أَتَدْرِي الْعُلَا مَنْ شَيَّعَتْ حِينَ شَيَّعُوا

Wave Image
أَتَـدْرِي الْـعُـلَا مَنْ شَيَّعَتْ حِينَ شَيَّعُوا
وَمَـنْ وَدَّعَـتْ يَـوْمَ الـرَّحِـيـلِ وَوَدَّعُوا
بَـكَـيْـنَـا فَلَمْ يَشْفِ الْبُكَى حُرْقَةَ النَّوَى
وَلَـكِـنْ إِذَا ضَـاقَ الْـفَـتَـى كَيْفَ يَصْنَعُ
تَـهِـيـجُ بِـنَـا الـذِّكْـرَى فَـيَـغْـلِبُنَا الْأَسَى
وَتُــدْرِكُــنَــا رُحْـمَـى الْإِلَـهِ فَـنَـخْـضَـعُ
هُـوَ الْـمَـوْتُ سَـهْـمٌ فِي يَدِ اللهِ قَوْسُهُ
فَـلَا الْـحَـزْمُ يَـثْـنِـيـهِ وَلَا الْـكَـفُّ تَدْفَعُ
نَــرُوحُ إِلَــى حَــاجَــاتِـنَـا وَهْـوَ رَاصِـدٌ
وَنَــنْــثُــرُ مِــنْ آمَــالِـنَـا وَهْـوَ يَـجْـمَـعُ
بِـنَـفْـسِـي أَمِـيـنًـا فِـي ثِـيَـابِ شَـبَـابِهِ
يَـطِـيـرُ بِـهِ الْأَمْـسُ الَّـذِي لَـيْسَ يَرْجِعُ
أَقَــامَ كَــمَـا تَـبْـقَـى الْأَزَاهِـيـرُ لَـمْـحَـةً
وَزَالَ كَــمَــا زَالَ الْــخَــيَــالُ الْـمُـوَدِّعُ
فَــقَــدْنَــاهُ فِـقْـدَانَ الْـكَـمِـيِّ سِـلَاحَـهُ
«وَمَـا بَـيْنَ قِيدِ الرُّمْحِ وَالرُّمْحِ إِصْبَعُ»
فَـقَـدْنَـاهُ حَـتَّـى قَـدْ فَـقَـدْنَـا وُجُـودَنَا
فَــهَــلْ بَــقِــيَــتْ إِلَّا جُــفُــونٌ وَأَدْمُـعُ
فَــقَــدْنَــاهُ فِــقْــدَانَ الْأَلِــيـفِ أَلِـيـفَـهُ
يَـصِـيـحُ بِـهِ فِـي كُـلِّ رَوْضٍ وَيَـسْجَعُ
يُـسَـائِـلُ عَـنْـهُ الْأُفْـقَ وَالـطَّـيْـرُ حُـوَّمٌ
وَيَـسْـتَـخْـبِـرُ الْأَمْـوَاهَ وَالـطَّـيْـرُ شُـرَّعُ
يَــدِفُّ فَــيَــحْـوِي الْأَرْضَ مِـنْـهُ تَأَمُّـلٌ
وَيَـعْـلُـو فَـيَـعْـلُـو الـنَّـجْـمَ مِـنْـهُ تَـطَلُّعُ
يَـظُـنُّ حَـفِـيـفَ الـدَّوْحِ خَـفْقَ جَنَاحِهِ
إِذَا هَــمَــسَــتْ مِـنْـهُ غُـصُـونٌ وَأَفْـرُعُ
وَيَـحْـسَـبُ تَـحْـنَـانَ الْـغَـدِيـرِ هَـدِيـلَهُ
فَــيَـحْـبِـسُ مِـنْ زَفْـرَاتِـهِ ثُـمَّ يَـسْـمَـعُ
لَـقَـدْ مَـلَّـتِ الْـغَـابَـاتُ مِـمَّـا يَـجُـوسُهَا
وَمَــلَّ صِــمَــاخُ الــلَّـيْـلِ مِـمَّـا يُـرَجِّـعُ
لَــهُ أَنَّــةُ الْــمَــجْـرُوحِ أَعْـيَـا طَـبِـيـبَـهُ
وَضَـجَّ لِـمَـا يَـشْـكُـو وِسَـادٌ وَمَـضْـجَعُ
كَأَنَّ جَــنَــاحَــيْــهِ شِــرَاعُ سَــفِــيــنَـةٍ
دَهَــتْــهَــا مِـنَ الْأَرْوَاحِ نَـكْـبَـاءُ زَعْـزَعُ
تُـضَـاحِـكُـهُ الْآمَـالُ حِـيـنًـا فَـيَـرْتَـجِي
وَيَـجْـبَـهُـهُ الْـيَأْسُ الْـعَـبُوسُ فَيَخْشَعُ
لَــدَى كُــلِّ عُــشٍّ صَــاحِـبَـاهُ، وَعُـشُّـهُ
خَــلِــيٌّ مِــنَ الْأُلَّافِ قَــفْــرٌ مُــصَــدَّعُ
عَـــزَاءً عَــزَاءً أَيُّــهَــا الــطَّــيْــرُ إِنَّــمَــا
لِـكُـلِّ امْـرِئٍ فِـي سَـاحَةِ الْعُمْرِ مَصْرَعُ
فَأَيْــنَ مِــنَ الــطَّـيْـرِ الْـهَـدِيـلُ وَوُلْـدُهُ
وَأَيْــنَ مِــنَ الْأَمْــلَاكِ كِــسْــرَى وَتُـبَّـعُ
طَــوَاهُــمْ خِــضَــمٌّ لَا يُـنَـادَى وَلِـيـدُهُ
يُـــطَـــوِّحُـــهُـــمْ آذِيُّــهُ الْــمُــتَــدَفِّــعُ
•••
رَمَـتْـنِـي الـلَّـيَـالِـي قَـبْـلَ نَـعْيِكَ رَمْيَةً
عَـرَفْـتُ بِـهَـا كَـيْـفَ الْـقُـلُـوبُ تَـقَـطَّـعُ
نِــصَــالٌ حِــدَادٌ قَـدْ أَلِـمْـتُ لِـحَـمْـلِـهَـا
وَأَعْــلَــمُ أَنِّــي هَــالِــكٌ حِــيـنَ تُـنْـزَعُ
فَـلَـمَّـا رَمَـانِـي سَهْمُكَ الْيَوْمَ وَانْطَوَتْ
عَــلَــيْــهِ جُـنُـوبٌ خَـافِـقَـاتٌ وَأَضْـلُـعُ
أَمِـنْـتُ عَـلَـى قَـلْـبِـي السِّهَامَ فَلَمْ يَعُدْ
بِـهِ بَـعْدَ خَطْبِ الْأَمْسِ وَالْيَوْمِ مَوْضِعُ
•••
أَأَنْــسَــى أَمِـيـنًـا وَالـشَّـبَـابُ يَـحُـفُّـنَـا
جَــدِيــدًا وَرَوْضُ الْـوُدِّ بِـالْـوُدِّ مُـمْـرِعُ
بِأَرْضٍ إِذَا غَــصَّ الــنَّــهَــارُ بِــغَـيْـمِـهَـا
فَــوَجْــهُ أَمِــيـنٍ أَيْـنَـمَـا لَاحَ يَـسْـطَـعُ
نَـسِـيـتُ بِـهِ أَهْـلِـي وَيَـا رُبَّ صَـاحِـبٍ
أَبَـــرُّ مِـــنِ ابْــنِ الْأُمِّ قَــلْــبًــا وَأَنْــفَــعُ
يُــغَــالِــبُــنِــي شَـوْقٌ إِلَـى الْـفَـنِّ رَائِـعٌ
وَيَــجْــذِبُــهُ مَــيْـلٌ إِلَـى الْـعِـلْـمِ أَرْوَعُ
نَــرُوحُ وَنَــغْــدُو لَاهِـيَـيْـنِ وَلَـمْ نَـكُـنْ
نَــخَــافُ رَزَايَــا الــدَّهْــرِ أَوْ نَــتَــوَقَّـعُ
وَنَـضْـحَـكُ لِـلـدُّنْـيَـا الـلَّـعُوبِ وَزُورِهَا
وَنَــمْــرَحُ فِـي زَهْـوِ الـشَّـبَـابِ وَنَـرْتَـعُ
وَكُـــنَّـــا نَــرَى الْأَيَّــامَ أَحْــلَامَ نَــائِــمٍ
فَأَيْــقَــظَــنَــا مِــنْـهَـا الْأَلِـيـمُ الْـمُـرَوِّعُ
وَكَــانَـتْ غِـنَـاءً كُـلُّـهَـا ثُـمَّ أَصْـبَـحَـتْ
وَلَــيْــسَ بِــهَــا إِلَّا الــرِّثَــاءُ الْـمُـفَـجِّـعُ
•••
أَتَـذْكُـرُ إِذْ نَـمْـشِـي إِلَـى الـدَّرْسِ بُكْرَةً
بِــنُـوتِـنْـجِـهَـامٍ، تَـسْـتَـحِـثُّ فَأُسْـرِعُ؟
وَقَـدْ حَـجَـبَ الـشَّـمْسَ الضَّبَابُ كَأَنَّمَا
تَـلَا الـلَّـيْـلَ لَـيْـلٌ عَـاكِـرُ الـلَّـوْنِ أَسْـفَعُ
بِــلَادٌ كَأَنَّ الــشَّـمْـسَ مَـاتَـتْ بِأُفْـقِـهَـا
فَـظَـلَّـتْ عَـلَـيْـهَـا أَعْيُنُ السُّحْبِ تَدْمَعُ
كَأَنَّ الْـمَـصَـابِـيـحَ الْـخَـوَافِـقَ حَـوْلَـنَـا
سُـيُـوفُ وَغًـى فِـي ظُـلْمَةِ النَّقْعِ تَلْمَعُ
كَأَنَّ بَــيَــاضَ الــثَّــلْـجِ يُـنْـثَـرُ فَـوْقَـنَـا
صَـحِـيـفَـتُـكَ الْـبَـيْضَاءُ بَلْ هِيَ أَنْصَعُ
تُــنَــاقِــلُــنِــي حُــلْـوَ الْـحَـدِيـثِ كَأَنَّـهُ
وَقَـدْ رَقَّ مَـعْـنَـاهُ الـرَّحِـيـقُ الْمُشَعْشَعُ
خِــلَالٌ كَــرِيــمَــاتٌ أَرَقُّ مِــنَ الـصَّـبَـا
وَأَنْـضَـرُ مِـنْ وَشْـيِ الـرِّيَاضِ وَأَضْوَعُ
وَلِــعْــتُ بِــهَـا عُـمْـرِي وَأَكْـبَـرْتُ رَبَّـهَـا
وَإِنِّـــي بِأَخْـــلَاقِ الْـــكِــرَامِ لَــمُــولَــعُ
وَقَدْ كُنْتَ عَفَّ النَّفْسِ وَاللَّفْظِ وَالنُّهَى
فَـلَا الـرَّأْيُ مَأْفُـونٌ وَلَا الْـقَـوْلُ مُـقْذِعُ
تَــكُــدُّ كَــمَــا كَــدَّ الــنِّـمَـالُ، وَتَـرْتَـوِي
زُلَالًا مِـنَ الْـعِـلْـمِ الـصَّـحِـيـحِ وَتَـكْـرَعُ
فَـتًـى طَـلَـبَ الـدُّنْـيَـا كَـرِيـمًـا فَـنَـالَهَا
وَلَـيْـسَ لَـهُ فِـيـهَـا سِوَى الْمَجْدِ مَطْمَعُ
وَسَـعْـيُ كَـبِـيـرِ الـنَّـفْـسِ لِلنَّفْسِ مُكْبِرٌ
وَسَـعْـيُ صَغِيرِ النَّفْسِ لِلنَّفْسِ مُخْضِعُ
وَأَعْـظَـمُ أَخْـلَاقِ الْـفَـتَـى هِـمَّـةُ الْفَتَى
وَعَــزْمٌ حَــدِيـدُ الـنَّـصْـلِ لَا يَـتَـزَعْـزَعُ
إِذَا وَفَّــقَ الــلــهُ امْــرَأً فِــي طِــلَابِــهِ
دَنَـا الـصَّـعْـبُ وَانْـقَـادَ الْـعَسِيرُ الْمُمَنَّعُ
قَـنِـعْـنَـا بِـمَـا دُونَ الْـقَـلِـيـلِ وَلَـمْ تَكُنْ
بِــغَــيْـرِ جَـلِـيـلَاتِ الْـمَـطَـالِـبِ تَـقْـنَـعُ
وَعُـدْتَ وَفِـي يُـمْـنَـاكَ أَسْـمَـى شَهَادَةٍ
وَأَشْــرَفُ عُــنْــوَانٍ لِــمِــصْــرَ وَأَرْفَــعُ
رَسَــمْــتَ لِـشُـبَّـانِ الْـبِـلَادِ طَـرِيـقَـهُـمْ
فَأَبْـدَعْـتَ فِـيـمَـا قَـدْ رَسَمْتَ وَأَبْدَعُوا
وَمَـنْ طَـلَـبَ الْـمَـجْـدَ الْـمَـنِـيـعَ فَمَا لَهُ
سِـوَى سِيرَةِ الْأَبْطَالِ فِي النَّاسِ مَهْيَعُ
•••
وَقَـدْ كُـنْـتَ فِـي كُـلِّ الْـمَنَاصِبِ سَيِّدًا
تَــزِيــنُــكَ فِـي الـدُّنْـيَـا خَـلَائِـقُ أَرْبَـعُ
فَـحَـزْمٌ كَـمَـا تَـرْضَـى الْـعُـلَا، وَتَوَاضُعٌ
وَعَــزْمٌ كَــمَــا تَـرْضَـى الْـعُـلَا، وَتَـرَفُّـعُ
لَـكَ الْـبَـسْـمَـةُ الـزَّهْرَاءُ تَلْمَعُ كَالضُّحَى
وَتُـدْفِـئُ مِـنْ قَـلْـبِ الْـجَـبَانِ فَيَشْجُعُ
حَــرِيـصٌ عَـلَـى وُدِّ الـصَّـدِيـقِ كَأَنَّـمَـا
مَــوَدَّتُــهُ الْــعَــهْــدُ الَّــذِي لَا يُــضَـيَّـعُ
إِذَا قَـــرَأَ الْأَوْرَاقَ لِـــلـــرَّأْيِ فَـــاتَّــئِــدْ
فَـــقَـــدْ قَــرَأَ الْأَوْرَاقَ لِــلــرَّأْيِ أَلْــمَــعُ
وَإِنْ صَـدَعَـتْ بِـالْـحُـكْـمِ يَوْمًا شِفَاهُهُ
فَـلَـيْـسَ بِـغَـيْـرِ الْـحَقِّ وَالْعَدْلِ تَصْدَعُ
•••
عَـجِـبْـتُ لِـصَـدْرٍ ضَـاقَ بِـالـدَّاءِ حِـلْمُهُ
وَأَرْجَــاؤُهُ مِـنْ شَـاسِـعِ الْـبِـيـدِ أَوْسَـعُ
مَــرِضْـتَ فَـقُـلْـنَـا مَـشْـرَفِـيٌّ بِـغِـمْـدِهِ
تَـوَارَى وَنَـجْـمٌ عَـنْ قَـلِـيـلٍ سَـيَـطْـلُـعُ
وَلَــمْ نَــدْرِ أَنَّ الْــمَــوْتَ بَـاسِـطُ كَـفِّـهِ
إِلَـى الْـغُـصْـنِ فِـي رَيْـعَانِهِ وَهْوَ مُونِعُ
وَأَنَّ الـنَّـوَى الْـحَـمْـقَـاءَ شَـدَّتْ رِحَالَهَا
وَأَنَّ أَمِــيــنَ الــرَّكْـبِ لِـلْـبَـيْـنِ مُـزْمِـعُ
وَأَنَّ الْــمَـعَـالِـي وَالْـمَـكَـارِمَ وَالْـحِـجَـا
سَـيَـضْـمَـنُـهَـا قَـفْـرٌ مِـنَ الْأَرْضِ بَـلْـقَعُ
وَأَنَّ قَــضَــاءَ الــلــهِ حُــمَّ فَــمَــا لَــنَــا
مَـحِـيـصٌ وَلَا مِـمَّـا قَـضَـى اللهُ مَفْزَعُ
إِذَا بَــرَعَ الـطِّـبُّ الْـحَـدِيـثُ فَـقُـلْ لَـهُ
يَـدُ الْـمَـوْتِ أَمْـضَـى مِنْ يَدَيْكَ وَأَبْرَعُ
وَإِنَّ الْـفَـتَـى مَـاضٍ وَمَـاضٍ طَـبِـيـبُـهُ
وَعَــائِــدُهُ مِــنْ بَــعْــدِهِ وَالْــمُــشَــيِّـعُ
•••
أَمِـيـنُ، وَظِـلُّ الْـمَـوْتِ يَـفْـصِـلُ بَـيْـنَنَا
سَــبَــقْـتَ، وَإِنِّـي عَـنْ قَـلِـيـلٍ سَأَتْـبَـعُ
وَنَـرْجِـعُ لِـلْـحُـسْـنَـى كَـمَـا كَـانَ عَهْدُنَا
فَــلَا نَــشْــتَــكِــي هَــمًّـا وَلَا نَـتَـوَجَّـعُ
وَمَــا مَـاتَ مَـنْ أَبْـقَـى ثَـنَـاءً مُـخَـلَّـدًا
وَذِكْــرًا يُــسَــامِـي الـنَّـيِّـرَاتِ وَيَـفْـرَعُ
إِذَا ذَهَــبَ الْــمِــسْــكُ الــذَّكِــيُّ فَإِنَّــهُ
يَــزُولُ وَيَــبْــقَـى نَـشْـرُهُ الْـمُـتَـضَـوِّعُ

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: يبكي الشاعر في هذه القصيدة صديقَ شبابِه الأستاذ «محمد أمين لطفي»، وكان وكيلًا مساعدًا بوزارة المعارف، وقد أُنشدَت هذه القصيدة في جمعٍ حافلٍ بدار الأوبرا في آخر يناير سنة ١٩٣٦م.
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

علي الجارم: أديب، وشاعر مصري، ورائد من رواد مدرسة الإحياء والبعث إلى جانب كل من أحمد شوقي وحافظ إبراهيم. أَثْرَت مؤلفاته المكتبة الأدبية العربية؛ حيث تعددت وتنوعت بين الدواوين الشعرية، والروايات الأدبية والتاريخية، إضافة إلى الكتب المدرسية، وكانت له مساهمات فعالة في حقل اللغة العربية. وقد اشتهر بغيرته على الدين واللغة والأدب، وتمكن من أن يحوز مكانة شعرية رائدة.

ولد علي صالح عبد الفتاح الجارم، بمدينة رشيد عام ١٨٨١م، تلك المدينة التي شهدت الكثير من أحداث مصر التاريخية. كان والده الشيخ محمد صالح الجارم عالمًا من علماء الأزهر، وقاضيًا شرعيًّا بمدينة دمنهور. تلقى علي دروسه الأولى بمدينة رشيد، فأتم بها التعليم الابتدائي، وواصل تعليمه الثانوي بالقاهرة حيث التحق بالأزهر الشريف، واختار بعد ذلك أن يلتحق بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة. سافر عام ١٩٠٨م إلى إنجلترا وتحديدًا نوتينجهام لإكمال دراسته، فدرس هناك أصول التربية، ثم عاد إلى مصر عام ١٩١٢م بعد أربع سنوات قضاها في الغربة.

عُيِّن الجارم عقب عودته مدرسًا بمدرسة التجارة المتوسطة، ثم تدرج في مناصب التربية والتعليم حتى عُيِّن كبير مفتشي اللغة العربية بمصر، كما عمل الجارم وكيلًا لدار العلوم، وكان عضوًا مؤسِّسًا لمجمع اللغة العربية، وقد مَثَّل مصر في عدد من المؤتمرات العلمية والثقافية.

سَخَّر الجارم طاقاته الإبداعية وإمكانياته الثقافية في إنجاز العديد من الروايات الأدبية التاريخية التي تتخذ من التاريخ العربي موضوعًا لها، مثل: «فارس بني حمدان» و«هاتف من الأندلس» و«مرح الوليد» و«خاتمة المطاف» و«نهاية المتنبي». توفي علي الجارم عام ١٩٤٩م عن ثمانية وستين عامًا، وقد رثاه كبار أدباء ومفكري عصره.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤