الفصل السابع عشر

داني فَأْرُ الْمُرُوجِ يَنْتَابُهُ الْقَلَقُ

كَانَ داني فَأْرُ الْمُرُوجِ يَعْرُجُ هُنَا وَهُنَاكَ عَبْرَ الدَّغَلِ الْعَزِيزِ؛ حَيْثُ عَاشَ مَعَ بيتر الْأَرْنَبِ مُنْذُ أَفْلَتَ مِنْ بَيْنِ مَخَالِبِ الْبُومَةِ هوتي وَسَقَطَ هُنَاكَ عِنْدَ قَدَمَيْ بيتر الْأَرْنَبِ بِالضَّبْطِ. وَكَانَ داني يَعْرُجُ لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ ضَعِيفًا وَمَجْرُوحًا مِنْ جَرَّاءِ مَخَالِبِ هوتي الْمُرِيعَةِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ نَفْسَهُ لِلتَّفْكِيرِ كَثِيرًا فِي ذَلِكَ، فَهُوَ كَانَ مُمْتَنًّا لِلْغَايَةِ لِكَوْنِهِ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ بِأَيِّ حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ. وَهَكَذَا كَانَ يَعْرُجُ هُنَا وَهُنَاكَ فِي الدَّغَلِ الْعَزِيزِ، وَيَلْتَقِطُ الْحَبَّ الَّذِي سَقَطَ فَوْقَ الْجَلِيدِ، وَفِي أَحْيَانٍ أُخْرَى يَجْذِبُ بَعْضَ التُّوتِ الْأَحْمَرِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ طَوَالَ الشِّتَاءِ بِشُجَيْرَاتِ الْوَرْدِ الْبَرِّيِّ. وَكَانَتْ بُذُورُهُ شَهِيَّةً جِدًّا بِالْفِعْلِ، فَكَانَ داني يَشْعُرُ دَوْمًا بِبَهْجَةٍ كَبِيرَةٍ بَعْدَ تَنَاوُلِهِ وَجْبَةً مِنْهَا.

وَأَصْبَحَ داني شَدِيدَ التَّعَلُّقِ بِبيتر الْأَرْنَبِ؛ حَيْثُ إِنَّ بيتر كَانَ طَيِّبًا لِلْغَايَةِ مَعَهُ. وَشَعَرَ داني أَنَّهُ لَنْ يَتَمَكَّنَ أَبَدًا مِنْ أَنْ يَجْزِيَ بيتر لِقَاءَ كُلِّ هَذِهِ الطِّيبَةِ. وَكَانَ مِنْ طِيبَةِ بيتر الشَّدِيدَةِ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يُشَارِكَهُ الدَّغَلَ الْعَزِيزَ؛ إِذْ كَانَ داني بَعِيدًا جِدًّا عَنْ بَيْتِهِ وَلَنْ يَكُونَ مِنَ الْأَمَانِ أَنْ يُحَاوِلَ الْعَوْدَةَ إِلَى هُنَاكَ، بَلْ قَامَ بيتر بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؛ فَقَدِ اعْتَنَى بِداني عِنَايَةً بَالِغَةً خِلَالَ الْأَيَّامِ الْقَلِيلَةِ الْأُولَى بَعْدَ إِفْلَاتِهِ مِنَ الْبُومَةِ هوتي، كَمَا أَحْضَرَ لَهُ الطَّعَامَ اللَّذِيذَ لِيَأْكُلَهُ حِينَ كَانَ داني ضَعِيفًا لِلْغَايَةِ وَمَجْرُوحًا وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إِحْضَارِ أَيِّ شَيْءٍ لِنَفْسِهِ. أَجَلْ؛ فِي الْحَقِيقَةِ كَانَ بيتر طَيِّبًا لِلْغَايَةِ مَعَهُ.

أَمَّا الْآنَ وَبَيْنَمَا رَاحَ داني يَعْرُجُ هُنَا وَهُنَاكَ، فَلَمْ يَكُنْ سَعِيدًا. أَجَلْ يَا سَيِّدِي، لَمْ يَكُنْ سَعِيدًا. فَالْحَقِيقَةُ هِيَ أَنَّ داني فَأْرَ الْمُرُوجِ انْتَابَهُ الْقَلَقُ. وَكَانَ هَذَا الْقَلَقُ مُخْتَلِفًا عَنْ أَيِّ قَلَقٍ قَدْ شَعَرَ بِهِ مِنْ قَبْلُ. وَيُمْكِنُكَ أَنْ تَرَى أَنَّ داني — وَلِأَوَّلِ مَرَّةٍ فِي حَيَاتِهِ — يَنْتَابُهُ الْقَلَقُ عَلَى شَخْصٍ آخَرَ؛ فَكَانَ قَلَقُهُ عَلَى الْأَرْنَبِ بيتر؛ حَيْثُ غَابَ بيتر عَنِ الدَّغَلِ الْعَزِيزِ عَلَى مَدَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَامِلَةٍ، فِي الْغَالِبِ كَانَ يَغِيبُ اللَّيْلَ كُلَّهُ، لَكِنَّهُ لَمْ يَغِبْ قَطُّ النَّهَارَ بِأَكْمَلِهِ. وَتَيَقَّنَ داني أَنَّ شَيْئًا مَا قَدْ حَدَثَ لِبيتر، وَدَارَ بِبَالِهِ كَيْفَ نَاشَدَ بيتر كَيْ لَا يَصْعَدَ إِلَى بُسْتَانِ الْمُزَارِعِ براون مِنْ أَجْلِ ثِمَارِ الْخَوْخِ النَّامِيَةِ. وَقَدْ كَانَ داني يَشْعُرُ فِي أَعْمَاقِهِ بِالْخَطَرِ فِي هَذَا الْأَمْرِ، بِأَنَّ شَيْئًا مَا فَظِيعًا قَدْ يَحْدُثُ لِبيتر. كَمْ سَخِرَ بيتر مِنْهُ وَانْطَلَقَ فِي رِحْلَتِهِ بِشَجَاعَةٍ! لِمَ لَمْ يَعُدْ إِلَى الْبَيْتِ؟

وَفِي حِينِ كَانَ داني يَعْرُجُ هُنَا وَهُنَاكَ، تَحَدَّثَ إِلَى نَفْسِهِ قَائِلًا:

لِمَ لَا تَرْضَى الْمَخْلُوقَاتُ بِكُلِّ مَا تَمْلِكُهُ مِنْ نِعَمٍ عَظِيمَةٍ،
وَيَبْقَوْنَ فِي أَمَاكِنِهِمُ الْآمِنَةِ بَدَلًا مِنَ الْخُرُوجِ بِلَا هُدًى؟!

كَانَتْ هَذِهِ اللَّيْلَةَ الثَّانِيَةَ الَّتِي تَمُرُّ مُنْذُ رَحِيلِ الْأَرْنَبِ بيتر. وَلَمْ يَسْتَطِعْ داني فَأْرُ الْمُرُوجِ النَّوْمَ عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَظَلَّ يَدُورُ وَيَدُورُ فِي الدَّغَلِ الْعَزِيزِ وَهُوَ يَعْرُجُ، وَأَخِيرًا جَلَسَ عِنْدَ حَافَةِ الدَّغَلِ كَيْ يَنْتَظِرَ وَيَرْتَقِبَ. وَفِي النِّهَايَةِ وَحِينَ كَانَ قُرْصُ الشَّمْسِ الْمَرِحُ الْمُسْتَدِيرُ الْأَحْمَرُ يُرْسِلُ أُولَى أَشِعَّتِهِ عَلَى الْمَدَى عَبْرَ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ، رَأَى داني شَيْئًا مَا يَزْحَفُ نَحْوَ الدَّغَلِ الْعَزِيزِ. فَرَكَ عَيْنَيْهِ وَأَمْعَنَ النَّظَرَ. كَانَ هُوَ … كَلَّا؛ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ … بَلَى؛ كَانَ هُوَ الْأَرْنَبَ بيتر! لَكِنْ مَا الَّذِي حَدَثَ لَهُ؟ فَفِي السَّابِقِ كَانَ بيتر دَائِمًا يَعُودُ إِلَى الْبَيْتِ وَهُوَ يَقْفِزُ وَيَقْفِزُ، أَمَّا الْآنَ فَهُوَ يَزْحَفُ، بِالْفِعْلِ يَزْحَفُ! وَلَمْ يَدْرِ داني فَأْرُ الْمُرُوجِ مَاذَا يَفْعَلُ.

اقْتَرَبَ بيتر أَكْثَرَ وَأَكْثَرَ، وَكَانَ هُنَاكَ شَيْءٌ مَا يَتْبَعُهُ. كَلَّا؛ بَلْ كَانَ بيتر يَجُرُّ شَيْئًا مَا خَلْفَهُ. وَأَخِيرًا بَدَأَ بيتر يَزْحَفُ دَاخِلَ أَحَدِ مَمَرَّاتِهِ السِّرِّيَّةِ الصَّغِيرَةِ إِلَى دَاخِلِ الدَّغَلِ الْعَزِيزِ، وَتَعَلَّقَ هَذَا الشَّيْءُ الْمَجْرُورُ مِنْ خَلْفِهِ فِي الْعُلَّيْقِ، وَوَقَعَ بيتر عَلَى رَأْسِهِ فَوْقَ الثُّلُوجِ، وَقَدْ أَعْيَاهُ التَّعَبُ وَأَنْهَكَهُ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحَرَكَةِ. ثُمَّ أَدْرَكَ داني مَاذَا كَانَتِ الْمُشْكِلَةُ؛ فَهُنَاكَ سِلْكٌ مُثَبَّتٌ فِي إِحْدَى رِجْلَيْ بيتر الْخَلْفِيَّتَيْنِ الطَّوِيلَتَيْنِ، وَفِي النِّهَايَةِ الْأُخْرَى مِنَ السِّلْكِ مُثَبَّتٌ جُزْءٌ مِنْ وَتِدٍ. بيتر قَدْ وَقَعَ فِي فَخٍّ! وَأَسْرَعَ داني نَحْوَ بيتر وَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ بِالدُّمُوعِ.

وَهَمَسَ داني: «مِسْكِينٌ يَا بيتر! آهٍ! أَنَا مُشْفِقٌ جِدًّا عَلَيْكَ يَا بيتر!»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤