هَبُوا طَيْفَكُمْ أَعْدَى عَلَى النَّأْيِ مَسْرَاهُ

Wave Image
هَبُوا طَيْفَكُمْ أَعْدَى عَلَى النَّأْيِ مَسْرَاهُ
فَــمَــنْ لِــمَــشُـوقٍ أَنْ يُـهَـوِّمَ جَـفْـنَـاهُ
وَهَـلْ يَـهْـتَـدِي طَـيْـفُ الْخَيَالِ لِنَاحِلٍ
إِذَا الـسُّـقْـمُ عَـنْ لَـحْظِ الْعَوَائِدِ أَخْفَاهُ
غِـنًـى فِـي يَـدِ الْأَحْـلَامِ لَا أَسْـتَـفِـيدُهُ
وَدَيْــنٌ عَــلَــى الْأَيَّــامِ لَا أَتَــقَــاضَــاهُ
وَمَــا كُــلُّ مَــسْـلُـوبِ الـرُّقَـادِ مُـعَـادُهُ
وَلَا كُــلُّ مَــأْسُــورِ الْــفُــؤَادِ مُــفَــادَاهُ
يَـرَى الـصَّـبْـرَ مَحْمُودَ الْعَوَاقِبِ مَعْشَرٌ
وَمَـا كُـلُّ صَـبْـرٍ يَـحْـمَـدُ الْـمَـرْءُ عُقْبَاهُ
لِــيَ اللــهُ مِــنْ قَـلْـبٍ يُـجَـنُّ جُـنُـونُـهُ
مَـتَـى لَاحَ بَـرْقٌ بِـالْـقَـرِيـنَـيْـنِ مَـهْوَاهُ
أَحِــنُّ إِذَا هَــبَّــتْ صَــبًــا مُــطْـمَـئِـنَّـةٌ
حَـنِـيـنَ رَذَايَـا الـرَّكْـبِ أَوْشَـكَ مَغْدَاهُ
خَـوَامِـسَ حَـلَّاهَـا عَـنِ الْـوِرْدِ مَـطْلَبٌ
بَـعِـيـدٌ عَـلَـى الْبُزْلِ الْمَصَاعِيبِ مَرْمَاهُ
هَـوًى كُـلَّـمَـا عَـادَتْ مِنَ الشَّرْقِ نَفْحَةٌ
أَعَــادَ لِــيَ الــشَّـوْقَ الَّـذِي كَـانَ أَبْـدَاهُ
وَمَــا شَــغَــفِــي بِــالــرِّيــحِ إِلَّا لِأَنَّــهَـا
تَـــمُـــرُّ بِـــحَــيٍّ دُونَ رَامَــةَ مَــثْــوَاهُ
أُحِــبُّ ثَـرَى الْـوَادِي الَّـذِي بَـانَ أَهْـلُـهُ
وَأَصْـبُـو إِلَـى الـرَّبْـعِ الَّـذِي مَـحَّ مَغْنَاهُ
فَـمَـا وَجَـدَ الـنِّـضْـوُ الـطَّـلِـيـحُ بِمَنْزِلٍ
رَأَى وِرْدَهُ فِــي سَــاحَــتَـيْـهِ وَمَـرْعَـاهُ
كَـوَجْـدِي بِـأَطْـلَالِ الـدِّيَارِ وَإِنْ مَضَى
عَــلَـى رَسْـمِـهَـا كَـرُّ الْـعُـصُـورِ فَـأَبْـلَاهُ
دَوَارِسَ عَــفَّــاهَــا الــنُّــحُـولُ كَـأَنَّـمَـا
وَجَـدْنَ بِـكُـمْ بَـعْـدَ الـنَّوَى مَا وَجَدْنَاهُ
أَلَا حَــبَّــذَا عَــهْــدُ الْـكَـثِـيـبِ وَنَـاعِـمٌ
مِـنَ الْـعَـيْـشِ مَـجْرُورُ الذُّيُولِ لَبِسْنَاهُ
لَــيَــالِــيَ عَــاطَـتْـنَـا الـصَّـبَـابَـةُ دَرَّهَـا
فَـلَـمْ يَـبْـقَ مِـنْـهَـا مَـنْـهَـلٌ مَـا وَرَدْنَـاهُ
وَلِلـــهِ وَادٍ دُونَ مَـــيْـــثَـــاءَ حَــاجِــرٍ
تَــصِـحُّ إِذَا اعْـتَـلَّ الـنَّـسِـيـمُ خُـزَامَـاهُ
أُنَــاشِــدُ أَرْوَاحَ الْــعَــشِــيَّــاتِ كُــلَّـمَـا
نَـــسَـــبْــنَ إِلَــى رَيَّــا الْأَحِــبَّــةِ رَيَّــاهُ
أَنَـاشَـتْ عَرَارَ الرَّمْلِ أَمْ صَافَحَتْ ثَرًى
أَغَـــذَّ بِــهِ ذَاكَ الْــفَــرِيــقُ مَــطَــايَــاهُ
خَـلِـيـلَـيَّ قَـدْ هَـبَّ اشْـتِـيَاقِي هُبُوبُهَا
حُــسُــومًـا فَـهَـلْ مِـنْ زَوْرَةٍ تَـتَـلَافَـاهُ
أَعِـيـنَـا عَـلَـى وَجْـدِي فَـلَـيْـسَ بِـنَافِعٍ
إِخَــاؤُكُــمَــا خِــلًّا إِذَا لَــمْ تُــعِــيــنَـاهُ
أَمَــا سُــبَّــةٌ أَنْ تَــخْــذُلَا ذَا صَــبَــابَـةٍ
دَعَـا وَجْـدَهُ الـشَّـوْقُ الْـقَـدِيـمُ فَـلَـبَّـاهُ
وَأَكْــمَــدُ مَــحْـزُونٍ وَأَوْجَـعُ مُـمْـرَضٍ
مِـنَ الْـوَجْـدِ شَـاكٍ لَيْسَ تُسْمَعُ شَكْوَاهُ
شَــرَى لُــبَّــهُ خَــبْـلُ الـسَّـقَـامِ وَبَـاعَـهُ
وَأَرْخَـــصَــهُ سَــوْمُ الْــغَــرَامِ وَأَغْــلَاهُ
وَبِــالْـجِـزْعِ حَـيٌّ كُـلَّـمَـا عَـنَّ ذِكْـرُهُـمْ
أَمَــاتَ الْـهَـوَى مِـنِّـي فُـؤَادًا وَأَحْـيَـاهُ
تَــمَــنَّـيْـتُـهُـمْ بِـالـرَّقْـمَـتَـيْـنِ وَدَارُهُـمْ
بِــوَادِي الْــغَـضَـا يَـا بُـعْـدَ مَـا أَتَـمَـنَّـاهُ
سَـقَـى الْـوَابِـلُ الـرِّبْـعِيُّ مَاحِلَ رَبْعِكُمْ
وَرَاوَحَــــهُ مَـــا شَـــاءَ رَوْحٌ وَغَـــادَاهُ
وَجَـــرَّ عَــلَــيْــهِ ذَيْــلَــهُ كُــلُّ مَــاطِــرٍ
إِذَا مَـا مَـشَـى فِي عَاطِلِ التُّرْبِ حَلَّاهُ
وَمَــا كُــنْــتُ لَـوْلَا أَنَّ دَمْـعِـيَ مِـنْ دَمٍ
لِأَحْــمِــلَ مَــنًّــا لِلـسَّـحَـابِ بِـسُـقْـيَـاهُ
عَـلَـى أَنَّ فَـخْـرَ الْـمُـلْـكِ لِلْأَرْضِ كَافِلٌ
بِـفَـيْـضِ نَـدًى لَا يَـبْـلُـغُ الْـقَطْرُ شَرْوَاهُ
بَـصُـرْتُ بِـأُمَّـاتِ الْـحَـيَـا فَـظَـنَـنْـتُـهَـا
أَنَــامِــلَــهُ إِنَّ الــسَّــحَــائِــبَ أَشْــبَــاهُ
أَخُـو الْـحَـزْمِ مَـا فَاجَاهُ خَطْبٌ فَكَادَهُ
وَذُو الْــعَــزْمِ مَــا عَـانَـاهُ أَمْـرٌ فَـعَـنَّـاهُ
وَسَــاعٍ إِلَــى غَــايَــاتِ كُــلِّ خَــفِــيَّـةٍ
مِـنَ الْـمَـجْـدِ مَـا جَـارَاهُ خَـلْـقٌ فَـبَارَاهُ
بِـهِ رُدَّ نَـحْـوِي فَـائِـتُ الْـحَـظِّ رَاغِـمًـا
وَأَسْـخَـطَ فِـيَّ الـدَّهْرُ مَنْ كَانَ أَرْضَاهُ
تَــحَــامَــتْــنِــيَ الْأَيَّــامُ عِــنْـدَ لِـقَـائِـهِ
كَــأَنِّــيَ فِــيــهَــا بَـأْسُـهُ وَهْـيَ أَعْـدَاهُ
إِلَـيْـكَ رَحَـلْـتُ الْـعِـيـسَ تَـنْقُلُ وَقْرَهَا
ثَـــنَـــاءً وَلِلْأَعْــلَــى يُــجَــهَّــزُ أَعْــلَاهُ
وَلَا عُـذْرَ لِـي إِنْ رَابَـنِـي الـدَّهْرُ بَعْدَمَا
تَـوَخَّـتْـكَ بِـي يَـا خَـيْـرَ مَـنْ تَـتَـوَخَّاهُ
وَرَكْـبٍ أَمَـاطُـوا الْـهَـمَّ عَـنْـهُـمْ بِـهِـمَّـةٍ
سَــوَاءٌ بِــهَــا أَقْـصَـى الْـمَـرَامِ وَأَدْنَـاهُ
قَـطَـعْـتُ بِـهِـمْ عَـرْضَ الْـفَـلَاةِ وَطَالَمَا
رَمَـى مَـقْـتَـلَ الْـبَيْدَاءِ عَزْمِي فَأَصْمَاهُ
وَسَـيْـرٍ كَـإِيـمَـاضِ الْـبُـرُوقِ وَمَـطْـلَبٍ
لَـبِـسْـنَـا الـدُّجَـى مِـنْ دُونِـهِ وَخَـلَعْنَاهُ
إِلَـى الْـمَـلِـكِ الْـجَـعْـدِ الْجَزِيلِ عَطَاؤُهُ
إِلَـى الْـقَـمَـرِ الـسَّـعْـدِ الْـجَـمِيلِ مُحَيَّاهُ
إِلَــى رَبْــعِ عَــمَّــارِ بْــنِ عَــمَّــارٍ الَّـذِي
تَــكَــفَّــلَ أَرْزَاقَ الْــعُــفَــاةِ بِــجَــدْوَاهُ
وَلَــمَّــا بَــلَــغْــنَـاهُ بَـلَـغْـنَـا بِـهِ الْـمُـنَـى
وَشِـيـكًـا وَأَعْـطَـيْنَا الْغِنَى مِنْ عَطَايَاهُ
فَـتًـى لَـمْ نَـمِـلْ يَـوْمًـا بِـرُكْـنِ سَمَاحِهِ
عَــلَــى حَــدَثَـانِ الـدَّهْـرِ إِلَّا هَـدَمْـنَـاهُ
مِـنَ الْـقَـوْمِ يَـا مَـا أَمْـنَـعَ الْـجَارَ بَيْنَهُمْ
وَأَحْـلَـى مَـذَاقَ الْـعَـيْشِ فِيهِمْ وَأَمْرَاهُ
وَأَصْــفَــى حَــيَــاةً عِـنْـدَهُـمْ وَأَرَقَّـهَـا
وَأَبْـــرَدَ ظِـــلًّا فِـــي ذَرَاهُـــمْ وَأَنْــدَاهُ
أَغَــرُّ صَــبِــيــحٌ عِــرْضُــهُ وَجَــبِـيـنُـهُ
كَـــأَنَّـــهُــمَــا أَفْــعَــالُــهُ وَسَــجَــايَــاهُ
لَــكَ اللــهُ مَــا أَغْـرَاكَ بِـالْـجُـودِ هِـمَّـةً
سُــرُورًا بِــمَــا تَـحْـبُـو كَـأَنَّـكَ تُـحْـبَـاهُ
دَعَـوْنَـا رَقُـودَ الْـحَـظِّ بِـاسْـمِكَ دَعْوَةً
فَــهَــبَّ كَــأَنَّــا مِـنْ عِـقَـالٍ نَـشَـطْـنَـاهُ
وَجُــدْتَ فَــأَثْــنَــيْــنَــا بِــحَـمْـدِكَ إِنَّـهُ
ذِمَـامٌ بِـحُـكْـمِ الْـمَـكْـرُمَـاتِ قَـضَـيْنَاهُ
مَــكَــارِمُ أَدَّبْــنَ الــزَّمَــانَ فَــقَـدْ غَـدَا
بِــهَــا مُــقْـلِـعًـا عَـمَّـا جَـنَـى وَتَـجَـنَّـاهُ
أَيَـا مَـنْ أَذَالَ الـدَّهْـرُ حَـمْـدِي فَـصَانَهُ
وَقَـلَّـصَ ظِـلَّ الْـعَـيْـشِ عَـنِّي فَأَضْفَاهُ
وَعَــلَّـمَـنِـي كَـيْـفَ الْـمَـطَـالِـبُ جُـودُهُ
وَمَـا كُـنْـتُ أَدْرِي مَـا الْـمَـطَـالِبُ لَوْلَاهُ
لَأَنْـتَ الَّـذِي أَغْـنَـيْـتَـنِـي وَحَـمَـيْـتَـنِي
لَـــيَـــالِـــيَ لَا مَـــالٌ لَـــدَيَّ وَلَا جَـــاهُ
أَنَـلْـتَـنِـيَ الْـقَـدْرَ الَّـذِي كُـنْـتُ أَرْتَـجِي
وَأَمَّـنْـتَـنِي الْخَطْبَ الَّذِي كُنْتُ أَخْشَاهُ
وَأَمْـضَـيْـتَ عَـضْـبًـا مِنْ لِسَانِيَ بَعْدَمَا
عَــمِــرْتُ وَحَــدَّاهُ سَــوَاءٌ وَصَـفْـحَـاهُ
وَسَـرْبَـلْـتَـنِـي بِـالْـبِـرِّ حَـتَّـى تَـرَكْـتَنِي
بِـحَـيْـثُ يَـرَانِـي الـدَّهْـرُ كُـفْـئًـا وَإيَّـاهُ
فَـدُونَـكَ ذَا الْـحَـمْـدَ الَّـذِي جَـلَّ لَفْظُهُ
وَدَقَّ عَـلَـى الْأَفْـهَامِ فِي الْفَضْلِ مَعْنَاهُ
فَــلَا طُــلَّ إِلَّا مِــنْ حِــبَــائِـكَ رَوْضُـهُ
وَلَا بَـــاتَ إِلَّا فِـــي فِــنَــائِــكَ مَــأْوَاهُ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: العباسي الثاني

عن الشاعر

هو أحمد بن محمد بن علي بن يحيى التغلبي، يُعَد أحد رُواد الأدب العربي، وأشهر شعراء الشام الذين ساهموا في النهضة الشعرية التي شهدها العصر العباسي الثاني، اتسم شِعره بحُسن البيان، وجزالة العبارة، وعُمق المعنى.

وُلد في دمشق سنة ٤٥٠ﻫ/ ١٠٥٨م، حين كانت تحت سيطرة الدولة الفاطمية، ونشأ وترعرع بها؛ فدرس علوم اللغة، والكتابة، ونَظَم فيها أُولى قصائده. وظل بها حتى سيطر عليها السلاجقة فهاجر منها إلى حماة، وكان عُمره آنذاك ثمانية عشر عامًا، ومكث في حماة مدةً قاربت اثنتَي عشرة سنة، واتصل بأميرها «محمد بن مانك» وعمل عنده كاتبًا، ثم انتقل إلى شينيز ومدح أميرها «علي بن مقلد بن منقذ»، ومنها إلى حلب السورية، وهناك التقى ﺑ «ابن حيُّوس» أشهر شعراء زمانه، ولازَمه مدةً حتى صار امتدادًا لشِعره، ثم اتجه غربًا إلى طرابلس الليبية التي أقام فيها مدةً قاربت عشر سنوات، وفيها ذاع صِيتُه، ووصلت شُهرته الآفاق، ونَظَم أبدع قصائده وأشهرها، وتَقرَّب من حاكمها «جلال الدين بن عمار»، ثم عاد ثانيةً إلى دمشق وحط فيها رِحاله، وصاحَب وزيرها السلجوقي «هبة الله بن بديع الأصفهاني».

سُمي ﺑ «ابن الخياط» لاشتغال أبيه بحرفة الخياطة، وسُمي بالكاتب لاشتغاله بالكتابة؛ حيث عمل كاتبًا لدى أمراء الدولة العباسية، كما نَظَم الشعر بأغراضه المتنوعة، كالهِجاء، والرِّثاء، والغزَل، ولكنَّ النصيب الأوفر من قصائده كان في المديح، حتى اشتُهر بذلك؛ فذكَرَته كُتُب المؤرخين المعاصرين بأنه من الشعراء المُجيدين، امتَدح الناس، وطاف البلاد، ودخل بلاد العجم وامتَدح أهلها. وصل إلينا ديوانه الذي حوى أبهى قصائد الشعر العربي، وأعذب العبارات، وأبلغ المعاني.

تُوفِّي «ابن الخياط» بدمشق في ١١ رمضان ٥١٧ﻫ/١ نوفمبر ١١٢٣م، عن عُمرٍ يُناهز سبعًا وستين سنة.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤