حُجِبْتَ وَلَمْ أَحْسَبْ سَنَا الْبَدْرِ يُحْجَبُ

Wave Image
حُجِبْتَ وَلَمْ أَحْسَبْ سَنَا الْبَدْرِ يُحْجَبُ
وَلَا خِـلْـتُـهُ فِـي بَـاطِـنِ الْأَرْضِ يَـغْـرُبُ
وَأَوْرَثْـتَ عَـيْـنِـي جُـودَ كَـفِّـكَ فَـانْبَرَتْ
تَــسُــحُّ بِــأَنْــوَاءِ الْــغَــمَــامِ وَتَـسْـكُـبُ
يُــذَكِّــرُنِــي بَــدْرُ الــسَّــمَــاءِ سَــمِــيَّـهُ
فَـــهَـــا أَنَــا أَرْعَــى كُــلَّ بَــدْرٍ وَأَرْقُــبُ
وَمُـذْ آثَـرَتْ فِـيـكَ الْـكَـوَاكِـبُ حُـكْـمَهَا
صَـدَدْتَ فَـمَـا يَـرْعَـى بِـجَـفْـنَيَّ كَوْكَبُ
يَـقُـولُـونَ إِنَّ الـشُّـهْـبَ فِـي كَـبِدِ السَّمَا
لَـــهَـــا أَسَــدٌ يُــرْدِي الْأَنَــامَ وَعَــقْــرَبُ
دَعِ الْأَسَــدَ الْأُفْــقِــيَّ يَـفْـتَـرِسُ الْـوَرَى
وَدَعْ عَـقْـرَبَ الْأَفْـلَاكِ لِلْـخَـلْـقِ يَـسْـلُبُ
عَـلَـيْـكَ خَـشِـيـتُ الْـخَـطْبَ قَبْلَ أَوَانِهِ
وَحَـاذَرْتُ صَـرْفَ الـدَّهْـرِ وَهْـوَ مُـغَيَّبُ
وَمَــا حَــسِــبَــتْ كَـفِّـي نَـوَالَـكَ كَـثْـرَةً
وَلَـكِـنْ لِـمَـحْـذُورِ الـرَّدَى كُـنْتُ أَحْسَبُ
لِـمَـنْ يُـسْـتَـجَـدُّ الْـفِـكْـرُ بَـعْـدَكَ مِـدْحَةً
يُــفَــضِّــضُ فِــي أَلْــفَـاظِـهَـا وَيُـذَهِّـبُ
لِـــمَــنْ نَــتَــرَجَّــى بَــعْــدَ بَــابِــكَ إِنَّــهُ
لِـبَـذْلِ الـنَّـدَى بَـابٌ صَـحِـيـحٌ مُـجَـرَّبُ
لِـمَـنْ تَـلْـتَـجِـي الْـعَـافُـونَ بَعْدَ عَوَارِفٍ
عَــوَارِفَ مَــا تَــسْـعَـى إِلَـيْـهِ وَتَـطْـلُـبُ
عَــلَـى شَـرَفِ الْأَخْـلَاقِ بَـعْـدَكَ وَالْـوَفَـا
سَـلَامٌ كَوَجْهِ الرَّوْضِ وَالرَّوْضُ مُعْجِبُ
مَـضَـتْ صَـدَقَاتُ السِّرِّ بَعْدَكَ وَانْقَضَتْ
فَــيَــا أَسَــفًـا لِلـسِّـرِّ بِـالـصَّـدْرِ يَـذْهَـبُ
مَــضَـى رَوْنَـقُ الْآدَابِ بَـعْـدَ وُضُـوحِـهِ
وَغُــيِّــبَ ذَاكَ الْــمَــنْــظَــرُ الْــمُــتَـأَدِّبُ
أَلَا فِــي سَــبِــيـلِ اللـهِ سَـاكِـنُ مَـلْـحَـدٍ
وَأَوْصَـافُـهُ فِـي الْأَرْضِ تُـمْـلَـى وَتُكْتَبُ
فَــتًــى كَــرُمَــتْ أَنْــسَــابُــهُ وَخِــلَالُــهُ
فَــــآلَاؤُهُ إِرْثٌ لَـــدَيْـــهِ وَمَـــكْـــسَـــبُ
سَـرَى غَـيْـرَ مَـسْـبُـوقٍ ثَـنَـاهُ وَكَـيْـفَ لَا
وَعَــنْـبَـرُهُ فِـي نَـفْـحَـةِ الـذِّكْـرِ أَشْـهَـبُ
فَــمَــنْ مُـبْـلِـغٌ شَـيْـبَـانَ يَـوْمَ تَـرَحَّـلَـتْ
عُــلَاهُ بِــأَنَّ الْأُفْــقَ بِـالـشُّـهْـبِ أَشْـيَـبُ
وَأَنَّ بَـــنِـــي الْآمَــالِ أَعْــوَزَ رَعْــيُــهُــمْ
وَضَــــاعُـــوا فَـــلَا أُمٌّ هُـــنَـــاكَ وَلَا أَبُ
فَــقَــدْنَــاهُ فُــقْـدَانَ الـرَّبِـيـعِ فَـدَهْـرُنَـا
جُـمَـادَى وَزَالَ الْـمُـسْـتَـمَـاحُ الْـمُـرَجَّبُ
أَخَــا أَدَبٍ بَــيْــنَ الْــمَــكَـارِمِ وَالـتُّـقَـى
عَـلَـى شَـرَفِ الـدَّارَيْـنِ يَـسْـعَى وَيَدْأَبُ
فَــلَــوْ لَــمْ تَـجُـدْنَـا غُـرُّ نُـعْـمَـاهُ جَـادَنَـا
بِـفَـضْـلِ دُعَـاهُ وَابِـلُ الْـغَـيْـثِ يَـسْـكُبُ
مَـضَـى حَـيْـثُ تَـنْـأَى عَـنْـهُ كُـلُّ ذَمِيمَةٍ
وَأَعْــمَــالُــهُ بِــالــصَّــالِــحَــاتِ تُــقَـرِّبُ
وَأَيَّـــامُـــهُ بَـــدْرِيَّـــةٌ لَا يَـــضِـــيــرُهَــا
بَـــوَادِرُ مَــا تَــأْتِــي وَمَــا تَــتَــجَــنَّــبُ
تُـجَـاهِـدُ فِـيـهَـا النَّفْسُ وَالْعَيْشُ مُمْكِنٌ
وَزَبْـرَجُ هَـذَا الْـعَـيْـشِ شَـيْءٌ مُـحَـبَّـبُ
لَــحَــى اللــهُ دُنْــيَــا لَا تَـكُـونُ مَـطِـيَّـةً
إِلَـــى دَرَكِ الْأُخْـــرَى تُـــزَمُّ وَتُـــرْكَـــبُ
عَـجِـبْـتُ لِـمَنْ يَرْجُو الرِّضَا وَهْوَ مُهْمِلٌ
وَتَـسْـوِيـفُـنَـا مَـعْ ذَلِـكَ الْـعِـلْـمِ أَعْـجَبُ
وَمَــــا هَــــذِهِ الْأَيَّــــامُ إِلَّا مَــــرَاحِــــلٌ
وَأَجْـدِرْ بِـهَـا تَـقْـضِـي قَـرِيـبًـا وَتُقْضَبُ
إِذَا كَـانَـتِ الْأَنْـفَـاسُ لِلْـعُـمْـرِ كَـالْخُطَى
فَــإِنَّ الْــمَــدَى أَدْنَــى مَــنَــالًا وَأَقْــرَبُ
أَسَــاكِــنَ جَــنَّــاتِ الــنَّــعِــيــمِ مُــهَـنَّـأً
وَتَــارِكَــنَــا فِــي حَــسْــرَةٍ نَــتَــلَــهَّــبُ
سَـقَـى عَـهْـدَكَ الـصَّـوْبُ الْمُلِثُّ فَطَالَمَا
سَــقَــانَــا مُــلِــثٌّ مِــنْ نَـوَالِـكَ صَـيِّـبُ
وَلَا أَغْــمَـدَتْ أَيْـدِي الـنَّـوَائِـبِ غَـرْبَـهَـا
فَـمَـا فِـي حَـيَـاةٍ بَـعْـدَ مَـوْتِـكَ مَـرْغَـبُ

عن القصيدة

  • غرض القصيدة: الرثاء
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: المملوكي

عن الشاعر

ابن نباتة المصري: شاعر من شعراء العصر المملوكي في مصر، ذاع صِيته في القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي).

وُلد «محمد بن محمد بن محمد بن الحسن الجذامي الفارقي المصري» جمال الدين المُكَنَّى بأبي بكر والشهير ﺑ «ابن نباتة المصري» سنة ٦٨٦ﻫ/١٢٨٧م في «زقاق القناديل» في الفسطاط بالقاهرة، وكان أبوه وجده من شيوخ الحديث، وأصلهم يرجع إلى «ميافارقين» من ذرية الخطيب عبد الرحيم بن محمد بن نباتة.

نشأ ابن نباتة في بيت ثري وبين أسرة ظاهرة‌ الجاه والنفوذ، في ظل أبٍ عطوف ذاع صيتُه في العلم والفضل والأدب وكثيرًا ما نرى أصداءً لفخر الشاعر بأبيه وآله في شعره. وقد تبدَّت أُولى براعم موهبته الشعرية في الثالثة عشرة‌ من عمره، مترافقة مع إقباله الشديد على توسيع مداركه وتغذية ثقافته الدينية والأدبية. وفي سنة ٧١٥ﻫ‍ انتقل ابن نباتة لسُكنى الشام ووَلِيَ نظارة القمامة بالقدس أيام زيارة المسيحيين لها، واتصل في تلك الفترة بالملك المؤيد وقال فيه شعرًا كثيرًا، وحين رجع إلى القاهرة سنة ٧٦١ﻫ كان صاحب سر السلطان «الناصر حسن».

له ديوان شعر جُمع بعد وفاته وطُبع لأول مرة سنة ١٩٠١م بالقاهرة، وقد ضمَّ مجموع دواوينه وأوراقه الشعرية، ومنها: «القطر النباتي»، و«جلاسة القطر»، و«سوق الرقيق»، و«ظرائف الزيادة». كتب فيها في مختلف الأغراض الشعرية التي ميَّزت عصره، شاملة المدح والغزل والخمريات والرثاء والهجاء والوصف والشكوی والحنين إلی الوطن. وله كذلك مؤلَّفات أخرى نثرية، من بينها: «سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون»، و«سجع المطوق»، و«مطلع الفوائد»، و«المفاخرة بين السيف والقلم»، و«سلوك دول الملوك» وغيرها، وأورد الصلاح الصفدي في «ألحان السواجع» مراسلاته معه.

تُوُفِّيَ ابن نباتة المصري في منزله بزقاق القناديل في القاهرة سنة ٧٦٨ﻫ/١٣٦٦م إثر معاناة مع المرض.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤