الفصل الحادي والعشرون

داني فَأْرُ الْمُرُوجِ يَحْظَى بِيَوْمٍ مُثِيرٍ

سَارَ داني فَأْرُ الْمُرُوجِ فِي وَقْتٍ مُبَكِّرٍ لِلْغَايَةِ ذَاتَ صَبَاحٍ عَبْرَ أَحَدِ مَمَرَّاتِهِ الصَّغِيرَةِ السِّرِّيَّةِ. وَكَانَ فِي طَرِيقِهِ لِلْحُصُولِ عَلَى مَخْزُونٍ مِنْ نَوْعٍ مُعَيَّنٍ مِنْ بُذُورِ الْعُشْبِ، النَّوْعِ الَّذِي يُحِبُّهُ كَثِيرًا. وَكَانَ يُفَكِّرُ فِي تِلْكَ الْبُذُورِ لِفَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ وَيَنْتَظِرُهَا حَتَّى تَنْضَجَ. وَالْآنَ قَدْ آنَ أَوَانُهَا حَيْثُ عَلِمَ ذَلِكَ بِالْأَمْسِ عِنْدَ ذَهَابِهِ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي يَنْمُوُ بِهِ هَذَا الْعُشْبُ تَحْدِيدًا، وَلَكِنَّ الْمُشْكِلَةَ الْوَحِيدَةَ هِيَ أَنَّ الْعُشْبَ يَنْمُو عَلَى مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ لِلْغَايَةِ عَنْ بَيْتِ داني، وَلِكَيْ يَصِلَ إِلَيْهِ فَعَلَيْهِ الْمُرُورُ عَبْرَ مَنْطِقَةٍ مَكْشُوفَةٍ تَكُونُ بِهَا الْأَعْشَابُ قَصِيرَةً لِلْغَايَةِ؛ وَمِنْ ثَمَّ لَنْ يَتَمَكَّنَ مِنَ الْمُرُورِ مِنْ تَحْتِهَا.

قَالَ داني لِنَفْسِهِ وَهُوَ يَخْطُو بِحَيَوِيَّةٍ: «أَشْعُرُ فِي أَعْمَاقِي أَنَّ الْيَوْمَ سَوْفَ يَكُونُ يَوْمًا مُثِيرًا، أَظُنُّ لَوْ أَنَّنِي أَنْعَمُ بِالْفِعْلِ بِرَجَاحَةِ الْعَقْلِ لَبَقِيتُ بِالْقُرْبِ مِنَ الْمَنْزِلِ وَتَدَبَّرْتُ أَمْرِي دُونَ الْحَاجَةِ لِهَذِهِ الْبُذُورِ اللَّذِيذَةِ، إِلَّا أَنْ لَا شَيْءَ يَسْتَحِقُّ الِاقْتِنَاءَ حَقًّا مَا لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعَمَلَ مِنْ أَجْلِهِ، وَتِلْكَ الْبُذُورُ سَيَكُونُ مَذَاقُهَا أَحْلَى بِكَثِيرٍ إِذَا وَاجَهْتُ مَشَقَّةً فِي الْحُصُولِ عَلَيْهَا.»

وَهَكَذَا كَانَ يَخْطُو بِحَيَوِيَّةٍ عَبْرَ مَمَرِّهِ الصَّغِيرِ السِّرِّيِّ، مُلْقِيًا سَمْعَهُ وَفَاتِحًا عَيْنَيْهِ عَنْ آخِرِهِمَا، وَيَشْتَمُّ أَنْفُهُ الدَّقِيقُ بِحَذَرٍ كُلَّ نَسْمَةٍ صَغِيرَةٍ مَرِحَةٍ تَأْتِي، عَسَى أَنْ تَحْمِلَ أَيَّةَ رَائِحَةٍ لِلْخَطَرِ. وَكَانَ اعْتِمَادُهُ بِالْأَسَاسِ عَلَى أُذُنَيْهِ؛ حَيْثُ كَانَ الْعُشْبُ طَوِيلًا لِلْغَايَةِ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ رُؤْيَةِ مَا حَوْلَهُ حَتَّى حِينَ يَنْهَضُ وَاقِفًا. وَلَمْ يَكُنْ قَدِ اجْتَازَ سِوَى مَسَافَةٍ بَسِيطَةٍ حِينَ ظَنَّ أَنَّهُ سَمِعَ حَفِيفًا غَرِيبًا مِنْ خَلْفِهِ. وَتَوَقَّفَ لِكَيْ يَسْمَعَ، هَا هُوَ يَصْدُرُ ثَانِيَةً، وَبِالتَّأْكِيدِ كَانَ الصَّوْتُ يَأْتِي مِنَ الطَّرِيقِ مِنْ خَلْفِهِ بِالضَّبْطِ! وَلَمْ يَكُنْ فِي حَاجَةٍ لِأَنْ يُخْبِرَهُ أَحَدٌ مَنِ الَّذِي كَانَ يَصْدُرُ عَنْهُ هَذَا الصَّوْتُ؛ فَهُنَاكَ مَخْلُوقٌ وَاحِدٌ فَقَطْ يُمْكِنُ أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُ مِثْلُ هَذَا الصَّوْتِ: الثُّعْبَانُ الْأَسْوَدُ.

الْآنَ يُمْكِنُ لِداني أَنْ يَجْرِيَ بِسُرْعَةٍ شَدِيدَةٍ بِطُولِ مَمَرِّهِ الصَّغِيرِ السِّرِّيِّ، لَكِنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ الثُّعْبَانَ الْأَسْوَدَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَرْكُضَ أَسْرَعَ مِنْهُ. وَجَالَ فِي خَاطِرِ داني وَهُوَ يَنْطَلِقُ بِأَقْصَى سُرْعَةٍ لَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ: «إِنْ لَمْ تَتَمَكَّنْ أَرْجُلِي مِنْ إِنْقَاذِي؛ فَعَلَى بَدِيهَتِي أَنْ تُنْقِذَنِي، يَجِبُ أَنْ أَصِلَ إِلَى عَمُودِ السِّيَاجِ الْأَجْوَفِ الْقَدِيمِ الْمُتَدَاعِي هُنَاكَ.»

وَكَادَتْ أَنْفَاسُهُ أَنْ تَتَوَقَّفَ حِينَ وَصَلَ إِلَى الْعَمُودِ وَهَرْوَلَ إِلَى دَاخِلِ النِّهَايَةِ الْمَفْتُوحَةِ. وَكَانَ يُمَيِّزُ مِنْ صَوْتِ الْحَفِيفِ أَنَّ الثُّعْبَانَ الْأَسْوَدَ وَصَلَ عِنْدَ كَعْبَيْهِ بِالضَّبْطِ. وَالْآنَ فَإِنَّ الْعَمُودَ الْقَدِيمَ كَانَ أَجْوَفَ بِالْكَامِلِ بِاسْتِثْنَاءِ فَتْحَةٍ قَدِيمَةٍ فِي الْمُنْتَصَفِ تَكْفِي بِالْكَادِ كَيْ يَتَسَلَّلَ مِنْهَا داني. وَلَمْ يَكُنِ الثُّعْبَانُ الْأَسْوَدُ يَعْلَمُ أَيَّ شَيْءٍ بِشَأْنِ تِلْكَ الْفَتْحَةِ، وَبِسَبَبِ الْعَتَمَةِ دَاخِلَ الْعَمُودِ الْقَدِيمِ، لَمْ يَرَ داني وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْهَا، وَجَرَى داني عَائِدًا مِنْ فَوْقِ الْجِذْعِ، وَفِي اللَّحْظَةِ الْمُنَاسِبَةِ بِالضَّبْطِ، لِيَرَى طَرَفَ ذَيْلِ الثُّعْبَانِ الْأَسْوَدِ وَهُوَ يَخْتَفِي فِي الدَّاخِلِ. ثُمَّ مَاذَا فَعَلَ داني بِرَأْيِكَ؟ تَتَبَّعَ داني الثُّعْبَانَ الْأَسْوَدَ إِلَى دَاخِلِ الْعَمُودِ الْقَدِيمِ، لَكِنَّهُ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ لَمْ يَصْدُرْ عَنْهُ أَدْنَى صَوْتٍ.

وَاسْتَمَرَّ الثُّعْبَانُ الْأَسْوَدُ فِي طَرِيقِهِ عَبْرَ الْعَمُودِ الْقَدِيمِ وَخَرَجَ مِنَ النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى؛ حَيْثُ كَانَ وَاثِقًا مِنْ أَنَّ هَذَا هُوَ الطَّرِيقُ الَّذِي سَلَكَهُ داني. وَاسْتَمَرَّ فِي طَرِيقِهِ بِطُولِ الْمَمَرِّ الصَّغِيرِ. وَفِي هَذَا الْوَقْتِ أَدْرَكَ داني أَنَّهُ لَنْ يَطُولَ بِهِ الْوَقْتُ قَبْلَ أَنْ يَكْتَشِفَ أَنَّهُ قَدْ خُدِعَ، وَبِطَبِيعَةِ الْحَالِ فَسَوْفَ يَعُودُ. لِذَا انْتَظَرَ داني لِفَتْرَةٍ بَسِيطَةٍ فَقَطْ كَيْ يَلْتَقِطَ أَنْفَاسَهُ، ثُمَّ جَرَى عَائِدًا بِطُولِ الْمَمَرِّ إِلَى حَيْثُ يَتَفَرَّعُ مَمَرٌّ صَغِيرٌ آخَرُ. وَتَوَقَّفَ داني لِدَقِيقَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ.

وَتَبَادَرَ إِلَى ذِهْنِ داني: «إِذَا تَبِعَنِي الثُّعْبَانُ الْأَسْوَدُ، فَسَوْفَ يَكُونُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ تَوَقُّعِهِ بِأَنِّي بِلَا شَكٍّ قَدْ سَلَكْتُ ذَلِكَ الْمَمَرَّ الصَّغِيرَ الْآخَرَ؛ لِذَا فَهَذَا مَا لَنْ أَفْعَلَهُ.»

ثُمَّ جَرَى داني أَسْرَعَ مِنْ أَيِّ وَقْتٍ مَضَى، إِلَى أَنْ وَصَلَ إِلَى مَكَانٍ يَتَفَرَّعُ مِنْهُ مَمَرَّانِ صَغِيرَانِ، أَحَدُهُمَا يَتَّجِهُ إِلَى الْيَمِينِ وَالْآخَرُ إِلَى الْيَسَارِ. فَسَلَكَ الْمَمَرَّ الثَّانِيَ وَانْطَلَقَ بِسُرْعَةٍ، وَبِحُلُولِ هَذَا الْوَقْتِ أَصْبَحَ مِنَ الْمُؤَكَّدِ أَنَّ الثُّعْبَانَ الْأَسْوَدَ سَوْفَ يَتَأَكَّدُ مِنْ أَنَّهُ خُدِعَ؛ مِمَّا سَيَجْعَلُهُ يَنْسَحِبُ مِنَ الْمُطَارَدَةِ. وَكَانَ داني مُحِقًّا.

الْحِكْمَةُ أَفْضَلُ كَثِيرًا مِنَ السُّرْعَةِ،
الْحُكَمَاءُ اتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ مُنْذُ فَتْرَةٍ.

قَالَ داني ذَلِكَ بَيْنَمَا يُسْرِعُ فِي طَرِيقِهِ نَحْوَ بُذُورِ الْأَعْشَابِ الَّتِي يُحِبُّهَا كَثِيرًا، وَأَضَافَ: «شَعَرْتُ فِي أَعْمَاقِي أَنَّ الْيَوْمَ سَوْفَ يَكُونُ يَوْمًا مُثِيرًا. وَأَتَسَاءَلُ: مَا ذَا الَّذِي سَيَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ؟»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤