ذِكْرَى لُبْنَان

Wave Image
بَـرَزَتْ تَـمِـيـسُ كَـخَـطْـرَةِ الـنَّـشْـوَانِ
هَــيْــفَـاءَ مُـخْـجِـلَـةً غُـصُـونَ الْـبَـانِ
وَمَـشَـتْ فَـخَـفَّ بِـهَا الصِّبَا فَتَمَايَلَتْ
مَــرَحًـا فَأَجْـهَـدَ خَـصْـرَهَـا الـرِّدْفَـانِ
جَـالَ الْـوِشَـاحُ عَـلَـى مَـعَاطِفِهَا الَّتِي
قَــعَــدَتْ وَقَـامَ بِـصَـدْرِهَـا الـنَّـهْـدَانِ
تَــسْــتَــعْــبِــدُ الْـحُـرَّ الْأَبِـيَّ بِـمُـقْـلَـةٍ
دَبَّ الْــفُــتُــورُ بِـجَـفْـنِـهَـا الْـوَسْـنَـانِ
وَإِذَا بَـدَتْ تَـهْـفُـو الْـقُـلُـوبُ صَـبَـابَـةً
فِــيــهَــا وَتَــرْكَــعُ دُونَـهَـا الْـعَـيْـنَـانِ
أَخَــذَ الــدَّلَالُ مَـوَاثِـقًـا مِـنْ عَـيْـنِـهَـا
أَنْ لَا تَـــزَالُ مَـــرِيــضَــةَ الْأَجْــفَــانِ
تَـمْـشِـي فَـتَنْشُرُ فِي الْفَضَاءِ مَحَاسِنًا
بَــسَــطَ الــزَّمَــانُ لَـهَـا يَـدَيْ وَلْـهَـانِ
وَيَـلُـوحُ لِـلـنَّـظَـرِ الْـقَـرِيـبِ بِـوَجْـهِـهَا
عَـقْـلُ الْـحَـلِـيـمِ وَعِـصْـمَـةُ الـصِّبْيَانِ
لَـمْ أَنْـسَ فِـي قَـلْـبِـي صُـعُودَ غَرَامِهَا
إِذْ نَــحْـنُ نَـصْـعَـدُ فِـي رُبَـى لُـبْـنَـانِ
حَـيْـثُ الـرِّيَـاضُ يَهُزُّ عِطْفَ غُصُونِهَا
شَــدْوُ الــطُّــيُــورِ بِأَطْـرَبِ الْأَلْـحَـانِ
لُــبْــنَــانُ تَـفْـعَـلُ بِـالْـحَـيَـاةِ جِـنَـانَـهُ
فِـــعْـــلَ الـــزُّلَالِ بِــغُــلَّــةِ الــظَّــمْآنِ
وَتَـرُدُّ غُـصْـنَ الْـعَـيْـشِ بَـعْـدَ ذُبُـولِـهِ
غَــضًّــا يَــمِــيــدُ بِـفَـرْعِـهِ الْـفَـيْـنَـانِ
فَـــكَأَنَّ لُـــبْــنَــانًــا عَــرُوسٌ إِذْ غَــدَا
يَــزْهُــو بِــنَــشْــرِ غَـدَائِـرِ الْأَغْـصَـانِ
وَكَأَنَّـمَـا الْـبَـحْـرُ الْـخِـضَـمُّ سَـجَـنْجَلٌ
يُــبْــدِي خَــيَــالَ جَــمَـالِـهَـا الْـفَـتَّـانِ
جَـبَـلٌ سَـمَـتْ مِـنْـهُ الْـفُـرُوعُ وَأَصْـلُهُ
تَــحْـتَ الْـبَـسِـيـطَـةِ رَاسِـخُ الْأَرْكَـانِ
تَـهْفُو الْغُصُونُ بِهِ النَّهَارَ وَفِي الدُّجَى
تَــهْــفُــو عَــلَــيْــهِ ذَوَائِـبُ الـنِّـيـرَانِ
وَتَــرَى الــنُّــجُـومَ عَـلَـى ذُرَاهُ كَأَنَّـهَـا
مِــنْ فَــوْقِــهِ دُرَرٌ عَــلَــى تِــيــجَــانِ
لِـــلــهِ لُــبْــنَــانُ الَّــذِي هَــضَــبَــاتُــهُ
ضَــحِــكَــتْ مُــغَـازَلَـةً مَـعَ الْـوِدْيَـانِ
يَـجْـرِي الـنَّـسِـيـمُ الْغَضُّ بَيْنَ رِيَاضِهِ
مُــرْخَــى الــذُّيُــولِ مُـعَـطَّـرَ الْأَرْدَانِ
جَـلَـتِ الـطَّـبِـيـعَـةُ فِـي رُبَـاهُ بَـدَائِـعًا
تَـكْـسُـو الْـكُـهُـولَ غَـضَـاضَـةَ الشُّبَّانِ
يَــا صَــاحِــبَــيَّ أَتَــذْكُــرَانِ فَإِنَّــنِـي
لَـمْ أَنْـسَ بَـعْـدَكُـمَـا سِـوَى الـنِّـسْـيَانِ
إِذْ كَـانَ يَـغْـبِـطُـنَـا الـزَّمَانُ وَنَحْنُ فِي
وَادِي الْـفَـرِيـكَـةِ مَـنْـبِـتِ الـرَّيْـحَـانِي
فِـي لَـيْـلَـةٍ حَـسَـدَ الـضِّـيَـاءُ ظَـلَامَهَا
وَعَـنَـا لِـفَـضْـلِ نُـجُـومِـهَـا الْـقَـمَـرَانِ
مُـتَـجَـاوِلِـيـنَ مِـنَ الْـحَـدِيثِ بِسَاحَةٍ
رَكَــضَ الْــبَــيَـانُ بِـهَـا بِـغَـيْـرِ عِـنَـانِ
وَالـلَّـيْـلُ يَـسْـمَـعُ مَـا نَـقُولُ وَلَمْ يَكُنْ
غَــيْــرُ الْــكَــوَاكِــبِ فِــيـهِ مِـنْ آذَانِ
فَــكَأَنَّ جَــوْلَــتَــنَــا بِـصَـدْرِ ظَـلَامِـهِ
سِــرٌّ يَــجُــولُ بِــخَــاطِـرِ الْـكِـتْـمَـانِ
•••
مَـا كُـنْـتُ أَحْـسَـبُ أَنْ أَحُـلَّ بِـبُـقْـعَـةٍ
لِــلْــحُــسْــنِ مُــنْــبِـتَـةٍ وَلِـلْإِحْـسَـانِ
حَـتَّـى نَـزَلْـتُ مِـنَ الـشُّـوَيْـرِ بِـجَـنَّـةٍ
فِــيــهَــا الْــحَــيَـاةُ كَـثِـيـرَةُ الْأَلْـوَانِ
فَـهَـصَـرْتُ أَغْـصَـانَ الْأَمَـانِ وَلَمْ يَكُنْ
غَــيْــرَ الــسُّــرُورِ بِــهِــنَّ قَـطْـفٌ دَانِ
وَلَـقِـيـتُ شَـاعِـرَهَـا الَّـذِي ارْتَفَعَتْ لَهُ
كَــفُّ الْــقَــرِيــضِ مُــشِـيـرَةً بِـبَـنَـانِ
حَـتَّـى إِذَا تَـمَّ الـلِّـقَـاءُ قَـصَـدْتُ مِـنْ
رَبَـــوَاتِ بِــكْــفَــيَّــا ظِــلَالَ جِــنَــانِ
يَــا يَــوْمَ بِــكْـفَـيَّـا وَبَـيْـتِ شَـبَـابِـهَـا
أَفْـــدِيـــكَ مِــنْ يَــوْمٍ بِــكُــلِّ زَمَــانِ
وَسَـقَـى زَمَـانَـكِ يَـا دِيَـارَ «بْـحَـنِّسٍ»
صَــوْبُ الْــمَــسَــرَّةِ دَائِـمُ الـتَّـهْـتَـانِ
فَـلَـقَـدْ رَأَيْـتُ ضِـيَـاءَ مَـجْدِكِ مُشْرِقًا
فِـــي وَجْـــهِ كُـــلِّ حُــلَاحِــلٍ دَيَّــانِ
أَفَـيَـذْكُـرُ «الـلَّـبْـكِـيُّ» يَوْمَ «بْحَنِّسٍ»
حَـيْـثُ اجْـتَـمَـعْـنَـا فِـي حِمَى كَنْعَانِ
أَمْ لَــيْــسَ يَــعْــلَـمُ أَنَّـنِـي أَحْـبَـبْـتُـهُ
حُـــبًّـــا أَذَبْـــتُ بِــنَــارِهِ سُــلْــوَانِــي
لَـبِـسَـتْ رُبَـى لُـبْـنَـانَ ثَـوْبًـا أَخْـضَـرًا
وَزَهَـتْ بِـحَـيْـثُ الْـحُـسْـنُ أَحْمَرُ قَانِ
نَــثَــرَ الــرَّبِــيـعُ بِـهِـنَّ زَهْـرًا مُـؤْنِـقًـا
يُــزْرِي بِــنَــظْــمِ قَــلَائِــدِ الْـعِـقْـيَـانِ
فَـبَـرَزْنَ مِـنْ وَشْـيِ الـطَّبِيعَةِ بِالْحِلَى
فَـــكَأَنَّـــهُــنَّ بِــحُــسْــنِــهِــنَّ غَــوَانِ
وَكَأَنَّ صِـــنِّـــيــنًــا أَطَــلَّ مُــرَاقِــبًــا
يَــرْنُــو لَــهُــنَّ بِــمُــقْــلَــةِ الْــغَـيْـرَانِ
تِـلْـكَ الـرُّبَـى أَمَّـا الْـجَـمَـالُ فَـوَاحِـدٌ
فِـــيــهَــا وَأَمَّــا أَهْــلُــهَــا فَــاثْــنَــانِ
رَجُــلٌ يَــسِـيـرُ إِلَـى الـنَّـجَـاحِ وَآخَـرٌ
يَــسْـعَـى وَغَـايَـتُـهُ إِلَـى الْـخُـسْـرَانِ
مُــتَــخَــاذِلِـيـنَ بِـهَـا وَهُـمْ أَعْـوَانُـهَـا
وَمِـــنَ الْـــبَــلَاءِ تَــخَــاذُلُ الْأَعْــوَانِ
ضَـعُـفَـتْ مَـبَـانِـي كُـلِّ أَمْـرٍ عِـنْـدَهُـمْ
مَــا بَــيْــنَ هَـادِمِـهَـا وَبَـيْـنَ الْـبَـانِـي
وَتَــفَــرَّقُــوا دُنْـيَـا كَأَنْ لَـمْ يَـكْـفِـهِـمْ
فِــي الــنَّــائِــبَــاتِ تَــفَــرُّقُ الْأَدْيَــانِ
وَسَـعَـوْا فُـرَادَى لِـلـنَّـجَـاحِ وَفَـاتَـهُـمْ
أَنَّ الـــتَّــضَــامُــنَ رَائِــدُ الْــعُــمْــرَانِ
يَـا أَهْـلَ ذَا الْـجَـبَـلِ الْـمَـنِـيـعِ مَـكَـانُهُ
تُــفْــدَى مَــوَاطِــنُــكُـمْ بِـكُـلِّ مَـكَـانِ
أَمَّــا مَــحَــاسِــنُــهَــا فَــهُـنَّ بِـمَـنْـزِلٍ
تَـــنْــحَــطُّ عَــنْــهُ بَــدَائِــعُ الْأَكْــوَانِ
وَمِـنَ الْـفَـخَـامَـةِ هُـنَّ فِـي غُـلَـوَائِـهَـا
وَمِــنَ الــشَّـبِـيـبَـةِ هُـنَّ فِـي رَيْـعَـانِ
فَـــتَــبَــوَّءُوا جَــنَّــاتِــهِــنَّ أَنِــيــقَــةً
وَابْــنُــوا بِــهِــنَّ كَأَكْــرَمِ الْــبُــنْــيَـانِ
مَــاذَا يُـثَـبِّـطُـكُـمْ بِـهَـا أَنْ تَـنْـهَـضُـوا
نَــحْــوَ الْـفَـخَـارِ كَـنَـهْـضَـةِ الْـيَـابَـانِ
إِنِّـــي لَأَرْجُـــو أَنْ أَرَاكُـــمْ لِـــلْـــعُــلَا
مُــتَــهَــيِّــجِــيــنَ تَــهَـيُّـجَ الْـبُـرْكَـانِ
وَأَوَدُّ لَــوْ تَــمْــشُـونَ مِـشْـيَـةَ وَاحِـدٍ
مُــتَــكَــاتِــفِــيــنَ تَـكَـاتُـفَ الْإِخْـوَانِ
لَا تَـــقْـــرِنُــوا بِــتَــشَــتُّــتٍ آرَاءَكُــمْ
فَــالْــبَــدْرُ يُـمْـحَـقُ عِـنْـدَ كُـلِّ قِـرَانِ
أَمُــهَـاجِـرِي لُـبْـنَـانَ طَـالَ غِـيَـابُـكُـمْ
أَيْــنَ الْــحَــنِـيـنُ إِلَـى رُبَـى لُـبْـنَـانِ؟
هَـذِي مَـوَاطِـنُـكُـمْ تُـرِيـدُ وِصَـالَـكُـمْ
وَتَــئِــنُّ شَــاكِــيَــةً مِــنَ الْــهِــجْـرَانِ
أَفَــتَــرْحَــمُــونَ أَنِــيــنَــهَـا أَمْ أَنْـتُـمُ
لَا تَــرْحَــمُــونَ أَنِـيـنَ ذِي أَشْـجَـانِ؟
إِنِّــي أَرَى هَــجْــرَ الـرِّجَـالِ بِـلَادَهُـمْ
شَــيْــئًــا يُــضِـيـعُ كَـرَامَـةَ الْـبُـلْـدَانِ
وَإِضَـاعَـةُ الْـوَطَـنِ الْـعَـزِيـزِ جِـنَـايَـةٌ
ضَــلَّ الــزَّمَــانُ بِــهَـا عَـنِ الْـغُـفْـرَانِ
مَــنْ كَــانَ ذَا جِــدَةٍ فَأَحْــرِ بِــمِـثْـلِـهِ
أَلَّا يَـــضِـــنَّ بِــهَــا عَــلَــى الْأَوْطَــانِ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الكامل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤