طَـوَى بَـعْضَ نَفْسِي إِذْ طَوَاكَ الثَّرَى عَنِّي
وَذَا بَـعْـضُـهَـا الـثَّـانِـي يَـفِـيضُ بِهِ جَفْنِي
أَبِـي! خَـانَـنِـي فِـيـكَ الـرَّدَى فَـتَـقَـوَّضَتْ
مَـقَـاصِـيـرُ أَحْـلَامِـي كَـبَـيْـتٍ مِـنَ الـتِّـبْنِ
وَكَــانَــتْ رِيَـاضِـي حَـالِـيَـاتٍ ضَـوَاحِـكًـا
فَـأَقْـوَتْ وَعَـفَّـى زَهْـرَهَـا الْجَزَعُ الْمُضْنِي
وَكَــانَــتْ دِنَــانِــي بِــالــسُّــرُورِ مَــلِـيـئَـةً
فَـطَـاحَـتْ يَـدٌ عَـمْـيَـاءُ بِـالْـخَـمْـرِ وَالـدَّنِّ
فَـلَـيْـسَ سِـوَى طَـعْـمِ الْـمَـنِـيَّةِ فِي فَمِي،
وَلَـيْـسَ سِـوَى صَـوْتِ الـنَّوَادِبِ فِي أُذْنِي
وَلَا حَـــسَـــنٌ فِـــي نَـــاظِـــرَيَّ وَقَــلَّــمَــا
فَــتَـحْـتُـهُـمَـا مِـنْ قَـبْـلُ إِلَّا عَـلَـى حُـسْـنِ
وَمَــا صُــوَرُ الْأَشْــيَــاءِ، بَــعْــدَكَ غَـيْـرَهَـا
وَلَــكِــنَّــمَــا قَــدْ شَــوَّهَـتْـهَـا يَـدُ الْـحُـزْنِ
عَـلَـى مَـنْـكِـبِـي تِـبْـرُ الـضُّـحَـى وَعَـقِـيقُهُ
وَقَــلْــبِـيَ فِـي نَـارٍ، وَعَـيْـنَـايَ فِـي دُجْـنِ
أَبَــحْـتُ الْأَسَـى دَمْـعِـي وَأَنْـهَـبْـتُـهُ دَمِـي
وَكُـنْـتُ أَعُـدُّ الْـحُـزْنَ ضَـرْبًـا مِـنَ الْـجُـبْنِ
فَـمُـسْـتَـنْـكِـرٌ كَـيْـفَ اسْـتَحَالَتْ بَشَاشَتِي
كَـمُـسْـتَـنْـكِـرٍ فِـي عَـاصِفٍ رَعْشَةَ الْغُصْنِ
يَـقُـولُ الْـمُـعَـزِّي لَيْسَ يُجْدِي الْبُكَا الْفَتَى
وَقَــوْلُ الْــمُــعَــزِّي لَا يُــفِـيـدُ وَلَا يُـغْـنِـي
شَــخَــصْــتُ بِـرُوحِـي حَـائِـرًا مُـتَـطَـلِّـعًـا
إِلَــى مَــا وَرَاءَ الْــبَـحْـرِ أَدْنُـو وَأَسْـتَـدْنِـي
كَــذَاتِ جَــنَــاحٍ أَدْرَكَ الــسَّــيْــلُ عُـشَّـهَـا
فَـطَـارَتْ عَـلَـى رَوْعٍ تَـحُـومُ عَـلَى الْوَكْنِ
فَـوَاهًـا لَـوَ انِّـي كُـنْـتُ فِـي الْـقَوْمِ عِنْدَمَا
نَــظَــرْتَ إِلَــى الْــعُــوَّادِ تَـسْـأَلُـهُـمْ عَـنِّـي
وَيَـا لَـيْـتَـمَـا الْأَرْضُ انْـطَـوَى لِـي بِسَاطُهَا
فَـكُـنْـتُ مَـعَ الْـبَـاكِـيـنَ فِـي سَاعَةِ الدَّفْنِ
لَـــعَـــلِّــي أَفِــي تِــلْــكَ الْأُبُــوَّةَ حَــقَّــهَــا
وَإِنْ كَـــانَ لَا يُــوفَــى بِــكَــيْــلٍ وَلَا وَزْنِ
فَــأَعْــظَــمُ مَــجْــدِي كَــانَ أَنَّــكَ لِـي أَبٌ
وَأَكْــبَــرُ فَــخْـرِي كَـانَ قَـوْلُـكَ: ذَا إِبْـنِـي!
أَقُـــولُ: لَــوَ انِّــي، كَــيْ أُبَــرِّدُ لَــوْعَــتِــي
فَـيَـزْدَادُ شَـجْـوِي كُـلَّـمَـا قُـلْـتُ: لَـوْ أَنِّـي!
أَحَــتَّــى وَدَاعُ الْأَهْـلِ يُـحْـرَمُـهُ الْـفَـتَـى؟
أَيَـا دَهْـرُ هَـذَا مُـنْـتَـهَـى الْـحَـيْفِ وَالْغَبْنِ!
أَبِـــي! وَإِذَا مَـــا قُـــلْــتُــهَــا فَــكَــأَنَّــنِــي
أُنَــادِي وَأَدْعُــو يَــا مَــلَاذِي وَيَــا رُكْــنِـي
لِـمَـنْ يَـلْـجَـأُ الْـمَـكْرُوبُ بَعْدَكَ فِي الْحِمَى
فَـيَـرْجِـعُ رَيَّـانَ الْـمُـنَـى ضَـاحِـكَ الـسِّنِّ؟
خَـلَـعْـتَ الـصِّـبَا فِي حَوْمَةِ الْمَجْدِ نَاصِعًا
وَنُــزِّهَ فِــيـكَ الـشَّـيْـبُ عَـنْ لَـوْثَـةِ الْأَفْـنِ
فَـذِهْـنٌ كَـنَـجْـمِ الـصَّيْفِ فِي أَوَّلِ الدُّجَى
وَرَأْيٌ كَــحَــدِّ الــسَّــيْـفِ أَوْ ذَلِـكَ الـذِّهْـنِ
وَكُــنْــتَ تَــرَى الــدُّنْــيَـا بِـغَـيْـرِ بَـشَـاشَـةٍ
كَـــأَرْضٍ بِــلَا مَــاءٍ وَصَــوْتٍ بِــلَا لَــحْــنِ
فَــمَــا بِــكَ مِــنْ ضُـرٍّ لِـنَـفْـسِـكَ وَحْـدَهَـا
وَضِـحْـكُـكَ وَالْإِيـنَـاسُ لِلْـجَـارِ وَالْـخِـدْنِ
جَـرِيءٌ عَـلَـى الْـبَـاغِي، عَيُوفٌ عَنِ الْخَنَا،
سَــرِيــعٌ إِلَــى الــدَّاعِــي، كَـرِيـمٌ بِـلَا مَـنِّ
وَكُـــنْـــتَ إِذَا حَـــدَّثْــتَ حَــدَّثَ شَــاعِــرٌ
لَــبِــيـبٌ دَقِـيـقُ الْـفَـهْـمِ وَالـذَّوْقِ وَالْـفَـنِّ
فَـمَـا اسْـتَـشْـعَـرَ الْـمُـصْـغِـي إِلَـيْـكَ مَلَالَةً
وَلَا قُــلْــتَ إِلَّا قَــالَ مِــنْ طَــرَبٍ: زِدْنِـي!
بِـــرُغْـــمِــكَ فَــارَقْــتَ الــرُّبُــوعَ وَإِنَّــنَــا
عَـلَـى الـرُّغْـمِ مِـنَّـا سَـوْفَ نَـلْحَقُ بِالظَّعْنِ
طَـرِيـقٌ مَـشَـى فِـيـهَـا الْـمَـلَايِـيـنُ قَـبْـلَـنَا
مِـنَ الْـمَـلِـكِ الـسَّـامِـي إِلَـى عَـبْـدِهِ الْـقِـنِّ
نَــظُــنُّ لَــنَــا الــدُّنْـيَـا وَمَـا فِـي رِحَـابِـهَـا
وَلَــيْــسَـتْ لَـنَـا إِلَّا كَـمَـا الْـبَـحْـرُ لِلـسُّـفْـنِ
تَـــرُوحُ وَتَـــغْـــدُو حُـــرَّةً فِــي عُــبَــابِــهِ
كَـمَـا يَـتَـهَادَى سَاكِنُ السِّجْنِ فِي السِّجْنِ
وَزَنْــتُ بِــسِــرِّ الْــمَـوْتِ فَـلْـسَـفَـةَ الْـوَرَى
فَـشَـالَـتْ وَكَـانَـتْ جَـعْـجَـعَـاتٍ بِلَا طِحْنِ
فَـــأَصْـــدَقُ أَهْــلِ الْأَرْضِ مَــعْــرِفَــةً بِــهِ
كَــأَكْــثَــرِهِــمْ جَــهْــلًا يُــرَجِّــمُ بِــالـظَّـنِّ
فَــذَا مِــثْــلُ هَــذَا حَــائِــرُ اللُّــبِّ عِــنْـدَهُ
وَذَاكَ كَــهَــذَا لَــيْــسَ مِــنْــهُ عَــلَـى أَمْـنِ
فَــيَــا لَــكَ سِـفْـرًا لَـمْ يَـزَلْ جِـدَّ غَـامِـضٍ
عَـلَـى كَـثْرَةِ التَّفْصِيلِ فِي الشَّرْحِ وَالْمَتْنِ
أَيَـــا رَمْـــزَ لُـــبْـــنَـــانٍ جَــلَالًا وَهَــيْــبَــةً
وَحِصْنَ الْوَفَاءِ الْمَحْضِ فِي ذَلِكَ الْحِصْنِ
ضَــرِيــحُــكَ مَــهْــمَــا يَـسْـتَـسِـرُّ وَبَـلْـدَةٌ
أَقَـمْـتَ بِـهَـا تَـبْـنِـي الْـمَـحَـامِـدَ مَـا تَـبْنِي
أَحَــبُّ مِــنَ الْأَبْــرَاجِ طَــالَــتْ قِــبَــابُــهَـا
وَأَجْـمَـلُ فِـي عَـيْـنِـيَّ مِـنْ أَجْـمَـلِ الْمُدْنِ
عَــلَــى ذَلِــكَ الْــقَــبْــرِ الــسَّــلَامُ فَـذِكْـرُهُ
أَرِيـجٌ بِـهِ نَـفْـسِـي عَـنِ الْـعِـطْـرِ تَـسْتَغْنِي