وَدَاعٌ وَشَكْوَى

Wave Image
أَزِفَ الـــرَّحِــيــلُ وَحَــانَ أَنْ نَــتَــفَــرَّقَــا
فَــإِلَــى اللِّــقَــا يَــا صَــاحِـبَـيَّ إِلَـى اللِّـقَـا
إِنْ تَــبْــكِــيَـا فَـلَـقَـدْ بَـكَـيْـتُ مِـنَ الْأَسَـى
حَــتَّــى لَــكِــدْتُ بِــأَدْمُــعِــي أَنْ أَغْــرَقَـا
وَتَــسَــعَّــرَتْ عِــنْــدَ الْــوَدَاعِ أَضَــالِــعِـي
نَــارًا خَــشِــيــتُ بِــحَــرِّهَــا أَنْ أُحْــرَقَــا
مَــا زِلْـتُ أَخْـشَـى الْـبَـيْـنَ قَـبْـلَ وُقُـوعِـهِ
حَــتَّــى غَــدَوْتُ وَلَــيْــسَ لِـي أَنْ أَفْـرَقَـا
يَــوْمَ الــنَّــوَى لِلــهِ مَــا أَقْــسَــى الـنَّـوَى!
لَـوْلَا الـنَّـوَى مَـا أَبْـغَـضَـتْ نَـفْـسِـي الْـبَـقَا
رُحْــنَــا حَــيَــارَى صَــامِــتِــيــنَ كَــأَنَّــمَـا
لِلْـــهَــوْلِ نَــحْــذَرُ عِــنْــدَهُ أَنْ نَــنْــطِــقَــا
أَكْـــبَـــادُنَـــا خَـــفَّـــاقَـــةٌ وَعُـــيُـــونُــنَــا
لَا تَــسْــتَــطِــيــعُ مِـنَ الْـبُـكَـا، أَنْ تَـرْمُـقَـا
نَــتَــجَــاذَبُ الـنَّـظَـرَاتِ وَهْـيَ ضَـعِـيـفَـةٌ
وَنُــغَــالِــبُ الْأَنْــفَــاسَ كَــيْ لَا تُــزْهَــقَــا
لَـــوْ لَـــمْ نُــعَــلِّلْ بِــاللِّــقَــاءِ نُــفُــوسَــنَــا
كَـــادَتْ مَــعَ الْــعَــبَــرَاتِ أَنْ تَــتَــدَفَّــقَــا
يَـــا صَـــاحِـــبَــيَّ تَــصَــبَّــرَا فَــلَــرُبَّــمَــا
عُــدْنَــا وَعَــادَ الــشَّــمْــلُ أَبْــهَــى رَوْنَـقَـا
إِنْ كَـــانَـــتِ الْأَيَّـــامُ لَـــمْ تَـــرْفُــقْ بِــنَــا
فَــمِــنَ الــنُّــهَــى بِــنُـفُـوسِـنَـا أَنْ نَـرْفُـقَـا
إِنَّ الَّــذِي قَــدَرَ الْــقَــطِــيــعَــةَ وَالــنَّــوَى
فِــي وُسْــعِــهِ أَنْ يَــجْــمَــعَ الْـمُـتَـفَـرِّقَـا!
وَلَــقَــدْ رَكِــبْــتُ الْــبَــحْــرَ يَـزْأَرُ هَـائِـجًـا
كَــاللَّــيْــثِ فَــارَقَ شِــبْــلَــهُ بَــلْ أَحْـنَـقَـا
وَالــنَّــفْــسُ جَــازِعَــةٌ وَلَــسْــتُ أَلُـومُـهَـا
فَــالْــبَــحْـرُ أَعْـظَـمُ مَـا يُـخَـافُ وَيُـتَّـقَـى
فَــلَــقَــدْ شَــهِــدْتُ بِــهِ حَــكِـيـمًـا عَـاقِـلًا
وَلَـــقَـــدْ رَأَيْـــتُ بِـــهِ جَـــهُــولًا أَخْــرَقَــا
مُــسْــتَــوْفِــزٌ مَــا شَــاءَ أَنْ يَــلْــهُــو بِـنَـا
مُـــتَـــرَفِّـــقٌ مَـــا شَـــاءَ أَنْ يَـــتَــرَفَّــقَــا
تَـــتَــنَــازَعُ الْأَمْــوَاجُ فِــيــهِ بَــعْــضَــهَــا
بَــعْــضًــا عَــلَــى جَـهْـلٍ تُـنَـازِعُـنَـا الْـبَـقَـا
بَــيْــنَــا يَــرَاهَــا الــطَّــرْفُ سُـورًا قَـائِـمًـا
فَــإِذَا بِــهَــا حَــالَــتْ فَــصَــارَتْ خَـنْـدَقَـا
وَالْـــفُـــلْـــكُ جَــارِيَــةٌ تَــشُــقُّ عُــبَــابَــهُ
شَـــقًّـــا، كَـــمَـــا تَـــفْــرِي رِدَاءً أَخْــلَــقَــا
تَــعْــلُــو فَــنَــحْـسَـبُـهَـا تَـؤُمُّ بِـنَـا الـسَّـمَـا
وَنَـــظُـــنُّ أَنَّـــا رَاكِـــبُـــونَ مُـــحَـــلِّـــقَــا
حَــتَّــى إِذَا هَــبَــطَــتْ بِــنَــا فِــي لُــجَّـةٍ
أَيْــقَــنْــتُ أَنَّ الْــمَــوْتَ فِــيــنَــا أَحْــدَقَـا
وَالْأُفْــقُ قَــدْ غَــطَّــى الــضَّـبَـابُ أَدِيـمَـهُ
فَــكَــأَنَّــمَــا غَــشِــيَ الْــمِــدَادَ الْــمُـهَـرَقَـا
لَا الـشَّـمْـسُ تَـسْـطَعُ فِي الصَّبَاحِ وَلَا نَرَى
إِمَّــا اسْــتَــطَــالَ اللَّــيْــلُ؛ بَـدْرًا مُـشْـرِقَـا
عِــشْــرُونَ يَــوْمًــا أَوْ تَــزِيــدُ قَـضَـيْـتُـهَـا
كَــيْــفَ الْــتَــفَــتُّ رَأَيْــتُ مَــاءً مُــغْـدِقَـا
«نِـيُـويُـورْكُ» يَـا بِنْتَ الْبُخَارِ، بِنَا اقْصِدِي
فَــلَــعَــلَّـنَـا بِـالْـغَـرْبِ نَـنْـسَـى الْـمَـشْـرِقَـا
وَطَـــنٌ أَرَدْنَـــاهُ عَـــلَـــى حُـــبِّ الْـــعُـــلَا
فَـأَبَـى سِـوَى أَنْ يَـسْـتَـكِـيـنَ إِلَـى الـشَّـقَا
كَـالْـعَـبْـدِ يَـخْـشَـى بَـعْـدَمَـا أَفْـنَـى الـصِّبَا
يَـــلْـــهُـــو بِـــهِ سَـــادَاتُــهُ أَنْ يُــعْــتَــقَــا
أَوَكُـــلَّـــمَـــا جَــاءَ الــزَّمَــانُ بِــمُــصْــلِــحٍ
فِــي أَهْــلِــهِ قَــالُــوا: طَـغَـى وَتَـزَنْـدَقَـا؟
فَــكَــأَنَّــمَــا لَــمْ يَــكْــفِــهِ مَــا قَـدْ جَـنَـوْا
وَكَـــأَنَّــمَــا لَــمْ يَــكْــفِــهِــمْ أَنْ أَخْــفَــقَــا
هَـــذَا جَـــزَاءُ ذَوِي الـــنُّــهَــى فِــي أُمَّــةٍ
أَخَــذَ الْــجُــمُــودُ عَــلَـى بَـنِـيـهَـا مَـوْثِـقَـا
وَطَــنٌ يَــضِــيــقُ الْــحُــرُّ ذَرْعًــا عِــنْــدَهُ
وَتَــــرَاهُ بِـــالْأَحْـــرَارِ ذَرْعًـــا أَضْـــيَـــقَـــا
مَـــا إِنْ رَأَيْـــتُ بِـــهِ أَدِيـــبًـــا مُـــوسِـــرًا
فِــيــمَــا رَأَيْــتُ، وَلَا جَــهُــولًا مُــمْــلِــقَــا
مَـشَـتِ الْـجَـهَـالَـةُ فِـيـهِ تَـسْـحَـبُ ذَيْـلَـهَا
تِــيــهًــا، وَرَاحَ الْــعِـلْـمُ يَـمْـشِـي مُـطْـرِقَـا
أَمْــسَــى وَأَمْــسَــى أَهْــلُــهُ فِــي حَــالَــةٍ
لَــوْ أَنَّــهَــا تَــعْــرُو الْــجَــمَــادَ لَأَشْــفَــقَــا
شَــعْــبٌ كَــمَــا شَـاءَ الـتَّـخَـاذُلُ وَالْـهَـوَى
مُـــتَـــفَـــرِّقٌ وَيَـــكَـــادُ أَنْ يَـــتَـــمَـــزَّقَــا
لَا يَـــرْتَـــضِـــي دِيـــنَ الْإِلَـــهِ مُـــوَفِّــقًــا
بَــيْــنَ الْــقُــلُــوبِ وَيَــرْتَــضِـيـهِ مُـفَـرِّقَـا
كَــلِــفٌ بِــأَصْــحَــابِ الــتَّـعَـبُّـدِ وَالـتُّـقَـى
وَالــشَّــرُّ مَــا بَــيْــنَ الــتَّــعَــبُّـدِ وَالـتُّـقَـى
مُــسْـتَـضْـعَـفٌ، إِنْ لَـمْ يُـصِـبْ مُـتَـمَـلَّـقًـا
يَـــوْمًـــا تَــمَــلَّــقَ أَنْ يَــرَى مُــتَــمَــلَّــقَــا
لَــمْ يَــعْــتَــقِــدْ بِــالْـعِـلْـمِ وَهْـوَ حَـقَـائِـقٌ
لَــكِــنَّــهُ اعْــتَــقَــدَ الــتَّــمَـائِـمَ وَالـرُّقَـى!
وَلَـــرُبَّـــمَـــا كَـــرِهَ الْـــجُـــمُـــودَ وَإِنَّــمَــا
صَــعْــبٌ عَــلَـى الْإِنْـسَـانِ أَنْ يَـتَـخَـلَّـقَـا!
وَحُــكُــومَــةٌ مَــا إِنْ تُــزَحْــزِحُ أَحْــمَــقًـا
عَــنْ رَأْسِــهَــا حَــتَّــى تُــوَلِّــيَ أَحْــمَــقَـا
رَاحَــتْ تُــنَــاصِــبُــنَــا الْــعَــدَاءَ كَــأَنَّــمَـا
جِـــئْـــنَـــا فَــرِيًّــا أَوْ رَكِــبْــنَــا مَــوْبِــقَــا
وَأَبَـــتْ سِـــوَى إِرْهَـــاقِـــنَــا فَــكَــأَنَّــمَــا
كُـــلُّ الْــعَــدَالَــةِ عِــنْــدَهَــا أَنْ نُــرْهَــقَــا
بَــيْــنَــا الْأَجَــانِــبُ يَــعْـبَـثُـونَ بِـهَـا كَـمَـا
عَــبِـثَ الـصَّـبَـا سَـحَـرًا بِـأَغْـصَـانِ الـنَّـقَـا
«بَـغْـدَادُ» فِـي خَـطَـرٍ «وَمِـصْـرُ» رَهِـيـنَـةٌ
وَغَــدًا تَــنَــالُ يَــدُ الْــمَـطَـامِـعِ «جِـلَّـقَـا»
ضَــعُــفْــتَ قَــوَائِــمُــهَــا وَلَــمَّــا تَـرْعَـوِي
عَــنْ غَــيِّــهَــا حَــتَّــى تَــزُولَ وَتُــمْـحَـقَـا
قِــيــلَ اعْــشَـقُـوهَـا قُـلْـتُ: لَـمْ يَـبْـقَ لَـنَـا
مَــعَــهَــا قُــلُــوبٌ كَـيْ نُـحِـبَّ وَنَـعْـشَـقَـا
إِنْ لَــمْ تَــكُــنْ ذَاتُ الْــبَــنِــيـنَ شَـفِـيـقَـةً
هَــيْــهَــاتَ تَـلْـقَـى مِـنْ بَـنِـيـهَـا مُـشْـفِـقَـا
أَصْـبَـحْـتُ حَـيْـثُ الـنَّفْسُ لَا تَخْشَى أَذًى
أَبَــدًا وَحَــيْــثُ الْــفِــكْـرُ يَـغْـدُو مُـطْـلَـقَـا
نَـفْـسِـي اخْـلُـدِي وَدَعِـي الْـحَـنِـيـنَ فَإِنَّمَا
جَــهْــلٌ بُــعَــيْــدَ الْــيَــوْمِ أَنْ نَــتَــشَـوَّقَـا
هَـذِي هِـيَ «الـدُّنْـيَـا الْـجَـدِيدَةُ» فَانْظُرِي
فِــيــهَــا ضِــيَــاءَ الْــعِــلْــمِ كَــيْـفَ تَـأَلَّـقَـا
إِنِّــي ضَــمِــنْــتُ لَــكِ الْــحَــيَـاةَ شَـهِـيَّـةً
فِــي أَهْــلِــهَــا وَالْــعَــيْـشَ أَزْهَـرَ مُـونِـقَـا

عن القصيدة

  • غرض القصيدة: الوصف
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الكامل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

إيليا أبو ماضي: واحد من أبرز شعراء المهجر الذين أثْرَوُا الشعر العربي في أوائل القرن العشرين بقصائدهم ودواوينهم.

ولد إيليا ضاهر أبو ماضي عام ١٨٩٠م في قرية «المحيدثة» إحدى قرى لبنان، في أسرة فقيرة معدمة، عانى معها الاغتراب منذ صغره. وحينما بلغ الحادية عشرة من عمره، رحلت أسرته إلى مصر، ونزلت الإسكندرية ثم انتقلت إلى القاهرة، حيث مارس فيها إيليا التجارة طلبًا للمال، فاتخذ محلًّا لبيع السجائر والدخان.

وقد كان إيليا منذ صغره محبًّا للعلم والتعلم، شغوفًا بالأدب والشعر، يستغل أوقات فراغه في حفظ الشعر ونظمه، ومطالعة كتب الأدب ودراستها. وقد رآه ذات مرة الأستاذ أنطون الجُميِّل يكتب الشعر أثناء عمله، فأعجب بشعره وحرص على نشره في مجلة الزهور التي كان يصدرها، وكانت تلك الخطوة فاتحة خير عليه، فظل يكتب الشعر وينشره طيلة ثمانية أعوام، ثم جمعه في ديوان أطلق عليه اسم: «تذكار الماضي».

وكان إيليا يتطلع إلى العيش في الولايات المتحدة الأمريكية، فهاجر من مصر إلى هناك وسكن مدينة «سنسناتي»، ثم انتقل بعدها إلى نيويورك ليلتقي بألمع رجال النخبة العربية التي هاجرت إلى هناك، أمثال: ميخائيل نعيمة، وجبران خليل جبران، ونسيب عريضة، وأحمد زكي أبو شادي وغيرهم، ليؤلف معهم ما أطلقوا عليه بعد ذلك: «الرابطة القلمية» التي كانت أبرز علامات الأدب العربي الحديث.

وفي نيويورك عمل إيليا نائبًا لرئيس تحرير جريدة «مرآب الغرب» وتزوج من السيدة دورا نجيب دياب ابنة صاحب الجريدة، وأنجب منها أربعة أولاد، وقد توجت جهوده الأدبية عام ١٩١٩م بإصدار «مجلة السمير» التي كانت تعد في ذلك الوقت أهم مجلة عربية في المهجر، والتي حوَّلها بعد ذلك إلى جريدة تصدر يوميًّا.

توفي إيليا أبو ماضي عام ١٩٥٧م في نيويورك إثر نوبة قلبية، تاركًا إنتاجًا أدبيًّا متميزًا قوامه أربعة دواوين، هي: «تذكار الماضي» و«ديوان إيليا أبي ماضي» و«الجداول» و«الخمائل»، وديوان خامس كان معدًّا للطبع أُطلق عليه: «تبر وتراب».

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤