الْحَقُّ وَالْقُوَّةُ

Wave Image
أَرَى الْــحَــقَّ لَـمْ يَـغْـشَ الْـبِـلَادَ وَإِنَّـمَـا
مَشَى ضَارِبًا فِي الْأَرْضِ تَلْفِظُهُ الطُّرْقُ
فَـيُـصْـبِـحُ فِـي أَرْضٍ وَيُـمْـسِي بِغَيْرِهَا
وَحِـيـدًا فَـمَـا يُـؤْوِيـهِ غَـرْبٌ وَلَا شَرْقُ
تَــوَطَّــنَ قَــفْــرَ الْأَرْضِ مُـبْـتَـعِـدًا بِـهَـا
إِلَــى حَـيْـثُ لَا إِنْـسٌ وَلَا طَـائِـرٌ يَـزْقُـو
وَقَـدْ يَـهْـبِـطُ الْأَمْـصَـارَ وَهْـوَ مُـحَجَّبٌ
وَيَـظْـهَـرُ أَحْـيَـانًـا كَـمَـا أَوْمَـضَ الْـبَرْقُ
وَمِــنْ عَــجَــبٍ أَنَّ الْــوَرَى يَــدَّعُــونَـهُ
وَهُـمْ مِـنْ قَـدِيـمِ الدَّهْرِ أَعْدَاؤُهُ الزُّرْقُ
أَعَــدُّوا لَــهُ فِــي الْــبَــرِّ وَالْـبَـحْـرِ قُـوَّةً
إِذَا ظَـهَـرَتْ يَـنْـسَـدُّ مِـنْ دُونِـهَـا الْأُفْقُ
وَطَــارُوا بِــطَــيَّــارَاتِــهِـمْ يُـمْـطِـرُونَـهُ
قَــذَائِــفَ مِـنْ نَـارٍ كَـمَـا أَمْـطَـرَ الْـوَدْقُ
•••
يَـقُـولُـونَ إِنَّ الْـحَـقَّ فِـي الْـخَـلْقِ قُوَّةٌ
تَــذِلُّ لَــهَــا الْأَعْــنَــاقُ قَــهْـرًا وَتَـنْـدَقُّ
فَـمَـا بَـالُـهُ يُـمْـسِـي وَيُـصْـبِـحُ شَـاكِـيًا
وَلَا يَـتَـحَـاشَـى عَـنْ ظُـلَامَـتِـهِ الْـخَلْقُ
إِلَــى الـلـهِ نَـشْـكُـو الْأَمْـرَ مِـنْ مَـدَنِـيَّـةٍ
تَـعَارَضَ فِي أَوْصَافِهَا الْكِذْبُ وَالصِّدْقُ
وَكَـمْ قَـدْ سَـمِـعْنَا سَاسَةَ الْغَرْبِ تَدَّعِي
بِأَشْـيَـاءَ مِـنْ بُـطْـلَانِـهَـا ضَـحِـكَ الْحَقُّ
فَــهُــمْ مَــنَــعُــوا رِقَّ الْأَسِــيــرِ وَإِنَّـمَـا
أَجَــازُوا لَـهُـمْ أَنْ يَـشْـمَـلَ الْأُمَـمَ الـرِّقُّ
أَلَــمْ تَــرَ فِــي الْــقُـطْـرِ الْـعِـرَاقِـيِّ أُمَّـةً
مِـنَ الْأَسْـرِ مَـشْـدُودًا بِأَعْـنَـاقِـهَـا رِبْـقُ
قَـدِ اخْـتَـطَّ فِـيـهِ الـسَّيْفُ لِلْقَوْمِ خُطَّةً
مِـنَ الْـعُـنْـفِ لَـمْ يَـمْـرُرْ بِـسَاحَتِهَا رِفْقُ
وَأَوْجَــرَهُــمْ سُــمًّــا مِـنَ الـذُّلِّ نَـاقِـعًـا
بِـكَأْسٍ مِـنَ الْـعُـدْوَانِ لَـيْـسَ لَـهَا مَذْقُ
فَـدِجْـلَـةُ مِـنْ وَقْـعِ الشَّوَائِبِ أَصْبَحَتْ
تُـعَـافُ لِأَنَّ الْـمَـاءَ فِـي حَـوْضِـهَـا رَنْـقُ
وَإِنَّ الْــفُــرَاتَ الْـغَـمْـرَ أَمْـسَـى وَمَـاؤُهُ
مِـنَ الـضَّـيْـمِ غَـوْرٌ مَـا لِأَوْشَـالِـهِ عُـمْقُ
•••
رَعَـى الـلـهُ بَـيْـنَ الْـوَادِيَـيْـنِ مَـوَاطِـنًـا
إِذَا ذُكِـرَتْ يَـهْـتَـزُّ بِـي نَـحْـوَهَـا عِـشْقُ
قَـضَـيْـتُ بِـهَـا عَـصْـرَ الـشَّبَابِ فَلِي بِهَا
خَـوَاطِـرُ لَـمْ يَـسْـمَـحْ بِإِفْـشَائِهَا النُّطْقُ
فَـلَا تَـعْـجَـبُـوا مِـنْ أَنَّـنِـي عِـنْـدَ ذِكْرِهَا
أَنُـوحُ عَـلَـيْـهَـا مِـثْـلَـمَـا نَـاحَـتْ الْـوُرْقُ
وَإِنِّــي إِذَا أَبْــصَــرْتُــهَــا مُـسْـتَـضَـامَـةً
يَـكَـادُ لَـهَـا قَـلْـبِـي مِـنَ الْـحُـزْنِ يَـنْشَقُّ
أَلَـمْ تَـرَهَـا قَـدْ أَصْـبَـحَـتْ مِـنْ إِسَـارِهَا
تُـلِـيـحُ بِـطَـرْفٍ فِـي لَـوَاحِـظِـهِ الْـعِتْقُ
تَـــجُـــرُّ قُــيُــودَ الــذُّلِّ رَاسِــفَــةً إِلَــى
تَـكَـالِـيـفِ حُـكْـمٍ فِـي سِيَاسَتِهِ الْمَحْقُ
وَيَـحْـلِـبُ شَـطْـرَيْـهَـا الْـعَـدُوُّ ضَـرَائِـبًـا
وَيَـمْـخَـضُـهَـا دُرًّا كَـمَـا يُـمْـخَـضُ الزِّقُّ
سَــلَامٌ عَــلَـى وَادِي الـسَّـلَامِ الَّـذِي بِـهِ
تَـفَـاقَـمَ هَـوْلُ الْـخَـطْبِ وَاتَّسَعَ الْخَرْقُ
سَــنَــفْــدِيــهِ حَـتَّـى لَا حَـيَـاةٌ عَـزِيـزَةٌ
وَنَــبْــذُلُ حَــتَّـى لَا نَـفِـيـسٌ وَلَا عِـلْـقُ
وَنُـــدْرِكُ فِـــيـــهِ ثَأْرَنَـــا بِـــكَــتَــائِــبٍ
لَـهَـا نَـسَـبٌ مِـنْ صُـلْـبِ يَـعْرُبَ مُشْتَقُّ
وَإِنَّ الــلَّــيَـالِـي بِـالْـخُـطُـوبِ حَـوَامِـلٌ
وَلَا بُــدَّ يَـوْمًـا أَنْ سَـيَأْخُـذُهَـا الـطَّـلْـقُ
فَـتُـنْـتِـجُ حَـرْبًـا مَـا يَـبُـوخُ سَـعِـيـرُهَـا
وَتَـسْـتَـنُّ فِـي مَـيْـدَانِـهَا الدُّهْمُ وَالْبُلْقُ
بِـــكُـــلِّ أَخِـــي عَـــزْمٍ كَأَنَّ مَـــضَــاءَهُ
مُــشَــطَّــبَــةٌ بِـيـضٌ وَمَـسْـنُـونَـةٌ زُرْقُ
تَـــلَــقَّــفَ رَايَــاتِ الْــعُــلَا بِــسَــوَاعِــدٍ
لَـهُـنَّ بِـتَـصْرِيفِ الْقَنَا فِي الْوَغَى حِذْقُ
فَإِمَّــا الْــمَــنَــايَــا نَـسْـتَـطِـبُّ بِـطِـبِّـهَـا
وَإِمَّــا مُـنًـى فِـيـهَـا يَـتِـمُّ لَـنَـا الـسَّـبْـقُ
إِذَا نَـحْـنُ لَـمْ نَـمْـلِـكْ عَـلَى الدَّهْرِ أَمْرَهُ
فَــلَا دَامَ فِــيــنَـا نَـابِـضًـا لِـلْـعُـلَا عِـرْقُ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤