الفصل الأول

الحر شديد، شديد، وفوكيون لمبرو يحمل حقيبته الثقيلة ثقل الزمن، وبيده اليسرى يحمل البقجة المنتفخة بالأقمشة، والمثقلة بها أيضًا، عجيبة أن تكون الأقمشة الحريرية والأخرى الشفيفة بكل هذا الثقل، إن شأنها شأن الزمن ما هو إلا ثانية وثانية، ثم دقيقة ودقيقة، ثم ساعة وساعة، ثم أيام ثقيلة الخطى، ثم سنون ترزح على كتف الإنسان فإذا القامة المديدة تحنيها الأعوام التي لم تكن إلا أيامًا، كانت ساعات وكانت دقائق وكانت ثواني.

ومن تراكم الثواني شاب شعر فوكيون لمبرو، ومن تراكم الحرائر والشفائف في الحقيبة والبقجة يئن فوكيون لمبرو، وكأن الشمس لا يكفيها ما هو فيه من معاناةٍ، فإذا هي تصليه تلك النار الضارية، تخترق قبعته وتعتصره اعتصارًا.

ويمشي لمبرو، والحر شديد، شديد.

ويمر ببيت الست عدلات، ويله من الست عدلات، إنه لا يشتهي مطلقًا أن يذهب إليها؛ فهي كثيرة التقليب في الأقمشة، غزيرة الكلام بطيئة الحركة، شحيحة المال، قليلة الشراء، نادرة الدفع.

يعبر البيت ويستمر سائرًا في ذلك الشارع الجميل، الذي يرافق النهير العظيم، الذي سماه أهله وذووه بحر مويس، فلم يكفهم في شأنه أن يرفعوه من نهير إلى نهر، بل أفاضوا عليه بما عرف عنهم من كرم، وأطلقوها عليه بحرًا فأصبح بحرًا، وكان يقوم بين البحر والشارع سور من الأعواد الحديدية العريضة بعض الشيء والمدببة الهامة، وهكذا استطاع أهل الزقازيق أن يحموا مويس من أن يكون موئلًا لمن يفكر أن يلقي به ما يشوه جماله، واستطاعوا أيضًا أن يردوا الأطفال عن خوضه والتعرض لمائه العميق.

وفي هذه الأيام التي كان فوكيون يماشي فيها النهر في ذلك السعير، لم يكن على الجانب الآخر من النهر إلا قليل من المباني، على قلة عددها جليلة الشأن عظيمة الخطر، فمن هذه المباني المدرسة الابتدائية، وكان كثيرٌ من التلاميذ يعبرون إليها في مراكب صغيرة، لقاء مليم أو مليمين يتقضاهما صاحب المركب، فقد كانت الكباري لا تزيد على اثنين، أحدهما على رأس النهر حين يتجه شرقًا إلى القاهرة عن طريق أبي حماد، والكوبري الآخر في الجهة المتجهة غربًا إلى منيا القمح فبنها، وكان منزل الباشا المدير في هذا الجانب أيضًا.

أما الجانب الذي يسير فيه فوكيون، فهو زقازيق تلك الأيام بكل ما فيها من معالم، وحيث يدور النهر تمتد بجانبه تأبى أن تبتعد عنه، وكان فوكيون يسكن في شارع البوستة، وهو أهم شارع بالزقازيق، وحين تزوج — أتينا فروسُّو وشدد السين حتى تصل إلى النطق الصحيح — أقاما بنفس البيت، فقد عرفها فيه وهي تقيم مع أخيها متراكي، صاحب محل البقالة الشهير بالزقازيق.

دام زواج فوكيون لأتينا فروسُّو اثنتي عشرة سنة، ولم ينجبا أطفالًا، والعجيب أن كليهما لم يحزن لهذا، فقد كانا يعرفان كيف يعملان حين يعملان، وكيف يستمتعان بالإجازة حين يرغبان.

كانت أتينا تذهب مع فوكيون كل شهر إلى محل الحاج محمدين الطوخي في الحمزاوي، وتنتقي منه الأقشمة لسيدات الزقازيق، وكانت تعرف الغالبية العظمى منهن من قبل أن تتزوج فوكيون، فقد كانت هي التي تقوم بتفصيل ملابسهن، وقد كانت على ذكاءٍ حاد فعرفت أذواقهن، وهكذا استطاعت أن تكون ذات فائدة عظمى لزوجها، وبعد أن كانت الأقمشة التي يشتريها يتخلف منها جزء غير يسير فترات طويلة عنده، مما يضطره آخر الأمر أن يبيعها بغير مكسب أو بخسارة، أصبحت الأقمشة التي تنتقيها فروسُّو تنفد في أسابيع قليلة، إلى درجة أنه كان أحيانًا ينزل مع فروسُّو مرتين أو ثلاثًا إلى القاهرة ليتزود ببضاعة جديدة.

وكان الزوجان يصران على أن ينالا شهرًا إجازة في كل عام، وكانا يختارانه شهر يوليو، ففي هذا الشهر تكون السيدات في الصيف هن أيضًا قد انتهين من إعداد ملابس الصيف، ويكون الشتاء بعيدًا، فأغلبهن يبدأ بشراء الأصواف قبل أغسطس إن لم يكن سبتمبر.

سنوات طيبة عاشها الزوجان معًا، العمل عند كليهما يحميهما من الفراغ والشجار، والإجازة السنوية تجدد نشاطهما، والخروج إلى الفسحة كل أسبوع يدخل على حياتهما اليومية الرتيبة تجديدًا، وكانا يذهبان في كل يوم أحد إلى كنيسة الأروام، ثم يتناولان الشطائر عند الغداء في حديقة وابور النور، الذي يقع في آخر الزقازيق بعد منشأة أباظة، ثم يذهبان إلى سينما أبولون في حفلة الساعة السادسة، ولا يمنعهما شيء عن هذا البرنامج إلا المرض ونادرًا ما كانا يعرفانه، والعجيب أو ربما لم يصبح عليهما عجيبًا أنهما كانا يستمتعان غاية المتعة بالموسيقى العربية والمارشات العسكرية، التي كانا يسمعانها من فرق الجيش في كشك وابور النور، فقد كانت موسيقى الجيش تعزف أيام الخميس والجمعة والأحد من بعد الظهر.

وكانت كثير من السيدات يمزحن مع فروسُّو وهي تخيط لهن ملابسهن، ويقلن لها إنك مصرية يا فروسُّو أكثر من المصريات، فلماذا لا تتكلمين مثلنا وتتركين لهجتك الجريجية هذه.

وتضحك فروسُّو وتقول: دا سغل يا خبيبتي، أقصد أقول دا شغل يا حبيبتي.

وتضحك السيدات وتقول هي: إذا أنا إكلمتوا أربي الستات يقول دي خياطة بلدي، ويتركنني ويذهبن إلى خياطة جريجي غيري.

كانت فروسُّو تعلم أن السيدات يحببن أن يلوين ألسنتهن باسم أجنبي، إذا أردن أن يذكرن اسم الخياطة التي تفصل لهن فساتين.

وكانت فروسُّو إذا ذهبت إلى أحد البيوت لتخيط لسيداته أصبح ذهابها موسمًا، وتجمعت عند هذه السيدة الصديقات الأخريات اللاتي تفصِّل لهن فروسُّو، ولا بأس أن يداعب الرجال فروسُّو أيضًا على مشهدٍ من الزوجات، فقد كانت مداعبات تثير الضحك ولا تثير الغيرة. قال لها لطفي سعيد بمنطق المال: لمن تجمعين يا فروسُّو كل هذا المال أنت وفوكيون؟

وتضحك فروسُّو ولا يمسها طائفٌ من الحزن أنها لم تنجب وتقول: من عارف يا لطفي بك. لصاحب النصيب.

– ألم تفكري أنت وفوكيون من هذا الذي يمكن أن يكون صاحب النصيب؟

– أو، أنا وفوكيون نفكر في كل حاجة سوا سوا.

– فيمن تفكران إذن ليكون صاحب النصيب؟

– على كل حال لطفي بك، مش إنت.

ويضحك الجميع ويقول لطفي: دا مؤكد فروسُّو، دا مؤكد.

وتقول هي جادة: لطفي بك تفتكر أنا وفوكيون نقدر نشتغل كدا على طول، يجيء يوم نتعب. نحب نستريح، يكون الفلوس موجودة، سفت لطفي بك. أنا وفوكيون أصحاب النصيب مش حد تاني.

ونقلت أتينا هذا الحديث بأكمله إلى فوكيون لمبرو وهما يتناولان العشاء ويسمران، وضحك فوكيون وقال لها باللغة اليونانية الخالصة: أحسنت الإجابة يا أتينا.

أتينا هو اسمها الحقيقي أما فروسُّو فاسم أبيها، ومع ذلك لا يناديها أحد بأتينا إلا زوجها وأخوها متراكي، فهو أيضًا اسمه متراكي فروسُّو، ولكن أحدًا لا يعرف عنه إلا متراكي، ولا يرى أحد داعيًا مطلقًا أن يبحث عن بقية اسمه، ومن عرفه صدفة لا يرى داعيًا أن يناديه به.

•••

وحين ماتت أتينا فروسُّو دون أي توقع، أصبحت الحياة عند فوكيون لمبرو صحراء جرداء لا تستحق أن تُعاش، كان قد أعد مع أتينا كل خطوة سيخطوانها في المستقبل، ولكنها أخلفت موعدها في لحظةٍ عابرة، وهما جالسان في البيت يلعبان الورق.

لم تقل إنها ذاهبة ولم تقل إنها متعبة، كل ما قالته بعد أن وضعت الورق على المنضدة: فوكيون. وقبل أن يجيب كانت هي قد أجابت داعي السماء.

لا معنى للحياة، ولكن الحياة لا تعترف برأي الأفراد ولا حتى برأي الجماعات أو الشعوب، إنها تمضي كما تعودت أن تمضي، ثانية تدفع ثانية ودقيقة تسوق دقيقة، وساعة تستحث ساعة ويوم يستبطئ يومًا، وأعوام تنتهب العمر انتهابًا.

ماذا أنا صانعٌ إذا لم أعمل، إذا كنت أعددت المستقبل لي ولأتينا، وتخلفت هي فالمستقبل لن يتخلف، بل هو قادمٌ رغبت أنا في قدومه أو لم أرغب، وسيجدني أنتظره ما دمت على قيد الحياة، والمصيبة الكبرى أنني لا بد أن أظل على قيد الحياة، والمصيبة الأعظم أنني لا أعلم متى سأغادر هذه الحياة، وقد أصبح العمل هو كل ما أملك في الحياة بعد أن كانت معه أتينا، أخشى إذا أنا توقفت عن العمل أن يهملني الموت ولا يذكرني، فهو زبون بلا موعد ولا منطق ولا عقل، يخطف أتينا وهي في قمة صحتها لا تشكو مرضًا، وينسى غيرها من الذين أنهكهم المرض سنوات طوالًا، قد يرسل إليَّ المرض، فالمرض من أتباع الموت ومن خدمه وحاشيته، ثم ينسى أنه أرسل لي المرض ويتركه عندي السنوات الكثيرة، وأصبح بلا مال أنفقه على الضيف الذي أرسله إليَّ الموت وعلى نفسي أيضًا.

لا بد إذن أن أعمل، فلئن جاءني الموت أو خادمه المرض وعندي مال، خيرٌ ألف مرة من أن يأتيني أحدهما، وخاصة الخادم، وأنا قليل المال، فالمرض ضيف لا حياء له ويرغم مضيفه على كثيرٍ من الإنفاق، ولا يقف به الطمع عند حد، فهو رذل وقح عربيد، لا يخجل ولا يبالي أن يطلب آلاف الجنيهات، وهو واثقٌ أنك ستدفعها ولا تناقش.

أعمل إذن، ولكن الحر شديد، وموت أتينا أصاب مشاعري بإحباطٍ كثيف، واللذة التي كنت أستشعرها وأنا أعتصر الحياة معها انعدمت تمامًا، ولم يصبح للحياة رحيق ولا للمال ذلك الطعم الساطع، الذي كان يملأ النفس رضًى وهناءة وطمأنينة وثقة.

والحر شديد وأنا لا أريد أن أذهب إلى الست عدلات، ولكن لا بد مع ذلك من الذهاب، فإن عليها لي مبلغًا من المال ونحن الآن في موعد حصاد القمح، وربما استطاعت أن ترد لي شيئًا من ديونها، ثم أنا لا أستطيع أن أمضي خطوةً بعد هذا، أمري إلى الله.

وفتحت نعمات خادمة الست عدلات الباب، وقالت في ألفةٍ: يوه هو أنت يا خواجة لمبرو؟

وقال لمبرو بعد أن دخل وقعد على كرسيه المعهود: هو أنا يا نعمات. كنت تنتظرين أحدًا آخر؟

– أبدًا يا خواجة، فقط كيف تقدر على المشي في هذا الحر الشديد.

– أكل العيش يا نعمات!

– بل أكل الجاتوه يا خواجة. ماذا ستعمل بكل هذه الفلوس يا خواجة، قل لي يا خواجة لمبرو أتكتم السر؟

– كل أعمالنا أسرار.

– سلفني مائة جنيه أتزوج بها، وأرد لك كل شهر حاجة.

– وأنا كيف سأراك إذا تزوجت يا نعمات.

– بلدنا قريبة.

– وتريدينني أن أروح لبلدك كل شهر من أجل القسط؟

– معروف تعمله فيَّ، ألا تعمل معروفًا لله أبدًا؟

– الله يعلم ولكن الذي تطلبينه مستحيل.

– أنا أحضر لك الفلوس حتى بيتك.

– قولي يا نعمات، من خطيبك؟ أنت ما زلت صغيرة على الزواج.

– أبو الروس.

– من؟

– سويلم أبو الروس.

– ماذا يعمل؟

– يعمل في مقهًى في البلد.

– كم عمره؟

– قريب مني.

– أكبر؟

– يا ترى كل هذا التحقيق له فائدة؟

– أين الست عدلات؟

– جائية.

– أهي ليست هنا؟

– عند الست تفيدة.

– فوق؟

– نعم.

– فهي لن تأتي إذن.

– لماذا يا خواجة لا قدر الله؟

– الاثنتان لا تتوقفان عن الحديث إلا بالبوليس.

وتضحك نعمات وتقول له: الله يجازيك يا خواجة لمبرو. ماذا قلت؟

– فيمَ؟

– خواجة. أنسيت؟

– قلت لي عمره كم؟

– أنت مالك.

– أعرف.

– ما دخل هذا فيما أطلبه؟

– فقط قولي، أهو أكبر منك؟

– يا سلام يا خواجة.

– كم عمرك؟

– ثماني عشرة سنة.

– يعني عنده عشرون تقريبًا.

– لن أقول لك.

– فهو أصغر منك إذن.

– يا خبر أسود. هل هذا معقول؟

– ليس مهمًّا.

– وما رأيك؟

وقبل أن يجيب تدخل الست عدلات، وتفاجأ بالخواجة لمبرو.

– يخيبك يا لمبرو. في هذا الحر؟

– وأنت ست عدلات تخرجين في هذا الحر، أنا أخرج من أجل العمل، لكن أنت تخرجين من أجل التسلية.

– الفلوس على قلبك ستقتلك، وتخرج في هذا الحر؟

– والله ست عدلات لم أعد أحب أن أبقى في البيت أبدًا، البيت كله أسود في وشي.

– الله يرحمك يا أتينا، والله من يوم ما راحت وأنا لم ألبس شيئًا أرتاح له.

– مرسي ست عدلات.

– هل معك حاجة جديدة؟

– طبعًا. لكن أنت أليس عندك حاجة قديمة؟

– يخيبك يا لمبرو. كم حسابي؟

– خمسة وعشرون جنيهًا.

– وكم تريد منها؟

– خمسة وعشرين جنيهًا.

– أليس عندك دم؟

– أنت سألت كم تريد وقلت لك ما أريد وأنت حرة.

– طيب أرني ما عندك. يا نعمات، بنت يا نعمات.

وتأتي نعمات مبتسمة ومعها حقيبة يد سيدتها.

وتضحك نعمات ويضحك لمبرو: كيف عرفت يا بنت أني أريد حقيبة يدي؟

وقالت نعمات وهي تضحك: وهل يأتي إلا من أجل حقيبة يدك؟

ويقول لمبرو: ملعونة أنت يا نعمات. لما أخلص مع الست لي معك كلام أمام الست عدلات.

– صحيح يا خواجة.

– ليس كما فهمت، ولكنك ستفرحين جدًّا.

– الله يخليك يا خواجة.

– مش مهم يا نعمات مش مهم. لا أريد أن يخليني مش مهم.

– برضه الله يخليك ويعطيك الصحة.

– آه، دا مهم، الصحة مهم، مرسي نعمات مرسي.

وتعطي الست نعمات للخواجة لمبرو عشرة جنيهات، ويدور جدل طويل يقصد لمبرو أن يطيله حتى تنكسر حدة الحر، ويستمتع بفنجان القهوة الذي أحضرته نعمات مع الماء البارد.

وتبدأ الست عدلات في رؤية الأقمشة الجديدة، وتنقلب الحقيبة رأسًا على عقب، وتتناثر محتويات البقجة، ويخرج عثمان بك من نومة القيلولة، ويجد بهو بيته مليئًا بالأقمشة ولا يعجب، فهو أمرٌ تعوده ويمزح مع لمبرو: أنا يا لمبرو لا أشوفك إلا ومصارينك كلها ملقاة على الكراسي والسجاجيد.

– أمر الله يا عثمان بك. أمر الله.

– لا تترك منها الكثير، فأنا الذي أدفع ثمنها كما تعرف.

– أعرف وأنا الذي أنتظر الثمن حتى تطلع روحي يا عثمان بك.

ويضحك عثمان بك ويخرج ويستمر العرض.

وتغرب الشمس، وتنتقي عدلات هانم قطعةً واحدة من كل الأقمشة التي كانت ملقاة بعرض البهو وطوله، تعطيه جنيهين من ثمنها، وتدخل نعمات تعاون لمبرو في إعادة الحقيبة والبقجة إلى ما كانتا عليه عند قدومه، ويسأل لمبرو في إصرار: كم عمر عريسك؟

وتدهش نعمات من هذا الإصرار.

– ماذا جرى يا خواجة أتريده في الجيش، ألم تقل أنت عمره؟

– فقط قولي.

– عشرون سنة كما قلت أنت.

– اتفقنا.

– أتعطيني المائة جنيه؟

– أكثر بكثير.

وتسأل عدلات هانم وتنقل لها نعمات الحوار الذي دار بينها وبين لمبرو، وتقول عدلات: ألم يقل سيدك إنه سيعطيك المائة جنيه في القطن؟

وتضحك نعمات في حياءٍ، وتقول: وماذا أعمل يا ستي؟

– يا لهوك! تعملين في ماذا؟

– الولد سويلم يريد أن يتزوج في مولد سيد أبو مسلم، وتضحك عدلات وتقول: آه مستحيل. طيب ولا يهمك يا بنت، جهازك على نفقتي في أي وقت.

– ربنا يطول عمرك يا ستي ويخليك.

ويتدخل لمبرو: يعني أنا خارج الموضوع إذن؟

وتضحك نعمات وهي تقول: البركة في ستي يا خواجة. أما أنت فإننا نريدك في الخير.

ويقول لمبرو: ولكن أنا الذي أريدك الآن يا نعمات.

– كيف؟

– أنت قلت إن سويلم يعمل في مقهى؟

– نعم.

– وهل هذا عمل؟

– لا يعرف كيف يفلح الأرض.

– أحسن.

– كيف؟ يا ليته كان فلاحًا.

– ما رأيك يا نعمات وأنت ست عدلات، أن يأتي سويلم ويساعدني في العمل.

وصاحتا معًا: ماذا؟

وساد الصمت مليئًا بالضجيج.

وما له والله فكرة يعمل مع لمبرو، وفي هذه الحالة لا تتركني البنت نعمات، ولا أحتاج للبحث عن غيرها، وأين أجد مثلها؟ أنا التي ربيتها وأصبحت تعرف كل طلباتي، وكم كنت سأتعب حتى أجعل خادمةً غيرها مريحة لي مثلما هي مريحة.

وساد صمتٌ آخر.

– والله فكرة.

إذن فقد قضي عليَّ أن أبقى هنا، وما له، اللقمة طيبة والهدمة نظيفة، والذي نعرفه خير مما لا نعرفه، وهل كان سويلم سيستتني لا بد أنني كنت سأخدم في البلد، إن لم يكن عند العمدة، فعند أحد الأعيان وربنا يعلم أين، ولكن!

– ولكن يا خواجة …

– انطقي يا نعمات، ولكن ماذا؟

– سيدخل سويلم معك إلى الستات.

وضحكت الست عدلات وضحك الخواجة، وهو يقول: هذا شغلنا يا نعمات وأكل عيشنا. أتخافين عليه من الستات وكلهن كبيرات وزوجات أعيان؟

– أتخافين عليه من الستات يا مضروبة؟

– يا لهوي يا ستي أليس رجلًا، لا بد أن عينه ستروح هنا، أو هنا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤