قصة الخلق

كانت أرجاء المعمورة في الأزمنة الغابرة تتجاوب فيها أساطير شتَّى، تنطوي على أجوبة غير صائبة عما يخوض فيه الناس من أسئلة واستفسارات يتصل بمبدأ الخليقة، ومنشأ الجنس البشري، وبوفود الموت على هذا العالم، وما إلى ذلك من مُعَمَّيات الوجود. ولم تكن تلك الأساطير التي يتناقلها البدائيون عامرةً بالتصورات الشعرية والتأملات الفلسفية كأساطير من تلاهم من الشعوب التي نهلت من حضارة، بل كانت تدور حول محور واحد هو سن المناسك الدينية. وقد اكتسبت تلك الأساطير ما لها من جلالة الشأن بما أحدثت في حياة الأجيال اللاحقة من آثار عميقة لم تندرس حتى الآن.

وعاد العبريون إلى أورشليم من موطن سخرتهم في بابل. وقد احتقبوا قصة تتعلق بخلق الدنيا ما لبثوا أن أحدثوا فيها من التعديلات ما يجعلها تلائم فكرتهم في الوحدانية وتؤيد منسك العطلة في اليوم السابع من أيام الأسبوع:

«لأنَّ في سنة أيام صنع الرب السماء والأرض والبحر وكل ما فيها واستراح في اليوم السابع؛ لذلك بارك الرب يوم السبت وقدَّسه»١ (خروج ٢٠: ١١).

وقد وُضعت هذه القصة لتعليل انتفاء الخلود عن الناس؛ فقد كان الناس أبد الدهر توَّاقين إلى أن يقهروا الموت ويظلوا أحياء.

وكان البدائيون يرون الحيات والأورال والحشرات (في بعض أطوارها) تنسلخ من جلودها فيعتقدون أنها بذلك تستديم الحياة، وكان يُخيل إليهم أن الطيور تنسلُ عنها ريشها فتجدد بذلك شبابها:

«فيتجدد مثل النسر شبابك» (مزمور ١٠٣: ٥).

وما زال الأهلون في بعض الجهات (غينيا الجديدة والهند الصينية وجزائر أميرال وسلبيز إلخ) يعتقدون أن الناس كانوا ذات يوم يستديمون حياتهم بتغيير جلودهم أو بدفن موتاهم في ظل شجرة معينة تُعيد إليهم الحياة بعد فترة من الزمن.

وفي قصة خطيئة آدم ما يوحي بأن الإنسان خُلق بادئ الرأي ليكون من المخلَّدين لولا ذلك الحادث الذي دفع منه فأفقده هذه المزيَّة وألقى به فريسةً أبدية للمرض والموت.

تقول القصة إن في الجنة شجرتين تمتازان من سائر أشجارها بما لهما من خصائص هامة؛ هما:

«شجرة الحياة في وسط الجنة وشجرة معرفة الخير والشر» (تكوين ٢: ٩).

وقد خوَّل الله الإنسان، بل هو أوصاه، أن يجتني ما طاب له من ثمار أشجار الجنة ما خلا شجرة واحدة هي شجرة معرفة الخير والشر:

«وأوصى الرب الإله آدم قائلًا: من جميع شجر الجنة تأكل أكلًا. وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها» (تكوين ٢: ١٦-١٧).

وإذن لم تكن ثمار شجرة الحياة حرامًا على آدم. وقد كان حريًّا أن يأكل منها لولا أن الحية صرفت انتباهه عنها إلى الثمرة المحرمة فكتبت بذلك الموت عليه وعلى بنيه أبد الآبدين.

ورثنا هذه الأسطورة عن اليهود، ثم سارت الكنيسة بها شوطًا إلى الأمام؛ إذ فسر القديس بولس النكبة التي كان مسرحها جنة عدن على نحوٍ يتفق ومذهب الفداء وييسِّر عودة الإنسان إلى الفردوس المفقود.

وتشبه قصة العبرانيين في خلق الكون ما دوَّنه البابليون من ذلك في سجلاتهم الطينية وما سجَّله المصريون على آثارهم الضخمة والهنود في معابدهم المُعْتِمة. والصورة اليهودية لهذه القصة، وإن تكن أحدث عهدًا، تقلُّ عن نظائرها من الصور الغوابر بهاءً وسموًّا، وليست لها حظها من البساطة واليسر؛ وذلك ما نراه في جلاء عندما نوازن بين قصة التوراة والقصة الهندية التي هي أقدم منها بأربعين قرنًا، وهي تقول:

خلق الكائن الأعلى آدم وثنَّى بحواء، وأسكنهما جزيرة سيلان الفاتنة ليستمتعا في مخارفها٢ بأوقات لذيذة يُزْجِيانها٣ في الحب والغزل؛ فقد اقتضت مشيئته أن يكون الزواج أبدًا مسبوقًا بالحب. ولما أظلَّهما الحب ربط الكائن الأعلى بينهما برباط الزواج وأوصاهما ألا يبرحا تلك الجزيرة، وكانت ذات رونق وبهاء، تكسو أديمها أعشابٌ نضِرة تزفزفها٤ الرياح المتناوحة٥ فتعزف أنغامًا تبذُّ أنغام القيثارة رقَّةً وعذوبة تمتزج بتغريد البلابل الصادحة والطيور الشادية على الأفنان المتمايدة.٦
وتاق آدم أن يُلقي نظرة على ما حوله فدلَف إلى طرف الجزيرة الشمالي وكان ثَمَّ معبر ضيق يصل الجزيرة بالقارة. ومد الشيطان في ناحية القارة سرابًا رقراقًا٧ صوَّر لباصِرَتَي آدم منظرًا أخَّاذًا رأى فيه قلل الجبال وقد جلَّلتها الثلوج النواصع وتدفقت منها السيول لتتكسر على الجنادل فيجيش منها الزبد، ورأى تحت سفوحها الأودية الخضراء قد انبسطت رقاعها وانسابت فيها الجداول الصافية، وقد أنضرت على ضفافها الأشجار وأينعت الثمار. وراقه ما شهد فآب إلى حليلته يُزيِّن لها أن تصحبه إلى القارة، ولم يزل بها حتى تَبِعته على هواه. بَيْدَ أنهما ما إن اجتازا ذلك العنق الضيق من الأرض حتى انهار في اليمِّ فانقطع دونهما خط الرجوع، وانقشع السراب فإذا هما لا يجدان بين أيديهما غير فيافٍ قفراء وصخورٍ صمَّاء لا بهجة فيها ولا رَواء.
هذا، ومن الملاحظ فيما يتصل بالزمن الذي أُدمجت فيه هذه القصة في سِفر التكوين أنه لم ترِد إشارة إليها في أي سِفرٍ آخر من أسفار اليهود المقدَّسة، إلا كلمة عارضة في الوصية الموسوية الرابعة الخاصة بتحريم العمل أيام السبت، وقد ذكرناها قبلُ، وهي وصية لا يتأتَّى أن يكون اليهود قد أوصوا بها إبَّان بداوتهم، حين كانوا يلبثون بياض النهار قاعدين عن كثبٍ من أغنامهم، بل يغلب أن يكون ذلك قد حدث بعد أن استقرُّوا فترةً طويلة في مدنٍ وأبنية وراء أسوار. ومهما يكن من أمرٍ فمن الثابت أن هذه القصة لم تقرع مسامع اليهود إلا بعد السبي البابلي٨ فقد كان علم بدء الخليقة٩ قائمًا عند البابليين قبل أن يُكتب سِفر التكوين بأزمان مديدة، بل قبل العصر الذي يُفرض أن موسى عاش فيه. وقد اشتمل هذا العلم على جميع الدعائم الأساسية التي تقوم عليها قصة الخلق العبرانية وعلى رأسها خلق العالم في ستة أيام وإغراء حوَّاء وغواية آدم وهم يسمونه «أدمي» وهي الصيغة الأشورية لاسم آدم ويسيمه العبرانيون «أدمة» وهو اسم مشتق من فعلٍ معناه «يحمر»١٠ وقد يكون مردُّ ذلك إلى ثرى فلسطين الأحمر.
وإذا رجعنا إلى اللغة الأكدية (وهي التي سبقت البابلية والتي كتب بها الأشوريون والعبريون في بادئ الأمر جانبًا من كتاباتهم في علم بدء الخليقة) ألفينا أن لفظ «أد» معناه أب وأن لفظ «دم» معناه أم، وبذلك يدل اسم آدم على إنسان يجمع بين الأبوة والأمومة أو بين التذكير والتأنيث. أما اسم حوَّاء فمعناه حية أو حياة.١١

وتذكر القصص الفارسية وقصص التلمود أن الله خلق بادئ الرأي امرءًا يجمع بين ذكر وأنثى ظهراهما ملتصقان ثم فصل بين الذكر والأنثى. وورد هذا المعنى في التوراة أيضًا فهي تقول: «يوم خلق الله الإنسان على شبه الله عمله ذكرًا وأنثى، خلقه وباركه ودعا اسمه آدم» (تكوين ٥: ٢).

أي إن آدم كان ذكرًا وأنثى في وقتٍ معًا١٢ وبما أن دم خُلق على مثال خالقه:

«خلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكرًا وأنثى خلقهم» (تكوين ١: ٢٧).

فإن الله — عندهم — يجمع أيضًا بين خصائص الجنسين. هذا وقد سردت أساطير الفرس قصة الخطيئة الأصلية على النحو الآتي:

كان الزوجان الأولان من البشر «مشيا» و«مشيانة» يعيشان بادئ بدءٍ عيش الطهر والبراءة، وقد عاهدهما أرمزد، خالق كل ما هو خير، على أن يديم عليهما السعادة ما استمسكا بعُرَى الفضيلة. بَيْدَ أن أهريمان، أُسُّ الرذيلة ومصدر الأذى، دسَّ عليهما شيطانًا تراءى لهما في صورة حية وعاطاهما من ثمار شجرة بهية المنظر من خصائصها أن تُضفي الخلود على الأحياء وتردَّ الحياة إلى الموتى، فتطرَّقت إلى قلبيهما نوازع الشر، وزايلهما ما كانا يتحلَّيان به من خلق رفيع، ثم ما لبث أهريمان أن سعى إليهما بنفسه في صورة الحية نفسها، ولم يزل يغرِّر بهما ويغريهما حتى اعترفا به — دون أرمزد — خالقًا لكلِّ ما هو خير، وبذلك خسرا ما كان قد اعتدَّ لهما من نعيمٍ مقيم.

وفي أساطير المصريين القدماء أن إيزيس وأوزيريس كانا يعيشان معًا في الفردوس تظلِّلهما السعادة وتحفُّ بهما الهناءة، وما فتئا في تلك الحال إلى أن استبدَّت بإيزيس الرغبة في أن تستقي، من ماء الخلود، فمضى أوزيريس يطلبه فكانت تلك عثرته.

وقد فشت أساطير كهذه في مختلف الشعوب، وكلها مُجمِعٌ على أن المرأة الأولى اقترفت الخطيئة الأولى انقيادًا للإغراء. وما يزال الناس في الشعوب المتمدنة يقولون: «فتِّشْ عن المرأة.» وإنه ليسرُّ الرجل أن يُلقِي على المرأة تَبِعَة أخطائه، والويل للضعيف.

وقد سردت لنا التوراة قصة الخلق مرتين، أو بالحَرَى، سردت لنا قصتين في خلق الكون تستقل إحداهما عن الأخرى. وقد أُلصقت كلٌّ من القصتين بالأخرى في غير لباقة. وتستوعب الأولى منها الإصحاح الأول من سِفر التكوين والآيات الثلاث الأولى من الإصحاح الثاني. وقد أُطلق على «الله» فيها لفظ «ألوهيم» بصيغة الجمع، ويبدو الله في تلك القصة إلى حدٍّ بعيد كأنه مجرَّد فكرةٍ لشيء معنوي ليس له وجود حسِّي؛ فهو قادر على أن يخلق ما يريد مكتفيًا بأن يقول: «كن.» وهذه القصة خَلَاءٌ من أية إشارة إلى جنة عدن وما جرى فيها. وقد وضع الكهنة — بعد عودتهم من بابل — هذه القصة على غرار الأسطورة السامية التي سمعوها هناك. أما القصة الثانية وهي أقدَمُ عهدًا وأوغَلُ بدائية، فهي تبدأ بالآية الرابعة من الإصحاح الثاني وتنتهي بنهاية ذلك الإصحاح،١٣ وقد صُوِّر الله فيها مُشاكلًا للإنسان في سَمْتِه وسلوكه. وقد أفاضت هذه القصة في حديث الجنة وحددت موضعها جغرافيًّا على الأرض:
«وكان نهرٌ يخرج من عدن ليسقي الجنة. ومن هناك ينقسم فيصير أربعة رءوس، اسم الواحد فيشون؛ وهو المحيط بجميع أرض الحويلة حيث الذهب. وذهب تلك الأرض جيد. هناك المُقْل وحجر الجزع. واسم النهر الثاني جيحون، هو المحيط بجميع أرض كوش.١٤ واسم النهر الثالث حداقل،١٥ وهو الجاري شرقيَّ أشور. والنهر الرابع الفرات»١٦ (تكوين ٢: ١٠–١٤).
وتختلف القصتان فيما يتصل بالمادة التي جَبَلَ الله منها الخليقة؛ ففي القصة الأولى نجد الماء هو العنصر الأول.١٧

«وروح الله يرفُّ على وجه المياه» (تكوين ١: ٢).

أي إن الله خلق من الماء كل شيء حي:

«وقال الله لتَفِضِ المياه زحافات ذات نفس حية وليَطِرْ طيرٌ فوق الأرض وعلى وجه جلد السماء. فخلق الله التنانين العظام وكل ذوات الأنفس الحية الدبابة التي فاضت بها المياه كأجناسها وكل طائر ذي جناح كجنسه» (تكوين ١: ٢٠-٢١).

أما القصة الثانية فنجد فيها أن الله خلق كل شيء من طين:

«وجبل الرب الإله من الأرض كل حيوانات البرية وكل طيور السماء» (تكوين ٢: ١٩).

وتتباين القصتان كذلك فيما يتصل بالترتيب الذي اتخذه الكائن الأعلى في خلق الكون خلال ستة أيام كما هو مبيَّن فيما يلي:

في اليوم في القصة الأولى وهي التي كتبها الكهنة بعد السبي البابلي في القصة الثانية وهي أقدم عهدًا
١ خلق السموات والأرض والنور والظُّلمة. خلق السموات والأرض.
٢ خلق الجلد وجعل بعض المياه فوقه وبعضها تحته. كان ينبثق من الأرض ضباب يسقي أديمها.
٣ اجتمعت المياه التي تحت الجلد في البحار فظهرت اليابسة ونبتت الأعشاب والأشجار المثمرة. خلق من التراب إنسانًا أسماه آدم.
٤ خلق الشمس والقمر والنجوم. غرس جنة في عدن شرقًا وأسكن آدم إياها.
٥ خلق الزحافات (يقصد الأسماك) والطيور والتنانين (يقصد الحيتان). خلق حيوانات البرية والطيور.
٦ خلق الوحوش والبهائم وجميع دبابات الأرض ثم خلق آدم وحوَّاء. خلق المرأة من إحدى ضلوع الرجل.

أما تناقض القصتين فيما يتصل بخلق الجنس البشري فيمكن إجماله فيما يلي:

في القصة الأولى في القصة الثانية
أولًا كان آدم وحوَّاء آخر ما برأ الله من الخليقة. خلق الله آدم قبل حيوان البَرِّ وقبل الطير.
ثانيًا خلق الله الإنسان على صورته. لم يرد ذكر لذلك.
ثالثًا خلق الله الإنسان ذكرًا وأنثى دفعة واحدة. لاحظ الله ليومين من خلق آدم أنه في حاجة إلى امرأة تؤنسه. بَيْدَ أنه لم يخفَّ إلى خلقها بل انصرف عن ذلك إلى خلق شتَّى الحيوانات وعرضها على آدم. وبعد ذلك خلق حوَّاء.
رابعًا بارك الله الناس «وقال لهم أثمروا واكْثُرُوا واملئُوا الأرض.» لم يفعل ذلك بل إنه جعل الحمل والولادة لعنة على المرأة «وقال للمرأة تكثيرًا أكثر أتعاب حبلك، بالوجع تلدين أولادًا.»
خامسًا ذكر الإنسان من بادئ الأمر على أنه مبعوث لإخضاع الأرض. ولم يرد ذكرٌ البتة لجنة عدن التي حدثت فيها مأساة الخطيئة. وضع آدم في عدن ثم زف إليه حواء، ولكنها لم تحمل ولم تلد إلا بعد نفيهما من الجنة.
تزعم قصة الخلق الموسوية أن الخالق كان قبل يعيش بلا خليقة، وفي يوم أحد١٨ من سنة ٤٠٠٤ق.م١٩ عنَّ له أن يخلق الكون فاستحدثه من العدم، ودأب يعمل في ذلك ستة أيام ثم استراح في اليوم السابع:
«وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل. فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل»٢٠ (تكوين ٢: ٢).

وخلق الله كل ما في الكون بترتيب عجيب، فكان الضوء يشيع في الأفق قبل أن تُخلق الشمس. لقد كانوا يجهلون — فيما يجهلون — أن تعاقب الليل والنهار إنما يولِّده تبدُّل موقع القارات من الشمس نتيجة لدوران الأرض حول محورها؛ ولهذا جعلوا النور يُخلق في اليوم الأول:

«وقال الله: ليكن نور، فكان نور، ورأى الله النور أنه حسن. وفصل الله بين النور والظُّلمة. ودعا الله النور نهارًا والظُّلمة دعاها ليلًا. وكان مساءٌ وكان صباحٌ يومًا واحدًا» (تكوين ١: ٣–٥).

ولكن كيف فصل الله بين النور والظُّلمة، وكيف كانا مختلطين من قبلُ؟

ليس النور بشيء له وجود إيجابي، وإنما هو ظاهرة تحدث طوعًا لسننٍ معروفة في علم الفلك وعلم البصريات، أما الظُّلمة فليست بشيء مادي يمكن أن يُمزج بالنور ويُدمج فيه ثم يُفصل منه، وإنما هي مقدار سلبي؛ هي احتجاب النور.

لقد كانوا يتوهمون أن الظُّلمة شكلٌ من أشكال المادة؛ ولذا قالوا في قصة الضربات البشعة التي أنحى بها موسى على مصر: إن الظلام قد اشتدت حُلْكَته في مصر بأمر موسى:

«حتى يلمس الظلام» (خروج ١٠: ٢١).

لقد قدَّموا المعلول على العلة فجعلوا الأرض تُخلق في اليوم الأول على حين أن أمها الشمس لم تُخلق إلا في اليوم الرابع. وجعلوا أديم الأرض يكتسي بالخضرة في اليوم الثالث:

«فأخرجت الأرض عشبًا وبقلًا» (تكوين ١: ٢).

قبل أن تتجلى ذكاء (الشمس) في اليوم الرابع فترسل ضوءها العسجدي، وهو لا غناء عنه للنبات في التمثيل الكلوروفيلي الذي هو سبب اخضرار لون النبات ومصدرٌ هام لاغتذائه.

وجعلوا الحيوانات تُخلق بترتيبٍ يُباين ترتيب رُتَبِها وفصائلها؛ فقد خُلقت الحيتان عندهم قبل الثدييات وما الحيتان إلا طورٌ متأخر منها:

«فخلق الله التنانين العِظام٢١ وكل ذوات الأنُفس الحية الدبابة التي فاضت بها المياه كأجناسها وكل طائر ذي جناح كجنسه وقال الله لتُخرج الأرض ذوات أنفس حية كجنسها بهائم ودبابات٢٢ ووحوش أرض كأجناسها وكان كذلك» (تكوين ١: ٢٤).

وجعلوا الوحوش تَطْعَم العشب:

«ولكل حيوان الأرض وكل طير السماء وكل دبابة على الأرض فيها نفس حية أعطيت كلَّ عشبٍ أخضر طعامًا» (تكوين ١: ٣٠).

وعندهم أن الله خلق الحيوانات زوجين زوجين٢٣ ذكرًا وأنثى، إلا الرجل فقد خلقه الله وِترًا لا شفعًا:
«وجبل الرب الإله آدم ترابًا من الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياة٢٤ فصار آدم نفسًا حية»٢٥ (تكوين ٢: ٧).
وأسكن الله آدم جنةً؛ أي حديقة، في بقعةٍ اسمها «عدن» ثم عرض عليه الحيوانات كلها، فنشط آدم يضع لكلٍّ منها اسمه العلمي،٢٦ وهو عملٌ ضخم لا ينهض بمثله في الوقت الحاضر أقل من مجمع علمي كامل. بَيْدَ أن آدم كان في غضون ذلك معنيًّا بالبحث عن شريكة لحياته:

«فدعا آدم بأسماء جميع البهائم وطيور السماء وجميع حيوانات البرِّية. وأما لنفسه فلم يجد مُعينًا نظيره» (تكوين ٢: ٢٠).

ولاحظ الله أن آدم وحيد فريد، يفتقر إلى امرأة توفِّر له أُنْسه وتحفظ عليه جنسه، فعقد العزم على أن يُطرِفه بما يشتهي؛ غير أنه — ولا ندري لماذا — لم يخلق المرأة من العَدَم الأصلي الذي خلق منه الكون، أو التراب الذي خلق آدم، بل أوقع على الرجل سُباتًا وانتزع ضلعًا من ضلوعه٢٧ صاغ منها امرأة فارهة٢٨ زفَّها إليه، وبلغهما أنه أباح لهما كل شيء ما عدا شيئًا واحدًا نهاهما أن يَقْرباه، وكان من الطبيعي أن يَقْربا هذا الشيء المدفوع عنه وأن يذوقا الفاكهة المحرَّمة.٢٩
ولسنا ندري ما هذه الشجرة العجيبة ذات القوى السحرية، شجرة معرفة الخير والشر؟ ولِمَ أنبت الله هذه الشجرة في وسط الجنة ولم يجعلها في مكانٍ ناءٍ قَصِيٍّ؟ ولِمَ نهى عن الأكل من ثمرها وعَدَّ تمييز الإنسان بين الخير والشر عملًا عدائيًّا نحوه.٣٠

إن تمييز الإنسان بين الخير والشر هو بدء إدراكه الخُلُقي ومستهَلُّ مقدرته على توجيه مصيره، وهو ارتقاءٌ لا انحطاط، فلِمَ وَجَدَ يهوه في أكل الإنسان من ثمر هذه الشجرة كارثةً حلَّت بشخصه؟ ولم ترتَّب على أكل الإنسان منها إقصاؤه عن الجنة:

«قال الرب الإله: هو ذا الإنسان قد صار كواحد منا، عارفًا الخير والشر. والآن لعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضًا ويأكل ويحيا إلى الأبد» (تكوين ٣: ٢٢).

ومَن هم أولاء الذين أشار الله إليهم بقوله: «كواحد منا»؟ هل هم آلهة آخرون؟

وما تلك الشجرة الأخرى ذات القوة السحرية التي تورث ثمارُها الآكلين خلود الأبد؟

ولِمَ يُنكِر يهوه على الإنسان أن يُخلَّد على حين أنه لم يُنكِر ذلك على الكائنات الأخرى التي عناها بقوله: «كواحد منا»؟

وقد امتثلت حوَّاء لأمر يهوه رَدَحًا من الدهر، ثم دلفت إلى الجنة حية٣١ لا ندري من أي أرض أقبلت، ولا نعرف كيف تسنَّى لها أن تَلِج الجنة، ولكنا نعرف أنها:

«أحيل جميع حيوانات البرِّية التي عملها الرب» (تكوين ٣: ١).

ولبثت الحية ترصد حوَّاء حتى أَلْفتها على مَبعدةٍ من آدم وعلى مَقربةٍ من شجرة معرفة الخير والشر فتراءت لها وتحدثت إليها، ولا ندري متى حذقت هذه الحية اللغة العبرية؟ ولا كيف ظلَّت حوَّاء ساكنة لا يبدو عليها شيء من الدَّهَش وهي ترى حيةً عجماء تُطارِحها الحديث؟

وزينت لها الحية أن تذوق هذه الفاكهة ذاكرةً أنها تؤتي آكِلها الحكمة والسداد.

كان الله قد حذر آدم وحوَّاء من ثمر هذه الشجرة قائلًا:

«لا تأكلا منه ولا تمسَّاه لئلَّا تموتا، فقالت الحية للمرأة لن تموتا» (تكوين ٣: ٣-٤).

ولكنهما أكلا ولم يموتا بل امتد العمر بآدم ٩٣٠ سنة.٣٢

«فكانت كل أيام آدم التي عاشها تسعمائة وثلاثين سنة ومات» (تكوين ٥: ٥).

وليس في القصة ما يدل على أنه كان قبلُ مخلَّدًا لا يموت كما تقول المسيحية٣٣ ولكن فيها ما يدل على أنه طُرد من الجنة٣٤ حتى لا …

«يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضًا ويأكل ويحيا إلى الأبد» (تكوين ٣: ٢٢).

وهكذا لم يقع لآدم وحوَّاء ما أنذرهما به يهوه من حلول الموت الزؤام به ولكن حدث ما أنبأتهما به الحية من أنه:

«يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر» (تكوين ٣: ٥).

فقد انفتحت أعينهما حقًّا فعلما أنهما عاريان.

«فانفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان …» (تكوين ٣: ٧).

ولولا أنهما عصيا أمر يهوه لكنا نحن أيضًا ما نزال إلى اليوم عراة لا يستر سوآتنا حجاب:

«… فخاطا أوراق تينٍ وصنعا لأنفسهما مآزر»٣٥ (تكوين ٣: ٧).

ولسنا نعلم متى تعلَّما الخياطة ولا من أين أتيا بالمخيط.

ومع أن الله موجود في كل مكان فرضًا فقد قَدِم إلى الجنة من خارجها، ومع أنه ليس بذي رجلين فقد سمع الزوجان العاصيان خفق٣٦ نعليه:

«وسمعا صوت الرب الإله ماشيًا في الجنة عند هبوب ريح النهار» (تكوين ٣: ٨).

فتواريا وسط شجر الجنة من الإله الذي هو في كل مكان والذي هو عالِمٌ بكل شيء.

وبدأ يهوه يستجوب المتهمين، فألقى البطل التبعة على زوجته وألقتها هي على الحية:

«فقال آدم: المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت.٣٧ فقال الرب الإله للمرأة: ما هذا الذي فعلت؟ فقالت المرأة: الحية غرَّتني فأكلت» (تكوين ٣: ١٢-١٣).

وتم الاستجواب، ونطق يهوه بالحكم، وهو يقضي على الحية الجارمة، وعلى جميع الحيات غير المجرمات، وعلى ذراريها من بعدها، بأن يكون سعيها في الأرض زحفًا على البطون وأن يكون غذاؤها التراب وأن تجد نفسها إلى الأبد عُرْضة لسحق رءوسها:

«فقال الرب الإله للحية: لأنك فعلت هذا ملعونة أنت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرِّية. على بطنك تَسْعَيْن وترابًا تأكلين كل أيام حياتك.٣٨ وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها. هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه» (تكوين ٣: ١٤-١٥).
ويُفهم من ذلك:
  • (١)

    أن الحيات كانت، قبل أن تجترم إحداها هذا الذنب في الجنة، تمشي منتصبة.

  • (٢)

    وأنها كانت تتغذى بغذاء كالذي يتغذى به غيرها من ضروب الحيوان.

  • (٣)

    وأنها غدت الآن تستفُّ التراب.

  • (٤)

    وأن التراب، وهو خليط من مواد غير عضوية، يصلُح أن يُتخذ غذاء للحيوان يتمثَّله الجسم الحيواني.

لقد خلق الله آدم بعيدًا عن الكمال وما انفكَّ يراقبه حتى وقع في المصيدة، ثم أوقع العقاب بالكائنات طُرًّا، فلعن الحيات كلها من جريرة تلك الحية التي كان قد فسح لها مكانًا في جنته، ثم لعن النساء جميعًا في شخص أُمِّهن حوَّاء.٣٩

«تكثيرًا أكثر أتعاب حبلك. بالوجع تلدين أولادًا، وإلى رجلك يكون اشتياقك، وهو يسود عليك» (تكوين ٣: ١٦).

فأما أوجاع الحمل والولادة فهي من معقبات المدنيَّة والترف، ويزداد شعور الناس بها على قدر ازدياد حظهم من رفاهة العيش ورفاهة الشعور، على حين لا يشعر بها المتوحشون إلا هونًا ما. ويلاحَظ مثل هذا التباين بين الحيوانات الوحشية والمستأنسة. أما سيادة الذكر على الأنثى فهي القانون الساري في عالم الحيوان باستثناء أنواع قليلة مثل النحل. وقد لعن الله الأرض التي جبل منها آدم من جرَّاء ما أتاه فوق ظهر أرض الجنة:

«ملعونة الأرض بسببك. بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك» (تكوين ٣: ١٧).

وهكذا أصبح الجنس البشري كله آثمًا بإثم آدم وحوَّاء، وحُقَّت عليه كله اللعنة من أجل ثمرة واحدة من ثمار الفاكهة أُكِلت وكان آكلاها على غير خبر بالخير والشر، فإلى فضولهما مردُّ الخطيئة الأولى في العالم.٤٠ لقد أودى بنا نحن المساكين العاثري الجد تشهِّي حوَّاء الفاكهة. هي أكلتها ونحن أُصِبنا بآلام المعدة، وسيظل ألوف الملايين من البشر يتلوَّون من الألم جيلًا إثر جيل لأن حوَّاء ذاقت ثمرةً من ثمار تلك الشجرة.

وقد جوزيَ آدم وحوَّاء على أكلتهما هذه بإخراجهما من الجنة، ولو أن آدم لم يستجب لدعوة زوجه لطُردت هي وحدها وبقي هو في الجنة فردًا عزبًا لا أنيس له ولما كان ثَمَّ سبيل إلى مجيئنا نحن إلى هذا العالم غير التلقيح الصناعي.

وخشي يهوه أن يعود آدم إلى الجنة ويأكل من ثمار شجرة الحياة فيخلد، فأقام على باب الجنة سَرِيَّةً من الملائكة يذودون عنه ذلك المتطفِّل إن طوَّعت له نفسه أن يرجع، ونصب عند الباب سيفًا ينفث نارًا ولا يَنِي يضرب في الهواء عن اليمين وعن الشمال ويغير اتجاهاته من تلقاء نفسه ليقطع خطَّ الرجعة على آدم إذ كان من الجنة غير بعيد:

«أقام شرقي جنة عدن الكروبيم ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة» (تكوين ٣: ٢٤).

وليته كان قد اتخذ هذه الحيطة لمنع تسلُّل الحية إلى الجنة بدلًا من إيصاده باب الإصطبل بعد فرار الحصان. ولسنا ندري ماذا كان من أمر السيف المتأجج المتوهج؟ فلعل مياه الطوفان أخمدت لهيبه!

ولسنا ندري ما الذي آل إليه أمر الحية؟ هل طُردت هي الأخرى من الجنة أو هي ما تزال فيها؟ هناك من يزعم أن الحية لم تكن هي نفسها التي أغرت حوَّاء، بل كان الشيطان هو الذي فعل ذلك متقمصًا إياها، فإذا كان ذلك كذلك فلِمَ لعن الله الحيات وجعلها تستفُّ التراب؟

هذا، ويبدو أن الرب لم يرُقْه المئزران اللذان خاطهما آدم وحوَّاء لنفسيهما من ورق التين؛ ولذا:

«صنع الرب الإله لآدم وامرأته أقمصةً من جلدٍ وألبسهما» (تكوين ٣: ٢١).

فمن أين جاء بالجلد الذي صنع منه الأقمصة؟ هل عَمَد إلى بعض حيوان الجنة فذبحه وسلخه ودبغ جلده، ثم خاطه؟ وهل كان، جلَّ جلالُه، جزارًا وسلَّاخًا (بشكيرجي) ودبَّاغًا وخياطًا؟

لقد ضن يهوه على الإنسان الأول بثمرةٍ من شجرة، فلما أكلها ضاعف للنساء آلام الحمل والولادة، وقسر الحيوان على سفِّ التراب، وأغرق العالم كله بالطوفان، ثم انتحر صالبًا نفسه على فلقةٍ من خشب.

يتضح مما تقدَّم أن هذه الأقاصيص:
  • (١)

    قصة خلق الكون في ٦ أيام.

  • (٢)

    قصة الرجل الطين والمرأة الضلع.

  • (٣)

    قصة خطيئة الإنسان ونفيه من الجنة.

هذه الأقاصيص جميعًا:
  • (١)

    منتحَلة من أساطير عالمية أقدم من التوراة عهدًا.

  • (٢)

    ليست مُطَّردة النسق بل هي تناقِض نفسها في مواطن شتَّى.

  • (٣)

    ليست مطابقة للحقائق العلمية المعروفة بل هي تصطدم بها.

ولهذا عمد الذين نشروا «الكتاب المقدَّس للأحداث» في الولايات الأمريكية المتحدة إلى حذف هذه الأقاصيص منه. وقد التمس المفسرون مَنْجَاةً من الحرَج بتحميل ألفاظ الكتاب من المعاني ما لا تحتمل.

  • (١)

    فزعموا أن الأيام الستة التي خلق الله فيها خليقته ليست كهذه الأيام ذات الساعات الأربع والعشرين، بل إن كلًّا منها دهر طويل يقاس بألوف السنين. وإنه لزعم سقيم لا يتفق وقوله: «وكان مساءٌ وكان صباحٌ» (تكوين ١: ٥، ٨، ١٣، ١٩، ٢٣، ٣١).

    ولا سيما فيما يتصل بما بعد خلق الشمس في اليوم الرابع.

    وإذا صدق تأويلهم هذا فماذا من أمر اليوم السابع؟ وهل يبقى بعد ذلك مبرِّرٌ لتقديس يوم السبت؟ ثم ماذا عسى أن تكون جدوى الأعشاب والأشجار التي برأها الله في اليوم الثالث:

    «فأخرجت الأرض عشبًا وبقلًا وبزرًا كجنسه وشجرًا يعمل ثمرًا بزره فيه كجنسه. ورأى الله ذلك أنه حسن وكان مساءٌ وكان صباحٌ يومًا ثالثًا» (تكوين ١: ١٢-١٣).

    ولم يكن في تلك النباتات غناء لأحد، وهو لم يكن قد اعتزم أن يخلق البهائم وما إليها إلا في اليوم الخامس؛ أي بعد ألوف السنين.

    وكيف قضى آدم في عزوبته ألوف السنين التي مرت بين اليوم الثالث الذي برأه الله فيه ثم أسكنه الجنة حسبما ورد في القصة الثانية (تكوين ١٢: ١٥).

    واليوم السادس الذي خلق فيه حوَّاء من إحدى ضلوعه؟ (تكوين ٢: ٢١-٢٢).

    هل كان خلال تلك الحقب الطويلة يداعب الحيوانات ولا يصنع شيئًا آخر؟

    ثم كيف يكون آدم قد عاش تلك الألوف من السنين على حين أنه.

    «كانت كل أيام آدم التي عاشها تسعمائة وثلاثين سنة ومات» (تكوين ٥: ٥).

  • (٢)

    وقالوا إن الجلد المذكور في قوله:

    «فعمل الله الجلد وفصل بين المياه التي تحت الجلد والمياه التي فوق الجلد وكانت كذلك. ودعا الله الجلد سماء» (تكوين ١: ٧-٨).

    والسماء هي الفضاء الواسع الذي يحيط بالأرض فكيف يفصل بين مياه فوقه ومياه تحته؟

  • (٣)

    وقالوا إن قوله:

    «خلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكرًا وأنثى خلقهم» (تكوين ١: ٢٧).

    يفيد أنه خلقه على صورته في الطهر، وهو تفسيرٌ داحض يُبطله أن آدم وحوَّاء لم يكونا طاهرين؛ فإن الجنس البشري كله ما يزال يرزح تحت وقر خطيئتهما، وإن أبناءهما كذلك لم يكونوا أطهارًا؛ فقد فتك أحدهم بأخيه وهو أشد ما يكون حاجةً إلى عونه في تلك الوحدة التي تبعث الرهبة في النفس، كما أن حفدتهما الأدْنَيْن بلغوا من الفساد مبلغًا جعل الله يندم على أنْ بَرَاهُم:

    «فحزنَ الرب أنه عمل الإنسان في الأرض. وتأسَّف في قلبه» (تكوين ٦: ٦).

    ولم يجد وسيلة يستدرك بها خطأه هذا غير إغراق الأرض بما عليها.

  • (٤)

    وقالوا إن الله حين قال:

    «هو ذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفًا الخير والشر» (تكوين ٣: ٢٢).

    إنما كان يتحدث عن الأقنومَين الآخرَين من أقانيم الثالوث، وهو تأويل واضح البطلان.

  • (٥)

    وقالوا إن المعنيِّين بأبناء الله الذين افتُتِنوا ببنات الناس وتزوجوا منهن:

    «وبعد ذلك أيضًا إذ دخل بنو الله على بنات الناس وولدن لهم أولادًا …» (تكوين ٦: ٤).

    ليسوا سوى أبناء شيث بن آدم، وأما بنات الناس فما هن سوى بنات قايين قاتل أخيه هابيل.

وهنالك كثير من هذه التفسيرات المضلِّلة لا تتصل بهذا المبحث، منها:
  • (١)

    أن مصارعة يعقوب لله في فنيئيل (تلك المصارعة التي انتهت بخلع حق فخِذ يعقوب والتي كوفئ يعقوب على فوزه بتغيير اسمه وجعله إسرائيل) هي مصارعة في الصلاة.

  • (٢)

    أن القطعة الخليعة المعروفة باسم نشيد الإنشاد إنما تصف الحب المتبادل بين المسيح وكنيسته، وأن ما ورد فيها عن ثديي المرأة وفخِذها وبطنها إنما هي رموز لاتحاد يهوه والسيناجوح.

١  وقد احتج اليهود لتقديس السبت في مكانٍ آخر من التوراة بسبب آخر؛ إذ تقول: «واذكر أنَّك كنت عبدًا في أرض مصر فأخرجك الرب إلهك من هنالك بيدٍ شديدة وذراع ممدودة. لأجل ذلك أوصاك الرب إلهك أن تحفظ يوم السبت» (تثنية ٥: ١٥).
على أن نظام العطلات الدورية كان معروفًا للكثير من الشعوب القديمة؛ فكانوا في روما يعفون من العمل في اليوم السابع من كل أسبوع، وكانوا في مصر على معرفة تامة بالأسبوع، وكانوا يطلقون على الأيام السبعة أسماء الأجرام السماوية السبعة التي كانت معروفة لهم في ذلك الزمان.
وقد زيَّن الغرور والزهو القومي لليهود أن في تقديسهم يوم السبت استعلاءً بأنفسهم عن مستوى الشعوب المتاخمة لهم.
٢  المخرفة: البستان والسكة بين صفَّين من نخيل.
٣  زجى الشيء: دفعه برفق، يقال: «كيف تُزْجِي الأيام»؛ أي كيف تدفعها.
٤  زفزفت الريح الحشيش: حركته وصوتت فيه.
٥  تناوحت الرياح: هبَّت شمالًا مرةً وجنوبًا مرةً وصبا مرة …
٦  تمايد: تمايل مهتزًّا …
٧  الرقراق: كل شيء له تلألؤ وبصيص، يقال: «سراب رقراق»؛ أي ذو بصيص.
٨  فإن نبوخذ نصر «بختنصَّر» ملك الكلدان «بابل الحديثة» غزا مملكة يهوذا في سنة ٥٨٦ق.م وأخرب حاضرتها أورشليم (ومعنى الاسم في العبرية مدينة السلام، وإن كانت المدينة تحمل هذا الاسم من زمنٍ أقدم من اللغة العبرية)؛ لأنها، كما يقال بُنيت في عهد الكاهن ملكي صادق الملقَّب بملك السلام، وهو معاصر لإبراهيم: «وملكي صادق ملك شاليم» … (تكوين ١٤: ١٨). وسبر الألوف من أهلها ونقلهم إلى بلاده فلم يزالوا يسترقون فيها حتى أطلقهم كيروش الثاني ملك فارس عندما غزا بابل سنة ٥٣٨ق.م.
٩  Cosmogony.
١٠  وقد دُعي عيسو بن إسحاق أدوم لأنه مرَّ يومًا بأخيه التوأم يعقوب فوجده قد أعد طبيخًا من العدس: «فقال عيسو ليعقوب: أطعمني من هذا الأحمر … لذلك دُعي اسمه أدوم» (تكوين ٢٥: ٣٠).
١١  أما في اللغة العربية فإن اسم حوَّاء مشتقٌّ من الحُوَّة وهي الحُمرة الضاربة إلى السواد أو سُمرة الشَّفة؛ فهو أحوى وهي حوَّاء.
١٢  قال جريجوري أُسقف نيسا إن آدم وحوَّاء وُلِدا ولا جنس لهما، وإن الآية «ذكرًا وأنثى خلقهم» ترجع إلى عملٍ تالٍ لخلقهما نجَم عن معصية آدم، وإنه لولا هذه المعصية لكان الناس يتكاثرون بطريقة تشبه بعض الشبه تكاثر النبات.
١٣  لم تكن أسفار اليهود المقدَّسة في أول أمرها مقسَّمةً إصحاحاتٍ بل أُدخِل عليها هذا التقسيم في زمنٍ لاحق.
١٤  وهي الحبشة.
١٥  وهو دجلة.
١٦  إذا صح ذلك فمعناه أن في مصوَّراتنا الجغرافية نقصًا جسيمًا.
١٧  وذلك ما كان يقول به المصريون والكلدانيون والفينيقيون والهنود والإغريق وأهل كرياتيا وغيرهم.
١٨  وهو أول أيام الأسبوع عند اليهود.
١٩  أي قبل ٤٠٠٠ سنة من ميلاد المسيح في سنة ٤ق.م. وقد توصل رئيس الأساقفة «أشر» إلى معرفة ذلك بحساب السنين التي عاشها كلٌّ من آدم وحفدته حتى رُزق كلٌّ منهم ولده البِكر. ويتضح من ذلك أن كتب التاريخ تضلل قرَّاءها حين تذكر أن مصر كانت قبل هذا اليوم ذات حضارة مرموقة وكانت فخمة العمارة، كما يتضح من ذلك خطأ ما يذهب إليه جمهرة علماء التاريخ الطبيعي من أن إنسان الكهوف كان يَعمُر أوروبا قبل ربع مليون سنة وأن الأرض تزخر بالكائنات الحية منذ ملايين السنين.
٢٠  ذكر محمد بن جرير الطبري في الجزء الأول من كتابه «تاريخ الأمم والملوك» عن … عن … عن ابن عباس، قال هناد: وقرأت في سائر الحديث أن اليهود أتت النبي فسألته عن خلق السموات والأرض فقال: «خلق الله الأرض يوم الأحد والاثنين، وخلق الجبال يوم الثلاثاء وما فيهن من منافع، وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب … قال: وخلق يوم الخميس السماء، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقيت منه، فخلق في أول ساعة من هذه الثلاث الساعات الآجال: مَن يحيا ومن يموت، وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء مما ينتفع به الناس. في الثالثة آدم وأسكنه الجنة، وأمر إبليس بالسجود له، وأخرجه منها في آخر ساعة. ثم قالت اليهود: ثم ماذا يا محمد؟ قال: ثم استوى على العرش، قالوا: قد أصبت لو أتممت. قالوا: ثم استراح. فغضب النبي غضبًا شديدًا، فنزلت: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ * فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ
٢١  وهي في الإنجليزية great whales؛ فهي حيتان لا تنانين.
٢٢  وهي في الإنجليزية creep things؛ يعني الزواحف كالثعابين والأورال.
٢٣  الزوج: كل واحد معه آخر من جنسه، والعامة تخطئ فتظن أن الزوج اثنان، وليس ذلك من مذهب العرب؛ إذ كانوا لا يتكلمون بالزوج موحَّدًا في مثل قولهم زوج حمام وإنما يقولون زوجان من حمام وزوجان من خِفاف. ولا يقولون للواحد من الطير زوج بل للذكر فرد وللأنثى فردة.
٢٤  هي في الإنجليزية the breath of life؛ يعني الهواء الذي نستنشقه؛ أي «نفَس» بفتح الفاء.
ونذكر لهذه المناسبة أن كلمة «روح» العبرية أُخذت على أنها تعني «روح» العربية وspirit الإنجليزية. «وكانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظُلمة وروح الله يرف على وجه المياه» (تكوين ١: ٢). والصواب أنها تعني «ريح» لا «روح».
ويرى في الآية: «فقال لي: تنبأ للروح. تنبأ يا ابن آدم وقل للروح. هكذا قال السيد الرب: هلم يا روح من الرياح الأربع وهُبَّ على هؤلاء القتلى ليحيوا» (حزقيال ٣٧: ٩). وبالرجوع إلى الترجمة الإنجليزية نجد أن كلمة روح قد وُضعت هنا في المرة الأولى مقابل كلمة wind؛ أي ريح، وأنها وُضعت في المرة الأخيرة مقابل كلمة breath؛ ومعناها نسيم.
٢٥  ومعنى هذا أن الإنسان صُنع من الطين دفعة واحدة، ولم ينحدر من سلسلة كل لاحق فيها أرقى ممن سبقه. ذكر الطبري في الجزء الأول من كتابه «تاريخ الأمم والملوك» أنه: «لما أراد الله جل جلاله أن يُطلِع ملائكته على ما قد علم من انطواء إبليس على الكِبْر … فبعث الله جبرائيل عليه السلام إلى الأرض ليأتيه بطين منها، فقالت الأرض: إني أعوذ بالله منك أن تنقص مني شيئًا وتشينني. فرجع ولم يأخذ، فبعث الله ميكائيل فعاذت منه فأعاذها، فبعث ملك الموت فأخذ من وجه الأرض وخلط فلم يأخذ من مكانٍ واحد وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء؛ فلذلك خرج بنو آدم مختلفين، فصعد به فبلَّ التراب حتى عاد طينًا لازبًا، واللازب هو الذي يلتزق بعضه ببعض، ثم تُرك حتى تغيَّر وأنتن، وذلك حين يقول: مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ
وعن … عن … عن ابن عباس قال: «فخلق آدم بيده فمكث أربعين ليلةً جسدًا مُلقًى، فكان إبليس يأتيه فيضربه برجله فيصلصل فيصوت، قال فهو قول الله تبارك وتعالى: مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ. قال ثم يدخل من فيه ويخرج من دُبره، ويدخل في دُبره ويخرج من فيه، ثم يقول: لست شيئًا للصلصلة، ولشيء ما خُلقت، ولئن سُلِّطتُ عليك لأُهلكنَّك، ولئن سُلِّطتَ عليَّ لأعصينَّك. فلما نفخ الله الروح ودخل الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة، فلما دخل في جوفه اشتهى الطعام، فوثب قبل أن تبلغ الروح رجليه عَجلانَ إلى ثمار الجنة، فذلك حين يقول: خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ فلما تمت النفخة في جسده عطس فقال: الحمد لله رب العالمين، بإلهام الله، فقال: يرحمك الله يا آدم.»
٢٦  أما النباتات فلم تُعرض على آدم لهوان شأنها عند اليهود.
٢٧  كان المسيحيون الأوائل يعتقدون أن عدد ضلوع الرجل يقل ضلعًا عن عددها عند المرأة.
٢٨  الفارِهُ: المليح النشيط الحاذق.
٢٩  ولسنا ندري أية فاكهة تلك. لقد ذكر الشاعر ملتن في «الفردوس المفقود» أنها تفاحة، وكذلك جعلها بيرون في «دون جوان»، ويرى آخرون أنها كانت شيئًا مثل جوزة الطيب مما يتعاطاه الناس طلبًا لإذكاء القوة الجنسية. وذكر بعض الشُّرَّاح المسلمين أنها البُرُّ؛ أي القمح، ولكن يلاحظ أن البُرَّ ليس بشجر، وليس شهيًّا للنظر، ولا جيدًا للأكل إلا بعد أن يُطحن ويُعجن ويُخبز.
نقل الطبري عن … عن … عن ابن عباس أنه قال: «كانت الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته السنبلة، فلما أكلا منها بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا
٣٠  لعل هذا هو السبب في معاداة رجال الكهنوت للعلم.
٣١  يزعم بعضهم أن الحية في هذه القصة إنما هي رمز يشار به إلى الشهوة الجنسية، وأن المقصود بالقصة كلها هو الإبانة عن أن الشهوة الجنسية والمعرفة تقضيان على الطُّهر وتبدِّدان السعادة وتُبدِلان بالخير شرًّا، وأن المرأة هي مطيَّة الشيطان وأُحْبُولةٌ لإيقاع الإنسان في حبائل الشرور.
٣٢  روى الطبري عن … عن … عن ابن عباس أنه قال لما نزلت آية الدَّين قال رسول الله : «إن أول من جحد آدم عليه السلام، ثلاث مرات. وإن الله تبارك وتعالى لمَّا خلقه مسح ظهره فأخرج منه ما هو ذارٍ إلى يوم القيامة، فجعل يعرضهم على آدم فرأى فيهم رجلًا يُزهِر (أي يتلألأُ) فقال: أيْ رب، أيُّ بَنِيَّ هذا؟ قال: هذا ابنك داود. قال: أيْ رب، كم عمره؟ قال: ستون سنة. قال: أيْ رب، زِدْه في عمره. قال: لا إلا أن تزيده أنت من عمرك. وكان عمر آدم ألف سنة فوهب له من عمره أربعين عامًا، فكتب الله عليه بذلك كتابًا وأشهد عليه الملائكة، فلما احتُضِر آدم أتته الملائكة لتقبض روحه، قال: إنه بقي من عمري أربعون سنة! قالوا: إنك قد وهبتها لابنك داود. قال: ما فعلتُ ولا وهبتُ له شيئًا. فأنزل الله عليه الكتاب وأقام عليه الملائكة شهودًا، فأكمل لآدم ألف سنة، وأكمل لداود مائة سنة.»
وقد عُمِّر داود سبعين سنة. «وكان داود ابن ثلاثين سنة حين ملكَ، وملك أربعين سنة» (٢ صموئيل ٥: ٤).
٣٣  «من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخَطِيَّة إلى العالم وبالخَطِيَّة الموت. هكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع» (رومية ٥: ١٢). «فإنه إذ الموت بإنسان، بإنسان أيضًا قيامة الأموات؛ لأنه كما في آدم يموت الجميع، هكذا في المسيح سيحيا الجميع» (١ كورنثوس ١٥: ٢١-٢٢). ولكن الموت كان فاشيًا في الأرض قبل أن ينشأ الجنس البشري بحقب طويلة، ومن ذلك أن الحيوانات المفترسة كانت تقضي على فرائسها من آكلات العشب.
٣٤  نقل الطبري أنه: تظاهرت الأخبار عن رسول الله بأن الله عز وجل خلق آدم عليه السلام يوم الجمعة، وأنه أخرجه فيه من الجنة وأهبطه إلى الأرض فيه، وأنه فيه تاب عليه، وفيه قبضه.
وعن ابن عباس: «أُهبِط آدم بالهند وحوَّاء بجدَّةَ، فجاء في طلبها حتى اجتمعا فازدلفت (أي قربت) إليه حوَّاء؛ فلذلك سُمِّيت المزدلفة (هي موضع بين عرفات ومنى)، وتعارفا بعرفات فلذلك سُمِّيت، واجتمعا بجمع فلذلك سُمِّيت جمعًا. قال: وأُهبِط آدم على جبل بالهند يقال له: بوذ.»
وقال آخرون: بل أهبط بسرنديب (جزيرة سيلان) على جبلٍ يُدعى بوذ، وحوَّاء بجدة من أرض مكة، وإبليس بميسان، والحية بأصبهان.
وعن عطاء بن رباح قال: «لما أهبط الله عز وجل آدم من الجنة كان رجلاه في الأرض ورأسه في السماء، يسمع كلام أهل السماء ودعاءهم، يأنس إليهم (أي يأْلَفهم ولا ينفر منهم) فهابته الملائكة حتى شكَتْ إلى الله تعالى في دعائها وفي صلاتها، فخفض إلى الأرض فلما فقد ما كان يسمع مهم استوحش حتى شكا ذلك إلى الله عز وجل في دعائه وصلاته، فوُجِّه إلى مكة، فصار موضع قدمه قرية وخطوته مفازة حتى انتهى إلى مكة، وأنزل الله تعالى ياقوتةً من ياقوت الجنة فكانت على موضع البيت الآن، فلم يزل «يطوف»، «حتى أنزل الله الطوفان» فرُفعت تلك الياقوتة حتى بعث الله تعالى إبراهيم الخليل عليه السلام فبناه؛ فذلك قوله تعالى: وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ
وعن ابن عباس قال: «نزل آدم عليه السلام الهند ومعه ريح الجنة فعلق بشجرها وأوديتها وامتلأ ما هنالك طيبًا؛ فمن ثم يؤتى بالطيب من ريح الجنة.»
وقالوا: أُنزِل معه الحجر الأسود وكان أشد بياضًا من الثلج، وعصا موسى وكانت من آس الجنة، طولها عشرة أذرع على طول موسى، ومرٌّ ولبان. وكان آدم حين هبط يمسح رأسه السماء فمن ثم صَلِع وأورث ولده الصلع، ونفرت من طوله دواب البَرِّ فصارت وحشًا من يومئذٍ. وكان آدم عليه السلام وهو على ذلك قائم يسمع أصوات الملائكة ويجد ريح الجنة، فحط من طوله ذلك إلى ستين ذراعًا، فكان ذلك إلى أن مات، ولم يُجمَع حسن آدم عليه السلام لأحدٍ من ولده إلا ليوسف عليه السلام.
وقيل: إن من الثمار التي زوَّد الله عز وجل آدم عليه السلام حين أُهبط إلى الأرض ثلاثين نوعًا؛ عشرة منها في القشور، وعشرة لها نوى، وعشرة لا قشور لها ولا نوى؛ فأما التي في القشور منها فالجوز واللوز والفستق والبندق والخشخاش والبلوط والشاهبلوط والرانج والرمان والموز، وأما التي لها نوى منها فالخوخ والمشمش والإجَّاص والرُّطَب والغُبَيْراء والنبق والزعرور والعنَّاب والمُقْل والشاهلوج، وأما التي لا قشور لها ولا نوى فالتفاح والسفرجل والكمثرى والعنب والتوت والتين والأُتْرُجُّ والخرنوب والخيار والبطيخ.
وقيل: كان مما أخرج آدم معه من الجنة صرَّة من حنطة.
وقيل: إن الحنطة إنما جاء جبرائيل عليه السلام بعد أن جاع آدم، واستعظم ربه فبعث الله مع جبرائيل عليه السلام بسبع حبات من حنطة فوضعها في يد آدم عليه السلام. فقال آدم لجبرائيل: ما هذه؟ فقال له جبرائيل: هذا الذي أخرجك من الجنة. وكان وزن الحبة منها مائة ألف درهم وثمانمائة درهم، فقال آدم: ما أصنع بهذه؟ فقال: انثره في الأرض. ففعل فأنبته الله عز وجل من ساعته، فجرت سُنَّة في ولده البذر في الأرض، ثم أمره فحصده ثم أمره فجمعه وفركه بيده ثم أمره أن يذرِّيه، ثم أتاه بحجرين فوضع أحدهما على الآخر فطحنه، ثم أمره أن يعجنه، ثم أمره أن يخبزه ملة (في التراب الحار) وجمع له جبريل عليه السلام الحجر والحديد فقدحه فخرجت منه النار، فهو أول من خبز الملة، ا.ﻫ … إلى آخر هذا الهراء.
٣٥  ربما كان الصواب «مئزرين» بصيغة المثنى.
٣٦  خفقت النعل: صوَّتت، يقال: سمعت خفق نعالهم.
٣٧  تذكرنا هذه الإجابة بما أجاب به هارون شقيقه موسى عندما سأله عن صنعه العجل الذهب ودعوته قومه إلى عبادته؛ فقد أنكر أنه أراد أن يصنع عجلًا وقال: إنه إنما جمع ما لدى القوم من ذهب وأوقد تحته النار فإذا هو قد صار عجلًا جسدًا يكاد يسمع له خوار: «فقلت لهم من له ذهبٌ فلينزعه ويعطيني، فطرحته في النار فخرج هذا العجل» (خروج ٣٢: ٢٤).
٣٨  زعم أشعيا أن الحيات سوف تأكل التراب تواضُعًا وتعفُّفًا في وقتٍ يظلل السلام فيه الأرض وتتغير طبائع الحيوانات وخصائص أسنانها ومعدها: «الذئب والحمل يرعيان معًا، والأسد يأكل التبن كالبقر. أما الحية فالتراب طعامها» (أشعيا ٦: ٢٥).
٣٩  سرد الطبري قصة خطيئة الجنس البشري على النحو الآتي:
عن … عن … عن محمد بن قيس قال: فجاء الشيطان فدخل في جوف الحية، فكلم حوَّاء ووسوس إلى آدم فقال: مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِين، قال: فقطعت حوَّاء الشجرة فدميت الشجرة، وسقط عنهما رياشهما الذي كان عليهما وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ.
وعن … عن … عن ابن زيد: «ووسوس الشيطان إلى حوَّاء في الشجرة حتى أتى بها إليها، ثم حسنها في عين آدم، قال: فدعاها لحاجته قالت: لا، إلا أن تأتي ها هنا. فلما أتى قالت: لا، إلا أن تأكل من هذه الشجرة. قال: فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما. قال: وذهب آدم هاربًا في الجنة، فناداه ربه يا آدم أمنِّي تفرُّ؟! قال: لا يا رب، ولكن حيائي منك. قال: يا آدم، أنى أوتيتَ؟ قال: من قِبل حوَّاء يا رب. قال الله عز وجل: فإن لها عليَّ أن أُدْميها في كل شهر مرةً كما أدمت هذه الشجرة، وأن أجعلها سفيهة وقد كنت خلقتها حليمة، وأن أجعلها تحمل كُرهًا وقد كنت جعلتها تحمل يُسرًا وتضع يُسرًا.»
وعن … عن … عن وهب بن منبه، قال: «لما أسكن الله تعالى آدم وزوجته الجنة ونهاه عن الشجرة، وكانت شجرة غصونها متشعب بعضها في بعض، وكان لها ثمر تأكله الملائكة يُخلدهم وهي الثمرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته، فلما أراد إبليس أن يستزلَّهما دخل في جوف الحية، وكان للحية أربع قوائم، فلما دخلت الجنة خرج من جوفها إبليس فأخذ من الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته، فجاء بها إلى حوَّاء فقال: انظري إلى هذه الثمرة، ما أطيب ريحها وطعمها وأحسن لونها! فأخذت حوَّاء فأكلت منها، ثم ذهبت بها إلى آدم فأكل منها آدم، فبدت لهما سوآتهما، فدخل آدم في جوف الشجرة، فناداه ربه: يا آدم، أين أنت؟ قال: أنا هنا يا رب. قال: ألا تخرج؟ قال: أستحي منك يا رب. قال: ألا تخرج؟ قال: أستحي منك يا رب. قال: ملعونة الأرض التي خُلقت منها لعنةً حتى تتحول ثمارها شوكًا. ثم قال: يا حوَّاء، أنت التي غررت عبدي، فإنك لا تحملين حملًا إلا حملته كُرهًا فإذا أردتِ أن تضعي ما في بطنك أشرفتِ على الموت مِرارًا. وقال للحية: أنت التي دخل الملعون في بطنك حتى غرَّ عبدي، ملعونة أنت لعنة حتى تتحول قوائمك في بطنك ولا يكن لك رزق إلا في التراب. أنت عدوة بني آدم وهم أعداؤك، حيث لقيت أحدًا منهم أخذت بعقبه وحيث لقيك شدخ رأسك.»
٤٠  وقد أُسِّست المسيحية كلها على هذه الحكاية؛ ففي إنكارها إنكار للمسيحية من أَلِفِها إلى يائها. ومَن جحد الخطيئة فقد أنكر الفداء، ومن رفض آدم كان عسيرًا عليه أن يقبل يسوع، ومن رفض سِفر التكوين وجب عليه أن يرفض الأناجيل و«أعمال الرسل». إنَّ العهدين القديم والجديد مترابطان أوثق الترابط، فمن نبذ أحدهما فقد نبذ الآخر معه. وقصة الخلق هي أساس الكنيسة فإذا كان الأساس موهونًا انهار البناء كله (رومية ٥: ١٨).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤