اللَّيْلُ

Wave Image
يَــا جَــوْهَــرًا نَــفْــسِــي لَــهُ صُــورَةٌ
لَأَنْــتَ عِــنْـدِي بِـالْـمَـكَـانِ الْـمَـصُـونْ
كَـالـنَّـجْـمِ فِـي الْـبَـحْـرِ يَـرَى نَـفْـسَـهُ
فِـي كَـوْكَـبِ الْأُفْقِ الْقَصِيِّ الشَّطُونْ
قُــمْ حَــدِّثِ اللَّـيْـلَ حَـدِيـثَ الْـكَـرَى
فَـطَـيْـرُهُ قَـدْ عَـشَّـشَـتْ فِي الْجُفُونْ
كَــــأَنَّـــهُ الْـــمِـــرْآةُ مَـــصْـــقُـــولَـــةً
تَــصْــقُـلُـهُ الْأَحْـلَامُ صَـقْـلَ الْـقُـيُـونْ
الْـــكَـــوْنُ وَكْـــرٌ وَالـــدُّجَـــى وَاقِــعٌ
كَـالـطَّـيْـرِ تُـؤْوِي فَـرْخَهَا فِي الْوُكُونْ
يُــصِــيــخُ قَــلْــبِـي تَـحْـتَ أَسْـتَـارِهِ
كَـالـطِّـفْـلِ يُـصْـغِـي لِـدُعَـاءِ الْـقَـرِينْ
كَــــأَنَّــــمَــــا أَحْـــسَـــبُ أَسْـــتَـــارَهُ
مَـسْـدُولَـةً فَـوْقَ الْـيَـقِـيـنِ الْـمُـبِـيـنْ
أَكَـــادُ أَنْ أَسْـــمَـــعَ فِـــي جُــنْــحِــهِ
وَجِـيـبَ قَـلْـبٍ مِـنْـهُ جَـمَّ الـشُّـجُونْ
وَنَــاطِــقٍ بِــالــصَّــمْــتِ كَــانَــتْ لَـهُ
هَــذِي الــدَّرَارِيُّ مَــكَــانَ الْــعُــيُــونْ
أَحْـــسَـــبُـــهُ قَــدْ شَــابَ مِــمَّــا رَأَى
فَـالـشُّـهْـبُ فِـيـهِ شَـعَـرَاتُ الـسِّـنِـينْ
كَـــلَّا هُــوَ الْــخَــالِــدُ فِــي مُــلْــكِــهِ
مُــتَـوَّجًـا بِـالـنَّـجْـمِ فَـوْقَ الْـجَـبِـيـنْ
تَــكَــادُ تَـبْـدُو الـنَّـفْـسُ فِـي جُـنْـحِـهِ
كَـالْـوَضْـعِ يُـبْـدِي مِـنْ خَـفِيِّ الْجَنِينْ
تَــشْــدُو لَــكَ الــنَّــفْــسُ بَــأَنْــغَـامِـهِ
كَـالـرِّيـحِ تَشْدُو فِي حَفِيفِ الْغُصُونْ
فِــي فَــحْـمَـةِ اللَّـيْـلِ وَقُـودُ الـنُّـهَـى
وَفِـي دُجَـى اللَّـيْـلِ ضِـيَـاءُ الْـحَـزِينْ
كَـــأَنَّــنِــي فِــي جُــنْــحِــهِ مُــفْــرِدًا
سَــحَــابَـةَ الْـحُـزْنِ بِـقَـلْـبِ الـرَّكِـيـنْ
كَــأَنَّ رُوحَ الْــمَــوْتِ فِــي جُــنْــحِــهِ
تَــخْـطُـرُ فِـي أَثْـنَـاءِ هَـذَا الـسُّـكُـونْ
الـصَّـمْـتُ سِـجْـنٌ وَالـدُّجَـى حَـارِسٌ
وَالــصَّــوْتُ مَـأْسُـورٌ عَـلِـيـلُ الْأَنِـيـنْ
أَوْ كَـــوَلِـــيــدٍ كَــلَّ مِــنْ ضِــحْــكِــهِ
تُـــحْـــصِـــنُـــهُ أُمٌّ رَؤُومٌ حَـــضُــونْ
أَوْ هُـــوَ صَـــبٌّ عَـــاشِـــقٌ لِلــدُّجَــى
تَــنَـاجَـيَـا بِـاللَّـحْـظِ بَـيْـنَ الْـجُـفُـونْ
كَـــأَنَّـــمَـــا هَــذَا الــدُّجَــى مَــعْــبَــدٌ
وَفِـي خُـشُـوعِ الْـحَـيِّ صَمْتُ الْيَقِينْ
أَوْ كَــضَــرِيــحِ الــنُّــورِ يَــخْـفَـى بِـهِ
قَــدْ خُــطَّ فِــيــهِ لِلــنَّــهَـارِ الـدَّفِـيـنْ
هَــلْ ذَهْــلَــةُ الْأَصْــوَاتِ أَنْ قَـدْ رَأَتْ
مَــا أَوْدَعَ اللَّــيْــلُ غُــلَاةَ الـظُّـنُـونْ؟
تَـــلَـــفَّـــتُ الـــرِّيـــحُ بِــهِ خِــيــفَــةً
هَـلْ عَـادَهَـا مِـنْ ذُعْـرِهَـا كَـالْجُنُونْ؟
كَــــأَنَّــــهُ ظِــــلٌّ ظَــــلِــــيــــلٌ بَـــدَا
لِــدَوْحَـةِ الْـفِـرْدَوْسِ ذَاتِ الْـغُـصُـونْ
أَمَــا تَــرَى أَثْــمَــارَهَــا فِــي الـدُّجَـى
نَـجْـمًـا تَـنَـاءَى مِـثْـلَ ذُخْـرِ الضَّنِينْ؟
أَمْ هُـــوَ ظِـــلُّ الْـــمَـــوْتِ إِمَّـــا دَنَـــا
سَـغْـبَـانُ يَـسْـعَـى لِاقْتِضَاءِ الدُّيُونْ؟
أَمْ هَــامَــةُ الْـيَـوْمِ الَّـذِي قَـدْ مَـضَـى
يَـهِـيـجُ مِـنْ رَوْعِ الْـجَـبَـانِ الـظَّنِينْ؟
فَـــالْــكَــوْنُ مِــنْــهُ خَــاشِــعٌ حَــائِــرٌ
مَـاتَ بِـهِ الـصَّـوْتُ وَمَـاتَ الـسُّـكُـونْ
وَخَــلَّــفَــا رُوحَــيْـهِـمَـا فِـي الـدُّجَـى
كَــمَــا يَــرُوعُ الْـحَـيَّ رُوحُ الـدَّفِـيـنْ
قَـــلْـــبِـــيَ عُـــودٌ خَــافِــقٌ قَــلْــبُــهُ
أَوْتَــارُهُ تَــنْــبِــضُ نَــبْــضَ الْــوَتِـيـنْ
تَــهْــفُــو بِــيَ الـذُّكْـرَةُ فِـي جُـنْـحِـهِ
كَــأَنَّــهَــا هَــامَــةُ مَـاضِـي الـسِّـنِـيـنْ
أَوْ دُمْـــيَـــةٌ يَـــنْــحِــتُــهَــا نَــاحِــتٌ
يَحْكِي بِهَا مِنْ أَمْسِ هَلْكَى الشُّجُونْ
أَوْ كَــــهَــــدَايَــــا هَــــالِـــكٍ غَـــابِـــرٍ
تَــطِــيــرُ عَــنْـهَـا خَـطَـرَاتُ الْـمَـنُـونْ
اللَّـــيْــلُ مِــثْــلُ الْــمَــاءِ فِــي رَكْــدَةٍ
وَالـصُّـبْـحُ يَـبْـدُو مِـثْـلَ مَـاءٍ مَـعِـيـنْ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: السريع
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

عبد الرحمن شكري: شاعرٌ مِصْري، وأحدُ مُؤسِّسي مدرسةِ الديوانِ الشِّعرية، وصَفتْه الدكتورة «سهير القلماوي» بأنه الشَّاعرُ الذي أنزلَ العقلَ مِن على عَرشِه في إلهامِ الشُّعراء؛ فشِعْرُه خيالٌ مُتحرِّرٌ يرفضُ حدودَ الزمانِ والمكان. وقد أحدثَتْ أشعارُه نَقلةً تَجديدِيةً في مضمونِ الشِّعرِ العربي؛ فتحوَّلتْ به من شاطئِ العقلِ إلى بحرِ الخيال.

وُلِدَ «عبد الرحمن شكري عيَّاد» ببورسعيد عامَ ١٨٨٦م، لأسرةٍ ذاتِ أصولٍ مَغربِية، وقد كانَ لها دَورٌ مُؤثِّرٌ في حياتِه؛ حيثُ كانَ لزوجةِ أخيه «أحمد شكري» — المُولَعةِ برِوايةِ الحكاياتِ والأساطير — دورٌ في إثراءِ خيالِه، كما كانَ في مكتبةِ أبيه ما يُرضي نَهَمَه من دَواوينِ الشِّعر.

قَضى فَصْلًا من عُمرِه معَ أبيه ببورسعيد حتى نالَ الشَّهادةَ الابتدائية، ثُمَّ انتقلَ إلى الإسكندريةِ ليَلتحِقَ بمَدْرسةِ رأسِ التينِ الثانويةِ التي ظَلَّ بها أربعَ سَنواتٍ لينالَ منها الشَّهادةَ الثانويةَ (البكالوريا)، ثُم الْتَحقَ بمَدْرسةِ الحقوقِ إبَّانَ احتدامِ الحركةِ الوطنيةِ التي أتاحتْ له التعرُّفَ على «مصطفى كامل» زعيمِ الحركةِ الوطنيةِ في ذلكَ الوَقْت، والذي طلَبَ منه أنْ يعملَ مُحرِّرًا بجريدةِ «اللِّواء»، ونصَحَه أنْ يَلتحقَ بمدرسةِ المُعلِّمينَ فيَنهلَ من مَعِينِها ليكونَ عَوْنًا له في مَيْدانِ الصَّحافة.

وقد عطَّرَ «عبد الرحمن شكري» رَوْضةَ الأدبِ بالعديدِ من دواوينِه وقصائدِه، ومنها: دِيوانُ «ضَوْء الفَجر»، و«لَآلِئ الأَفْكار»، و«أناشيد الصِّبا»، و«زَهْر الرَّبيع»، و«الخَطَرات»، و«الأَفْنان»، و«أَزْهار الخَرِيف»، ونُشِر ديوانُه الثامنُ بعدَ مَوتِه ضمنَ الأعمالِ الكامِلة. بَدأَ شاعِرُنا صِراعَه معَ المرضِ صيفَ عامَ ١٩٥٧م، إلى أنْ صادَه الموتُ عامَ ١٩٥٨م.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤