الفصل الخامس

مَاذَا حَدَثَ فِي الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ؟

تَوَالَتِ الْأَحْدَاثُ الْحَرِجَةُ سَرِيعًا مَعَ داني فَأْرِ الْمُرُوجِ أَسْفَلَ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ الْمَكْسُوَّةِ بِالْجَلِيدِ، أَوْ بِالْأَحْرَى تَكَادُ أَنْ تَحْدُثَ. وَلَمْ يَكُنْ داني يُبَالِي كَثِيرًا حِينَ كَانَ الثَّعْلَبُ ريدي بِمُفْرَدِهِ يُحَاوِلُ الْإِمْسَاكَ بِهِ، بَلْ إِنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ جَعَلَ مِنْهَا لُعْبَةَ غُمَّيْضَةٍ مُعْتَادَةً وَاسْتَمْتَعَ بِهَا كَثِيرًا. أَمَّا الْآنَ فَالْوَضْعُ مُخْتَلِفٌ، وَلَمْ يَكُنْ مِنَ السَّهْلِ خِدَاعُ الْجَدَّةِ ثعلبة مِثْلَمَا الْحَالُ مَعَ ريدي. فَوَحْدَهَا الْجَدَّةُ وَبِمُفْرَدِهَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَجْعَلَ اللُّعْبَةَ خَطِرَةً عَلَى داني فَأْرِ الْمُرُوجِ، وَلَكِنَّ ريدي كَانَ يُرَافِقُهَا، وَهَكَذَا كَانَ أَمَامَ داني اثْنَانِ كَيْ يَحْذَرَ مِنْهُمَا، وَأَصَابَهُ الْفَزَعُ عِدَّةَ مَرَّاتٍ حَتَّى خُيِّلَ إِلَيْهِ كَمَا لَوْ كَانَ قَلْبُهُ قَفَزَ وَبَلَغَ حَنْجَرَتَهُ وَلَنْ يَعُودَ إِلَى مَوْضِعِهِ مَرَّةً أُخْرَى. أَجَلْ يَا سَيِّدِي، هَكَذَا بَدَا الْأَمْرُ بِالضَّبْطِ.

هُنَاكَ بِالْأَسْفَلِ فِي أَنْفَاقِهِ الصَّغِيرَةِ تَحْتَ الْجَلِيدِ شَعَرَ داني فَأْرُ الْمُرُوجِ بِالْأَمَانِ التَّامِّ مِنْ جَانِبِ الثَّعْلَبِ ريدي الَّذِي قَدْ يَتَوَقَّفُ وَيَحْفُرُ بِجُنُونٍ عِنْدَ الْفَتْحَةِ الدَّائِرِيَّةِ الصَّغِيرَةِ حَيْثُ رَأَى داني آخِرَ مَرَّةٍ. وَلَكِنَّ الْجَدَّةَ ثعلبة الْعَجُوزَ عَرَفَتْ كُلَّ شَيْءٍ عَنْ تِلْكَ الْأَنْفَاقِ الصَّغِيرَةِ، وَلَمْ تُضِعْ أَيَّ وَقْتٍ فِي الْحَفْرِ عِنْدَ الْفَتَحَاتِ، بَلْ أَمَالَتْ أُذُنَيْهَا الصَّغِيرَتَيْنِ حَادَّتَيِ السَّمْعِ وَحَاوَلَتْ جَاهِدَةً أَنْ تَسْتَمِعَ. وَهَكَذَا فَالْجَدَّةُ ثعلبة بِمَا لَدَيْهَا مِنْ أُذُنَيْنِ مُرْهَفَتَيْنِ لِلْغَايَةِ، بِالتَّأْكِيدِ أُذُنَانِ مُرْهَفَتَا السَّمْعِ لِلْغَايَةِ، سَمِعَتْ بِالضَّبْطِ مَا تَمَنَّتْ أَنْ تَسْمَعَهُ، سَمِعَتْ داني فَأْرَ الْمُرُوجِ وَهُوَ يَجْرِي بِطُولِ أَحَدِ أَنْفَاقِهِ الصَّغِيرَةِ أَسْفَلَ الْجَلِيدِ.

ثُمَّ اخْتَرَقَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ الثُّلُوجَ دَاخِلَ نَفَقِ داني فَأْرِ الْمُرُوجِ مُبَاشَرَةً، بَلْ إِنَّ قَدَمَيْهَا السَّوْدَاوَيْنِ لَامَسَتَا ذَيْلَ داني بِالْفِعْلِ. وَحِينَهَا فَرِحَ داني لِأَنَّ ذَيْلَهُ لَيْسَ طَوِيلًا.

صَاحَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة: «أَخْ! كِدْتُ أَنْ أُمْسِكَ بِهِ هَذِهِ الْمَرَّةَ!»

ثُمَّ جَرَتْ إِلَى الْأَمَامِ لِمَسَافَةٍ بَسِيطَةٍ فَوْقَ الثُّلُوجِ، وَأَخَذَتْ تَسْتَمِعُ مِثْلَمَا فَعَلَتْ مِنْ قَبْلُ. ثُمَّ اخْتَرَقَتِ الثُّلُوجَ مِنْ جَدِيدٍ. وَلِحُسْنِ حَظِّهِ كَانَ داني قَدِ انْعَطَفَ لِتَوِّهِ فِي نَفَقٍ آخَرَ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَتَمَكَّنَتِ الْجَدَّةُ مِنَ الْإِمْسَاكِ بِهِ بِكُلِّ تَأْكِيدٍ.

زَفَرَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الثُّلُوجَ مِنْ أَنْفِهَا، وَقَالَتْ: «سَأُمْسِكُ بِهِ الْمَرَّةَ الْقَادِمَةَ!»

كَانَ الثَّعْلَبُ ريدي سَرِيعَ التَّعَلُّمِ، وَبِخَاصَّةٍ حِينَ يَكُونُ مَا يَتَعَلَّمُهُ يَتَعَلَّقُ بِطَرِيقَةٍ يَحْصُلُ بِهَا عَلَى شَيْءٍ لِيَأْكُلَهُ. فَرَاقَبَ الْجَدَّةَ ثعلبة، وَحِينَ فَهِمَ مَا كَانَتْ تَفْعَلُهُ، عَزَمَ أَنْ يُحَاوِلَ بِنَفْسِهِ؛ إِذْ كَانَ يَخْشَى فِي حَالِ أَمْسَكَتِ الْجَدَّةُ بِداني فَأْرِ الْمُرُوجِ، فَسَوْفَ تُفَكِّرُ أَنَّهُ لَيْسَ كَبِيرًا بِمَا يَكْفِي كَيْ تَقْتَسِمَهُ مَعَهُ، وَرُبَّمَا السَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ ريدي نَفْسَهُ شَدِيدُ الْأَنَانِيَةِ. وَلِذَا عِنْدَ الْمَرَّةِ التَّالِيَةِ الَّتِي اخْتَرَقَتْ فِيهَا الْجَدَّةُ الثُّلُوجَ وَلَمْ تَسْتَطِعِ الْإِمْسَاكَ بِداني فَأْرِ الْمُرُوجِ كَمَا سَبَقَ، انْدَفَعَ ريدي أَمَامَهَا، وَلَحْظَةَ سَمَاعِهِ لِداني وَهُوَ يَرْكُضُ تَحْتَهُ بِالْأَسْفَلِ، اخْتَرَقَ الثُّلُوجَ تَمَامًا كَمَا رَأَى الْجَدَّةَ تَفْعَلُ. وَلَكِنَّهُ لَمْ يَتَكَبَّدْ عَنَاءَ التَّيَقُّنِ مِنْ مَكَانِ داني بِالضَّبْطِ، وَهَكَذَا بِالطَّبْعِ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الِاقْتِرَابِ مِنْ مَكَانِ داني، إِلَّا أَنَّهُ أَصَابَ داني بِالذُّعْرِ أَكْثَرَ كَمَا جَعَلَ الْجَدَّةَ ثعلبة الْعَجُوزَ تَفْقِدُ صَوَابَهَا.

مِسْكِينٌ داني فَأْرُ الْمُرُوجِ! لَمْ يَخَفْ قَطُّ إِلَى هَذَا الْحَدِّ فِي حَيَاتِهِ كُلِّهَا، وَلَمْ يَدْرِ فِي أَيِّ طَرِيقٍ يَنْعَطِفُ وَلَا أَيْنَ يَجْرِي. وَهَكَذَا بَقِيَ سَاكِنًا، وَكَانَ هَذَا — مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ — أَفْضَلَ مَا يُمْكِنُ عَمَلُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ فَحِينَ جَلَسَ سَاكِنًا لَمْ يَصْدُرْ عَنْهُ أَيُّ صَوْتٍ، وَهَكَذَا بِالطَّبْعِ لَمْ تَتَمَكَّنِ الْجَدَّةُ أَوْ ريدي الثَّعْلَبُ مِنْ مَعْرِفَةِ مَكَانِهِ. وَجَلَسَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ تُصْغِي أَكْثَرَ وَأَكْثَرَ، وَتَسَاءَلَتْ أَيْنَ هُوَ داني فَأْرُ الْمُرُوجِ. وَهُنَاكَ بِالْأَسْفَلِ تَحْتَ الثُّلُوجِ جَلَسَ داني فَأْرُ الْمُرُوجِ يُصْغِي أَكْثَرَ وَأَكْثَرَ، وَتَسَاءَلَ أَيْنَ الْجَدَّةُ ثعلبة وَالثَّعْلَبُ ريدي.

قَالَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة بَعْدَ فَتْرَةٍ: «سُحْقًا! فَأْرُ الْمُرُوجِ هَذَا يَظُنُّ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى خِدَاعِي بِبَقَائِهِ سَاكِنًا. سَوْفَ أُرَوِّعُهُ.»

ثُمَّ بَدَأَتْ تَغُوصُ دَاخِلَ الْجَلِيدِ هُنَا وَهُنَاكَ، وَكَمَا هُوَ مُتَوَقَّعٌ، وَبَعْدَ قَلِيلٍ هَبَطَتْ عَلَى مَقْرُبَةٍ شَدِيدَةٍ مِنْ داني فَأْرِ الْمُرُوجِ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَ مَخَالِبِهَا أَصَابَهُ بِجُرْحٍ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤