ريدي الثَّعْلَبُ يَفْقِدُ صَوَابَهُ
أَمْسَكَ ريدي الثَّعْلَبُ بِداني فَأْرِ الْمُرُوجِ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُمْسِكْ بِهِ بَعْدُ؛ فَهُوَ قَدْ وَجَدَ داني مُخْتَبِئًا دَاخِلَ عُلْبَةِ الطَّمَاطِمِ الْقَدِيمَةِ، لَكِنَّهَا لَمْ تَتَّسِعْ لِرَأْسِ ريدي؛ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُخْرِجَ داني خَارِجَ الْعُلْبَةِ حِينَ أَرَادَ. وَلَمْ يَكُنْ ريدي عَلَى عَجَلَةٍ مِنْ أَمْرِهِ؛ فَهُوَ قَدْ تَنَاوَلَ وَجْبَةَ الْإِفْطَارِ مِنَ الْجَرَادِ، وَكَانَتْ لَذِيذَةً لِلْغَايَةِ؛ وَلِذَا فَكَّرَ ريدي فِي تَعْذِيبِ داني لِبَعْضِ الْوَقْتِ قَبْلَ أَنْ يَلْتَهِمَهُ عَنْ آخِرِهِ. وَرَقَدَ كَيْ يَتَمَكَّنَ مِنَ النَّظَرِ عَبْرَ الْفَتْحَةِ فِي نِهَايَةِ الْعُلْبَةِ الْقَدِيمَةِ وَيَرَى داني وَهُوَ يُحَاوِلُ أَنْ يَنْكَمِشَ عَلَى نَفْسِهِ لِأَقْصَى دَرَجَةٍ فِي النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى مِنَ الْعُلْبَةِ. وَابْتَسَمَ ريدي ابْتِسَامَةً وَاسِعَةً حَتَّى تَكَشَّفَتْ أَسْنَانُهُ الطَّوِيلَةُ كُلُّهَا؛ فَدَائِمًا مَا يَكُونُ ريدي شِرِّيرًا، وَبِخَاصَّةٍ حِينَ تَكُونُ ضَحِيَّتُهُ أَصْغَرَ مِنْهُ وَأَضْعَفَ مِنْهُ بِكَثِيرٍ.
وَتَهَكَّمَ ريدي قَائِلًا: «لَقَدْ نِلْتُ مِنْكَ هَذِهِ الْمَرَّةَ أَيُّهَا الْمُتَحَاذِقُ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟!»
وَلَمْ يَقُلْ داني أَيَّ شَيْءٍ.
وَأَكْمَلَ ريدي كَلَامَهُ قَائِلًا: «تَظُنُّ أَنَّكَ كُنْتَ بَارِعًا لِلْغَايَةِ لِأَنَّكَ خَدَعْتَنِي مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟! حَسَنًا؛ هَذِهِ الْمَرَّةَ قَدْ نِلْتُ مِنْكَ حَيْثُ لَنْ تُجْدِيَ حِيَلُكَ؛ فَمَاذَا أَنْتَ فَاعِلٌ إِذَنْ فِي هَذَا الشَّأْنِ؟!»
وَلَمْ يُجِبْهُ داني. فَالْحَقِيقَةُ أَنَّ داني كَانَ مَذْعُورًا لِدَرَجَةِ أَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِجَابَةِ، كَمَا أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ مَاذَا يَسَعُهُ أَنْ يَفْعَلَ. لِذَا ظَلَّ سَاكِنًا وَحَسْبُ، لَكِنَّهُ لَمْ يُبْعِدْ عَيْنَيْهِ اللَّامِعَتَيْنِ قَطُّ عَنْ وَجْهِ ريدي الْقَاسِي. فَمَعَ كُلِّ رُعْبِهِ، كَانَ داني يُفَكِّرُ جَاهِدًا، وَقَدْ كَانَ فِي مَوَاقِفَ عَصِيبَةٍ مِنْ قَبْلُ، وَقَدْ تَعَلَّمَ أَلَّا يَفْقِدَ الْأَمَلَ أَبَدًا؛ فَعَسَى أَنْ يَحْدُثَ شَيْءٌ مَا يُخِيفُ ريدي وَيُبْعِدُهُ. وَعَلَى أَيِّ حَالٍ، عَلَى ريدي أَنْ يُخْرِجَهُ خَارِجَ الْعُلْبَةِ الْقَدِيمَةِ قَبْلَ أَنْ يُقِرَّ داني أَنَّ ريدي أَمْسَكَ بِهِ بِالْفِعْلِ.
لِوَقْتٍ طَوِيلٍ رَقَدَ ريدي هُنَاكَ وَهُوَ يَلْعَقُ قَوَاطِعَهُ وَيَقُولُ كُلَّ شَيْءٍ يَخْطُرُ عَلَى بَالِهِ وَمِنْ شَأَنِهِ إِخَافَةُ داني فَأْرِ الْمُرُوجِ الْمِسْكِينِ. وَفِي النِّهَايَةِ، أَصَابَهُ السَّأَمُ وَحَسَمَ أَمْرَهُ أَنَّ الْوَقْتَ قَدْ حَانَ لِيُنْهِيَ الْمَسْأَلَةَ وَيَنْتَهِيَ مِنْ داني فَأْرِ الْمُرُوجِ فِي نَفْسِ الْوَقْتِ. وَدَفَعَ بِأَنْفِهِ الْمُدَبَّبِ إِلَى دَاخِلِ الْفَتْحَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي نِهَايَةِ الْعُلْبَةِ الْقَدِيمَةِ، وَلَكِنَّ الْفَتْحَةَ كَانَتْ صَغِيرَةً جِدًّا عَلَيْهِ وَلَمْ تَكْفِ إِلَّا لِدُخُولِ أَنْفِهِ فَقَطْ، وَلَمْ يَنَلْ سِوَى جَرْحِ أَنْفِهِ فِي الْحَوَافِّ الْحَادَّةِ دُونَ حَتَّى أَنْ يَلْمِسَ داني.
قَالَ ريدي وَهُوَ يَدْفَعُ بِإِحْدَى يَدَيْهِ السَّوْدَاوَيْنِ إِلَى دَاخِلِ الْعُلْبَةِ: «سَوْفَ أَجْذِبُكَ.»
وَفِي الْحَالِ قَامَ داني بِعَضِّ يَدِهِ بِمُنْتَهَى الْقُوَّةِ حَتَّى صَرَخَ ريدي مِنَ الْأَلَمِ وَجَذَبَهَا إِلَى الْخَارِجِ بِسُرْعَةٍ. وَبَعْدَهَا حَاوَلَ ثَانِيَةً مُسْتَخْدِمًا يَدَهُ الْأُخْرَى. وَعَضَّهَا داني بِقُوَّةٍ أَكْبَرَ جَعَلَتْ ريدي يَتَلَوَّى مِنَ الْأَلَمِ وَالْغَضَبِ، ثُمَّ فَقَدَ صَوَابَهُ تَمَامًا — وَمِنَ الْحُمْقِ الشَّدِيدِ أَنْ تَفْقِدَ صَوَابَكَ، بَلْ إِنَّهُ مِنْ أَحْمَقِ مَا يَكُونُ أَنْ تَفْقِدَ صَوَابَكَ — وَضَرَبَ الْعُلْبَةَ الْقَدِيمَةَ، وَتَدَحْرَجَتْ بَعِيدًا وَداني فَأْرُ الْمُرُوجِ بِدَاخِلِهَا. وَيَبْدُو أَنَّ هَذَا أَغْضَبَ ريدي غَايَةَ الْغَضَبِ. وَانْطَلَقَ خَلْفَهَا وَضَرَبَهَا ثَانِيَةً، ثُمَّ قَذَفَ بِهَا فِي الْبِدَايَةِ فِي اتِّجَاهٍ مَا ثُمَّ فِي اتِّجَاهٍ آخَرَ، وَغَضَبُهُ يَتَزَايَدُ أَكْثَرَ وَأَكْثَرَ. وَطَوَالَ هَذَا الْوَقْتِ اسْتَطَاعَ داني فَأْرُ الْمُرُوجِ أَنْ يَظَلَّ فِي الدَّاخِلِ، مَعَ أَنَّهُ كَانَ يَتَخَبَّطُ بِعُنْفٍ.
وَأَخَذَ ريدي يُطِيحُ بِالْعُلْبَةِ الْقَدِيمَةِ هُنَا وَهُنَاكَ عَبْرَ رُقْعَةِ الْأَعْشَابِ الْقَصِيرَةِ، وَقَدْ بَلَغَ بِهِ الْغَضَبُ مَبْلَغَهُ، حَتَّى إِنَّهُ لَمْ يَلْحَظْ إِلَى أَيْنَ كَانَ يُطِيحُ بِالْعُلْبَةِ. وَفِي النِّهَايَةِ أَطَاحَ بِالْعُلْبَةِ وَهِيَ تَدُورُ إِلَى دَاخِلِ مَنْطِقَةِ الْأَعْشَابِ الطَّوِيلَةِ عِنْدَ الطَّرَفِ الْبَعِيدِ مِنَ الرُّقْعَةِ الْمَكْشُوفَةِ بِالْقُرْبِ مِنْ أَحَدِ مَمَرَّاتِ داني الصَّغِيرَةِ السِّرِّيَّةِ. وَبِسُرْعَةِ الْبَرْقِ خَرَجَ داني وَانْطَلَقَ بِطُولِ الْمَمَرِّ الصَّغِيرِ، وَتَحَرَّكَ فِي مُرَاوَغَةٍ إِلَى دَاخِلِ مَمَرٍّ آخَرَ. وَبَعْدَ قَلِيلٍ، دَخَلَ مَمَرًّا ثَالِثًا يَقُودُ إِلَى شَرَكٍ مِنَ السِّلْكِ الْمُسَنَّنِ كَانَ الْمُزَارِعُ براون قَدْ تَرَكَهُ هُنَاكَ حِينَ قَامَ بِبِنَاءِ سُورٍ جَدِيدٍ. وَمِنْ أَسْفَلِهِ كَانَ داني آمِنًا.
وَصَاحَ داني وَهُوَ يَتَنَفَّسُ بِصُعُوبَةٍ بَالِغَةٍ قَائِلًا: «يَاهْ! كَانَ هَذَا أَصْعَبَ فِرَارٍ حَتَّى الْآنَ! وَمَعَ هَذَا أَظُنُّ أَنَّنِي سَوْفَ أَحْصُلُ عَلَى بُذُورِ الْأَعْشَابِ الْمُمَيَّزَةِ هَذِهِ، الَّتِي اجْتَهَدْتُ مِنْ أَجْلِهَا رَغْمَ كُلِّ شَيْءٍ.»
وَهَذَا مَا قَدْ فَعَلَهُ، فِي حِينِ لَمْ يَزَلْ ريدي الثَّعْلَبُ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا يَتَسَاءَلُ كَيْفَ خَرَجَ داني مِنْ عُلْبَةِ الطَّمَاطِمِ الْقَدِيمَةِ دُونَ أَنْ يَدْرِيَ.
وَقَدْ حَظِيَ داني بِالْمَزِيدِ وَالْمَزِيدِ مِنَ الْمُغَامَرَاتِ الشَّائِقَةِ، وَلَكِنْ لَنْ تَتَّسِعَ الصَّفَحَاتُ لِلْحَدِيثِ عَنْهَا هَا هُنَا.