كُنْ بَلْسَمًا

Wave Image
كُــنْ بَـلْـسَـمًـا إِنْ صَـارَ دَهْـرُكَ أَرْقَـمَـا
وَحَــلَاوَةً إِنْ صَــارَ غَــيْــرُكَ عَـلْـقَـمَـا
إِنَّ الْــحَــيَــاةَ حَـبَـتْـكَ كُـلَّ كُـنُـوزِهَـا
لَا تَـبْـخَـلَـنَّ عَـلَـى الْـحَـيَـاةِ بِبَعْضِ مَا
أَحْـسِـنْ وَإِنْ لَـمْ تُـجْـزَ حَـتَّـى بِـالـثَّنَا
أَيَّ الْـجَـزَاءِ الْـغَـيْـثُ يَبْغِي إِنْ هَمَى؟
مَـــنْ ذَا يُــكَــافِــئُ زَهْــرَةً فَــوَّاحَــةً
أَوْ مَـنْ يُـثِـيـبُ الْـبُـلْـبُـلَ الْـمُـتَـرَنِّـمَا؟
عُـدَّ الْـكِـرَامَ الْـمُـحْـسِـنِـيـنَ وَقِـسْـهُمُ
بِــهِــمَـا تَـجِـدْ هَـذَيْـنِ مِـنْـهُـمْ أَكْـرَمَـا
يَـا صَـاحِ خُـذْ عِـلْـمَ الْـمَـحَـبَّـةِ عَنْهُمَا
إِنِّــي وَجَــدْتُ الْـحُـبَّ عِـلْـمًـا قَـيِّـمَـا
لَــوْ لَــمْ تَـفُـحْ هَـذِي، وَهَـذَا مَـا شَـدَا
عَــاشَــتْ مُـذَمَّـمَـةً وَعَـاشَ مُـذَمَّـمَـا
فَـاعْـمَـلْ لِإِسْـعَـادِ الـسِّـوَى وَهَـنَـائِهِمْ
إِنْ شِـئْـتَ تَـسْـعَـدْ فِي الْحَيَاةِ وَتَنْعَمَا
أَيْـقِـظْ شُـعُـورَكَ بِـالْـمَـحَـبَّـةِ إِنْ غَـفَـا
لَـوْلَا الـشُّـعُـورُ الـنَّـاسُ كَانُوا كَالدُّمَى
أَحْـبِـبْ فَـيَـغْـدُو الْـكُـوْخُ كَـوْنًـا نَـيِّرًا
وَابْغَضْ فَيُمْسِي الْكَوْنُ سِجْنًا مُظْلِمَا
مَـا الْـكَـأْسُ لَـوْلَا الْـخَمْرُ غَيْرَ زُجَاجَةٍ
وَالْــمَــرْءُ لَــوْلَا الْــحُــبُّ إِلَّا أَعْــظُـمَـا
كَــرِهَ الــدُّجَــى فَــاسْــوَدَّ إِلَّا شُـهْـبُـهُ
بَـقِـيَـتْ لِـتَـضْـحَـكَ مِـنْهُ كَيْفَ تَجَهَّمَا
لَـوْ تَـعْـشَـقُ الْـبَـيْـدَاءُ أَصْـبَـحَ رَمْـلُـهَا
زَهْــرًا، وَصَــارَ سَـرَابُـهَـا الْـخَـدَّاعُ مَـا
لَـوْ لَـمْ يَـكُـنْ فِـي الْأَرْضِ إِلَّا مُـبْـغِضٌ
لَـــتَــبَــرَّمَــتْ بِــوُجُــودِهِ وَتَــبَــرَّمَــا
لَاحَ الْــجَــمَــالُ لِــذِي نُـهًـى فَـأَحَـبَّـهُ
وَرَآهُ ذُو جَـــهْـــلٍ فَـــظَــنَّ وَرَجَّــمَــا
لَا تَــطْــلُــبَــنَّ مَــحَــبَّــةً مِـنْ جَـاهِـلٍ
الْـمَـرْءُ لَـيْـسَ يُـحِـبُّ حَـتَّـى يَـفْـهَـمَا
وَارْفُــقْ بِــأَبْــنَــاءِ الْــغَــبَــاءِ كَـأَنَّـهُـمْ
مَـرْضَـى، فَـإِنَّ الْـجَهْلَ شَيْءٌ كَالْعَمَى
وَالْــهُ بِــوَرْدِ الــرَّوْضِ عَــنْ أَشْـوَاكِـهِ
وَانْـسَ الْـعَـقَـارِبَ إِنْ رَأَيْـتَ الْأَنْـجُمَا
يَــا مَــنْ أَتَــانَــا بِــالــسَّــلَامِ مُـبَـشِّـرًا
هَـشَّ الْـحِـمَى لَمَّا دَخَلْتَ إِلَى الْحِمَى
وَصَـفْـوُكَ بِـالـتَّـقْـوَى وَقَـالُـوا جَـهْـبَذٌ
عَــلَّامَــةٌ، وَلَــقَــدْ وَجَــدْتُـكَ مِـثْـلَـمَـا
لَــفْــظٌ أَرَقُّ مِــنَ الـنَّـسِـيـمِ إِذَا سَـرَى
سَــحَـرًا، وَحُـلْـوٌ كَـالْـكَـرَى إِنْ هـوَّمَـا
وَإِذَا نَـطَـقْـتَ فَـفِـي الْـجَوَارِحِ نَشْوَةٌ
هِـيَ نَـشْـوَةُ الـرُّوحِ ارْتَوَتْ بَعْدَ الظَّمَا
وَإِذَا كَـتَـبْـتَ فَـفِـي الطُّروسِ حَدَائِقٌ
وَشَّـى حَـوَاشِـيَـهَـا الْـيَـرَاعُ وَنَـمْـنَـمَـا
وَإِذَا وَقَـفْـتَ عَـلَـى الْـمَـنَـابِرِ أَوْشَكَتْ
أَخْــشَــابُــهَــا لِلــزَّهْــوِ أَنْ تَــتَـكَـلَّـمَـا
إِنْ كُـنْـتَ قَـدْ أَخْـطَـاكَ سِـرْبَالُ الْغِنَى
عَـاشَ ابْـنُ مَـرْيَـمَ لَيْسَ يَمْلِكُ دِرْهَمَا
وَأَحَــبَّ حَــتَّــى مَــنْ أَحَـبَّ هَـلَاكَـهُ
وَأَعَــانَ حَــتَّــى مَـنْ أَسَـاءَ وَأَجْـرَمَـا
نَـامَ الـرُّعَـاةُ عَـنِ الْـخِـرَافِ وَلَـمْ تَـنَمْ
فَـإِلَـيْـكَ نَـشْـكُـو الْـهَـاجِـعِـيـنَ النُّوَّمَا
عَــبَــدُوا الْإِلَــهَ لِــمَــغْــنَـمٍ يَـرْجُـونَـهُ
وَعَـبَـدْتَ رَبَّـكَ لَـسْـتَ تَـطْـلُـبُ مَغْنَمَا
كَـــمْ رَوَّعُــوا بِــجَــهَــنَّــمٍ أَرْوَاحَــنَــا
فَــتَــأَلَّــمَــتْ مِــنْ قَـبْـلِ أَنْ تَـتَـأَلَّـمَـا!
زَعَــمُــوا الْإِلَــهَ أَعَــدَّهَــا لِــعَــذَابِــنَـا
حَــاشَــا، وَرَبُّـكَ رَحْـمَـةٌ، أَنْ يَـظْـلِـمَـا
مَـا كَـانَ مَـنْ أَمَـرَ الْـوَرَى أَنْ يَـرْحَمُوا
أَعْـــــدَاءَهُـــــمْ إِلَّا أَرَقَّ وَأَرْحَــــمَــــا
لَـيْـسَـتْ جَـهَـنَّـمُ غَـيْـرَ فِـكْـرَةِ تَـاجِـرٍ
أَللــهُ لَــمْ يَــخْــلُــقْ لَــنَــا إِلَّا الـسَّـمَـا

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: أُلقيَت في مأدبة أقامتها الطائفة الأرثوذكسية على شرف المندوب البطريركي المطران ثيودوسيوس أبو رجيلي في بروكلن - نيويورك.
  • غرض القصيدة: الحكمة
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الكامل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

إيليا أبو ماضي: واحد من أبرز شعراء المهجر الذين أثْرَوُا الشعر العربي في أوائل القرن العشرين بقصائدهم ودواوينهم.

ولد إيليا ضاهر أبو ماضي عام ١٨٩٠م في قرية «المحيدثة» إحدى قرى لبنان، في أسرة فقيرة معدمة، عانى معها الاغتراب منذ صغره. وحينما بلغ الحادية عشرة من عمره، رحلت أسرته إلى مصر، ونزلت الإسكندرية ثم انتقلت إلى القاهرة، حيث مارس فيها إيليا التجارة طلبًا للمال، فاتخذ محلًّا لبيع السجائر والدخان.

وقد كان إيليا منذ صغره محبًّا للعلم والتعلم، شغوفًا بالأدب والشعر، يستغل أوقات فراغه في حفظ الشعر ونظمه، ومطالعة كتب الأدب ودراستها. وقد رآه ذات مرة الأستاذ أنطون الجُميِّل يكتب الشعر أثناء عمله، فأعجب بشعره وحرص على نشره في مجلة الزهور التي كان يصدرها، وكانت تلك الخطوة فاتحة خير عليه، فظل يكتب الشعر وينشره طيلة ثمانية أعوام، ثم جمعه في ديوان أطلق عليه اسم: «تذكار الماضي».

وكان إيليا يتطلع إلى العيش في الولايات المتحدة الأمريكية، فهاجر من مصر إلى هناك وسكن مدينة «سنسناتي»، ثم انتقل بعدها إلى نيويورك ليلتقي بألمع رجال النخبة العربية التي هاجرت إلى هناك، أمثال: ميخائيل نعيمة، وجبران خليل جبران، ونسيب عريضة، وأحمد زكي أبو شادي وغيرهم، ليؤلف معهم ما أطلقوا عليه بعد ذلك: «الرابطة القلمية» التي كانت أبرز علامات الأدب العربي الحديث.

وفي نيويورك عمل إيليا نائبًا لرئيس تحرير جريدة «مرآب الغرب» وتزوج من السيدة دورا نجيب دياب ابنة صاحب الجريدة، وأنجب منها أربعة أولاد، وقد توجت جهوده الأدبية عام ١٩١٩م بإصدار «مجلة السمير» التي كانت تعد في ذلك الوقت أهم مجلة عربية في المهجر، والتي حوَّلها بعد ذلك إلى جريدة تصدر يوميًّا.

توفي إيليا أبو ماضي عام ١٩٥٧م في نيويورك إثر نوبة قلبية، تاركًا إنتاجًا أدبيًّا متميزًا قوامه أربعة دواوين، هي: «تذكار الماضي» و«ديوان إيليا أبي ماضي» و«الجداول» و«الخمائل»، وديوان خامس كان معدًّا للطبع أُطلق عليه: «تبر وتراب».

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤