الفصل التاسع

الْإِمْسَاكُ بِداني فَأْرِ الْمُرُوجِ أَخِيرًا

تِيرَا تَارَا تَارَا،
أَلْعَبُ وَأَمْرَحُ فِي الْجَلِيدِ!
الْآنَ تَرَانِي! الْآنَ لَا تَرَانِي!
تَظُنُّ أَنَّكَ سَتُمْسِكُ بِي؟! لَنْ تُمْسِكَنِي!
تِيرَا تَارَا تَارَا،
كَمْ هُوَ مُمْتِعٌ اللَّعِبُ فِي الْجَلِيدِ!

تَغَنَّى بِذَلِكَ داني فَأْرُ الْمُرُوجِ، أَوْ عَلَى الْأَقَلِّ حَاوَلَ أَنْ يُغَنِّيَهَا بَيْنَمَا تَقَافَزَ فَوْقَ الْجَلِيدِ الَّذِي يُغَطِّي الْمُرُوجَ الْخَضْرَاءَ، غَيْرَ أَنَّ داني فَأْرَ الْمُرُوجِ كَانَ لَهُ صَوْتٌ ضَعِيفٌ، صَوْتٌ حَادٌّ ضَعِيفٌ وَغَرِيبٌ، فَإِذَا سَمِعْتَهُ، فَإِنَّكَ عَلَى الْأَرْجَحِ لَنْ تَظُنَّ أَبَدًا أَنَّهُ كَانَ يُغَنِّي، فِي حِينِ ظَنَّ هُوَ أَنَّهُ كَانَ يُغَنِّي بَلْ وَيَسْتَمْتِعُ بِغِنَائِهِ تَمَامًا كَمَا لَوْ كَانَ يَمْتَلِكُ أَحْلَى صَوْتٍ فِي الدُّنْيَا. فَكَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ الْغِنَاءَ مَا هُوَ إِلَّا سَعَادَةٌ فِي الْقَلْبِ تَغْدُو مَسْمُوعَةً.

أَجَلْ؛ بِالتَّأْكِيدِ كَانَ داني فَأْرُ الْمُرُوجِ سَعِيدًا! وَلِمَ لَا يَكُونُ سَعِيدًا؟! أَلَمْ يُثْبِتْ أَنَّهُ أَذْكَى مِنَ الْجَدَّةِ ثعلبة الْعَجُوزِ؟ وَهَذَا كَفِيلٌ بِإِسْعَادِ أَيِّ أَحَدٍ؛ فَالْبَعْضُ قَدْ يَخْدَعُ الْجَدَّةَ ثعلبة مَرَّةً، وَالْبَعْضُ قَدْ يَخْدَعُهَا مَرَّتَيْنِ، لَكِنَّ قِلَّةً قَلِيلَةً تَمَكَّنَتْ مِنَ الِاسْتِمْرَارِ فِي خِدَاعِ الْجَدَّةِ إِلَى أَنِ اسْتَسْلَمَتْ بِاشْمِئْزَازٍ. وَهَذَا بِالضَّبْطِ مَا فَعَلَهُ داني فَأْرُ الْمُرُوجِ، فَأَدْرَكَ ذَكَاءَهُ الْحَادَّ؛ وَبِالطَّبْعِ أَحَسَّ بِالْفَرْحَةِ الْغَامِرَةِ.

وَهَكَذَا تَغَنَّى داني بِأُغْنِيَتِهِ الْقَصِيرَةِ، وَتَقَافَزَ فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ، وَتَحَرَّكَ بِمُرَاوَغَةٍ دَاخِلًا وَخَارِجًا مِنْ فَتَحَاتِهِ الدَّائِرِيَّةِ الصَّغِيرَةِ، وَظَلَّ طَوَالَ الْوَقْتِ فَاتِحًا عَيْنَيْهِ الصَّغِيرَتَيْنِ الْحَادَّتَيْنِ لِالْتِقَاطِ أَيِّ أَثَرٍ لِلْجَدَّةِ ثعلبة أَوِ الثَّعْلَبِ ريدي. لَكِنْ مَعَ كُلِّ ذَكَائِهِ، نَسِيَ داني شَيْئًا. أَجَلْ يَا سَيِّدِي، نَسِيَ داني شَيْئًا وَاحِدًا، نَسِيَ أَنْ يُرَاقِبَ السَّمَاءَ. فَهُوَ يَعْلَمُ بِلَا شَكٍّ أَنَّ الصَّقْرَ الْعَجُوزَ مريش الساقين نَائِمٌ؛ لِذَا فَقَدْ أَمِنَ جَانِبَهُ. وَلَكِنْ لَمْ يُفَكِّرْ قَطُّ فِي الْبُومَةِ هوتي.

وَا أَسَفَاهُ! وَا أَسَفَاهُ! النِّسْيَانُ عَادَةٌ مُرِيعَةٌ، وَلَوْ لَمْ يَنْسَ أَيُّ مَخْلُوقٍ شَيْئًا، لَكَادَتِ الدُّنْيَا أَنْ تَخْلُوَ مِنَ الْكَثِيرِ مِنْ مَشَاكِلِهَا. أَجَلْ فِي الْحَقِيقَةِ، لَكَادَتْ أَنْ تَنْتَهِيَ الْكَثِيرُ مِنَ الْمَشَاكِلِ. وَداني فَأْرُ الْمُرُوجِ نَسِيَ؛ فَقَفَزَ وَغَنَّى، وَكَانَ فِي مُنْتَهَى السَّعَادَةِ، وَلَمْ يُفَكِّرْ قَطُّ فِي أَنْ يُرَاقِبَ السَّمَاءَ.

هُنَاكَ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ كَانَ حَظُّ الْبُومَةِ هوتي مِنَ الصَّيْدِ قَلِيلٌ، وَكَانَتْ تَشْعُرُ بِالْإِحْبَاطِ. فَكَمَا تَرَوْنَ، كَانَتْ هوتي جَائِعَةً، وَالْجُوعُ يَجْعَلُ الْفَرْدَ يَمِيلُ إِلَى الشُّعُورِ بِالْإِحْبَاطِ، وَكُلَّمَا طَالَ بَحْثُهَا عَنِ الصَّيْدِ، ازْدَادَ جُوعُهَا وَإِحْبَاطُهَا. وَفَجْأَةً خَطَرَ بِبَالِهَا داني فَأْرُ الْمُرُوجِ.

تَذَمَّرَتْ هوتي قَائِلَةً: «أَتَصَوَّرُ أَنَّهُ نَائِمٌ فِي مَكَانٍ مَا آمِنًا وَمُسْتَكِنًّا تَحْتَ الثَّلْجِ، لَكِنَّهُ رُبَّمَا — فَقَطْ رُبَّمَا — يَكُونُ فِي الْخَارِجِ لِيَمْرَحَ فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ. أَظُنُّ أَنَّنِي سَأَهْبِطُ إِلَى الْمُرُوجِ وَأَرَى.»

وَهَكَذَا وَمَعَ قُدْرَةِ الْبُومَةِ هوتي عَلَى الطَّيَرَانِ دُونَ إِصْدَارِ أَدْنَى صَوْتٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ، بَدَتْ كَمَا لَوْ كَانَتْ تَنْسَابُ فِي الْهَوَاءِ كَظِلٍّ كَبِيرٍ. وَبَسَطَتْ جَنَاحَيْهَا الْعَظِيمَيْنِ وَحَلَّقَتْ فَوْقَ الْمُرُوجِ. وَكَمَا تَعْلَمُونَ تَسْتَطِيعُ هوتي أَنْ تَرَى فِي اللَّيْلِ مِثْلَمَا تَرَى مُعْظَمُ الْمَخْلُوقَاتِ فِي النَّهَارِ، وَلَمْ يَمْضِ وَقْتٌ طَوِيلٌ حَتَّى رَأَتْ داني فَأْرَ الْمُرُوجِ يَتَقَافَزُ فَوْقَ الْجَلِيدِ وَيَتَحَرَّكُ فِي مُرَاوَغَةٍ إِلَى دَاخِلِ وَخَارِجِ الْفَتَحَاتِ الدَّائِرِيَّةِ الصَّغِيرَةِ. لَمَعَتْ عَيْنَا هوتي الْكَبِيرَتَانِ فِي شَرَاسَةٍ. وَبِلَا أَدْنَى صَوْتٍ طَارَتْ فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ حَتَّى أَصْبَحَتْ فَوْقَ داني فَأْرِ الْمُرُوجِ مُبَاشَرَةً.

نَظَرَ داني إِلَى أَعْلَى لَكِنْ بَعْدَ فَوَاتِ الْأَوَانِ، وَانْتَهَتْ أُغْنِيَتُهُ الْقَصِيرَةُ بِصَرْخَةِ خَوْفٍ حَادَّةٍ، وَاتَّجَهَ إِلَى أَقْرَبِ فَتْحَةٍ دَائِرِيَّةٍ صَغِيرَةٍ، لَكِنَّ الْبُومَةَ هوتي بَسَطَتْ مَخَالِبَهَا الطَّوِيلَةَ الْمُدَبَّبَةَ نَحْوَهُ … وَهَكَذَا أَمْسَكَتْ بِداني فَأْرِ الْمُرُوجِ فِي النِّهَايَةِ!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤