إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ حَادِثِ الدَّهْرِ مَوْئِلُ

Wave Image
إِذَا لَـمْ يَـكُـنْ مِـنْ حَـادِثِ الـدَّهْرِ مَوْئِلُ
وَلَـمْ يُـغْـنِ عَـنْكَ الْحُزْنُ فَالصَّبْرُ أَجْمَلُ
وَأَهْــوَنُ مَــا لَاقَــيْــتُ مَـا عَـزَّ دَفْـعُـهُ
وَقَـدْ يَـصْـعُـبُ الْأَمْـرُ الْأَشَـدُّ فَـيَـسْـهُلُ
وَمَـــا هَــذِهِ الــدُّنْــيَــا بِــدَارِ إِقَــامَــةٍ
فَـيَـحْـزَنَ فِـيـهَـا الْـقَـاطِـنُ الْـمُـتَـرَحِّـلُ
هِـــيَ الـــدَّارُ إِلَّا أَنَّـــهَـــا كَـــمَـــفَــازَةٍ
أَنَــاخَ بِــهَــا رَكْــبٌ وَرَكْــبٌ تَـحَـمَّـلُـوا
مُـنِـيـنَـا بِـهَـا خَـرْقَـاءَ لَا الْـعَذْلُ تَرْعَوِي
إِلَـيْـهِ وَلَا مَـحْـضُ الـنَّـصِـيـحَـةِ تَـقْـبَـلُ
لَــنَــا وَلَــهَــا فِـي كُـلِّ يَـوْمٍ عَـجَـائِـبٌ
يَــحَــارُ لَــهَــا لُــبُّ اللَّـبِـيـبِ وَيَـذْهَـلُ
يَـطُـولُ مَـدَى الْأَفْـكَـارِ فِـي كُنْهِ أَمْرِهَا
فَــيَـنْـكُـصُ عَـنْ غَـايَـاتِـهِ الْـمُـتَـوَغِّـلُ
وَإِنَّـا لَـمِـنْ مَـرِّ الْـجَـدِيـدَيْـنِ فِـي وَغًى
إِذَا فَــرَّ مِـنْـهَـا جَـحْـفَـلٌ كَـرَّ جَـحْـفَـلُ
تُــجَــرِّدُ نَـصْـلًا وَالْـخَـلَائِـقُ مَـفْـصِـلٌ
وَتُــنْــبِـضُ سَـهْـمًـا وَالْـبَـرِيَّـةُ مَـقْـتَـلُ
فَـلَا نَـحْـنُ يَـوْمًـا نَـسْـتَـطِـيـعُ دِفَـاعَـهَا
وَلَا خَــطْــبُـهَـا عَـنَّـا يَـعِـفُّ فَـيُـجْـمِـلُ
وَلَا خَــلْــفَــنَــا مِــنْــهَــا مَـفَـرٌّ لِـهَـارِبٍ
فَـكَـيْـفَ لِـمَـنْ رَامَ الـنَّـجَـاةَ الـتَّـحَـيُّـلُ
وَلَا نَــاصِــرٌ إِلَّا الــتَّــمَـلْـمُـلُ وَالْأَسَـى
وَمَـاذَا الَّـذِي يُـجْـدِي الْأَسَـى وَالتَّمَلْمُلُ
نَـبِـيـتُ عَـلَـى وَعْـدٍ مِـنَ الْمَوْتِ صَادِقٍ
فَـمِـنْ حَـائِـنٍ يُـقْـضَـى وَآخَـرَ يُـمْـطَـلُ
وَكُــلٌّ وَإِنْ طَــالَ الــثَّــوَاءُ مَــصِـيـرُهُ
إِلَـى مَـوْرِدٍ مَـا عَـنْـهُ لِلْـخَـلْـقِ مَـعْـدِلُ
فَــوَا عَــجَــبًــا مِــنْ حَــازِمٍ مُـتَـيَـقِّـنٍ
بَـأَنْ سَـوْفَ يَـرْدَى كَـيْـفَ يَـلْهُو وَيَغْفُلُ
أَلَا لَا يَـثِـقْ بِـالـدَّهْرِ مَا عَاشَ ذُو حِجًى
فَــمَــا وَاثِـقٌ بِـالـدَّهْـرِ إِلَّا سَـيَـخْـجَـلُ
نَـزَلْـتُ عَـلَـى حُكْمِ الرَّدَى فِي مَعَاشِرِي
وَمَـنْ ذَا عَـلَـى حُـكْمِ الرَّدَى لَيْسَ يَنْزِلُ
تَــبَـدَّلْـتُ بِـالْـمَـاضِـيـنَ مِـنْـهُـمْ تَـعِـلَّـةً
وَأَيْــنَ مِــنَ الْــمَــاضِـيـنَ مَـنْ أَتَـبَـدَّلُ
إِذَا مَــاءُ عَــيْــنِـي بَـانَ كَـانَ مُـعَـوَّلِـي
عَـلَـى الـدَّمْـعِ إِنَّ الـدَّمْـعَ بِـئْسَ الْمُعَوَّلُ
كَــفَــى حَــزَنًـا أَنْ يُـوقِـنَ الْـحَـيُّ أَنَّـهُ
بِـسَـيْـفِ الـرَّدَى لَا بُـدَّ أَنْ سَـوْفَ يُقْتَلُ
لِـيَـبْـكِ جَـمَـالَ الـدَّوْلَـةِ الْـبَأْسُ وَالنَّدَى
إِذَا قَـــلَّ مَـــنَّــاعٌ وَأَعْــوَزَ مُــفْــضِــلُ
فَـتًـى كَـانَ لَا يُـعْـطِـي الـسَّوَاءَ قَسِيمَهُ
إِبَــاءً إِذَا مَــا جَـاشَ لِلْـحَـرْبِ مِـرْجَـلُ
وَلَا يَـعْـرِفُ الْإِظْـمَـاءَ فِي الْمَحْلِ جَارُهُ
سَــمَــاحًــا وَلَــوْ أَنَّ الْـمَـجَـرَّةَ مَـنْـهَـلُ
فَــمَــنْ مُــبْــلِـغُ الْـعَـلْـيَـاءِ أَنِّـيَ بَـعْـدَهُ
ظَـمِـئْـتُ وَأَخْـلَافُ الـسَّـحَـائِـبُ حُـفَّـلُ
فَــوَا أَسَــفَــا مَــنْ لِلـطَّـرِيـدِ يُـجِـيـرُهُ
إِذَا نَـاشَـهُ نَـابٌ مِـنَ الْـخَـوْفِ أَعْـصَـلُ
وَوَا أَسَــفَــا مَــنْ لِلْــفَــقِــيــرِ يَـمِـيـرُهُ
إِذَا شَــفَّــهُ دَاءٌ مِــنَ الْـفَـقْـرِ مُـعْـضِـلُ
تَــهَـدَّمَ ذَاكَ الْـبَـاذِخُ الـشَّـامِـخُ الـذُّرَى
وَأَقْــلَــعَ ذَاكَ الْــعَــارِضُ الْــمُــتَــهَــلِّلُ
فَـيَـا مَـانِـعَ اللَّاجِـيـنَ هَـا أَنَـا مُـسْـلَـمٌ
وَيَـا مُـمْـطِـرَ الـرَّاجِـيـنَ هَـا أَنَـا مُـمْحِلُ
أَحِـيـنَ احْـتَـبَـى فِـيكَ الْكَمَالُ وَخُوِّلَتْ
يَــدَاكَ مِــنَ الْــعَــلْـيَـاءِ مَـا لَا يُـخَـوَّلُ
وَشَـايَـعَـكَ الْـعَـزْمُ الْـفَـتِـيُّ وَنَاضَلَ النَّـ
ـوَائِــبَ عَــنْــكَ الـسُّـؤْدَدُ الْـمُـتَـكَـهِّـلُ
وَلَـمْ تُـبْـقِ حَـظًّـا مِـنْ عُـلًا تَـسْـتَـزِيـدُهُ
وَلَا حُــلَّــةً مِــنْ مَــفْــخَــرٍ تَـتَـسَـرْبَـلُ
رَمَــاكَ فَــأَصْــمَــاكَ الــزَّمَـانُ بِـكَـيْـدِهِ
كَــذَا تَــنْـقُـصُ الْأَقْـمَـارُ أَيَّـانَ تَـكْـمُـلُ
وَمَـا كُـنْتُ أَخْشَى أَنْ يَفُوتَ بِكَ الرَّدَى
وَلَــمَّــا يَــكُــنْ يَــوْمٌ أَغَــرُّ مُــحَــجَّـلُ
وَلَــمَّــا يَـقُـمْ مِـنْ دُونِ ثَـأْرِكَ مَـعْـشَـرٌ
إِذَا عَــزَمُـوا فِـي الـنَّـائِـبَـاتِ تَـوَكَّـلُـوا
مَـنَـاجِـيـدُ وَثَّـابُـونَ فِـي كُـلِّ صَـهْـوَةٍ
مِــنَ الْــعِــزِّ قَــوَّالُـونَ لِلْـمَـجْـدِ فُـعَّـلُ
أَتَــذْهَــبُ لَــمْ يُــشْـرَعْ أَمَـامَـكَ ذَابِـلٌ
لِــمَــنْـعٍ وَلَـمْ يُـشْـهَـرْ وَرَاءَكَ مُـنْـصُـلُ
فَــهَــلَّا بِــحَــيْــثُ الْـمَـشْـرَفِـيَّـةُ رُكَّـعٌ
تُــكَــبِّــرُ فِــي هَــامِ الْــعِــدَى وَتُـهَـلِّلُ
وَأَلَّا بِــحَــيْــثُ الــسَّــمْــهَـرِيَّـةُ شُـرَّعٌ
تُــعَــلُّ مِــنَ الْأَكْــبَــادِ رَيًّــا وَتُــنْــهَــلُ
كَـــدَأْبِـــكَ أَيَّـــامَ الْـــحَـــوَادِثُ نُــوَّمٌ
وَجَــدُّكَ يَــقْــظَــانٌ وَحَــدُّكَ مِـقْـصَـلُ
فَــهَــلْ عَــالِــمٌ جَــيْـهَـانُ أَنَّـكَ بَـعْـدَهُ
رَمَـى بِـكَ مَـرْمَـاهُ الْـحِـمَـامُ الْـمُـعَـجَّـلُ
سَــلَــكْــتَ وَإِيَّــاهُ سَــبِــيــلًا غَـدَا بِـهِ
زَمَـانُـكُـمَـا فِـي قِـسْـمَـةِ الْـجَـوْرِ يَعْدِلُ
سَـقَـاكَ وَإِنْ لَـمْ يُـرْضِـنِـي فِـيـكَ وَابِـلٌ
وَلَـوْ حَـلَّ لِـي قُـلْـتُ الرَّحِيقُ الْمُسَلْسَلُ
مِــنَ الْــمُــزْنِ مَــشْـمُـولٌ يَـرِفُّ كَـأَنَّـهُ
بِـجُـودِ جَـلَالِ الْـمُـلْـكِ يَـهْـمِي وَيَهْطِلُ
وَمَـهْـمَـا هَـفَـتْ يَـوْمًـا مِـنَ الْجَوِّ نَفْحَةٌ
فَـهَـبَّ بِـحِـضْـنَـيْـكَ الـنَّـسِـيمُ الْمُمَنْدَلُ
وَلَا عَـدِمَ الْـمَـوْلَـى مِـنَ الْأَجْـرِ خَـيْـرَهُ
وَبُـــلِّـــغَ فِــي أَعْــدَائِــهِ مَــا يُــؤَمِّــلُ
فِـدًى لَـكَ مَـنْ تَـحْـتَ الـسَّمَاءِ وَلَا تَزَلْ
وَمَــجْــدُكَ مَــرْفُــوعُ الْـبِـنَـاءِ مُـؤَثَّـلُ
إِذَا جَــلَّ خَــطْـبٌ غَـالَ هَـمَّـكَ عِـنْـدَهُ
نُـهًـى تَـسَـعُ الْـخَـطْـبَ الْجَلِيلَ وَتَفْضُلُ
وَأَرْغَــمْــتَ أَنْــفَ الـنَّـائِـبَـاتِ بِـوَطْـأَةٍ
تَـخِـفُّ عَـلَـى ظَـهْـرِ الـزَّمَـانِ وَتَـثْـقُـلُ
وَأَيُّ مُـــلِـــمٍّ يَـــزْدَهِـــيـــكَ وَإِنَّـــمَـــا
بِــحِــلْــمِــكَ فِــي أَمْــثَـالِـهِ يُـتَـمَـثَّـلُ
غَـنِـيـتَ بِـمَـا تَـقْـضِـي بِـهِ عِنْدَكَ النُّهَى
وَفَـضْـلِـكَ عَـنْ تَـعْرِيفِ مَا لَسْتَ تَجْهَلُ
وَمَــاذَا يَــقُــولُ الْــقَــائِـلُـونَ لِـمَـاجِـدٍ
أَصِـيـلِ الْـحِجَى فِي لَفْظَةٍ مِنْهُ فَيْصَلُ

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: قال ابن الخياط هذه القصيدة يرثي جمال الدولة مملوك جلال الملك، ويعزيه به، وقد وقع عن فرسه في الميدان، فمات في وقته.
  • غرض القصيدة: الرثاء
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: العباسي الثاني

عن الشاعر

هو أحمد بن محمد بن علي بن يحيى التغلبي، يُعَد أحد رُواد الأدب العربي، وأشهر شعراء الشام الذين ساهموا في النهضة الشعرية التي شهدها العصر العباسي الثاني، اتسم شِعره بحُسن البيان، وجزالة العبارة، وعُمق المعنى.

وُلد في دمشق سنة ٤٥٠ﻫ/ ١٠٥٨م، حين كانت تحت سيطرة الدولة الفاطمية، ونشأ وترعرع بها؛ فدرس علوم اللغة، والكتابة، ونَظَم فيها أُولى قصائده. وظل بها حتى سيطر عليها السلاجقة فهاجر منها إلى حماة، وكان عُمره آنذاك ثمانية عشر عامًا، ومكث في حماة مدةً قاربت اثنتَي عشرة سنة، واتصل بأميرها «محمد بن مانك» وعمل عنده كاتبًا، ثم انتقل إلى شينيز ومدح أميرها «علي بن مقلد بن منقذ»، ومنها إلى حلب السورية، وهناك التقى ﺑ «ابن حيُّوس» أشهر شعراء زمانه، ولازَمه مدةً حتى صار امتدادًا لشِعره، ثم اتجه غربًا إلى طرابلس الليبية التي أقام فيها مدةً قاربت عشر سنوات، وفيها ذاع صِيتُه، ووصلت شُهرته الآفاق، ونَظَم أبدع قصائده وأشهرها، وتَقرَّب من حاكمها «جلال الدين بن عمار»، ثم عاد ثانيةً إلى دمشق وحط فيها رِحاله، وصاحَب وزيرها السلجوقي «هبة الله بن بديع الأصفهاني».

سُمي ﺑ «ابن الخياط» لاشتغال أبيه بحرفة الخياطة، وسُمي بالكاتب لاشتغاله بالكتابة؛ حيث عمل كاتبًا لدى أمراء الدولة العباسية، كما نَظَم الشعر بأغراضه المتنوعة، كالهِجاء، والرِّثاء، والغزَل، ولكنَّ النصيب الأوفر من قصائده كان في المديح، حتى اشتُهر بذلك؛ فذكَرَته كُتُب المؤرخين المعاصرين بأنه من الشعراء المُجيدين، امتَدح الناس، وطاف البلاد، ودخل بلاد العجم وامتَدح أهلها. وصل إلينا ديوانه الذي حوى أبهى قصائد الشعر العربي، وأعذب العبارات، وأبلغ المعاني.

تُوفِّي «ابن الخياط» بدمشق في ١١ رمضان ٥١٧ﻫ/١ نوفمبر ١١٢٣م، عن عُمرٍ يُناهز سبعًا وستين سنة.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤