مَصْرَعُ حَبِيبَيْنِ

Wave Image
فِــي ذَلِــكَ الــرَّوْضِ الْأَغَــنِّ بَــدَى فَـتًـى
قَــدْ يَــبْــلُــغُ الْـعِـشْـرِيـنَ عَـامًـا ذُو نُـهَـى
كَــــالْــــبَــــدْرِ إِلَّا أَنَّــــهُ مُــــتَــــكَــــتِّــــمٌ
وَالْــــغُــــصْــــنِ إِلَّا أَنَّــــهُ غُـــصْـــنٌ ذَوَى
كَــتَــبَ الـضَّـنَـى فِـي وَجْـهِـهِ هَـذَا الَّـذِي
كَــادَ الْــغَــرَامُ بِــهِ يَــئُــولُ إِلَــى الْــفَــنَــا
دَنِــفٌ تُــرَوِّعُــهُ الْــغُــصُــونُ إِذَا انْـثَـنَـتْ
طَــرَبًــا، وَيُــقْــلِــقُــهُ الـنَّـسِـيـمُ إِذَا جَـرَى
حَــيْــرَانُ يُــقْــعِــدُهُ الْــهَــوَى وَيُــقِـيـمُـهُ
فَـــكَـــأَنَّـــهُ عَـــلَـــمٌ يُـــدَاعِـــبُــهُ الْــهَــوَا
فَــــإِذَا رَنَـــا لِلْأُفْـــقِ ظَـــنَّ نُـــجُـــومَـــهُ
عِــقْــدَ الَّــتِــي مَــنْ رَامَــهَــا رَامَ الـسَّـمَـا
وَتَــوَهَّــمَ الْــقَــمَــرَ الْــمُـحَـلِّـقَ وَجَـهَ مَـنْ
ضَــنَّــتْ وَجَــادَتْ بِــاللِّــقَــاءِ وَبِــالــنَّـوَى
حَــجَــبَ الْــغَـمَـامُ الْـبَـدْرَ عِـنْـدَ مَـسِـيـرِهِ
فَــكَـأَنَّـهُ «أَسْـمَـاءُ» تَـسْـرِي فِـي الـدُّجَـى
حَـسْـنَـاءُ قَـدْ عَـشِـقَ الْـمُـحِـبُّ عَـفَـافَـهَـا
وَتَـــعَـــشَّـــقَـــتْ آدَابَـــهُ فَـــهُــمَــا سَــوَا
كَـالْـغُـصْـنِ قَـامَـتُـهَـا إِذَا الْـغُـصْـنُ انْـثَنَى
وَجَـبِـيـنُـهَـا يَـحْـكِـي الـصَّـبَاحَ إِذَا انْجَلَى
وَقَــعَــتْ غَــدَائِــرُهَــا عَــلَــى أَقْــدَامِــهَـا
فَــكَــأَنَّــهَــا قَــدْ عَــضَّــهَــا نَــابُ الْــهَـوَى
خَــوْدٌ إِذَا نَــطَــقَـتْ حَـسِـبْـتَ حَـدِيـثَـهَـا
دُرًّا، وَلَـــكِـــنْ لَــيْــسَ مِــمَّــا يُــشْــتَــرَى
وَقَــفَــتْ تُــحِــيــطُ بِـهَـا الـزُّهُـورُ كَـأَنَّـهَـا
قَـمَـرٌ تُـحِـيـطُ بِـهِ الْـكَـوَاكِـبُ فِـي الْـفَضَا
وَمَــشَــتْ تَـحِـفُّ بِـهَـا الْـغُـصُـونُ كَـأَنَّـهَـا
مَــلِــكٌ تَــحِــفُّ بِــهِ الْـجُـنُـودُ إِذَا مَـشَـى
لِلـــهِ زَوْرَتُـــهَـــا وَقَـــدْ قَــنِــطَ الْــفَــتَــى
فَـــكَــأَنَّــهَــا رُوحٌ جَــرَى فِــيــمَــنْ تَــوَى
هَــيْــهَــاتَ مَـا ظَـفَـرَ الْـمُـؤَمِّـلُ بِـالْـغِـنَـى
بِــأَلــذَّ مِــنْ ظَــفَــرِ الْــمُــتَــيَّــمِ بِــاللِّــقَـا
فَــدَنَــا يُــطَــارِحُــهَــا تَــحِــيَّــةَ عَــاشِـقٍ
وَيَــقُــولُ أَهْــلًا بِــالْــحَــبِــيــبِ إِذَا أَتَــى
بَــيْــنَــا تُــصَــافِــحُ مَـنْ يُـصَـافِـحُـهَـا إِذَا
بِـدُمُـوعِـهَـا سَـحَّـتْ فَـصَـافَـحَـتِ الـثَّـرَى
مَـــا لِلْـــعُــيُــونِ تَــحَــدَّرَتْ عَــبَــرَاتُــهَــا
وَعَــلَامَ هَــذَا الْــحُــزْنُ يَــا ذَاتَ الْــبَـهَـا؟
قَــالَــتْ حَـبِـيـبِـي لَـوْ تَـرَى مَـا قَـدْ جَـرَى
فِــي رَبْــعِــنَــا شَــارَكْــتَـنِـي فِـيـمَـا تَـرَى
جَــارَ الْــقَــضَــاءُ عَــلَــيَّ فِــي أَحَــكَـامِـهِ
مَــا حِــيــلَـةُ الْإِنْـسَـانِ إِنْ جَـارَ الْـقَـضَـا؟
فَــابْــكِ مَــعِــي، فَــلَــرُبَّــمَــا نَـفَـعَ الْـبُـكَـا
إِنَّ اللَّــيَــالِــي لَا تَــدُومُ عَــلَــى الــصَّــفَـا
قَــالَ الْــفَــتَــى وَالــدَّمْـعُ مُـنْـتَـثِـرٌ عَـلَـى
خَــدَّيْــهِ، يَــا أَسْــمَــاءُ قُــولِــي مَـا جَـرَى
فَـتَـلَـفَّـتَـتْ فِـي الـرَّوْضِ خِـيـفَـةَ سَـامِـعٍ
فَــكَــأَنَّــهَــا الــظَّــبْــيُ الْــغَــرِيــرُ إِذَا رَنَـا
وَتَـــرَدَّدَتْ بِـــكَـــلَامِـــهَـــا فَـــكَـــأَنَّـــمَـــا
تَــبْــغِــي وَلَا تَــبْــغِــي الــتَّــفَـوُّهَ بِـالـنَّـبَـا
قَــالَــتْ وَدَمْـعُ الْـحُـزْنِ يَـخْـنُـقُ صَـوْتَـهَـا
وَشَـتِ الْـحَـوَاسِـدُ عِـنْـدَ مَـنْ نَـخْـشَى بِنَا
وَغَــدًا يَـعُـودُ الـشَّـمْـلُ مُـنْـفَـصِـمَ الْـعُـرَى
هَــذَا هُــوَ الْــخَــبَــرُ الْــيَـقِـيـنُ بِـلَا خَـفَـا
قَـــدْ أَنْـــبَـــأَتْـــهُ بِـــالْـــفِــرَاقِ وَمَــا دَرَتْ
أَنَّ الْــفِــرَاقَ حِــمَــامُ مَــنْ عَـرَفَ الْـهَـوَى
فَـــكَـــأَنَّـــمَـــا سَـــهْـــمٌ أَصَـــابَ فُـــؤَادَهُ
وَكَـــأَنَّـــهُ لَـــمَّـــا ارْتَـــمَــى طَــوْدٌ هَــوَى
أَمَّــا الْــفَــتَــاةُ فَــرَاعَــهَــا مَــا صَــارَ فِـي
مَــحْــبُــوبِـهَـا وَكَـأَنَّـهَـا نَـدِمَـتْ عَـلَـى …
جَــعَــلَــتْ تُــنَــادِيــهِ بِــصَــوْتٍ مُــحْـزِنٍ
فَــيُــجِــيــبُــهَـا كَـنِـدَائِـهَـا رَجْـعُ الـصَّـدَى
حَــتَّــى إِذَا قَــنَــطَــتْ دَنَــتْ مِــنْـهُ كَـمَـا
يَــدْنُــو أَخُــو الـدَّاءِ الْـعُـضَـالِ مِـنَ الـدَّوَا
وَحَــنَــتْ فَــحَــرَّكَــتِ الْــفَــتَــى وَإِذَا بِـهِ
جِـــسْـــمٌ وَلَــكِــنْ لَا حَــيَــاةَ بِــهِ وَلَا …
قَــدْ فَــارَقَ الــدُّنْــيَــا فَــفَــارَقَـهَـا الـرَّجَـا
وَهَــوَتْ تُــعَــانِــقُــهُ فَــفَــارَقَــتِ الْــوَرَى
قَــمَــرَانِ ضَــمَّــهُــمَـا الـتُّـرَابُ وَمَـا عَـرَفْـ
ـتُ سِـوَاهُـمَـا قَـمَـرَيْـنِ ضَـمَّـهُـمَـا الـثَّـرَى

عن القصيدة

  • غرض القصيدة: الرثاء
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الكامل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

إيليا أبو ماضي: واحد من أبرز شعراء المهجر الذين أثْرَوُا الشعر العربي في أوائل القرن العشرين بقصائدهم ودواوينهم.

ولد إيليا ضاهر أبو ماضي عام ١٨٩٠م في قرية «المحيدثة» إحدى قرى لبنان، في أسرة فقيرة معدمة، عانى معها الاغتراب منذ صغره. وحينما بلغ الحادية عشرة من عمره، رحلت أسرته إلى مصر، ونزلت الإسكندرية ثم انتقلت إلى القاهرة، حيث مارس فيها إيليا التجارة طلبًا للمال، فاتخذ محلًّا لبيع السجائر والدخان.

وقد كان إيليا منذ صغره محبًّا للعلم والتعلم، شغوفًا بالأدب والشعر، يستغل أوقات فراغه في حفظ الشعر ونظمه، ومطالعة كتب الأدب ودراستها. وقد رآه ذات مرة الأستاذ أنطون الجُميِّل يكتب الشعر أثناء عمله، فأعجب بشعره وحرص على نشره في مجلة الزهور التي كان يصدرها، وكانت تلك الخطوة فاتحة خير عليه، فظل يكتب الشعر وينشره طيلة ثمانية أعوام، ثم جمعه في ديوان أطلق عليه اسم: «تذكار الماضي».

وكان إيليا يتطلع إلى العيش في الولايات المتحدة الأمريكية، فهاجر من مصر إلى هناك وسكن مدينة «سنسناتي»، ثم انتقل بعدها إلى نيويورك ليلتقي بألمع رجال النخبة العربية التي هاجرت إلى هناك، أمثال: ميخائيل نعيمة، وجبران خليل جبران، ونسيب عريضة، وأحمد زكي أبو شادي وغيرهم، ليؤلف معهم ما أطلقوا عليه بعد ذلك: «الرابطة القلمية» التي كانت أبرز علامات الأدب العربي الحديث.

وفي نيويورك عمل إيليا نائبًا لرئيس تحرير جريدة «مرآب الغرب» وتزوج من السيدة دورا نجيب دياب ابنة صاحب الجريدة، وأنجب منها أربعة أولاد، وقد توجت جهوده الأدبية عام ١٩١٩م بإصدار «مجلة السمير» التي كانت تعد في ذلك الوقت أهم مجلة عربية في المهجر، والتي حوَّلها بعد ذلك إلى جريدة تصدر يوميًّا.

توفي إيليا أبو ماضي عام ١٩٥٧م في نيويورك إثر نوبة قلبية، تاركًا إنتاجًا أدبيًّا متميزًا قوامه أربعة دواوين، هي: «تذكار الماضي» و«ديوان إيليا أبي ماضي» و«الجداول» و«الخمائل»، وديوان خامس كان معدًّا للطبع أُطلق عليه: «تبر وتراب».

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤