فِـي الْـمَـوْتِ مَـا أَعْـيَا وَفِي أَسْبَابِهِ
كُــلُّ امْــرِئٍ رَهْــنٌ بِــطَــيِّ كِـتَـابِـهِ
أَسَـدٌ لَـعَـمْـرُكَ، مَـنْ يَـمُـوتُ بِظُفْرِهِ
عِـنْـدَ الـلِّـقَـاءِ كَـمَـنْ يَـمُـوتُ بِـنَـابِهِ
إِنْ نَــامَ عَــنْــكَ فَـكُـلُّ طِـبٍّ نَـافِـعٌ
أَوْ لَــمْ يَـنَـمْ فَـالـطِّـبُّ مِـنْ أَذْنَـابِـهِ
دَاءُ الــنُّــفُــوسِ وَكُــلُّ دَاءٍ قَــبْـلَـهُ
هَــمٌّ نَــسِــيــنَ مَـجِـيـئَـهُ بِـذَهَـابِـهِ
الــنَّــفْــسُ حَـرْبُ الْـمَـوْتِ إِلَّا أَنَّـهَـا
أَتَـتِ الْـحَـيَـاةَ وَشُـغْـلَـهَـا مِـنْ بَـابِهِ
تَـسَـعُ الْـحَـيَـاةَ عَـلَـى طَوِيلِ بَلَائِهَا
وَتَـضِـيـقُ عَـنْـهُ عَلَى قَصِيرِ عَذَابِهِ
هُـوَ مَـنْـزِلُ الـسَّـارِي وَرَاحَـةُ رَائِـحٍ
كَــثُـرَ الـنَّـهَـارُ عَـلَـيْـهِ فِـي إِتْـعَـابِـهِ
وَشِــفَـاءُ هَـذِي الـرُّوحِ مِـنْ آلَامِـهَـا
وَدَوَاءُ هَـذَا الْـجِـسْـمِ مِـنْ أَوْصَـابِهِ
مَــنْ سَــرَّهُ أَلَّا يَــمُــوتَ فَــبِـالْـعُـلَا
خَـلَـدَ الـرِّجَـالُ وَبِـالْـفَـعَـالِ الـنَّـابِـهِ
مَــا مَــاتَ مَــنْ حَـازَ الـثَّـرَى آثَـارَهُ
وَاسْــتَــوْلَـتِ الـدُّنْـيَـا عَـلَـى آدَابِـهِ
قُــلْ لِــلْــمُــدِلِّ بِــمَــالِـهِ وَبِـجَـاهِـهِ
وَبِـمَـا يُـجِـلُّ الـنَّـاسُ مِـنْ أَنْـسَـابِـهِ
هَــذَا الْأَدِيــمُ يَـصُـدُّ عَـنْ حُـضَّـارِهِ
وَيَـنَـامُ مِـلْءَ الْـجَـفْـنِ عَـنْ غُـيَّـابِهِ
إِلَّا فَـتًـى يَـمْـشِـي عَـلَـيْـهِ مُـجَـدِّدًا
دِيــبَــاجَــتَــيْــهِ مُـعَـمِّـرًا لِـخَـرَابِـهِ
صَـادَتْ بِـقَـارِعَـةِ الـصَّعِيدِ بَعُوضَةٌ
فِــي الْـجَـوِّ صَـائِـدَ بَـازِهِ وَعُـقَـابِـهِ
وَأَصَـابَ خُـرْطُـومُ الـذُّبَابَةِ صَفْحَةً
خُـلِـقَـتْ لِـسَـيْـفِ الْـهِـنْـدِ أَوْ لِذُبَابِهِ
طَـارَتْ بِـخَـافِـيَـةِ الْـقَضَاءِ وَرَأْرَأَتْ
بِــكَـرِيـمَـتَـيْـهِ وَلَامَـسَـتْ بِـلُـعَـابِـهِ
لَا تَــسْـمَـعَـنَّ لِـعُـصْـبَـةِ الْأَرْوَاحِ مَـا
قَـالُـوا بِـبَـاطِـلِ عِـلْـمِـهِـمْ وَكِـذَابِـهِ
الــرُّوحُ لِــلــرَّحْــمَــنِ جَــلَّ جَـلَالُـهُ
هِـيَ مِـنْ ضَـنَـائِـنِ عِـلْـمِـهِ وَغِـيَابِهِ
غُـلِـبُـوا عَـلَـى أَعْـصَـابِهِمْ فَتَوَهَّمُوا
أَوْهَــامَ مَــغْـلُـوبٍ عَـلَـى أَعْـصَـابِـهِ
مَـــا آبَ جَــبَّــارُ الْــقُــرُونِ وَإِنَّــمَــا
يَـوْمُ الْـحِـسَـابِ يَـكُـونُ يَـوْمَ إِيَابِهِ
فَـذَرُوهُ فِـي بَـلَـدِ الْـعَجَائِبِ مُغْمَدًا
لَا تَــشْـهَـرُوهُ كَأَمْـسِ فَـوْقَ رِقَـابِـهِ
الْــمُـسْـتَـبِـدُّ يُـطَـاقُ فِـي نَـاوُوسِـهِ
لَا تَــحْــتَ تَــاجَـيْـهِ وَفَـوْقَ وِثَـابِـهِ
وَالْــفَــرْدُ يُــؤْمَـنُ شَـرُّهُ فِـي قَـبْـرِهِ
كَـالـسَّـيْـفِ نَـامَ الـشَّـرُّ خَلْفَ قِرَابِهِ
هَـلْ كَـانَ «تُـوتَـنْـخٌ» تَقَمَّصُ رُوحُهُ
قُـمُـصَ الْبَعُوضِ وَمُسْتَخَسَّ إِهَابِهِ
أَوْ كَـانَ يَـجْزِيكَ الرَّدَى عَنْ صُحْبَةٍ
وَهُــوَ الْـقَـدِيـمُ وَفَـاؤُهُ لِـصِـحَـابِـهِ
تَـالـلـهِ لَـوْ أَهْـدَى لَـكَ الْـهَرَمَيْنِ مِنْ
ذَهَــبٍ لَــكَـانَ أَقَـلَّ مَـا تُـجْـزَى بِـهِ
أَنْــتَ الْـبَـشِـيـرُ بِـهِ وَقَـيِّـمُ قَـصْـرِهِ
وَمُــقَــدَّمُ الــنُّــبَـلَاءِ مِـنْ حُـجَّـابِـهِ
أَعْــلَــمْـتَ أَقْـوَامَ الـزَّمَـانِ مَـكَـانَـهُ
وَحَـشَـدْتَـهُـمْ فِـي سَـاحِـهِ وَرِحَابِهِ
لَــوْلَا بَــنَـانُـكَ فِـي طَـلَاسِـمِ تُـرْبِـهِ
مَــا زَادَ فِــي شَـرَفٍ عَـلَـى أَتْـرَابِـهِ
أَخْـنَى الْحِمَامُ عَلَى ابْنِ هِمَّةِ نَفْسِهِ
فِـي الْـمَـجْـدِ وَالْبَانِي عَلَى أَحْسَابِهِ
الْـجَـائِـبُ الـصَّـخْـرَ الْـعَتِيدَ بِحَاجِرٍ
دَبَّ الــزَّمَــانُ وَشَـبَّ فِـي أَسْـرَابِـهِ
لَـوْ زَايَـلَ الْـمَـوْتَـى مَـحَـاجِرَهُمْ بِهِ
وَتَــلَــفَّــتُـوا لَـتَـحَـيَّـرُوا كَـضِـبَـابِـهِ
لَــمْ يَأْلُــهُ صَــبْــرًا وَلَــمْ يَـنِ هِـمَّـةً
حَــتَّـى انْـثَـنَـى بِـكُـنُـوزِهِ وَرِغَـابِـهِ
أَفْـضَـى إِلَـى خَـتْـمِ الـزَّمَانِ فَفَضَّهُ
وَحَـبَـا إِلَـى الـتَّـارِيـخِ فِـي مِحْرَابِهِ
وَطَـوَى الْقُرُونَ الْقَهْقَرَى حَتَّى أَتَى
فِــرْعَـوْنَ بَـيْـنَ طَـعَـامِـهِ وَشَـرَابِـهِ
الْــمَــنْــدَلُ الْـفَـيَّـاحُ عُـودُ سَـرِيـرِهِ
وَالــلُّــؤْلُــؤُ الـلَّـمَّـاحُ وَشْـيُ ثِـيَـابِـهِ
وَكَأَنَّ رَاحَ الْـقَـاطِـفِـيـنَ فَـرَغْنَ مِنْ
أَثْــمَــارِهِ صُــبْــحًــا وَمِـنْ أَرْطَـابِـهِ
جَـدَثٌ حَوَى مَا ضَاقَ «غُمْدَانٌ» بِهِ
مِـنْ هَـالَـةِ الْـمُـلْـكِ الْجَسِيمِ وَغَابِهِ
بُــنْـيَـانُ عُـمْـرَانٍ وَصَـرْحُ حَـضَـارَةٍ
فِـي الْـقَـبْـرِ يَـلْـتَـقِـيَـانِ فِي أَطْنَابِهِ
فَـتَـرَى الـزَّمَـانَ هُـنَـاكَ قَبْلَ مَشِيبِهِ
مِـثْـلَ الـزَّمَـانِ الْـيَـوْمَ بَـعْـدَ شَـبَابِهِ
وَتُـحِـسُّ ثَـمَّ الْـعِـلْـمَ عِـنْـدَ عُـبَـابِـهِ
تَـحْـتَ الـثَّـرَى وَالْـفَـنَّ عِنْدَ عُجَابِهِ
يَـا صَـاحِـبَ الْأُخْـرَى بَـلَـغْتَ مَحَلَّةً
هِـيَ مِـنْ أَخِـي الـدُّنْـيَا مُنَاخُ رِكَابِهِ
نُـزُلٌ أَفَـاقَ بِـجَـانِـبَـيْـهِ مِـنَ الْـهَوَى
مَــنْ لَا يُـفِـيـقُ وَجَـدَّ مِـنْ تَـلْـعَـابِـهِ
نَــامَ الْــعَــدُوُّ لَــدَيْـهِ عَـنْ أَحْـقَـادِهِ
وَسَـلَا الـصَّـدِيـقُ بِـهِ هَـوَى أَحْبَابِهِ
الــرَّاحَــةُ الْــكُــبْـرَى مِـلَاكُ أَدِيـمِـهِ
وَالــسُّـلْـوَةُ الـطُّـولَـى قِـوَامُ تُـرَابِـهِ
«وَادِي الْمُلُوكِ» بَكَتْ عَلَيْكَ عُيُونُهُ
بِـمُـرَقْـرَقٍ كَـالْـمُـزْنِ فِـي تَـسْـكَـابِهِ
أَلْـقَـى بَـيَـاضَ الْـغَـيْـمِ عَنْ أَعْطَافِهِ
حُـزْنًـا وَأَقْـبَـلَ فِـي سَـوَادِ سَـحَابِهِ
يَأْسٌ عَـلَـى حِـرْبَـاءِ شَـمْـسِ نَـهَارِهِ
وَنَــزِيــلِ قِــيــعَـتِـهِ وَجَـارِ سَـرَابِـهِ
وَيَــوَدُّ لَــوْ أُلْــبِــسْــتَ مِـنْ بَـرْدِيِّـهِ
بُـرْدَيْـنِ ثُـمَّ دُفِـنْـتَ بَـيْـنَ شِـعَـابِـهِ
نَـوَّهْـتَ فِـي الـدُّنْـيَـا بِـهِ وَرَفَـعْـتَـهُ
فَــوْقَ الْأَدِيـمِ بِـطَـاحِـهِ وَهِـضَـابِـهِ
أَخْـرَجْـتَ مِـنْ قَـبْـرٍ كِتَابَ حَضَارَةٍ
الْــفَــنُّ وَالْإِعْــجَــازُ مِــنْ أَبْــوَابِــهِ
فَــصَّــلْـتَـهُ فَـالْـبَـرْقُ فِـي إِيـجَـازِهِ
يَـبْـنِـي الْـبَـرِيـدُ عَـلَـيـهِ فِي إِطْنَابِهِ
طَـلَـعَـا عَـلَـى «لُـوزَانَ» وَالدُّنْيَا بِهَا
وَعَـلَـى «الْمُحِيطِ» وَمَا وَرَاءَ عُبَابِهِ
جِـئْـتَ الشُّعُوبَ الْمُحْسِنِينَ بِشَافِعٍ
مِـنْ مِـثْـلِ مُـتْـقَـنِ فَـنِّـهِـمْ وَلُـبَـابِـهِ
فَـرَفَـعْـتَ رُكْـنًـا لِـلْـقَـضِـيَّةِ لَمْ يَكُنْ
«سَـحْـبَـانُ» يَـرْفَعُهُ بِسِحْرِ خِطَابِهِ