الفصل العشرون

داني فَأْرُ الْمُرُوجِ جَبَانٌ

داني فَأْرُ الْمُرُوجِ جَبَانٌ! هَذَا مَا يَقُولُهُ الْجَمِيعُ، وَمَا يَقُولُهُ الْجَمِيعُ هُوَ حَتْمًا صَحِيحٌ، غَيْرَ أَنَّهُ كَمَا يُمْكِنُ لِأَيِّ فَرْدٍ أَنْ يُخْطِئَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، فَكَذَلِكَ الْحَالُ مَعَ الْجَمِيعِ. وَمَعَ ذَلِكَ فَفِي هَذَا الْأَمْرِ مِنَ الْمُرَجَّحِ جِدًّا أَنَّ الْجَمِيعَ عَلَى صَوَابٍ: أَنَّ داني فَأْرَ الْمُرُوجِ جَبَانٌ. وَيُسْأَلُ فِي ذَلِكَ الْأَرْنَبُ بيتر، وَكَذَلِكَ طَائِرُ السِّنْدِيانِ سامي، وَالسِّنْجَابُ الْمُخَطَّطُ، جَمِيعُهُمْ سَيَقُولُونَ لَكَ نَفْسَ الشَّيْءِ، بَلْ قَدْ يَقُولُ طَائِرُ السِّنْدِيَانِ سامي جاي إِنَّ داني يَخَافُ حَتَّى مِنْ ظِلِّهِ، أَوْ يُحَاوِلُ الْهَرَبَ حَتَّى مِنْ ذَيْلِهِ. وَبِالطَّبْعِ هَذَا لَيْسَ صَحِيحًا؛ فَسامي جاي يُحِبُّ أَنْ يَقُولَ أَشْيَاءَ سَيِّئَةً. وَلَيْسَ مِنَ الْمُنْصِفِ فِي حَقِّ داني فَأْرِ الْمُرُوجِ أَنْ نُصَدِّقَ مَا يَقُولُهُ سامي جاي.

إِلَّا أَنَّ الْحَقِيقَةَ هِيَ أَنَّ داني وَبِكُلِّ تَأْكِيدٍ جَبَانٌ، بَلْ وَالْأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَخْجَلُ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَوْ حَتَّى قَلِيلًا.

قَالَ داني وَهُوَ يَجْلِسُ عَلَى عَتَبَةِ بَابِهِ فِي صَبَاحِ يَوْمٍ مُشْمِسٍ وَيَتَحَدَّثُ مَعَ صَدِيقِهِ الضُّفْدَعِ الْعَجُوزِ: «أَتَرَى؟! الْأَمْرُ بِبَسَاطَةٍ عَلَى هَذَا النَّحْوِ: إِذَا لَمْ أَكُنْ جَبَانًا، لَمْ أَكُنْ لِآخُذَ حِذْرِي طَوَالَ الْوَقْتِ، وَإِذَا لَمْ آخُذْ حِذْرِي طَوَالَ الْوَقْتِ، لَمْ يَكُنْ لِيُتَاحَ لِي أَيُّ فُرْصَةٍ لِلْعَيْشِ أَكْثَرَ مِمَّا يُتَاحُ لِتِلْكَ النَّمْلَةِ الْحَمْرَاءِ الْخَرْقَاءِ وَهِيَ تَجْرِي وَتَعْبُرُ مِنْ أَمَامِكَ.»

نَظَرَ الضُّفْدَعُ الْعَجُوزُ إِلَى حَيْثُ أَشَارَ داني، وَإِذْ بِلِسَانِهِ يَخْرُجُ وَيَرْجِعُ ثَانِيَةً بِسُرْعَةٍ فَائِقَةٍ لَمْ يَتَيَقَّنْ حِيَالَهَا داني مَا إِذَا كَانَ قَدْ رَأَى بِالْفِعْلِ مَا رَأَى، لَكِنَّهُ حِينَ نَظَرَ لِيَبْحَثَ عَنِ النَّمْلَةِ لَمْ يَجِدْ لَهَا أَيَّ أَثَرٍ، وَوَجَدَ بَرِيقَ الرِّضَا يَشِعُّ فِي عَيْنَيِ الضُّفْدَعِ. وَارْتَسَمَ الْجَوَابُ فِي عَيْنَيْ داني حِينَ اسْتَكْمَلَ حَدِيثَهُ.

قَالَ داني: «كَلَّا يَا سَيِّدِي، لَمْ يَكُنْ لِيُتَاحَ لِي وَلَوْ ذَرَّةَ فُرْصَةٍ لِلْبَقَاءِ مِثْلَمَا حَدَثَ مَعَ تِلْكَ النَّمْلَةِ الْخَرْقَاءِ، وَإِذَا كُنْتُ كَبِيرًا وَقَوِيًّا مَثْلَ الْقَيُّوطِ الْعَجُوزِ أَوْ لَدَيَّ أَجْنِحَةٌ رَشِيقَةٌ مِثْلَ النَّوْرَسِ سكيمر أَوْ كُنْتُ غَيْرَ جَذَّابٍ إِلَى حَدٍّ كَبِيرٍ وَكُنْتُ قَبِيحَ الْمَنْظَرِ فَلَا يَرْغَبُ فِي الْتِهَامِي أَحَدٌ مِثْلَ … مِثْلَ …» وَتَرَدَّدَ داني ثُمَّ أَكْمَلَ كَلَامَهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصُّعُوبَةِ: «مِثْلَ بَعْضِ الرِّفَاقِ الَّذِينَ أَعْرِفُهُمْ، أَظُنُّ حِينَهَا أَنَّنِي لَمْ أَكُنْ لِأَخَافَ.»

نَظَرَ الضُّفْدَعُ الْعَجُوزُ بِحِدَّةٍ حِينَ ذَكَرَ داني الْمَخْلُوقَاتِ غَيْرَ الْجَذَّابَةِ وَقَبِيحَةَ الْمَظْهَرِ، لَكِنْ كَانَ داني يُحَدِّقُ بَعِيدًا عَبْرَ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ وَيَبْدُو فِي غَايَةِ الْبَرَاءَةِ، حَتَّى إِنَّ الضُّفْدَعَ اسْتَنْتَجَ أَنَّهُ حَتْمًا لَمْ يَكُنْ هُوَ الْمَقْصُودَ.

قَالَ الضُّفْدَعُ وَهُوَ يَحُكُّ أَنْفَهُ مُفَكِّرًا: «حَسَنًا؛ أَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ تَكُونُ مُحِقًّا، لَكِنْ فِي رَأْيِي يَبْدُو الْخَوْفُ شَيْئًا سَاذَجًا لِلْغَايَةِ، بَلْ إِنَّنِي لَا أَدْرِي مَا هُوَ؛ فَأَنَا لَا أَتَدَخَّلُ فِيمَا لَا يَعْنِينِي، وَلَا أَحَدَ يُضَايِقُنِي أَبَدًا. غَيْرَ أَنِّي أَظُنُّهُ بِالتَّأْكِيدِ شُعُورًا فِي غَايَةِ الْإِزْعَاجِ.»

فَأَجَابَ داني: «هُوَ كَذَلِكَ بِالْفِعْلِ، وَلَكِنْ كَمَا قُلْتُ مِنْ قَبْلُ، مِنَ الْمُفِيدِ جِدًّا أَنْ يَحْذَرَ الْفَرْدُ حِينَ يَكْثُرُ الْمُتَرَبِّصُونَ بِهِ كَمَا هُوَ الْحَالُ مَعِي. وَالْآنَ فَهُنَاكَ الثُّعْبَانُ الْأَسْوَدُ وَ…»

صَاحَ الضُّفْدَعُ الْعَجُوزُ بِفَزَعٍ: «أَيْنَ؟!» وَقَدْ شَحَبَ لَوْنُهُ كَيْفَمَا يُمْكِنُ لِضُفْدَعٍ أَنْ يَصِيرَ شَاحِبَ اللَّوْنِ، وَأَخَذَ يَنْظُرُ بِاضْطِرَابٍ وَقَلَقٍ فِي كُلِّ اتِّجَاهٍ.

وَأَشَاحَ داني بِرَأْسِهِ لِيُخْفِيَ ابْتِسَامَتَهُ؛ فَقَدْ بَدَا عَلَى الضُّفْدَعِ الْعَجُوزِ الْخَوْفُ بِدَرَجَةٍ غَيْرِ مَسْبُوقَةٍ. وَقَالَ داني: «حَسَنًا؛ أَنَا لَمْ أَقْصِدْ أَنَّهُ فِي مَكَانٍ مَا هُنَا مِنْ حَوْلِنَا الْآنَ، فَمَا كُنْتُ عَلَى وَشْكِ قَوْلِهِ أَنَّ الثُّعْبَانَ الْأَسْوَدَ وَالْجَدَّةَ ثعلبة وَريدي الثَّعْلَبَ وَالصَّقْرَ أحمر الذيل وَالْبُومَةَ هوتي وَغَيْرَهُمُ الْكَثِيرَ؛ دَائِمًا يَتَرَقَّبُونَ الْفُرْصَةَ كَيْ يَجْعَلُونِي أَنَا الْمِسْكِينَ الصَّغِيرَ غِذَاءَهُمْ. فَهَلْ تَتَعَجَّبُ مِنْ خَوْفِي مُعْظَمَ الْوَقْتِ؟!»

وَأَجَابَ الضُّفْدَعُ الْعَجُوزُ: «لَا لَا، أَنَا لَا أَتَعَجَّبُ مِنْ خَوْفِكَ؛ فَبِالتَّأْكِيدِ هُوَ أَمْرٌ فَظِيعٌ أَنْ تَشْعُرَ بِعُيُونِهِمُ الْجَوْعَى وَهِيَ تَتَرَبَّصُ بِكَ فِي كُلِّ دَقِيقَةٍ فِي النَّهَارِ وَكَذَلِكَ فِي اللَّيْلِ.»

وَرَدَّ عَلَيْهِ داني: «حَسَنًا؛ الْأَمْرُ لَيْسَ بِهَذَا السُّوءِ، بَلْ مُثِيرٌ. كَمَا أَنَّهُ يُحَفِّزُ بَدِيهَتِي طَوَالَ الْوَقْتِ، وَأَخْشَى أَنِّي سَوْفَ أَجِدُ الْحَيَاةَ فِي غَايَةِ الْمَلَلِ بِالْفِعْلِ إِذَا — كُنْتُ مِثْلَكَ — لَا أَخْشَى شَيْئًا أَوْ أَحَدًا. وَبِالْمُنَاسَبَةِ، أَتَرَى كَيْفَ يَتَحَرَّكُ ذَاكَ الْعُشْبُ عَلَى نَحْوٍ غَرِيبٍ هُنَاكَ؟ يَبْدُو كَمَا لَوْ كَانَ الثُّعْبَانُ الْأَسْوَدُ … يَا لَلْهَوْلِ أَيُّهَا الضُّفْدَعُ الْعَجُوزُ! إِلَى أَيْنَ أَنْتَ ذَاهِبٌ بِهَذِهِ السُّرْعَةِ؟!»

صَاحَ الضُّفْدَعُ الْعَجُوزُ مِنْ خَلْفِهِ: «لَقَدْ تَذَكَّرْتُ لِتَوِّي مَوْعِدًا مُهِمًّا مَعَ ابْنِ عَمِّي الضُّفْدَعِ الْكَبِيرِ عِنْدَ الْبِرْكَةِ الْبَاسِمَةِ» وَبَيْنَمَا كَانَ يُسْرِعُ الْخُطَى تَعَثَّرَ وَوَقَعَ.

ضَحِكَ داني ضَحْكَةً خَافِتَةً وَهُوَ جَالِسٌ بِمُفْرَدِهِ عِنْدَ عَتَبَةِ بَابِهِ، وَقَالَ: «عَجِيبٌ وَغَيْرُ مَعْقُولٍ! الضُّفْدَعُ الْعَجُوزُ لَا يَدْرِي مَا هُوَ الْخَوْفُ! مِنَ الْغَرِيبِ كَيْفَ لَا يَعْتَرِفُ بَعْضُ الْأَشْخَاصِ بِمَا يَرَاهُ الْجَمِيعُ ظَاهِرًا أَمَامَ أَعْيُنِهِمْ. فَهَا أَنَا ذَا أَخَافُ، وَأَنَا عَلَى أَتَمِّ الِاسْتِعْدَادِ أَنْ أَقُولَ ذَلِكَ.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤