الفصل الرابع

كبير المسئولين الدائمين لدى وزارة الداخلية السيد جورج جليسون رجل ينتظر ثناء الناس عليه، وقد كان. معرفة السبب ليست صعبة. لم تكن صفاته ذات جمال فريد — بل كان قصيرًا، عريض المَنكبَين، شعره أسود، حليق الذقن. من نظرة عابرة، قد يشبه أي مهني حسن السمعة. ولكن بمجرد أن تلتقيَ عيناك مع عينيه، فلن تنسى البتة أن الرجل أثار إعجابك. عيناه غائرتان وسوداوان يعلوهما حاجبان كثيفان — عينان لامعتان كأنهما تستوعبان كل ما تفكر فيه أو تشعر به، وكذا كل كذبة تفوهت بها.

كان جورج جليسون أقرب إلى مرحلة الشباب إذ كان قد بلغ بالكاد سن الخمسين، وكان يتمتع بحس الدعابة والخيلاء لدرجة أن بعض زملائه الأكبر سنًّا كانوا يرون أن تصرفاته صبيانية في بعض الأحيان. المناصب العليا في الخدمة المدنية البريطانية يتقلَّدها رجال بارزون. والتعامل بين أعضاء الحكومة عبارة عن لعبة تحايل مُتقَنة، ومن يجربون مظاهر الأبهة والعظمة، تنخلع عنهم تلك المظاهر. ومِن ثَم، كان لجورج جليسون زملاء ورؤساء أقسام لعبوا على نقاط ضعفه القليلة؛ وربما كانوا هم من يُكنُّون الاحترام لعقله ورأيه وعدم مبالاته المطلقة. في الحقيقة، كان جورج جليسون موظفًا مدنيًّا من النوع الذي لا يصدق الأمريكيون أنه موجود حقًّا.

لم تكن مهام وزارته معنية بأنشطة الشرطة في بريطانيا العظمى فحسب، بل بإدارة وزارة الداخلية ككل. وعلى الرغم من ذلك، جورج جليسون أحد الرجال القلائل الذين لا تنقطع عن حياتهم بعض أوقات الفراغ. احتاج إلى تلك الهدية كي يختليَ بنفسه بعض الوقت هذا الصباح إذ يعج مكتبه الكبير في وزارة الداخلية بكمٍّ هائل من القصاصات الصحفية المثبتة على أوراق ربعية من الورق العادي إذ تحدث عن قضية قتل أويسيل. وفيما يلي بعض العناوين التي تعطي صورة عن الرأي العام بشأن الأحداث الغريبة التي وقعت في البرلمان ليلة البارحة.

«انتحار ضيف الوزير»

«حادث موت غريب لمليونير على العشاء الخاص لوزير الداخلية»

«رجل أمريكا الغامض يموت في مجلس العموم وتتعرض شقته لحادث سطو»

عناوين الصحف كانت تناديه.

لو وقع هذا الحادث مع أي وزير آخر، لما اهتم السيد جورج جليسون شخصيًّا بذلك. كان قسم الشرطة يدير شئونه الخاصة إلى حدٍّ كبير، إلا عندما يتعيَّن اتخاذ قرارات بشأن المسائل السياسية. لكنه كان موظفًا مدنيًّا يتحلى بالكفاءة والإخلاص، ولذا كان يعتبر أي أحداث تقع لرئيسه السياسي كأنها وقعت له شخصيًّا. انتفض جورج جليسون، ولكن إذا كان السياسي — رئيس لساعة عابرة — سينطلق في مغامرات سياسية بدلًا من التمسك بمشكلته مثل فتًى طيب يُمسك بيد مربية حكيمة، فما المتوقع غير المتاعب؟ شعَر السيد جورج أنه وقع في كل المتاعب التي أرادها من وزير الداخلية ذاك، المبجل ظاهريًّا والعنيد باطنيًّا شأنه شأن الموظف المدني الكبير نفسه.

ضغط السيد جورج على أحد الأزرار الكهربائية المصطفة على مكتبه، ومِن ثَم دخل عليه السكرتير من دون ضوضاء من خلف حاجز صغير.

«من الذي يتولَّى القضية التي وقعت في مجلس العموم؟»

«المفتش بلاكيت يا سيدي. لقد اتصل من دائرة التفتيش الجنائي ويطلب رؤيتك في أقرب وقت ممكن.»

«هل وصل وزير الداخلية؟»

«كلا يا سيدي، اتصل هاتفيًّا من منزله وقال إنه لن يأتيَ حتى يحين موعد المفتش بلاكيت في منتصف اليوم.»

«الأفضل أن تتصل ببلاكيت واطلب منه المجيء إليَّ الآن.»

«أمرك يا سيدي.»

رن جرس الهاتف. إنه سكرتير رئيس الوزراء. هل اطلع السيد جورج جليسون على الأخبار وعلى مديح رئيس الوزراء إذ ينبغي للسيد جورج أن يُوليَ تلك المسألة بعض الاهتمام وإلا فقد تظهر قضايا خطيرة؟

استفسر الموظف الكبير في وزارة الداخلية: «هل يرغب رئيس الوزراء في رؤيتي؟»

تشدق الصوت على الهاتف بلكنة صافية لأهل أكسفورد: «أوه، كلا، إنه لا يظن أنه ينبغي إزعاجكم. طلب مني فقط أن أخبركم …»

«إذن، أخبر رئيس الوزراء أن المسائل التي تتعلق بالوزارة التي أعمل لديها ستنال اهتمامي البالغ كالمعتاد.» ثم وُضعت سماعة الهاتف مرة أخرى في مكانها.

يخطئ رؤساء الوزراء عندما يعتمدون حصرًا على الكفاءة دون مراعاة الجانب الإنساني. فقليل من الإطراء الشخصي يُسهِّل الأمور كثيرًا.

ضغط السيد جورج على الزر كي يُدخل المفتش بلاكيت، ومِن ثَم حيَّاه بالتحية الواجبة في حضوره. لا يرتكب السيد جورج أخطاءً في التعامل مع مرءوسيه. كان تعامله مع المفتش مزيجًا غامضًا كأنه صاحب ملك يستقبل كبير الموظفين لديه ربما في الرتبة الرابعة من التسلسل الهرمي وكأنه رجل من العامة يتحدث إلى آخر في الأعمال. كذلك لم يترك أحدًا منتظرًا عند بابه بينما مضى قُدمًا في إنجاز عمله. دخل في صلب المسألة محل الحديث مباشرةً.

«أظن أن تلك الوقائع صحيحة أيها المفتش. هل لديك أي تفاصيل إضافية؟»

نظر بلاكيت إلى كومة الصحف على المكتب.

«هل وصلتك آخر الأخبار يا سيدي بشأن السطو على شقة السيد أويسيل وموت جينكس؟»

«نعم. جينكس، يا له من مسكين! إنها مسألة غير عادية حقًّا. لا أتدخل البتة في قضايا الشرطة يا بلاكيت، ولكن نظرًا لاحتمال وجود مشكلاتٍ أكبر من موت هذين البائسَين، فقد طلبت من رئيسك أن تبقى على تواصل معي.»

«حسن جدًّا يا سيدي.» شعَر المفتش بلاكيت بوهَجٍ دافئٍ بداخله. حتى بالنسبة إلى المحققين المتمرسين في شرطة سكوتلانديارد، فإنهم يعتبرون السكرتير الدائم للوزير بمثابة إله في سماء بعيدة. وأن يكون بلاكيت تحت إمرته المباشرة، فهذا حسن حظ يقدره بلاكيت حق التقدير.

أخذ السيد جورج جريدة «ديلي دليفيرر». «يبدو أن تلك الجريدة تنشر أكمل تقرير وسيكون بمثابة أساس. لم أرَ وزير الداخلية منذ وقوع ذلك الحادث. أظن أن العشاء مع السيد أويسيل اتسم بخصوصية تامة، أليس كذلك؟»

«بلى يا سيدي. السيد ويست رتَّب العشاء لوزير الداخلية.»

استفسر السيد جورج بحدة: «وما شأن ويست بهذا؟» مثل جميع الموظفين المدنيين المهمين، كان يكره مهن السكرتارية السياسية الخاصة التي لا تتحمل مسئولية ولكنها تُمنح هذا التواصل الشخصي مع الوزير.

«قال السيد ويست إنها كانت مسألة شخصية، ولا عَلاقة لها بوزارة الداخلية.»

«فهمت.» كان الأمر سيتطلب دراسة مُكوَّنة من ثلاثة مجلدات لشرح كل تلك الحماقة المعبَّر عنها في تلك الملاحظة.

«على حد معلوماتي يا سيدي، لم يكن السيد أويسيل راغبًا في المجيء في بادئ الأمر. فهو لم يحضر البتة فعالياتٍ اجتماعية.»

«إذن، لماذا كانت هذه المرة استثناءً؟»

«ذاك ما لا أعلمه. قال السيد ويست إنه يجب أن أسأل وزير الداخلية. أعتقد أنه من الأفضل أن تسأله أنت يا سيدي.»

تذمَّر السيد جورج تعبيرًا عن نفاد صبره. «لكن هل لدى أحد فكرة عن سبب مجيئه إلى مجلس العموم من أجل العشاء ثم الانتحار وهو لا يزال تحت ناظر مضيفه؟»

«هذا لو انتحر يا سيدي!»

نظر السيد جورج متحيرًا: «لو انتحر؟ ما الذي تعنيه بقولك هذا؟ هل هناك شكٌّ في ذلك؟ كل الصحف تقول إنه انتحر بمسدس وُجد بجانبه.»

«ربما الأصلح أن ندع الصحافة تستمر في تلك الرواية إلى أن تتضح الرؤية أمامنا، ولكن يوجد عدة سمات تحيرني في القضية.»

«بالطبع أجريت أنت والخبراء كل الاختبارات المعتادة، أليس كذلك؟»

«أوه، بلى، وهنا تكمن الصعوبة. أجزاء الأدلة لا تتوافق مع نظرية الانتحار.»

«هل الرَّصاصة لا تتوافق مع المسدس؟»

«بعض الشيء، وغِلاف الرَّصاصة التي أُطلقت بالتأكيد لا يزال في المسدس. وفوَّهة المسدس تحولت إلى اللون الأسود.»

«حسنًا، وماذا بعد؟»

«لكن يا سيدي عندما ينتحر إنسان، فإنه يثبت المسدس جيدًا بالقرب من جسده أو رأسه أو قلبه أو فمه أو أي جزء يطلق الرَّصاص على نفسه فيه. عندئذٍ، يظهر على الملابس أو البشَرة التي ضغط بالمسدس عليها علامات احتراق جرَّاء انطلاق الرَّصاصة.»

«هل تلك الحالة ثابتة؟»

«هل أريك يا سيدي؟» أخرج بلاكيت علبة ثقاب من جيبه. أشعل عود الثقاب بحيث يلامس طرفه الورق النشاف وقت الإشعال، قال: «انظر الآن يا سيدي. ترى علامة اللهب تلك يا سيدي. على الرغم من سرعة هذا الإجراء، لم نتمكن من تجنُّب ترك أثر في الورق النشاف. بالطريقة نفسها، لا يمكنك تجنب ترك أثر اشتعال بسبب لهب المسدس إذا ضُغط به على الملابس أو البشرة عند إطلاق الرَّصاص.»

جرب السيد جورج التجربة بنفسه. قال متأملًا: «نعم، أرى ذلك، ولكن هل يجب الضغط بالمسدس على الجسم في تلك الحالة؟ ألا يُحتمل أن السيد أويسيل صوَّب المسدس من بعيد عندما أطلق الرَّصاص؟»

«هذا مجرد احتمال، لكنه ليس مرجحًا حيث إنه قد لا يُترك أثر احتراق إذا أطلق الإنسان الرَّصاص على نفسه من خلال فمه كما يُفعل في العادة، ولكن التصويب على القلب مختلف. لن يريد الرجل أن يشعر بضربات قلبه قبل إطلاق الرَّصاص. سيُضطر إلى الضغط بالمسدس على جسمه وإلا فسيكون ارتكابه تلك الجريمة محل شك. وتلك نقطة أخرى يا سيدي. لا يصوب المنتحرون الرَّصاص على أجسامهم إذا عقدوا العزم على إنهاء حياتهم. فتلك مخاطرة كبيرة.

قد تذهب الرَّصاصة في أي مكان وربما يئول الأمر إلى الرقاد في المستشفى عدة أسابيع.»

«وأنا أتخيل أن السيد أويسيل ليس جديدًا على استعمال المسدس.»

«كلا يا سيدي. بناءً على التحريات، استنتجنا أنه كان رجلًا قويًّا في أيام شبابه، وكان معتادًا على استخدام السلاح. بالطبع هذا بالرغم من عجزه حيث إنه أصيب بعيارٍ ناريٍّ في مكان سيئ وهو في ديترويت حينذاك.»

«هل تلك الإصابة تعيق قدرته على إطلاق النار؟»

«أوه، كلا يا سيدي. على حد ما عرفته من خادمه، لم يُصَب غير ساقيه بتلك الإصابة السيئة التي أدَّت إلى عرجه. فقد كان يتحرك بصعوبة كبيرة.»

«تلك الإصابة ستسهل على شخص آخر أن يطلق النار عليه، ولكن من كان هناك من أجل ارتكاب تلك الجريمة؟»

«هنا يكمن اللغز يا سيد جورج. وعلى حد قول السيد ويست، فقد كان السيد أويسيل بمفرده في الغرفة عندما دخل هو والسيد شاو وخادم الضيافة وقت سماع صوت إطلاق الرَّصاصة.»

«هل تمكن أحد من الدخول إلى الغرفة في الفترة بين مغادرة وزير الداخلية ودخول السيد ويست؟»

«أظن أنه لم يواجه أي صعوبة في دخول الغرفة. كان الكل منشغلًا في قاعة هاركورت والمكان يعج بالغرباء … ربما مرَّ شخص أنيق الملبس باعتباره ضيفًا، ولكن لا يمكن أن يخرج مرة أخرى من دون أن يراه السيد ويست.»

«ألا يستطيع الخروج من النافذة؟»

ابتسم المفتش بلاكيت. «أنت تعلم أن تلك النوافذ تُطلُّ على الشرفة المكشوفة يا سيدي. إنها ضيقة للغاية ويَصعُب على الرجل أن يعصر نفسه ويمرَّ منها من دون أن يلفت الانتباه إلى حد كبير. وكان الجو معتدلًا حينذاك وكان المكان مضاءً. كان الناس يتمشَّون في الشرفة المكشوفة. ولكن على أية حال، كانت النوافذ موصدة من الداخل وأنت تعلم مدى متانة المشابك في تلك النوافذ. فلا أحد سيخرج من النافذة ثم يقفلها خلف نفسه.»

عبَّأ السيد جورج غليونه وهو غارق في التفكير، وناول كيس التبغ وعلبة السجائر بلاكيت، ومِن ثَم أخذ سيجارة. «لنفترض أن أحدًا دخل إلى الغرفة بعدما غادرها وزير الداخلية وأطلق الرَّصاص عليه وأطلق رَصاصة تمويه في مكان قريب ومِن ثَم سمع السيد ويست تلك الرَّصاصة. هل فكرت في ذلك؟» المفتش بلاكيت رجل متمرس. تمكن من عدم إظهار تعبيرات وجهه، بل إنه أظهر أنه يُبدي اهتمامًا مهذبًا بنظرية رائعة.

«ينبغي اعتبار تلك النظرية محتملة يا سيدي. إنها نظرية ذكية للغاية إذا جاز التعبير، ولكن هناك صعوبة أو اثنتين. لم تُسمع رَصاصة أخرى، والتكهُّن بإطلاق رَصاصة أخرى يوضح عدم احتمالية مرور شخص آخر من دون أن يلاحظه أحد حتى في تلك الساعة المزدحمة. وفي رأيي أنه لا شك في أن الرَّصاصة التي سمعها السيد ويست هي الرَّصاصة التي قتلت السيد أويسيل.»

«كانت مجرد نظرية خطرت على بالي. كلنا نحب أن نشاركك في عملك يا بلاكيت. ولكن من أطلق الرَّصاص؟ الشخص الوحيد الذي كان في الغرفة ومعه مسدس … ولكن بالمناسبة، هل المسدس ملك للسيد أويسيل؟»

«نعم يا سيدي. تعرَّف دوبيسك على المسدس. والحروف الأولى من اسم السيد أويسيل محفورة عليه.»

«غريب هذا. وماذا عن البصمات؟»

«لن نعثر إلا على بصمات السيد أويسيل نفسه وبصمات السيد ويست.»

«بصمات السيد ويست؟»

«أخذ المسدس من الأرض عندما وجد الجثة. ولكن بصماته خفيفة للغاية، وليست البصمات التي يتركها الضغط اللازم من أجل إطلاق الرصاص. ولكن بالطبع ربما ارتدى الفاعل قفازات.»

«لكن ألا تظن أن الحادث انتحار؟»

«بناءً على الاختبارات التي أجراها خبراؤنا، لا أظن ذلك يا سيدي.»

«إذن لا يمكننا ترك المسألة عند هذا الحد. وعلى أية حال، يجب أن تعرف الحكومة الحقيقة وإلا فسنصبح كلنا على فوَّهة بركانٍ معرَّض للثوران في لحظة صعبة. أنا أثق في خبرتك ورجاحة عقلك في تلك القضية يا سيد بلاكيت. لنتحدث الآن عن عملية السطو على الشقة. قُدِّم جينكس إلى السيد أويسيل بصفته حارسًا شخصيًّا عندما رفض حماية الشرطة. لماذا لم يكن معه في المجلس؟»

قال بلاكيت: «يبدو أن السيد أويسيل يخاف على أوراقه أكثر مما يخاف على نفسه، وكره الحماية الشخصية عند خروجه، حتى الحماية من جينكس. لا يخرج إلا نادرًا، ولا يخرج إلا لعمل رسمي حسبما علمت.»

«بالطبع لا يمكن لأحدٍ أن يقول «لقد أخبرتك بكذا» لرجل ميت، ولكن …» ونبرة السيد جورج أوصلت ما يراه في الحقيقة بشأن الزوار الأجانب الذين لا يفعلون ما تقوله لهم الشرطة البريطانية بحذافيره ومِن ثَم يُقحمون أنفسهم في فوضى كتلك. ظل السيد جورج صامتًا لفترة مائلًا إلى الأمام وينقر على محبرة بقلم رصاص. جالت عينا بلاكيت في الغرفة الكبيرة الكئيبة. لم يسبق له أن رأى هذا الحرم الداخلي لدار سلطة عليا. بدت الغرفة موحشةً حتى في عينَي مهنته. تنم الكتب الضخمة على الرفوف عن عظمة القانون المسطور في عدة آلاف من الصفحات. بدا مكتب السيد جورج نصبًا تاريخيًّا وليس مجرد قطعة أثاث. رف الموقد البسيط للغاية المصنوع من ألواح الرخام الأبيض الثقيل توحي بدخول قبر وليس هيكلًا محددًا لإشعال نيران الدفء. ولكن أكثر شيء أثار اهتمامه هو نموذج مطبوع له حافة سوداء وملصق على ورق مقوى مسنود على رف الموقد.

بخط أسود سميك، كُتب العنوان «أحكام الإعدام». وتحت العنوان، مكتوب سبعة أسماء. من الناحية المهنية، يهتم بلاكيت برؤية الجانب الآخر من عمله. ساعد في تتبع المجرمين وتسليمهم إلى القانون. وفي المرحلة قبل الأخيرة من تنفيذ الحُكم، يُكتب اسم المحكوم عليه بخط جميل على تلك البطاقة. تلك مهمة من المهمات العديدة المنوطة بالسيد جورج جليسون أن يقرر أيهم ينتقل إلى المرحلة الأخيرة والنهائية. بفخرِ فنيٍّ ماهر، بدأ المفتش يتساءل هل بإمكانه إضافة اسم آخر أو ربما اسمين إلى تلك القائمة عندما يحل لغز تلك القضية أم لا. تحت السيد جورج مباشرة أيضًا. إنه محظوظ في هذا الموقف.

توقَّف السيد جورج عن النقر بالقلم الرصاص والتفت إليه.

«حسنًا، أنا سعيد لأن تلك القضية بين يديك يا بلاكيت. أطلعني على المستجدات في كل مرحلة. سأعرِّج على وزير الداخلية كما قلت، وإن كان يعرف أي شيء يساعدك، فأنا متأكد من أنه سيحرص على أن يعطيَك الوقائع.»

«لديَّ موعد مع وزير الداخلية في الساعة الثانية عشرة يا سيدي.»

«أوه، نعم، لقد قلت لي. نسيت. الأفضل أن أعفيَك من ذلك. ربما يراك في وقت لاحق. متى ستبدأ التحقيقات؟»

«بعد غد في الساعة الثانية عشرة يا سيدي.»

«بالطبع ستطلب تأجيلًا، أليس كذلك؟»

«بلى يا سيدي. علينا فقط أن نقدم دليلًا رسميًّا حينها.»

«جيد، سأراك قبل ذلك. ربما في وقت لاحق اليوم. أوه، على أية حال، هل عينت حراسة على الغرفة جيه؟»

«أصدرت الأوامر بضرورة حراسة الغرفة في الليل والنهار يا سيدي.»

«احتراز مفيد. ما الذي ستفعله الآن؟»

«إذا كنت ستقابل وزير الداخلية يا سيدي، أريد أن أذهب إلى شقة السيد أويسيل في تشارلتون كورت لفترة قصيرة. لم أتمكن من دراسة الألغاز هناك حتى الآن، ولكني وضعت رجلًا يمتاز بالكفاءة ريثما أذهب.»

«جيد جدًّا إذن. صباح الخير وحظًّا موفقًا.»

«شكرًا لك يا سيدي.» أغلق المفتش بلاكيت فمه وهو خارج إلى الطرقة. السيد جورج العظيم وضع القضية بين يديه. سيريه. بدت الترقية قريبة إلى المفتش بلاكيت حينئذٍ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤