حَضْرَةُ الْغَيْبِ سَتْرُهَا الْأَشْيَاءُ

Wave Image
حَـضْـرَةُ الْـغَـيْبِ سَتْرُهَا الْأَشْيَاءُ
فَــهْــيَ عَــنْــهُ كَأَنَّــهَــا الْأَفْــيَـاءُ
تَــخْـتَـفِـي تَـارَةً وَتَـظْـهَـرُ طَـوْرًا
لِــلَّــذِي قَــرَّبَــتْــهُ كَــيْـفَ تَـشَـاءُ
وَالَّــذِي أَبْــعَــدَتْـهُ يَـجْـهَـلُ هَـذَا
كُـــلُّ أَنْـــوَارِهَـــا لَـــهُ ظَــلْــمَــاءُ
قَـدَّرَتْ مَـا تَـشَـاءُ مِـنْ كُـلِّ حُكْمٍ
أَزَلًا إِذْ بِـــــهِ لَــــهَــــا إِيــــمَــــاءُ
ثُــمَّ لَــمَّــا تَــوَجَّــهَـتْ لِـتَـرَى مَـا
قَـــدَّرَتْـــهُ وَوَجْــهُــهَــا تِــلْــقَــاءُ
صُـبِـغَ الـرَّسْـمُ بِـالْـوُجُـودِ فَقَالُوا
وَأَطَــالُــوا وَعَــمَّ ذَاكَ الْــعَــمَــاءُ
لَا تَــقُــلْ هَـذِهِ الْـتِـبَـاسَـةُ عَـقْـلٍ
لَـيْـسَ لِـلْـعَـقْـلِ فِـي الْيَقِينِ بَقَاءُ
حَـرْفُ هَـمْـزٍ وَشَـكْـلُ رَمْـزٍ تَبَدَّى
حَـرَّكَـتْ أَرْضَـهُ عَـلَـيْـهِ الـسَّـمَـاءُ
إِنَّـــهُ إِنَّـــهُ عَــظِــيــمٌ عَــظِــيــمٌ
هُــوَ هَــذَا إِذَا اسْــتَـحَـالَ الْإِنَـاءُ
وَهْـوَ فِـي الْـعَـيْـنِ سَـاكِـنٌ فَتَرَاهُ
غَـيْـنُـهَـا شِـيـنُ فِـيهِ وَهْوَ افْتِرَاءُ
وَمَــضَــتْ لُــقْــمَــةٌ لِآدَمَ كَـانَـتْ
مَــضَــغَــتْــهَــا بِـجَـوْفِـهَـا حَـوَّاءُ
أَحْمَدُ الْإِسْمُ فِي السَّمَاءِ بِعِيسَى
وَبِـقَـوْمِـي مُـحَـمَّـدٌ عَـنْـهُ جَاءُوا
كُــلُّ حَــمْــدٍ فَــذَاكَ مِــنْــهُ إِلَـيْـهِ
رَاجِــعٌ حَــيْــثُــمَــا تَــنَــزَّلَ مَــاءُ
لَـيْـسَ لِـلـرُّوحِ عِنْدَنَا بَعْدَ هَذَا الْـ
أَمْـرِ فِـي الْـحِـسِّ مَا تَرَاهُ النِّسَاءُ
قَـوْمُ عِـيـسَـى تَـرَهَّـبُـوا لِـيُزِيلُوا
وَصْـفَـهُـمْ بِـالـذُّكُـورِ وَهْوَ الدَّوَاءُ
وَلَـــنَــا مِــلَّــةُ الــذُّكُــورِ بِــذِكْــرٍ
مُــنْــزَلٍ فَــهْــيَ مِــلَّـةٌ سَـمْـحَـاءُ
إِنَّــهَـا الْـهَـمْـزَةُ الـشَّـرِيـفَـةُ قَـدْرًا
فِـي انْـقِلَابِ الْقُلُوبِ فَهْيَ الْتِوَاءُ
وَهْـيَ حَـرْفٌ لَـنَـا وَمَا هِيَ حَرْفٌ
حَـــيْـــثُ إِبْـــدَالُــهَــا لَــهُ إِبْــدَاءُ
حَــرَكَـاتٌ مِـنَ الـسُّـكُـونِ تَـبَـدَّتْ
لِــفُــجُــورٍ وَلِــلــتُّــقَــى إِيــحَـاءُ
عِـــزَّةٌ فِـــي مَـــذَلَّــةٍ وَارْتِــفَــاعٍ
فِـي انْخِفَاضٍ وَمَا الْجَمِيعُ سَوَاءُ
هَـــــذِهِ هَــــذَهِ وَهَــــذَا وَهَــــذَا
وَالَّــذِي وَالَّــتِــي وَهُــمْ أَوْلِــيَـاءُ
قَـدْ تَـوَلَّاهُـمُ الْـمُـفِـيـضُ عَـلَـيْهِمْ
فَــهُــمُ الْأَشْــقِــيَــاءُ وَالـسُّـعَـدَاءُ
جَـلَّ هَـذَا الْـمَـقَـامُ حَـضْـرَةَ طَـهَ
سَــيِّــدِ الــرُّسْــلِ إِنَّــهُ لَا يُــجَـاءُ
لَـكِـنِ الْإِنْـحِـرَافُ فِـي كُلِّ حَرْفٍ
يَـقْـتَـضِـي قَدْرَ مَا يُطِيقُ الْوِعَاءُ
فَـابْـدِلِ الْـهَـمْزَةَ الَّتِي أَنْتَ تَدْرِي
أَلِـــفًـــا سَــاكِــنًــا هُــمُ الْأُلَــفَــاءُ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الخفيف
  • عصر القصيدة: العثماني

عن الشاعر

عبد الغني النابلسي الدمشقي: شاعر، وفقيه، ورحَّالة، ومتصوِّف سوري، يرجع نسَبُه إلى «عمر بن الخطاب».

وُلد «عبد الغني النابلسي» في دمشق عام ١٦٤١م في بيتِ عِلم؛ فقد كان جدُّه مدرِّسًا لجامع «درويش باشا» وناظرًا لوَقْفه، وقد تَولى أبوه المهامَّ نفسَها بعد وفاة جدِّه. كان أبوه أولَ معلِّم له؛ فقد حفظ على يدَيه القرآنَ الكريم في سِن الخامسة، وحين بلَغ العاشرة حفظ كثيرًا من المقدِّمات والمنظومات مثل: «ألفية ابن مالك في النحو»، و«الشاطبية في القراءات»، و«الرحبانية في الفرائض»، و«الجَزرية في التجويد»، كما تابَع دروس «نجم الدين الغزي» في الحديث في الجامع الأموي، وحصل على أول إجازة عامة في الحديث.

عمل «النابلسي» مدرسًا في الجامع الأموي وهو في سِن العشرين من عمره، وحين بلغ الخامسةَ والعشرين ارتحل إلى أدرنة بالدولة العثمانية ثم زار إسطنبول، وبعد عودته عُيِّن قاضيًا في حي الميدان جنوب دمشق، لكنه استقال من منصبه ليتفرَّغ للتدريس والتأليف.

تَجاوَزت مُؤلَّفاته ثلاثمائة عمل مُوزَّعة بين الشِّعر وأدب الرحلات والفقه والتصوُّف والحديث والتفسير؛ ومن أبرزها: «إيضاح المقصود من وَحْدة الوجود»، و«الوجود الحق والخطاب الصدق»، و«التعبير في تفسير الأحلام»، و«ديوان الدواوين» وهو مجموعُ شِعره، و«أسرار الشريعة»، و«الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية»، و«ذخائر المواريث في الدلالة على مَواضع الحديث»، وغير ذلك من المصنَّفات الغنية التي تُعَد مصادرَ مهمة في مجالاتها.

اشتهر بالتصوُّف ومُجاهَدة النفس حتى وصل إلى مرتبة العارفين، وكان يَتبنى أفكارَ «محيي الدين بن عربي» ويُدافِع عنه ضدَّ مُنتقِديه، ودخَل في معركة حامية مع علماء وفقهاء عصره حول أفكاره الصوفية والقول بوَحْدة الوجود، وتَعرَّض على إثرها لأزمةٍ نفسية حادة في سن الأربعين، اضطرَّ على إثرها إلى الاعتزال في بيته لمدة سبع سنوات، قضاها في التأليف والتدريس، وأسدَل شَعره في أثنائها، وأرخى لحيتَه، وطلَّق زوجته، لكنه خرج بعدها إلى الناس الذين ازداد احترامُهم له بعدَ أن كانوا قد رمَوه بالحجارة قبل خلوته.

تُوفِّي «النابلسي» عام ١٧٣١م في دمشق، ودُفِن بالقبة التي بناها في بيته، والتي أُقيم عليها جامعٌ بعد ذلك.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤