إِبْرَاهِيمُ بَطَلُ الشَّرْقِ

Wave Image
طُــمُـوحٌ! وَإِلَّا مَـا صِـرَاعُ الْـكَـتَـائِـبِ؟
وَعَــزْمٌ! وَإِلَّا فِــيــمَ حَــثُّ الـرَّكَـائِـبِ؟
إِذَا الْـمَـجْـدُ لَـمْ يَـتْـرُكْ وَرَاءَكَ صَـيْحَةً
مُــدَوِّيَــةً، فَــالْــمَــجْــدُ أَوْهَـامُ كَـاذِبِ
يَـخَـوضُ الْـهُـمَـامُ الْـعَـبْـقَـرِيُّ بِـعَـزْمِـهِ
ظَـلَامَ الْـفَـيَـافِـي فِـي ظَـلَامِ الْغَيَاهِبِ
وَأَرْوَعُ مَــا تَــهْــفُــو لَــهُ الْـعَـيْـنُ رَايَـةٌ
تُــدَاعِــبُــهَـا الْأَرْوَاحُ فِـي كَـفِّ غَـالِـبِ
وَكَـمْ بَـطَـلٍ فِـي الْأَرْضِ غَـابَ وَذِكْـرُهُ
يُــحَــلِّـقُ فِـي الْآفَـاقِ لَـيْـسَ بِـغَـائِـبِ!
يُـــدَوِّنُـــهُ الْـــمِــيــلَادُ بَــيْــنَ لِــدَاتِــهِ
وَيَــكْـتُـبُـهُ الـتَّـارِيـخُ بَـيْـنَ الْـكَـوَاكِـبِ
وَمَـا مَـاتَ مَـنْ أَبْـقَـى لِـمِـصْـرَ مَـجَادَةً
تُــطَــاوِلُ أَعْــنَــانَ الــسَّــمَـاءِ بِـغَـارِبِ
حَــمَــاهَــا بِــعَــزْمٍ لَـوْ رَأَتْـهُ قَـوَاضِـبٌ
لَأَضْـحَـى سَـنَـاهُ حَسْرَةً فِي الْقَوَاضِبِ
وَمَـنْ مِـثْـلُ إِبْـرَاهِـيمَ إِنْ حَمِيَ الْوَغَى
وَأَمْـطَـرَتِ الْأَرْضُ الـسَّـمَـاءَ بِـحَـاصِبِ
صَـوَاعِـقُ تُـلْـقِـي لِـلْـحُـتُـوفِ صَوَاعِقًا
وَسُـحْـبٌ عُـجَـاجٍ تَـلْـتَـقِـي بِـسَـحَائِبِ
وَزَمْــزَمَـةٌ تُـنْـسِـي الـرُّعُـودَ هَـزِيـمَـهَـا
وَتَــثْــقُــبُ آذَانَ الــنُّـجُـومِ الـثَّـوَاقِـبِ
سَـلُـوا عَـنْـهُ «عَـكَّـا» إِنَّـهَـا إِنْ تَـكَـلَّمَتْ
مَــعَــاقِــلُـهَـا حَـدَّثْـنَـكُـمْ بِـالْـعَـجَـائِـبِ
رَمَاهَا بِجَيْشٍ لَوْ رَمَى مَشْرِقَ الضُّحَى
لَـفَـرَّ حَـسِـيـرَ الـطَّـرْفِ نَـحْـوَ الْمَغَارِبِ
رَمَــاهَـا فَـتًـى لَا يَـعْـرِفُ الـشَّـكَّ رَأْيُـهُ
وَيَــعْــرِفُ بِــالْإِلْــهَــامِ سِـرَّ الْـعَـوَاقِـبِ
مُــمَــنَّــعَــةٌ مَــا رَاضَــهَــا عَــزْمُ قَـائِـدٍ
وَعَـذْرَاءُ لَـمْ تَـظْـفَـرْ بِـهَـا كَـفُّ خَاطِبِ
أَتَــاهَــا «بُــنُــوبَـارْتٌ» يُـدَاوِي نُـدُوبَـهُ
وَآبَ يَــصُــكُّ الْـوَجْـهَ صَـكَّ الـنَّـوَادِبِ
أَتَــاهَــا يَـجُـرُّ الـذَّيْـلَ فِـي تِـيـهِ وَاثِـقٍ
فَـعَـادَ يَـجُـرُّ الـذَّيْـلَ فِـي خِـزْيِ خَائِبِ
رَآهَـا وَفِـي الْعُنْقُودِ وَالْكَرْمِ مَا اشْتَهَى
وَأَيْـنَ مِـنَ الْـعُـنْـقُـودِ أَيْـدِي الـثَّعَالِبِ؟
وَكَـمْ وَضَـعَـتْ مِـنْ إِصْـبَعٍ فَوْقَ أَنْفِهَا!
وَكَـمْ غَـمَـزَتْ أَسْـوَارُهَـا بِـالْـحَـوَاجِبِ!
رَأَتْ فَــاتِــحَ الــدُّنْــيَــا يَــفِــرُّ جَـبَـانَـةً
وَيُـلْـقِـي عَـلَـى الْأَقْـدَارِ نَـظْـرَةَ عَـاتِبِ
وَلَـكِـنَّ إِبْـرَاهِـيـمَ فِـي الـرَّوْعِ كَـوْكَـبٌ
إِذَا انْــقَــضَّ فَــالْآطَــامُ لُــعْـبَـةُ لَاعِـبِ
•••
وَيَـوْمَ «نُـصَـيْـبِـيـنَ» الَّـتِي قَامَ حَوْلَهَا
بَـنُـو الـتُّـرْكِ وَالْأَلْـمَـانُ حُـمْـرَ الْمَخَالِبِ
عَـلَاهَـا فَـتَـى مِـصْـرٍ بِـضَـرْبَـةِ فَـيْصَلٍ
وَلَــكِــنَّــهَــا لِــلــنَّــصْــرِ ضَــرْبَـةُ لَازِبِ
فَـرِيـعَ لَـهَـا الْـبُـوسْـفُـورُ وَارْتَجَّ عَرْشُهُ
وَصَـاحَـتْ ذِئَـابُ الـشَّرِّ مِنْ كُلِّ جَانِبِ
أَبَـى الْـغَـرْبُ أَنْ تَـخْـتَـالَ لِلشَّرْقِ رَايَةٌ
وَأَنْ يَـقِـفَ الْـمَسْلُوبُ فِي وَجْهِ سَالِبِ
أَيُـدْعَـى سَـلِـيلُ الشَّرْقِ لِلشَّرْقِ غَاصِبًا
وَمُـغْـتَـالُـهُ فِـي الْغَرْبِ لَيْسَ بِغَاصِبِ؟
سِــيَــاسَــةُ حِـقْـدٍ أَيْـنَ مِـنْ نَـفَـثَـاتِـهَـا
لُـعَـابُ الْأَفَـاعِـي أَوْ سُـمُـومُ الْعَقَارِبِ؟
•••
حَــنَــانًــا لِإِبْــرَاهِــيــمَ لَاقَـى كَـتَـائِـبًـا
مِـنَ الْـكَـيْـدِ لَـمْ تَـعْرِفْ نِضَالَ الْكَتَائِبِ
غَــزَوْهُ بِــجَــيْـشٍ بِـالـدَّهَـاءِ مُـحَـارِبٌ
وَلَــكِــنَّــهُ بِــالــسَّـيْـفِ غَـيْـرُ مُـحَـارِبِ
فَــمَــا لَــيَّــنُــوا مِــنْـهُ قَـنَـاةً صَـلِـيـبَـةً
وَلَا كَـدَّرُوا مِـنْ صَـفْـوِ تِـلْـكَ الْـمَـنَاقِبِ
•••
عَـرَفْـنَـا لِـحَـامِـي الْـقِـبْـلَـتَـيْـنِ جِـهَادَهُ
وَكَــمْ هَــانَ مَــطْـلُـوبٌ لِـعِـزَّةِ طَـالِـبِ!
لَــهُ الْـعُـرْبُ أَلْـقَـتْ فِـي إِبَـاءٍ زِمَـامَـهَـا
وَكَــانَــتْ سَــرَابًــا لَا يُــنَــالُ لِــشَـارِبِ
فَـــوَحَّـــدَهَـــا فِـــي دَوْلَــةٍ عَــرَبِــيَّــةٍ
تُـزَاحِـمُ فِـي رَكْـبِ الْـعُـلَا بِـالْـمَـنَـاكِبِ
يَـقُـولُـونَ: قِـفْ بِـالْجَيْشِ مَاذَا تُرِيدُهُ؟
وَمَـاذَا تُـرَجِّـي مِـنْ وَرَاءِ الـسَّـبَـاسِبِ؟
فَـقَـالَ: إِلَـى أَنْ تَنْتَهِي «الضَّادُ» أَنْتَهِي
وَحَـيْـثُ تَـسِـيـرُ الْعُرْبُ تَسْرِي نَجَائِبِي
لَـقَـدْ زُهِـيَـتْ مِـصْـرٌ بِـبَـاعِـثِ شَـعْـبِـهَا
لِـكَـسْـبِ الْـمَـعَـالِـي وَاقْـتِـنَاءِ الرَّغَائِبِ
وَكَــمْ كَــتَـبَ الـتَّـارِيـخُ لِابْـنِ مُـحَـمَّـدٍ
خَــوَالِــدَ، وَالــتَّـارِيـخُ أَصْـدَقُ كَـاتِـبِ!
وَكَـمْ صَـانَ مِـصْـرًا مِـنْ بَـنِـيـهِ مُـمَلَّكٌ
بَـعِـيـدُ مَـنَـالِ الْـعَـزْمِ جَـمُّ الْـمَـطَـالِـبِ
شَــمَــائِــلُ «فَــارُوقٍ» وَعِــزَّةُ مُــلْـكِـهِ
تَــزِيــدُ جَـلَالًا فِـي جَـلَالِ الْـمَـنَـاسِـبِ

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: قيلت هذه القصيدة بمناسبة مرور مائة عام على وفاة إبراهيم باشا، وإزاحة الستار عن لوحة نقشت على قاعدة تمثاله المقام بميدان الأوبرا بالقاهرة عام ١٩٤٨م.
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

علي الجارم: أديب، وشاعر مصري، ورائد من رواد مدرسة الإحياء والبعث إلى جانب كل من أحمد شوقي وحافظ إبراهيم. أَثْرَت مؤلفاته المكتبة الأدبية العربية؛ حيث تعددت وتنوعت بين الدواوين الشعرية، والروايات الأدبية والتاريخية، إضافة إلى الكتب المدرسية، وكانت له مساهمات فعالة في حقل اللغة العربية. وقد اشتهر بغيرته على الدين واللغة والأدب، وتمكن من أن يحوز مكانة شعرية رائدة.

ولد علي صالح عبد الفتاح الجارم، بمدينة رشيد عام ١٨٨١م، تلك المدينة التي شهدت الكثير من أحداث مصر التاريخية. كان والده الشيخ محمد صالح الجارم عالمًا من علماء الأزهر، وقاضيًا شرعيًّا بمدينة دمنهور. تلقى علي دروسه الأولى بمدينة رشيد، فأتم بها التعليم الابتدائي، وواصل تعليمه الثانوي بالقاهرة حيث التحق بالأزهر الشريف، واختار بعد ذلك أن يلتحق بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة. سافر عام ١٩٠٨م إلى إنجلترا وتحديدًا نوتينجهام لإكمال دراسته، فدرس هناك أصول التربية، ثم عاد إلى مصر عام ١٩١٢م بعد أربع سنوات قضاها في الغربة.

عُيِّن الجارم عقب عودته مدرسًا بمدرسة التجارة المتوسطة، ثم تدرج في مناصب التربية والتعليم حتى عُيِّن كبير مفتشي اللغة العربية بمصر، كما عمل الجارم وكيلًا لدار العلوم، وكان عضوًا مؤسِّسًا لمجمع اللغة العربية، وقد مَثَّل مصر في عدد من المؤتمرات العلمية والثقافية.

سَخَّر الجارم طاقاته الإبداعية وإمكانياته الثقافية في إنجاز العديد من الروايات الأدبية التاريخية التي تتخذ من التاريخ العربي موضوعًا لها، مثل: «فارس بني حمدان» و«هاتف من الأندلس» و«مرح الوليد» و«خاتمة المطاف» و«نهاية المتنبي». توفي علي الجارم عام ١٩٤٩م عن ثمانية وستين عامًا، وقد رثاه كبار أدباء ومفكري عصره.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤