّحَاءَ مِنْ إِحْدَى أَشْجَارِ الْمُزَارِعِ براون، شَعَرَ بِشَيْءٍ يَجْذِبُ إِحْدَى رِجْلَيْهِ الْخَلْفِيَّتَيْنِ بِقُوَّةٍ، وَفَزِعَ بِشِدَّةٍ، حَتَّى إِنَّهُ قَفَزَ كَيْ يَتَحَاشَاهُ، وَبَدَلًا مِنْ أَنْ يَتَحَاشَاهُ عَلِقَ بِهِ وَوَقَعَ عَلَى وَجْهِهِ وَقَدِ اسْتَحْكَمَ ذَلِكَ الشَّيْءُ حَوْلَ رِجْلِهِ الْخَلْفِيَّةِ وَأَمْسَكَ بِهِ بِشِدَّةٍ. انْتَابَ الْأَرْنَبَ بيتر فَزَعٌ شَدِيدٌ، وَحِينَ كَانَ مُنْبَطِحًا هُنَاكَ فَوْقَ الثُّلُوجِ أَخَذَ يَرْكُلُ وَيَتَمَلَّصُ بِكُلِّ قُوَّتِهِ. إِلَّا أَنَّهُ كُلَّمَا رَكَلَ أَكْثَرَ، ازْدَادَ اسْتِحْكَامُ ذَاكَ الشَّيْءِ الْكَرِيهِ حَوْلَ رِجْلِهِ! وَفِي النِّهَايَةِ أَنْهَكَهُ التَّعَبُ الشَّدِيدُ فَلَمْ يَسْتَطِعِ الرَّكْلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَرَقَدَ بِلَا حِرَاكٍ. فَهَذَا الشَّيْءُ الْبَغِيضُ الَّذِي يُمْسِكُ بِهِ آذَى رِجْلَهُ، وَلَكِنَّهُ أَيْضًا لَمْ يَجْذِبْهُ حِينَ رَقَدَ بِلَا حِرَاكٍ.

وَحِينَ هَدَأَ قَلِيلًا، وَقَفَ بيتر لِيَتَفَحَّصَ ذَاكَ الشَّيْءَ الَّذِي أَمْسَكَ بِهِ بِشِدَّةٍ. كَانَ يُشْبِهُ أَحَدَ فُرُوعِ كَرْمَةِ التُّوتِ الَّتِي كَانَ يَتَعَثَّرُ فِيهَا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، غَيْرَ أَنَّهُ بَرَّاقٌ وَلَامِعٌ، وَبِلَا أَغْصَانٍ أَوْ أَشْوَاكٍ صَغِيرَةٍ، وَكَذَا فَإِنَّ إِحْدَى نِهَايَاتِهِ مُثَبَّتَةٌ فِي وَتِدٍ. حَاوَلَ بيتر أَنْ يَقْضَمَ الْجُزْءَ اللَّامِعَ، وَلَكِنْ حَتَّى أَسْنَانُهُ الْأَمَامِيَّةُ الْحَادَّةُ الْكَبِيرَةُ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى قَطْعِهِ. ثُمَّ أَدْرَكَ بيتر مَاهِيَّةَ هَذَا الشَّيْءِ. إِنَّهُ سِلْكٌ! إِنَّهُ فَخٌّ نَصَبَهُ الْمُزَارِعُ براون كَيْ يُمْسِكَ بِهِ، وَقَدْ سَارَ بيتر إِلَيْهِ مُبَاشَرَةً وَقَدْ أَعْمَاهُ جَشَعُهُ لِتَنَاوُلِ لِحَاءِ شَجَرَةِ الْخَوْخِ الْيَانِعَةِ؛ فَلَمْ يَرَ الْخَطَرَ مِنْ حَوْلِهِ.

أَوَّاهُ! كَمْ تَمَنَّى بيتر لَوْ لَمْ يَتَمَلَّكْهُ الْفُضُولُ الشَّدِيدُ لِيَعْرِفَ مَا الَّذِي كَانَ يَفْعَلُهُ الْمُزَارِعُ براون فِي ذَاكَ النَّهَارِ، وَأَنَّهُ عَادَ إِلَى الْبَيْتِ مُبَاشَرَةً كَمَا كَانَ يَنْتَوِي أَنْ يَفْعَلَ بَدَلًا مِنْ مُحَاوَلَةِ الْحُصُولِ عَلَى وَجْبَةٍ أُخْرَى مِنْ لِحَاءِ الْخَوْخِ الْغَضِّ! وَانْهَمَرَتِ الدُّمُوعُ غَزِيرَةً عَلَى وَجْنَتَيْ بيتر. مَاذَا عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ؟ بَلْ مَاذَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْعَلَ؟ وَلِفَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ جَلَسَ بيتر فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ، يُحَاوِلُ أَنْ يُفَكِّرَ فِي شَيْءٍ مَا يَقُومُ بِهِ. وَفَكَّرَ أَخِيرًا فِي الْوَتِدِ الْمُثَبَّتِ فِيهِ ذَاكَ السِّلْكُ الْكَرِيهُ. وَكَانَ الْوَتِدُ مَصْنُوعًا مِنَ الْخَشَبِ، وَأَسْنَانُ بيتر تَقْدِرُ عَلَى قَطْعِ الْخَشَبِ. وَخَفَقَ قَلْبُ بيتر بِالْأَمَلِ، وَبَدَأَ مِنْ فَوْرِهِ فِي دَفْعِ الثُّلُوجِ بَعِيدًا مِنْ حَوْلِ الْوَتِدِ، ثُمَّ هَيَّأَ نَفْسَهُ كَيْ يَقْرِضَ الْوَتِدَ حَتَّى يَنْقَسِمَ إِلَى نِصْفَيْنِ.

عَمِلَ بيتر بِجُهْدٍ كَبِيرٍ فِي الْوَتِدِ وَلِوَقْتٍ طَوِيلٍ، وَكَانَ قَدْ قَرَضَ بِالْفِعْلِ أَكْثَرَ مِنَ النِّصْفِ بِقَلِيلٍ، وَذَلِكَ حِينَ سَمِعَ صَوْتَ زَفِيرٍ عَالِيًا عِنْدَ الطَّرَفِ الْآخَرِ مِنَ الْبُسْتَانِ. وَنَظَرَ إِلَى الْأَعْلَى كَيْ يَرَى مَنْ هُنَاكَ، مَنْ تَظُنُّهُ رَأَى؟ يَا إِلَهِي، كَانَ باوزر كَلْبَ الصَّيْدِ! هُوَ لَمْ يَرَ بيتر بَعْدُ، وَلَكِنَّهُ وَجَدَ بِالْفِعْلِ أَثَرَ بيتر، وَلَمْ يَكُنْ لِيَفْصِلَهُ سِوَى دَقَائِقَ قَلِيلَةٍ حَتَّى يَعْثُرَ عَلَى بيتر نَفْسِهِ.

مِسْكِينٌ بيتر! لَمْ يَكُنْ لَدَيْهِ مُتَّسَعٌ مِنَ الْوَقْتِ لِكَيْ يَنْتَهِيَ مِنْ قَطْعِ الْوَتِدِ. مَاذَا يَسَعُهُ أَنْ يَفْعَلَ؟ قَفَزَ بيتر بِذُعْرٍ تَمَامًا مِثْلَمَا قَفَزَ مِنْ قَبْلُ حِينَ شَعَرَ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ بِالسِّلْكِ يَجْذِبُ رِجْلَهُ بِقُوَّةٍ. وَأَيْضًا وَمِثْلَمَا حَدَثَ مِنْ قَبْلُ؛ عَلِقَ بِهِ وَوَقَعَ عَلَى وَجْهِهِ، وَأَخَذَ يَتَحَرَّكُ بِسُرْعَةٍ وَيَقْفِزُ ثَانِيَةً، لِيَعُودَ وَيَقَعَ كَمَا سَبَقَ. وَحِينَهَا رَآهُ باوزر وَفَتَحَ فَاهُ مُطْلِقًا زَمْجَرَةً عَالِيَةً، وَقَفَزَ بيتر مَرَّةً أُخْرَى بِفَزَعٍ، ثُمَّ صَدَرَ صَوْتُ طَقْطَقَةٍ! لَقَدِ انْكَسَرَ الْوَتِدُ! وَتَدَحْرَجَ بيتر عَلَى رَأْسِهِ إِلَى الْأَمَامِ، وَدَارَ فِي شَقْلَبَةٍ، وَأَخَذَ يُهَرْوِلُ. أَصْبَحَ بيتر حُرًّا أَخِيرًا! أَيْ إِنَّهُ يَسْتَطِيعُ الْجَرْيَ، لَكِنَّهُ كَانَ يَجُرُّ مِنْ خَلْفِهِ جُزْءًا مِنَ الْوَتِدِ.

كَمْ كَانَ الرَّكْضُ صَعْبًا لِلْغَايَةِ! كَانَ هَذَا شَاقًّا؛ فَكَمَا تَرَى اضْطُرَّ بيتر إِلَى أَنْ يَجُرَّ قِطْعَةَ الْوَتِدِ مِنْ خَلْفِهِ. لَكِنَّهُ تَمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ، وَعِنْدَ آخِرِ لَحْظَةٍ زَحَفَ إِلَى دَاخِلِ الْجِدَارِ الْحَجَرِيِّ الْقَدِيمِ عِنْدَ أَحَدِ جَوَانِبِ الْبُسْتَانِ، فِي حِينِ كَانَ باوزر يَنْبَحُ فِي خَيْبَةِ أَمَلٍ فِي اتِّجَاهِ السَّمَاءِ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤