أَبُو الطَّيِّبِ الْمُتَنَبِّي

Wave Image
كَــانَ أَبُــو الــطَّـيِّـبِ امْـرَأً قُـوَلَـة
يَـبْـتَـكِـرُ الـشِّـعْـرَ مُـذْكِـيًـا شُـعَلَهْ
صَـاحِـبَ نَـفْـسٍ كَـبِـيـرَةٍ شَرُفَتْ
فَــشَــرَّفَــتْ حِــلَّــهُ وَمُــرْتَـحَـلَـهْ
كَـانَ هُـوَ الـشَّـاعِرَ الَّذِي انْتَشَرَتْ
أَشْــعَــارُهُ فِـي الْـبِـلَادِ مُـنْـتَـقِـلَـة
أَوْجَــدَ لِـلـشِّـعْـرِ دَوْلَـةً عَـظُـمَـتْ
بِــهِ فَــعَــزَّتْ مِــنْ غَــيْــرِهِ دُوَلَـهْ
مِــنْ كُــلِّ مَــعْـنًـى أَغَـرَّ مُـؤْتَـلَـقٍ
فِي لَفْظَةٍ كَالْعَرُوسِ فِي الْحَجَلَة
وَرُبَّـــمَـــا رَقَّ لَــفْــظُــهُ فَــبَــدَتْ
فِــي شِــعْــرِهِ كُـلُّ كِـلْـمَـةٍ ثَـمِـلَـة
وَرُبَّــمَــا لَــمْ تَــبِــنْ مَــقَــاصِــدُهُ
لِأَنَّــهَــا فِــيــهِ غَــيْــرُ مُــبْــتَـذَلَـة
•••
فَــسَـائِـلَـنْ عَـنْ قَـرِيـضِـهِ حَـلَـبًـا
كَـمْ قَـطَـفَـتْ مِـنْ زُهُـورِهِ خُصَلَهْ
خَــلَّــدَ ذِكْــرًا لِــسَــيْـفِ دَوْلَـتِـهَـا
أَيَّــامَ وَشَّــى بِــمَــدْحِــهِ خُــلَـلَـهْ
فَـاعْـجَـبْ لِـسَـيْـفٍ لَمْ تَبْلُ جِدَّتُهُ
وَشَـاعِـرٍ بِـالْـمَـدِيـحِ قَـدْ صَـقَـلَـهْ
•••
لَـوْ حَـازَ مُـوسَـى مَـضَـاءَ عَزْمَتِهِ
مَـا تَـاهَ فِـي الـتِّـيـهِ عِنْدَمَا دَخَلَهْ
وَهْــوَ الَّــذِي اجْــتَـازَهُ بِـيَـعْـمَـلَـةٍ
تَـحْـمِـلُ مِـنْـهُ الْـهُـمَـامَ لَا الـتُّـكَلَةْ
قَــدْ بَـاتَ كَـافُـورُ مِـنْ جَـرَاءَتِـهَـا
عَـلَـى الْـمَـوَامِـي بِـمُـهْـجَةٍ وَجِلَة
إِذْ أَعْـجَـزَتْـهُ بِـالـسَّـيْـرِ عَنْ طَلَبٍ
لَا خَــيْــلَــهُ تَـخْـتَـشِـي وَلَا إِبِـلَـهْ
فَــسَــلْ بِـهِ الـنِّـيـلَ يَـوْمَ نَـاقَـتِـهِ
تَـغَـمَّـرَتْ مِـنْـهُ وَانْـتَـحَـتْ جَـبَلَهْ
كَـيْـفَ أَتَـى مِـصْـرَ كَـالْعُقَابِ لِكَيْ
يَــبْــلُــغَ فِــيــهَــا بِـشِـعْـرِهِ أَمَـلَـهْ
وَكَـيْـفَ أَحْـيَـا بِـالْـمَـدْحِ أَسْوَدَهَا
ثُــمَّ وَشِــيــكًــا بِــهَـجْـوِهِ قَـتَـلَـهْ
•••
فِــي شِــعْــرِهِ حِــكْــمَـةٌ مُـهَـذَّبَـةٌ
وَرَوْعَــةٌ بِــالــذَّكَــاءِ مُــشْـتَـعِـلَـة
وَنَــغْــمَــةٌ بِــالـشُّـعُـورِ صَـادِحَـةٌ
وَصَــنْــعَــةٌ بِـالْـفُـنُـونِ مُـتَّـصِـلَـة
قُــدْرَتُــهُ فِــي الْــبَـيَـانِ وَاسِـعَـةٌ
يَـتِـيـهُ فِـيـهَـا الـسُّـؤَالُ وَالـسَّأَلَـة
إِذَا الْـمَـعَـانِـي بِـذِهْـنِـهِ ازْدَحَـمَتْ
مَـا رَبَـكَـتْ فِـي انْـتِـقَـائِـهَا حِيَلَهْ
كَــمْ شَــاعِــرٍ قَــدْ قَـفَـى لَـهُ أَثَـرًا
وَنَــاقِــدٍ رَاحَ يَــبْــتَــغِــي زَلَــلَــهْ
فَأَخْــفَــقُـوا عَـاجِـزِيـنَ عَـنْ دَرَكٍ
لِــبَــعْــضِ مَــا كُــلُّــهُ تَـيَـسَّـرَ لَـهْ
•••
قُــلْ لِابْــنِ عَــبَّــادَ أَيُّ مَـنْـقَـصَـةٍ
مِـنْ أَجْـلِـهَـا كُـنْتَ مُكْثِرًا عَذَلَهْ؟!
أَشِـعْـرُهُ؟ وَالْـعُـصُـورُ مَـا بَـرِحَتْ
تَـسْـعَـى بِـكُـلِّ اسْـتِـجَـادَةٍ قِـبَـلَهْ
لَــكِــنَّــمَــا رُمْــتَ مِـنْ مَـدَائِـحِـهِ
مَــا لَـمْ تَـكُـنْ سَـالِـكًـا لَـهُ سُـبُـلَـهْ
طَــمَــاعَــةً مِــنْـكَ غَـيْـرَ وَاعِـيَـةٍ
وَهْــيَ لَــعَــمْـرِي حَـمَـاقَـةٌ وَبَـلَـهْ
•••
أَكْــبَــرُ مِــنْ أَكْـبَـرِ الْـقَـرِيـضِ بِـهِ
وَأَكْــبَــرُ الْــقَـاتِـلِـيـنَ مَـنْ قَـتَـلَـهْ
يَــا قَــاتِــلِــيـهِ لَـوْ تَـعْـلَـمُـونَ بِـهِ
إِذَنْ قَــتَــلْـتُـمْ نَـفُـوسَـكُـمْ بَـدَلَـهْ
قَــتَـلْـتُـمُ الـشِّـعْـرَ وَالْإِجَـادَةَ وَالْـ
إِبْــدَاعَ فِــيــهِ يَــا أَلْأَمَ الْــقَـتَـلَـة
لَـسْـتُـمْ بِـذَا الْـقَـتْلِ مِنْ بَنِي أَسَدٍ
بَــلْ أَنْـتُـمُ فِـيـهِ مِـنْ بَـنِـي وَرَلَـة
•••
لَــمْ يَــزَلِ الــدَّهْـرُ بَـعْـدَ مَـقْـتَـلِـهِ
يَـضْـرِبُ فِـي الـشِّعْرِ لِلْوَرَى مَثَلَهْ
كَـــانَ لَـــهُ عِـــنْــدَ كُــلِّ بَــادِهَــةٍ
بَـدَائِـعٌ فِـي الْـقَـرِيـضِ مُـرْتَـجَـلَة
يَـصْـطَـادُ فِـي الـشِّعْرِ كُلَّ شَارِدَةٍ
مِـنَ الْـقَـوَافِـي بِـفِـطْـنَـةٍ عَـجِـلَـة
فَـــلَا تَـــقِــسْــهُ بِــغَــيْــرِهِ أَدَبًــا!
وَهَـلْ تُـقَـاسُ الْـمِـعْـطَـارُ بِالتَّفِلَة!
•••
كَــمْ شَــاعِـرٍ يَـدَّعِـي وَلَـيْـسَ لَـهُ
مِـنْ شِـعْـرِهِ غَـيْـرُ مَنْطِقِ الْحَجَلَة
إِنْ أَنْــتَ أَنْــشَـدْتَ شِـعْـرَهُ هُـزُؤًا
رَجَــعْــتَ مِــنْـهُ كَآكِـلِ الْـبَـصَـلَـة
وَرُبَّ شِـــعْـــرٍ إِذَا لَــفَــظْــتَ بِــهِ
مِـنْ هُـجْـنَـةٍ فِـيـهِ تَأْنَـفُ الـسَّبَلَة
الـشِّـعْـرُ مَـعْـنًـى أَلْـفَاظُهُ حَسُنَتْ
فَــنَــسَّـقَـتْ فِـي بَـلَاغَـةٍ جُـمَـلَـهْ
وَكُـــلَّـــمَــا قَــصَّــرَتْ قَــوَالِــبُــهُ
عَـنْ حُـسْـنِ مَعْنَاهُ أَوْسَعَتْ خَلَلَهْ
حُـسْـنُ الْـمَـعَـانِـي بِـلَـفْظِهَا شُوَهٌ
كَـحُـسْـنِ حَـسْـنَـاءَ ثَـوْبُـهَا سَمَلَةْ
•••
مَـنْ ذَاقَ فِي الشِّعْرِ طَعْمَ مُعْجِزِهِ
فَأَحْــمَــدُ الــشَّــاعِـرُ الَّـذِي أَكَـلَـهْ
أَيُّ مَـقَـامٍ هَـيْـجَـاؤُهُ احْـتَـدَمَـتْ
بِـالـشِّـعْـرِ يَـوْمًـا وَلَـمْ يَـكُنْ بَطَلَهْ
كَـانَ عَـزِيـزًا يَأْبَـى الْـهَـوَانَ فَـمَـا
قَــرَّ عَــلَــيْــهِ يَــوْمًــا وَلَا قَــبِـلَـهْ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: المنسرح
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤