الفصل السادس عشر

رِحْلَةُ الْأَرْنَبِ بيتر الشَّاقَّةُ

جَلَسَ بيتر دَاخِلَ الْجِدَارِ الْحَجَرِيِّ الْقَدِيمِ عِنْدَ أَحَدِ جَوَانِبِ بُسْتَانِ الْمُزَارِعِ براون، وَكَانَ يَنْتَظِرُ الْقَمَرَ كَيْ يُطْفِئَ نُورَهُ وَيَغْرَقَ الْعَالَمُ فِي الظَّلَامِ إِلَى أَنْ يُطِيحَ قُرْصُ الشَّمْسِ الْمَرِحُ الْمُسْتَدِيرُ بِأَغْطِيَتِهِ الْوَرْدِيَّةِ وَيَبْدَأَ ارْتِقَاؤُهُ الْيَوْمِيُّ إِلَى الْأُفُقِ الْأَزْرَقِ فِي السَّمَاءِ الزَّرْقَاءِ. وَفِي الشِّتَاءِ، يَطُولُ نَوْمُ قُرْصِ الشَّمْسِ، وَهَكَذَا أَدْرَكَ بيتر أَنَّ أَمَامَهُ سَاعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ سَاعَاتٍ بَعْدَ أَنْ يُطْفِئَ الْقَمَرُ ضَوْءَهُ وَحِينَهَا يَكُونُ الظَّلَامُ دَامِسًا. وَكَذَلِكَ أَدْرَكَ بيتر أَنَّهُ بِحُلُولِ هَذَا الْوَقْتِ تَكُونُ الْبُومَةُ هوتي عَلَى الْأَرْجَحِ حَصَلَتْ عَلَى عَشَائِهَا. وَنَفْسُ الشَّيْءِ مَعَ الْجَدَّةِ ثعلبة الْعَجُوزِ وَالثَّعْلَبِ ريدي. أَمَّا كَلْبُ الصَّيْدِ باوزر فَسَيَكُونُ شَدِيدَ النُّعَاسِ فَلَنْ يَسْتَطِيعَ الْمُرَاقَبَةَ، وَحِينَهَا يَكُونُ الْوَقْتُ آمِنًا جِدًّا لِبيتر كَيْ يُحَاوِلَ الْعَوْدَةَ إِلَى بَيْتِهِ فِي الدَّغَلِ الْعَزِيزِ.

لِذَا ظَلَّ بيتر يَنْتَظِرُ وَيَنْتَظِرُ، ثُمَّ أَتَى باوزر — الَّذِي طَارَدَ بيتر حَتَّى الْجِدَارِ الْقَدِيمِ — مَرَّتَيْنِ وَنَبَحَ عَلَيْهِ وَحَاوَلَ الْوُصُولَ إِلَيْهِ، لَكِنَّ الْجِدَارَ الْقَدِيمَ كَفَلَ لِبيتر الْأَمَانَ؛ وَمِنْ ثَمَّ فَقَدَ باوزر الْأَمَلَ. وَطَوَالَ الْوَقْتِ الَّذِي جَلَسَ فِيهِ بيتر يَنْتَظِرُ، كَانَ يُعَانِي أَلَمًا شَدِيدًا؛ فَكَمَا تَرَوْنَ أَنَّ ذَاكَ السِّلْكَ اللَّامِعَ كَانَ مَشْدُودًا بِقُوَّةٍ حَتَّى قَطَعَ لَحْمَهُ وَآذَاهُ بِشِدَّةٍ، وَالطَّرَفُ الْآخَرُ مِنَ السِّلْكِ مُثَبَّتَةٌ فِيهِ قِطْعَةٌ مِنَ الْخَشَبِ، وَهِيَ جُزْءٌ مِنَ الْوَتِدِ الْمُثَبَّتِ عَلَيْهِ الْفَخُّ وَالَّذِي تَمَكَّنَ بيتر مِنْ أَنْ يَقْرِضَهُ وَيَكْسِرَهُ.

وَهَكَذَا اسْتَمَرَّ بيتر فِي انْتِظَارِ الْقَمَرِ حَتَّى يُطْفِئَ ضَوْءَهُ. فَهُوَ أَدْرَكَ أَنَّ مَعَ وُجُودِ هَذَا الْوَتِدِ الْمَجْرُورِ مِنْ خَلْفِهِ سَوْفَ يُضْطَرُّ إِلَى التَّحَرُّكِ بِبُطْءٍ شَدِيدٍ، وَلَمْ يَكُنْ لِيُجَازِفَ بِتَوْرِيطِ نَفْسِهِ فِي مَخَاطِرَ أَكْثَرَ مِمَّا سَوْفَ يُضْطَرُّ لِمُوَاجَهَتِهِ بِالْفِعْلِ. لِذَا ظَلَّ يَنْتَظِرُ وَيَنْتَظِرُ، وَبَعْدَ وَقْتٍ وَجِيزٍ، وَكَمَا هُوَ مُتَوَقَّعٌ، أَطْفَأَ الْقَمَرُ ضَوْءَهُ. وَانْتَظَرَ بيتر بَعْدَ ذَلِكَ وَقْتًا قَلِيلًا، مُلْقِيًا سَمْعَهُ لِأَقْصَى دَرَجَةٍ، وَبَدَا كُلُّ شَيْءٍ سَاكِنًا. ثُمَّ تَسَلَّلَ بيتر إِلَى خَارِجِ الْجِدَارِ الْحَجَرِيِّ الْقَدِيمِ.

وَفِي الْحَالِ بَدَأَتِ الْمَتَاعِبُ؛ حَيْثُ إِنَّ الْوَتِدَ الْمَجْرُورَ فِي نِهَايَةِ السِّلْكِ الْمُثَبَّتِ فِي رِجْلِهِ عَلِقَ بَيْنَ الْحِجَارَةِ؛ مِمَّا أَجْبَرَ بيتر عَلَى التَّوَقُّفِ فَجْأَةً. يَا إِلَهِي! كَمْ كَانَ الْأَمْرُ مُؤْلِمًا! بَلْ فَاضَتْ دُمُوعُهُ مِنَ الْأَلَمِ. لَكِنَّ بيتر كَزَّ عَلَى أَسْنَانِهِ بِقُوَّةٍ، وَعَادَ ثَانِيَةً وَحَاوَلَ حَتَّى تَمَكَّنَ مِنْ تَحْرِيرِ الْوَتِدِ. ثُمَّ بَدَأَ رِحْلَتَهُ مِنْ جَدِيدٍ وَهُوَ يَجُرُّ الْوَتِدَ مِنْ خَلْفِهِ.

تَسَلَّلَ بيتر بِبُطْءٍ شَدِيدٍ عَبْرَ الْبُسْتَانِ وَمِنْ أَسْفَلِ السُّورِ عَلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَكَانَتْ رِجْلُهُ مُتَيَبِّسَةً بِشِدَّةٍ وَمَجْرُوحَةً؛ فَاسْتَطَاعَ بِالْكَادِ أَنْ يُلَامِسَ الْجَلِيدَ، وَظَلَّ طَوَالَ الْوَقْتِ يَجُرُّ تِلْكَ الْقِطْعَةَ مِنَ الْوَتِدِ، وَالَّتِي أَصْبَحَ جَرُّهَا أَثْقَلَ وَأَصْعَبَ مَعَ كُلِّ دَقِيقَةٍ. وَلَمْ يَجْرُؤْ بيتر عَلَى الْخُرُوجِ عَبْرَ الْحُقُولِ الْمَكْشُوفَةِ؛ خَشْيَةَ أَنْ يُصَادِفَ خَطَرًا مَا وَلَنْ يَجِدَ حِينَهَا مَكَانًا لِلِاخْتِبَاءِ. لِذَا تَسَلَّلَ بِبُطْءٍ بِالْقُرْبِ مِنَ الْأَسْوَارِ حَيْثُ تَنْمُو الشُّجَيْرَاتُ؛ مِمَّا جَعَلَ الْأَمْرَ فِي مُنْتَهَى الْمَشَقَّةِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَتِدَ الْمَجْرُورَ ظَلَّ يَعْلَقُ طَوَالَ الْوَقْتِ بِالشُّجَيْرَاتِ، فَيَجْذِبُ رِجْلَهُ الْمَجْرُوحَةَ بِشِدَّةٍ؛ مِمَّا يُجْبِرُ بيتر عَلَى التَّوَقُّفِ وَهُوَ يَصْرُخُ مِنَ الْأَلَمِ.

وَمَعَ أَنَّ الْأَمْرَ كَانَ فِي غَايَةِ السُّوءِ، إِلَّا أَنَّهُ ازْدَادَ سُوءًا مَعَ إِحْسَاسِ بيتر الْمُسْتَمِرِّ بِالرُّعْبِ الْفَظِيعِ مِنَ الْبُومَةِ هوتي أَوِ الْجَدَّةِ ثعلبة؛ فَقَدْ يَتَصَادَفُ أَنْ تَأْتِيَا. وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَسَعْهُ سِوَى أَنْ يَتَوَقَّفَ كَيْ يَسْتَرِيحَ، لَكِنَّهُ كَانَ كَثِيرَ التَّوَقُّفِ، وَحِينَهَا يُلْقِي سَمْعَهُ أَكْثَرَ وَأَكْثَرَ. وَأَخَذَ يُرَدِّدُ فِي نَفْسِهِ قَائِلًا:

«يَا إِلَهِي! مِنْ أَجْلِ مَاذَا صَعِدْتُ إِلَى بُسْتَانِ ثِمَارِ الْخَوْخِ الْيَانِعَةِ فِي حِينِ أَنَّنِي كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَحِقُّ لِيَ الذَّهَابُ إِلَى هُنَاكَ؟! لِمَ لَمْ أَرْضَ بِكُلِّ مَا كَانَ لَدَيَّ مِنْ أَشْيَاءَ جَمِيلَةٍ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ وَفِي الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ؟ يَا إِلَهِي! يَا إِلَهِي!»

وَفِي حِينِ بَدَأَ قُرْصُ الشَّمْسِ الْمَرِحُ الْمُسْتَدِيرُ يَنْشُرُ ضَوْءَهُ عَلَى الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ، كَانَ الْأَرْنَبُ بيتر قَدْ وَصَلَ إِلَى الدَّغَلِ الْعَزِيزِ، وَكَانَ داني فَأْرُ الْمُرُوجِ يَجْلِسُ عَلَى حَافَةِ الدَّغَلِ وَيَرْتَقِبُ وُصُولَهُ بِقَلَقٍ. زَحَفَ بيتر وَبَدَأَ يَتَسَلَّلُ دَاخِلَ أَحَدِ مَمَرَّاتِهِ السِّرِّيَّةِ الصَّغِيرَةِ. وَاسْتَطَاعَ أَنْ يَدْخُلَ هُوَ، لَكِنَّ الْوَتِدَ الْمَجْرُورَ انْحَشَرَ بَيْنَ شَجَرِ الْعُلَّيْقِ، وَسَقَطَ بيتر فِي الْجَلِيدِ بِالضَّبْطِ حَيْثُ كَانَ، وَقَدْ أَعْيَاهُ التَّعَبُ وَأَنْهَكَهُ؛ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحَرَكَةِ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤