طَيْفُ الْجُنُونِ

Wave Image
أُقَـلِّـبُ طَـرْفِـي فِـي وُجُـوهٍ كَـثِـيـرَةٍ
وَأُكْــثِــرُ مِــنْ تَــلْــحَـاظِـهَـا وَأُطِـيـلُ
وَأَبْـغِـي بَـدِيـلًا مِـنْ هَـوَاكِ يُـتَاحُ لِي
وَهَـيْـهَـاتَ مَـا لِـي مِـنْ هَـوَاكِ بَـدِيلُ
وَكَـيْـفَ وَعِـنْـدِي مِنْ خَيَالِكِ حَارِسٌ
تَــجَــسَّــمَ حَــتَّــى مَـا يَـكَـادُ يَـزُولُ
فَـيَهْمِسُ فِي أُذْنِي وَيَسْرِي بِخَاطِرِي
وَيَــسْــمَــعُ مَــا أَشْــدُو بِــهِ وَيَـقُـولُ
وَيَــشْــغَــلُــنِـي عَـمَّـا سِـوَاهُ فَإِنْ أُرِدْ
سُــلُــوًّا تَــصَــدَّى دُونَــهُ فَــيَــحُـولُ
كَأَنِّي أَسِيرٌ وَهْوَ فِي السِّجْنِ حَارِسٌ
فَـمَـا لِـي إِلَـى وَجْـهِ الْـخَلَاصِ سَبِيلُ
وَأَفْـزَعُ حَـتَّـى تَـشْـعُـرَ الـنَّـفْسُ جِنَّةً
وَأَرْجُـو مُـجِـيـرًا فِـي الْـمَمَاتِ يَغُولُ
وَأَعْـجَـبُ مِنْ أَمْرِي وَكَيْفَ عَشِقْتُكُمْ
وَقَــدْ كُـنْـتُ لَا يَـقْـوَى عَـلَـيَّ غَـلِـيـلُ
وَأَرْخَـصَـنِـي حُبِّيكِ مِنْ طُولِ هِجْرَةٍ
فَإِنَّ عَــزِيــزَ الْــعَــاشِــقِــيــنَ ذَلِـيـلُ
فَأَبْـكِـي عَـلَـى نَفْسِي وَلَيْسَ بِنَافِعِي
إِذَا تَــلِــفَـتْ نَـفْـسِـي لَـدَيْـكِ عَـوِيـلُ
وَأَبْـكِـي عَـلَـى الْـعَـزْمِ الَّذِي أَنَا نَاشِدٌ
فَـعَـزْمِـي شَـرِيـدٌ فِـي هَـوَاكِ ضَـئِيلُ
أُنَـادِيـهِ هَـلْ مِـنْ سَـلْـوَةٍ فَـتُـرِيحَنِي
وَقَـدْ صُـمَّ عَـزْمٌ مِـنْ هَـوَاكِ قَـتِـيلُ؟
فَــيَــا جَـنَّـةَ الْـعُـشَّـاقِ ظِـلُّـكِ وَارِفٌ
وَإِنِّـــيَ فِـــي حَــرِّ الْــغَــرَامِ أَقِــيــلُ
لَـئِـنْ لَـمْ يُـرِحْنِي الطَّيْفُ مِنْهُ بِهِجْرَةٍ
جُـنِـنْـتُ فَـهَـلْ يَـبْـكِـي عَـلَيَّ خَلِيلُ؟
فَإِنَّ اقْـتِـرَابَ الـطَّيْفِ سَخْرٌ وَشِقْوَةٌ
وَخَــبْــلٌ أَلِـيـمٌ فِـي الْـفُـؤَادِ دَخِـيـلُ
تَــمَـلَّـكَ أَرْضِـي رَحْـبَـهَـا وَفَـضَـاءَهَـا
وَأَصْـبَـحَ فِـي أُفْـقِ الـسَّـمَـاءِ يَـجُولُ
وَيَـسْـخَرُ بِي طَوْرًا وَطَوْرًا يَهَشُّ لِي
فَأَنْــتِ قَــطُــوعٌ وَالْـخَـيَـالُ وَصُـولُ
وَأَحْـسَـبُ شَـيْـطَـانًـا مِـنَ الْـجِنِّ آثِمًا
يُــلِــيـحُ بِـحُـسْـنٍ مِـنْـكُـمُ وَيَـصُـولُ
وَكَـيْـفَ يَـفِـرُّ الْـمَـرْءُ مِنْ ظِلِّ جِسْمِهِ
فَــطَــيْــفُــكِ لِـي ظِـلٌّ لَـدَيَّ ظَـلِـيـلُ
وَأَسْـتَـعْـطِفُ النِّسْيَانَ فِي الْحُبِّ إِنَّهُ
طَـبِـيـبٌ وَقَـلْـبِـي مِـنْ هَـوَاكِ عَـلِـيلُ
فَـمَـنْ لِي بِكَأسٍ مِنْهُ تَمْحُو لَوَاعِجِي
فَــحُــبُّــكِ دَاءٌ لِــلــضُّــلُــوعِ أَكُـولُ؟

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

عبد الرحمن شكري: شاعرٌ مِصْري، وأحدُ مُؤسِّسي مدرسةِ الديوانِ الشِّعرية، وصَفتْه الدكتورة «سهير القلماوي» بأنه الشَّاعرُ الذي أنزلَ العقلَ مِن على عَرشِه في إلهامِ الشُّعراء؛ فشِعْرُه خيالٌ مُتحرِّرٌ يرفضُ حدودَ الزمانِ والمكان. وقد أحدثَتْ أشعارُه نَقلةً تَجديدِيةً في مضمونِ الشِّعرِ العربي؛ فتحوَّلتْ به من شاطئِ العقلِ إلى بحرِ الخيال.

وُلِدَ «عبد الرحمن شكري عيَّاد» ببورسعيد عامَ ١٨٨٦م، لأسرةٍ ذاتِ أصولٍ مَغربِية، وقد كانَ لها دَورٌ مُؤثِّرٌ في حياتِه؛ حيثُ كانَ لزوجةِ أخيه «أحمد شكري» — المُولَعةِ برِوايةِ الحكاياتِ والأساطير — دورٌ في إثراءِ خيالِه، كما كانَ في مكتبةِ أبيه ما يُرضي نَهَمَه من دَواوينِ الشِّعر.

قَضى فَصْلًا من عُمرِه معَ أبيه ببورسعيد حتى نالَ الشَّهادةَ الابتدائية، ثُمَّ انتقلَ إلى الإسكندريةِ ليَلتحِقَ بمَدْرسةِ رأسِ التينِ الثانويةِ التي ظَلَّ بها أربعَ سَنواتٍ لينالَ منها الشَّهادةَ الثانويةَ (البكالوريا)، ثُم الْتَحقَ بمَدْرسةِ الحقوقِ إبَّانَ احتدامِ الحركةِ الوطنيةِ التي أتاحتْ له التعرُّفَ على «مصطفى كامل» زعيمِ الحركةِ الوطنيةِ في ذلكَ الوَقْت، والذي طلَبَ منه أنْ يعملَ مُحرِّرًا بجريدةِ «اللِّواء»، ونصَحَه أنْ يَلتحقَ بمدرسةِ المُعلِّمينَ فيَنهلَ من مَعِينِها ليكونَ عَوْنًا له في مَيْدانِ الصَّحافة.

وقد عطَّرَ «عبد الرحمن شكري» رَوْضةَ الأدبِ بالعديدِ من دواوينِه وقصائدِه، ومنها: دِيوانُ «ضَوْء الفَجر»، و«لَآلِئ الأَفْكار»، و«أناشيد الصِّبا»، و«زَهْر الرَّبيع»، و«الخَطَرات»، و«الأَفْنان»، و«أَزْهار الخَرِيف»، ونُشِر ديوانُه الثامنُ بعدَ مَوتِه ضمنَ الأعمالِ الكامِلة. بَدأَ شاعِرُنا صِراعَه معَ المرضِ صيفَ عامَ ١٩٥٧م، إلى أنْ صادَه الموتُ عامَ ١٩٥٨م.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤