قَامَ اللُّصُوصُ لِيَحْرُسُوا أَوْطَانَنَا

Wave Image
قَـامَ الـلُّـصُـوصُ لِـيَـحْـرُسُـوا أَوْطَانَنَا
وَلَـقَـدْ يَـكُـونُ الـلِّـصُّ عَـيْـنَ الْحَارِسِ
وَلِــيُــلْـبِـسُـونَـا حُـلَّـةً مِـنْ نَـسْـجِـهِـمْ
مَــسْــمُــومَــةً تَـفْـرِي أَدِيـمَ الـلَّابِـسِ
وَلِـيَـرْفَـعُـوا قَـصْـرَ الْـحَـضَـارَةِ بَاذِخًا
كَـالـطَّـوْدِ فِـي طَـلَلِ الْخَرَابِ الدَّارِسِ
لَــكِــنْ أَبَــى صَــرْحُ الْــحَــضَـارَةِ أَنَّـهُ
يُـبْـنَـى بِأَوْصَـالِ الـضَّـعِـيـفِ الْـبَائِسِ
مَـا بَـالُ عَـصْـرِ الـنُّـورِ أَمْـسَى عِنْدَهُمْ
يَـجْـرِي عَـلَـى أَثَـرِ الـظَّـلَامِ الدَّامِسِ؟
مَــاذَا جَــنَـاهُ الـطِّـفْـلُ تُـبْـقَـرُ بَـطْـنُـهُ
فِـي مَـهْـدِهِ بِـيَـدِ الـشُّجَاعِ الْفَارِسِ؟!
مَـاذَا جَـنَـاهُ الـشَّـيْـخُ يَـمْـشِـي وَاهِـنًا
مُـسْـتَـسْـلِـمًـا لِـلْـقَـتْلِ مِشْيَةَ يَائِسِ؟!
كَـمْ غَـادَةٍ عَـصَـفَ الـرَّصَـاصُ بِـقَدِّهَا
عَـصْـفَ الـسَّـمُـومِ بِغُصْنِ بَانٍ مَائِسِ!
كَــانَــتْ تُــغِــيـرُ الْـبَـدْرَ فِـي أَفْـلَاكِـهِ
بِــمُــقَــبَّــلٍ عَــذْبٍ وَطَــرْفٍ نَــاعِـسِ
كَــمْ مُـرْضِـعٍ كَـانَـتْ تُـعِـزُّ رَضِـيـعَـهَـا
حَـتَّـى تَـخَـافَ عَـلَـيْـهِ لَـمْـسَةَ لَامِسِ!
أَوْصَـتْ بِـهِ الْـقُـرْصَـانَ حِـيـنَ أَصَابَهَا
مِـنْ جَـيْـشِهِمْ وَبْلُ الرَّصَاصِ الْكَانِسِ
فَــتَــعَـاهَـدُوهُ بِـطَـعْـنَـةٍ مِـنْ طَـاعِـنٍ
فِـــي صَـــدْرِهِ أَوْ وَطْأَةٍ مِــنْ دَائِــسِ
فَــبَــكَــى لَـهَـا وَبَـكَـتْ لَـهُ وَكِـلَاهُـمَـا
قَــدْ فَــارَقَ الــدُّنْــيَـا بِـوَجْـهٍ عَـابِـسِ
•••
يَـا مُـعْـتَـدُونَ عَـلَـى الْفَضِيلَةِ أَبْشِرُوا
بِــخَــرَابِ مَــوْطِـنِـكُـمْ وَجَـدٍّ تَـاعِـسِ
وَاسْـتَـقْـبِـلُـوا فَـتْـحَ الْـفُـتُـوحِ بِـظَالِعٍ
مِــنْ أَمْــرِكُــمْ وَبِــطَـالِـعٍ مُـتَـقَـاعِـسِ
لَا الْــعِـلْـمُ يَأْمُـرُكُـمْ تُـرِيـقُـونَ الـدِّمَـا
وَتُـــرَوِّعُـــونَ فُـــؤَادَ سِـــرْبٍ آنِـــسِ
كَـــلَّا وَلَا دِيــنُ الْــمَــسِــيــحِ وَإِنَّــمَــا
تَــحْـتَ الْأَضَـالِـعِ كُـلُّ صَـخْـرٍ يَـابِـسِ
•••
لَــنْ تَــجْــتَــنُـوا غَـيْـرَ الـدَّمَـارِ فَإِنَّـمَـا
تُـجْـنَـى الـثِّـمَـارُ بِقَدْرِ غَرْسِ الْغَارِسِ
ضَـاقَتْ بِكُمْ أَرْضُ اللُّصُوصِ وَمَحْلُهَا
وَانْــتَــابَـكُـمْ بَـرْدُ الْـجِـبَـالِ الْـقَـارِسِ
فَـظَـنَـنْـتُـمُ الْأَسْـيَـافَ نَـارًا تُـصْـطَلَى
قَــدْ تَـحْـرِقُ الـنِّـيـرَانُ كَـفَّ الْـقَـابِـسِ
فَـرِدُوا حُـرُوبًـا يَـسْـتَـطِـيـرُ لَـهِـيـبُـهَـا
وَيَـشُـقُّ فِـيـهَـا الـنَّـقْـعُ أَنْفَ الْعَاطِسِ
وَاسْـتَـهْـدِفُـوا لِـلْـكَـارِثَـاتِ تَـنُـوبُـكُـمْ
وَاسْـتَـقْـبِـلُـوا وَفْـدَ الْـبَـلَاءِ الْـكَـابِـسِ
•••
مَـا بَـالُـهُـمْ غَـنِـمُـوا الْـهَـزِيـمَـةَ بَـعْدَمَا
ذَاقُــوا نِــزَالَ مُـهَـاجِـمِـيـنَ أَحَـامِـسِ
لَــزِمُــوا سَــفِـيـنَـهُـمُ حِـيَـالَ مُـظَـفَّـرٍ
كَــالــلَّـيْـثِ رَاعَ فُـؤَادَ ظَـبْـيٍ كَـانِـسِ
وَمَـشَـى «كَـنِـيـفَـا» هَـامِسًا مِنْ رُعْبِهِ
فِـي جَـيْـشِـهِ «أَمْـرًا» بِـقَـتْلِ الْهَامِسِ
حَـتَّـى لَـقَـدْ زَعَـمُـوا الـتَّـفَـكُّـرَ مُـنْكَرًا
فِي شَرْعِ «كَانِيفَا» وَهَجْسِ الْهَاجِسِ
•••
يَـسْـتَـقْـبِـلُـونَ مَـعَ الـصَّـبَـاحِ كَـتَـائِـبًا
تَـرْدِي إِلَـيْـهِـمْ بِـالـرَّدَى الْـمُـتَـجَـانِـسِ
مِــنْ رَاشِــقٍ بِــرَصَــاصِــهِ أَكْـبَـادَهُـمْ
أَوْ ضَــارِبٍ بِــحُــسَــامِــهِ أَوْ دَاعِــسِ
حَــتَّــى إِذَا دَخَــلَ الــظَّـلَامُ وَعَـدَّدُوا
قَـتْـلَاهُـمُ عَـدَّ الـشَّـحِـيـحِ الْـبَـاخِـسِ
لَـبِـسُـوا الْـحِـدَادَ وَأَظْـلَـمَـتْ أَلْـوَانُهُمْ
وَدَجَـتْ فَـبَـاتُـوا فِـي ثَـلَاثِ حَنَادِسِ

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: قال الشاعر هذه القصيدة في غارة الطليان على طرابلس الغرب.
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الكامل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

محمد توفيق علي: شاعِرٌ مِصريٌّ يَنْتَمِي إِلى مَدْرَسةِ الإحْياءِ والبَعْثِ فِي الشِّعرِ العَرَبِي؛ تلكَ المَدْرَسةِ التِي وُصِفتْ بأنَّها أَحْيَتِ الشِّعرَ مِن مَرْقَدِه؛ حيثُ أعادَتْ بِناءَ القَصِيدةِ الشِّعريةِ بِناءً يُجدِّدُ فِي أَغْراضِها الشِّعريةِ ولا يَتَصرَّفُ فِي صُورتِها التَّقلِيديةِ المُتمثِّلةِ فِي وَحْدةِ الوَزنِ والقَافِية.

وُلِدَ محمد توفيق فِي قَرْيةِ «زاوية المصلوب» بمُحافَظةِ بني سويف عامَ ١٨٨١م أثناءَ الثَّوْرةِ العُرَابِية، وكانَ والِدُهُ مِن أَثْرياءِ الفَلَّاحِين، فأَلْحَقَه بِكُتَّابِ القَرْيةِ بِوَصْفِهِ أَوَّلَ بابٍ يُفْضِي إِلى مَدِينةِ العِلْمِ والدِّينِ فِي هَذا الزَّمَان، ثُم أَوفَدَهُ إلَى القاهِرة؛ فانْتَظَمَ بِمَدْرَسةِ «القِرَبِيَّة» حتَّى نالَ الشَّهادةَ الِابتِدَائِية، والْتَحقَ بَعدَها بِمَدرَسةِ الفُنُونِ والصَّنائِعِ فِي بولاق، ودَرَسَ بِها فُنونًا مِنَ الأَدَبِ العَرَبِي.

وكانَ القَدَرُ يَدَّخِرُ مُنْعطفًا آخَرَ فِي حَياةِ الشاعِر؛ إذِ اغْتنَمَ فُرصَةَ الإعْلانِ عَنِ الحَاجَةِ إِلى ضُبَّاطٍ بالمَدرَسةِ الحَرْبِية، فالْتَحَقَ بِها وتَخَرَّجَ ضَابِطًا عامَ ١٨٩٨م، ثُمَّ الْتَحَقَ بالجَيشِ المِصرِيِّ فِي السُّودان، وهُناكَ الْتَقَى بِشاعِرِ النِّيلِ حافظ إبراهيم ونَهَلَ مِن فَيْضِ شِعرِهِ الزَّاخِر، وبَعْدَ انْقِضاءِ مَهَمَّتِهِ فِي السُّودان عادَ إِلى مِصرَ وقرَّرَ أنْ يَهَبَ مَا بَقِيَ مِن عُمُرِهِ لِنَظْمِ الشِّعْر.

وعَلَى الرَّغْمِ ممَّا مُنِيَ بِه شاعِرُنا مِن ضائِقةٍ مالِيةٍ عصَفَتْ بثَرْوةِ أبيهِ وأَحالَتْهُ إِلى الفَقرِ والشَّقاءِ بَعدَ رَغَدٍ مِنَ النَّعِيمِ والثَّرَاء؛ فإنَّ ذلِكَ لَمْ يَمنَعْهُ مِن أنْ يُثرِيَ السَّاحةَ الأَدَبيةَ بالعَدِيدِ مِنَ الذَّخائِرِ الشِّعْرية؛ مِنْها دِيوانُهُ الكَبيرُ الذِي أَخرَجَهُ فِي خمسةِ أَجْزاء؛ هي: «قِفَا نَبْكِ»، و«السَّكَن»، و«الرَّوْضَة الفَيْحَاء»، و«تَسْبِيح الأَطْيَار»، و«تَرْنِيم الأَوْتَار».

وقَدْ وافَتْهُ المَنِيَّةُ عامَ ١٩٣٧م عَن عُمُرٍ ناهَزَ ٥٥ عامًا، ودُفِنَ فِي مَقْبرةِ أُسرَتِهِ الواقِعةِ عَلى مَشارِفِ الصَّحْراءِ شَرْقِيَّ النِّيل.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤