سُؤْرُ الْعَيْشِ

Wave Image
يَــمُــرُّ بِــي زَمَــنِــي كَــالـصِّـلِّ مُـنْـفَـلِـتًـا
مِــنْ بَــعْــدِ مَــا كَــانَ كَــالْأَطْـيَـارِ وَثَّـابَـا
أُمْــسِــي كَــنِــهْــيٍ أَرَى فِـي قَـاعِـهِ دُرَرًا
تُـذْكِـي الـلَّـوَاعِـجَ أَنْ قَـدْ غَـابَ مَـا غَـابَا
حَــتَّــى لَــقَــدْ صَــارَ لِـي عُـشًّـا أَلُـوذُ بِـهِ
وَالْـــقَـــلْــبُ إِنْ ذِيــدَ عَــنْ أَوْكَــارِهِ آبَــا
كَـمْ طَـارَتِ الـنَّـفْسُ فِي رَأْدِ الصِّبَا مَرَحًا
كَـالـطَّـيْـرِ يَـبْـغِـي بِـنِـهْيِ الشَّمْسِ تَشْرَابَا
مِـثْـلُ الـنَّـدَى وَجَـنَـاحُ الـضَّـوْءِ يَـحْـفِـزُهُ
يَــسْــمُــو بُـخَـارًا فَإِنْ حَـطَّ الـدُّجَـى آبَـا
قَـدْ تَـهْـبِـطُ الـنَّـفْـسُ مِـثْلَ الطَّيْرِ عَاجَلَهَا
نَــسْــرُ الــظَّــلَامِ فَــكَـانَ الـنَّـسْـرُ غَـلَّابَـا
أَحَــارِسًــا كَــانَ هَــذَا الْـمَـوْتُ مِـنْ قِـدَمٍ
أَغْـفَـى فَأَفْـلَـتَ صِـلُّ الْـعَـيْـشِ وَانْـسَـابَا
وَكَــانَ حَــيَّــةَ حَــوَّاءَ الَّــتِــي خَــدَعَـتْ
بِـــلَـــذَّةِ الْـــعَـــيْـــشِ أَوَّابًـــا وَلَـــعَّــابَــا
وَلَـــذَّةُ الْـــعَـــيْـــشِ أَثْـــمَــارٌ مُــهَــدَّلَــةٌ
تَـــبْــقَــى رَمَــادًا إِذَا ذِيــقَــتْ وَتَــوْرَابَــا
إِنَّ الــصِّــبَــا مَــعْــبَـدٌ لِـلْـعَـيْـشِ نَـعْـبُـدُهُ
عَــلَــى مَــضَــاضَـتِـهِ بُـورِكْـتَ مِـحْـرَابَـا
ظِــلُّ الْــجِــنَـانِ رَفَـلْـنَـا فِـي غَـضَـارَتِـهَـا
حَــتَّــى تَـقَـلَّـصَ ظِـلُّ الْـخُـلْـدِ وَانْـجَـابَـا
وَالْــمَــوْتُ كَــالْأَسَــدِ الْــعَــدَّاءِ تُــلْـقِـمُـهُ
لَــذَائِـذُ الْـعَـيْـشِ تَـخْـشَـى مِـنْـهُ أَنْـيَـابَـا
لَا بَــلْ هُــوَ الــظِّــئْـرُ وَالْأَرْوَاحُ فِـي يَـدِهِ
كَـالـطِّـفْـلِ فِـي الْـمَـهْـدِ لَا تَأْلُـوهُ إِطْـرَابَـا
وَالْـعَـيْـشُ كَـالـنَّـرْدِ تَـرْمِـي غَـيْرَ مُحْتَكِمٍ
فَــيَــطْــلُــعُ الْـعَـيْـشُ حِـرْمَـانًـا وَإِنْـهَـابَـا
أَدْلَـى لِـيَ الـدَّهْـرُ خَـيْـطًـا مِـنْ حَـبَـائِـلِـهِ
فَـــعُـــدْتُ مَـــا عَــادَ هَــيَّــابًــا وَوَثَّــابَــا
كَــالْـحُـوتِ أَفْـلَـتَ مَـكْـلُـومَ الـلَّـهَـاةِ فَإِنْ
أَدْلَــيْــتَ خَــيْــطَــكَ أَلْــفَــى فِـيـهِ آرَابَـا
كَمْ عَشِيَ الْقَلْبُ فِي ضَوْءِ الصِّبَا فَمَضَى
كَــخَــابِــطِ الـلَّـيْـلِ أَعْـمَـى بَـاتَ جَـوَّابَـا
وَالـظِّـلُّ وَالـشَّـمْـسُ لَا يَـبْـغِي افْتَرَاقُهُمَا
فَــمَـا ابْـتِـغَـاؤُكَ عَـيْـشًـا لَـمْ يَـذُقْ صَـابَـا
فَـاجْـعَـلْ هُـمُـومَـكَ بَـيْـتًـا غَـالَ قَـاطِـنَهُ
عَــادِي الْــوَبَــاءِ فَــلَا تَــطْــرُقْ لَــهُ بَــابَـا
كَـزَائِـفِ الـذُّخْـرِ قَـلْـبٌ لَـيْـسَ يَـنْفَقُ فِي
سُــوقِ الْــحَــيَــاةِ وَإِنْ أَثْـرَى وَإِنْ طَـابَـا
وَمَــا انْــتِــفَــاعِــي بِــخَـيْـرٍ كُـلُّـهُ فَـشَـلٌ
يَأْسَـى الـصَّـفِـيُّ وَيَـمْـضِـي الْخَبُّ خَلَّابَا
وَالْــمَـرْءُ يَـغْـفُـلُ عَـنْ أَمْـرِ الْـحَـيَـاةِ وَمَـا
جُــبْـنًـا يُـطَـامِـنُ بَـلْ حَـزْمًـا وَإِصْـحَـابَـا
ضَـمَـائِـرُ الـنَّـاسِ كَـالـرِّعْـدِيـدِ يُـزْعِـجُـهَا
صَـوْتُ الـسُّـكُـونِ فَـتَـبْـغِـي فِـيهِ صَخَّابَا
يَـنْـدَسُّ فِـي غَـمَـرَاتِ الْـعَـيْـشِ جَارِمُهُمْ
وَقَــدْ يَــبِــيـتُ لِـوَحْـيِ الـنَّـفْـسِ هَـيَّـابَـا
كَــذَلِــكَ الْــمَـرْءُ يَـخْـشَـى أَنْ يُـرَى أَبَـدًا
مُـــفَـــكِّـــرًا خَـــابَ تَـــسْآلًا وَتَــطْــلَابَــا
قَـارِضْ مُـضِـيـفَـكَ مِـنْ بِـشْـرٍ وَمِـنْ كَرَمٍ
إِنَّ الـــــزَّمَــــانَ إِذَا رَيَّــــبْــــتَــــهُ رَابَــــا
وَالـسُّـخْـرُ مِـرْآةُ إِبْـلِـيـسَ الَّـتِـي نُـصِبَتْ
إِنْ تُــبْــصِــرِ الْــحَــقَّ فِـيـهَـا عَـادَ كَـذَّابَـا

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: البسيط
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

عبد الرحمن شكري: شاعرٌ مِصْري، وأحدُ مُؤسِّسي مدرسةِ الديوانِ الشِّعرية، وصَفتْه الدكتورة «سهير القلماوي» بأنه الشَّاعرُ الذي أنزلَ العقلَ مِن على عَرشِه في إلهامِ الشُّعراء؛ فشِعْرُه خيالٌ مُتحرِّرٌ يرفضُ حدودَ الزمانِ والمكان. وقد أحدثَتْ أشعارُه نَقلةً تَجديدِيةً في مضمونِ الشِّعرِ العربي؛ فتحوَّلتْ به من شاطئِ العقلِ إلى بحرِ الخيال.

وُلِدَ «عبد الرحمن شكري عيَّاد» ببورسعيد عامَ ١٨٨٦م، لأسرةٍ ذاتِ أصولٍ مَغربِية، وقد كانَ لها دَورٌ مُؤثِّرٌ في حياتِه؛ حيثُ كانَ لزوجةِ أخيه «أحمد شكري» — المُولَعةِ برِوايةِ الحكاياتِ والأساطير — دورٌ في إثراءِ خيالِه، كما كانَ في مكتبةِ أبيه ما يُرضي نَهَمَه من دَواوينِ الشِّعر.

قَضى فَصْلًا من عُمرِه معَ أبيه ببورسعيد حتى نالَ الشَّهادةَ الابتدائية، ثُمَّ انتقلَ إلى الإسكندريةِ ليَلتحِقَ بمَدْرسةِ رأسِ التينِ الثانويةِ التي ظَلَّ بها أربعَ سَنواتٍ لينالَ منها الشَّهادةَ الثانويةَ (البكالوريا)، ثُم الْتَحقَ بمَدْرسةِ الحقوقِ إبَّانَ احتدامِ الحركةِ الوطنيةِ التي أتاحتْ له التعرُّفَ على «مصطفى كامل» زعيمِ الحركةِ الوطنيةِ في ذلكَ الوَقْت، والذي طلَبَ منه أنْ يعملَ مُحرِّرًا بجريدةِ «اللِّواء»، ونصَحَه أنْ يَلتحقَ بمدرسةِ المُعلِّمينَ فيَنهلَ من مَعِينِها ليكونَ عَوْنًا له في مَيْدانِ الصَّحافة.

وقد عطَّرَ «عبد الرحمن شكري» رَوْضةَ الأدبِ بالعديدِ من دواوينِه وقصائدِه، ومنها: دِيوانُ «ضَوْء الفَجر»، و«لَآلِئ الأَفْكار»، و«أناشيد الصِّبا»، و«زَهْر الرَّبيع»، و«الخَطَرات»، و«الأَفْنان»، و«أَزْهار الخَرِيف»، ونُشِر ديوانُه الثامنُ بعدَ مَوتِه ضمنَ الأعمالِ الكامِلة. بَدأَ شاعِرُنا صِراعَه معَ المرضِ صيفَ عامَ ١٩٥٧م، إلى أنْ صادَه الموتُ عامَ ١٩٥٨م.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤