كَرِيمَةَ رَبِّ التَّاجِ أَهْلًا وَمَرْحَبَا

Wave Image
يَـا قَـبْـرَ حِـفْـنِـي أَجِبْنِي
مَـاذَا صَـنَـعْـتَ بِحِفْنِي؟
مَــاذَا صَـنَـعْـتَ بِـعِـلْـمٍ؟
وَمَــا صَــنَــعْــتَ بِـفَـنِّ؟
وَمَــا صَــنَــعْــتَ بِـفِـكْـرٍ
مَـاضِـي الـشَّبَاةِ وَذِهْنِ؟
طَــوَيْــتَ خَـيْـرَ مَـثَـابٍ
لِــلــطَّــائِــفِــيـنَ وَرُكْـنِ!
فِـــي كُـــلِّ يَـــوْمٍ رِثَــاءٌ
لِــصَــاحِــبٍ أَوْ لِــخِـدْنِ
حَـتَّـى لَـقَـدْ كَـادَ شِعْرِي
يَـبْـكِـي لِضَعْفِي وَوَهْنِي
فَإِنَّــــمَــــا أَنَـــا مِـــنْـــهُ
وَإِنَّـــمَـــا هُـــوَ مِـــنِّـــي
الْـوَزْنُ مِـنْ نَـبْـضِ قَلْبِي
وَالْـبَـحْـرُ مِنْ مَاءِ جَفْنِي
رَحَــا الْــمَــنَــايَـا رُوَيْـدًا
خَـلَـطْـتِ طِحْنًا بِطِحْنِ!
وَإِنَّــمَــا الــنَّـاسُ ظَـعْـنٌ
يَـسِـيـرُ فِـي إِثْـرِ ظَـعْـنِ
فَـــمَــا حَــدِيــدٌ بِــبَــاقٍ
وَلَا حِـــذَارٌ بِـــمُــغْــنِــي
وَكُــلُّ عَــقْــلٍ مُــضِـيءٍ
إِلَـــى خُـــمُـــودٍ وَأَفْـــنِ
يَــكَــادُ إِنْ مَـالَ غُـصْـنٌ
يَـشْـكُـو الـزَّمَـانَ لِـغُصْنِ
تَــعْــسًـا لَـهُ، كَـمْ نُـعَـزِّي
حِـيـنًـا، وَحِـيـنًـا نُـهَـنِّي!
مِــنِ اجْــتِـمَـاعٍ لِـعُـرْسٍ
إِلَــى اجْــتِــمَـاعٍ لِـدَفْـنِ
وَالْـمَـرْءُ يُـحْيِي الْأَمَانِي
وَالـدَّهْـرُ يُـبْـلِـي وَيُـفْنِي
فَــكَــمْ تَــمَــنَّـيْـتُ لَـكِـنْ
مَــاذَا أَفَــادَ الــتَّـمَـنِّـي؟
دَعْــنِـي أُقَـلِّـبُ طَـرْفِـي
فِـي ظُـلْـمَةِ اللَّيْلِ دَعْنِي
حَــيْـرَانَ أَضْـرِبُ كَـفِّـي
أَسًـــى وَأَقْــرَعُ سِــنِّــي
قَـدْ خَـانَـنِي الدَّهْرُ يَوْمًا
يَــا لَــيْـتَـهُ لَـمْ يَـخُـنِّـي!
أَكُـــلَّـــمَـــا مَــرَّ نَــعْــشٌ
أَوْ طَــافَ نَــعْـيٌ بِأُذْنِـي
طَــارَ الْــفُــؤَادُ، فَــلَــوْلَا
بَـــقِـــيَّـــةٌ، نَـــدَّ عَــنِّــي
لَــوْلَا الـتُّـقَـى لَـمْ أَجِـدْهُ
بِــجَـانِـبِـي أَوْ يَـجِـدْنِـي
قَـالُـوا: أَجَـدْتَ الْـمَرَاثِي
فَـــقُـــلْـــتُ: إِنَّ، وَإِنِّـــي
دُمُـوعُ عَـيْـنِـي قَرِيضِي
وَزَفْـرَةُ الْـوَجْـدِ لَـحْـنِـي
عَــلِّــي أُدَاوِي حَــزِيــنًـا
فَـالْـحُـزْنُ يُمْحَى بِحُزْنِ
أَوْ يَــشْــتَــفِــي بِـبُـكَـاءٍ
مَـنْ شَأْنُـهُ مِـثْـلُ شَأْنِـي
أَيْــنَ الــنُّــبُـوغُ تَـوَارَى؟
يَـا قَـبْـرَ حِـفْـنِـي أَجِبْنِي
أَكُــــلَّــــمَــــا لَاحَ بَــــدْرٌ
رَمَــتْــهُ رِيــحٌ بِــدَجْـنِ؟
وَخَـلَّـفَ الْأَرْضَ حَـيْـرَى
سَــهْــلٌ يَــمُـوجُ بِـحَـزْنِ
وَرُبَّ زَهْــــــرٍ شَــــــذَاهُ
يُــــزْرِي بِأَرْوَاحِ عَــــدْنِ
كَأَنَّـــمَـــا مَـــنَـــحَـــتْــهُ
أَلْــوَانَــهَــا ذَاتُ حُــسْـنِ
جَــمَـالُـهُ الْـغَـضُّ أَغْـرَى
أَغْــصَــانَــهُ بِــالـتَّـثَـنِّـي
غَـــذَّتْــهُ أَطْــبَــاءُ طَــلٍّ
حِــيــنًــا، وَأَثْــدَاءُ مُـزْنِ
تَـسْـرِي بِـهِ الـرِّيـحُ رِفْقًا
فِــي خَــشْــيَــةٍ وَتَأَنِّــي
كَأَنَّـــــــهَــــــا فَــــــمُ أُمٍّ
يَــمُــرُّ فِــي وَجْـنَـةِ ابْـنِ
الــنَّــحْـلُ تَـرْشُـفُ مِـنْـهُ
رَحِـــيـــقَـــهُ وَتُــغَــنِّــي
تَـجْـنِـي وَلَـمْ تَـدْرِ يَـوْمًا
أَنَّ الـرَّدَى سَـوْفَ يَجْنِي
طَــغَـتْ عَـلَـيْـهِ سَـمُـومٌ
حَـــرَّى كَأَنْــفَــاسِ جِــنِّ
فَـــغَـــادَرَتْـــهُ رُكَـــامًـــا
أَجَــفَّ مِــنْ عُــودِ تِـبْـنِ
وَالــدَّهْـرُ أَحْـرَى رَفِـيـقٍ
بِأَنْ يَــخُــونَ وَيُــخْـنِـي
يَـا قَـبْـرَ حِـفْـنِـي أَجِبْنِي
وَارْحَــمْ بَــقِــيَّـةَ سِـنِّـي
قَـدْ رَاعَـنِـي مِنْكَ صَمْتٌ
بِـــحَــقِّــهِ لَا تَــرُعْــنِــي
فَـفِـيـكَ أَمْـضَـى جَـنَـانًا
مِـنْ كُـلِّ فُـصْـحٍ وَلُـسْـنِ
وَفِــيــكَ شِــعْــرٌ نَــقِــيٌّ
مِـنْ كُـلِّ وَقْـصٍ وَخَـبْـنِ
كَأَنَّـــــهُ بَـــــسَــــمَــــاتٌ
لِـلْـوَصْـلِ بَـعْـدَ الـتَّجَنِّي
أَوْ نَـفْـحَـةٌ مِنْ «جَمِيلٍ»
طَـافَـتْ بِأَحْـلَامِ «بُـثْنِ»
أَوْ رَغْـــوَةٌ مِــنْ سُــلَافٍ
تَــفِــيـضُ مِـنْ رَأْسِ دَنِّ
كَـمْ نُـكْـتَـةٍ فِـيـهِ كَـادَتْ
تَـخْـفَـى عَـلَـى كُلِّ ظَنِّ!
مِــصْــرِيَّـةٍ جَـالَ فِـيـهَـا
ذَوْقُ الْأَدِيــبِ الْــمِــفَـنِّ
لَـوْ كُـنْـتَ تَـعْرِفُ حِفْنِي
لَــقُـلْـتَ: زِدْنِـي وَزِدْنِـي!
نَـحْـوٌ يَـصُـكُّ الْـكِـسَائِي
وَيَــزْدَرِي بِــابْــنِ جِـنِّـي
وَإِنْ أُثِـــــيــــرَ جِــــدَالٌ
رَأَيْـــتَـــهُ خَـــيْــرَ قِــرْنِ
الْــعِـلْـمُ أَمْـضَـى سِـلَاحٍ
لَـــهُ وَأَوْقَـــى مِـــجَـــنِّ
قَـدْ كَـانَ ضَخْمًا جَسِيمًا
يَـبْـدُو كَـشَـامِـخِ حِـصْنِ
الــلَّــحْــمُ رِخْــوٌ بَـدِيـنٌ
لَـــهُ نُـــعُــومَــةُ قُــطْــنِ
وَالـصَّـدْرُ رَحْـبٌ فَـسِيحٌ
مَـا جَـاشَ يَـوْمًـا بِضِغْنِ
فِي وَجْهِهِ الْجَهْمِ حُسْنٌ
مِـنْ رُوحِـهِ الْـمُـسْـتَـكِنِّ
قَـــدْ زَارَنِــي ذَاتَ يَــوْمٍ
فِــي وَقْـتِ قَـيْـظٍ وَكِـنِّ
فَــكَــانَ أُنْــسًــا تَـدَانَـتْ
بِــهِ الْــمُـنَـى بَـعْـدَ ضَـنِّ
فَــاضَ الْــحَـدِيـثُ زُلَالًا
عَـذْبًـا وَمَـا قَـالَ قَـطْنِي
فُـــكَــاهَــةٌ مِــنْ لَــدُنْــهُ
وَنُــكْــتَــةٌ مِــنْ لَــدُنِّــي
فِــي الْأُذْنِ قَــهْـوَةُ كَـرْمٍ
وَالْـــكَـــفِّ قَــهْــوَةُ بُــنِّ
أَرْوِي وَيَـرْوِي الْـقَـوَافِي
كَـــالـــدُّرِّ وَزْنًـــا بِـــوَزْنِ
يَـا مَـجْـلِـسًـا عَـادَ وَجْدًا
يُـذْكِـي الْـفُـؤَادَ وَيُضْنِي
ضَـاعَ الـصِّـبَـا وَرَجَـعْـنَـا
مِــنْــهُ بِــصَـفْـقَـةِ غَـبْـنِ
حِــفْــنِــي، سَـلَامٌ وَنُـورٌ
لِــقَــلْــبِــكَ الْـمُـطْـمَـئِـنِّ
فَــارَقْـتَ أَهْـلًا وَسَـكْـنًـا
لِــخَــيْــرِ أَهْــلٍ وَسَـكْـنِ
تَـثْـنِـي إِلَـيْـكَ الْـقَـوَافِي
أَعْـنَـاقَـهَـا حِـيـنَ تُـثْـنِي

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: تهنئة بمولد الأميرة فائزة.
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

نبوية موسى: رائدةٌ مِصريةٌ بارزةٌ في مجالاتِ التَّعليمِ وحقوقِ المرأة.

وُلِدَتْ «نبوية موسى» في عامِ ١٨٨٦م بقريةِ «مجول» بمحافظةِ «القليوبية»، لأبٍ كانَ يعملُ ضابطًا بالجيشِ المصريِّ أُوفِدَ إلى السودانِ قبلَ ميلادِها بشهرَين، وتُوفِّيَ هناكَ فلمْ تَرَهُ ونشأَتْ يتيمةَ الأب.

شُغِفتْ منذُ صِغرِها بالتعليم، ولكنْ بسببِ التقاليدِ الاجتماعيةِ الصارمةِ السائدةِ آنَذاكَ لمْ يكُنْ يُسمَحُ للفَتياتِ أن يَلْتحقْنَ بالمدارسِ بسُهولة؛ لذلكَ تعلَّمتِ القراءةَ والكتابةَ في البيتِ بمُساعدةِ شقيقِها الأكبر، الذي كانَ كثيرًا ما يَقرأُ عليها دروسَه فتَحْفظُها مِنَ المرَّةِ الأُولى.

عندما بلغَتْ الثالثةَ عشرةَ مِن عمرِها أرادَت أن تَلتحِقَ بالمدرسة، إلا أنَّ أُسرتَها رفَضت بشدة، ولكنها احتالتْ بشتَّى السُّبُلِ لتضمَنَ لنفسِها مَقْعدًا دراسيًّا؛ فاضْطُرَّتْ إلى أن تسرقَ خاتمَ والدتِها لتُزوِّرَ موافقَتَها على الالتِحاق، وبالفعلِ بدأتْ في تَلقِّي الدروسِ ﺑ «المدرسةِ السنيةِ للبنات» لتنالَ شهادةَ التعليمِ الابتدائيِّ بتفوُّقٍ عامَ ١٩٠٣م.

بعدَ أن أتمَّتْ دراستَها بقسمِ المُعلِّماتِ عامَ ١٩٠٦م عُيِّنتْ مُعلِّمةً بمَدْرسة «عباس الابْتدائيَّة للبِنات» بالقاهِرة، ولكنَّها صُدِمَتْ عندما وجدَتْ أنَّ راتبَها نصفُ راتبِ زملائِها خرِّيجِي «مدرسةِ المُعلِّمين العُلْيا»، فتقدَّمتْ بشَكوى لوزارةِ المَعارف، التي رَدَّتْ بدَوْرِها بأنَّ سببَ ذلكَ هو حصولُ زملائِها الرجالِ على درجةِ «البكالوريا»، فقرَّرتْ أن تَدْرسَ لِنَيلِها بنفسِها؛ حيثُ لم يكُنْ هناكَ وقتَها مدارسُ فَتياتٍ للبكالوريا، فكانتْ هيَ أولَ فتاةٍ مِصريةٍ تَحصُلُ على هذهِ الشهادةِ عامَ ١٩٠٧م.

كانت قد بدأتْ في ذلكَ الوقتِ في كتابةِ مَقالاتٍ صحفيةٍ تتناولُ موضوعاتٍ تعليميةً واجتماعيةً وأدبية، وركَّزتِ اهتمامَها على قَضايا التعليمِ وتربيةِ الفتاةِ وتَثْقيفِها، كما ألَّفتْ بعضَ الكتبِ التي ضمَّتْ آراءَها وأفكارَها.

كانتْ «نبوية موسى» أوَّلَ ناظرةٍ مِصريةٍ لمَدْرسةٍ ابتدائية؛ مَدْرسةِ «المحمَّدية للبنات» بالفيوم، وقد بذلَتْ فيها مَجْهودًا كبيرًا لنَشرِ تعليمِ الفَتيات، وطبَّقتْ أسلوبًا أخلاقيًّا صارمًا ومُنضبطًا لتربيةِ الطالبات؛ لكَي تُشجِّعَ الأُسَرَ على إرسالِ بناتِهم للتعلُّمِ دونَ خوْفٍ عليهِن.

أنشأتْ «نبوية موسى» مطبعةً ومجلةً أُسبوعيةً نسائيةً باسمِ «الفتاة»، كما شارَكَتْ في العديدِ مِنَ المؤتَمراتِ التربويةِ والنِّسائية، وتُوفِّيتْ عامَ ١٩٥١م بعدَ حياةٍ حافِلةٍ بالعَطاء.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤