الْغُرُوبُ

Wave Image
نَـــزَلَــتْ تَــجُــرُّ إِلَــى الْــغُــرُوبِ ذُيُــولَا
صَــفْــرَاءُ تُــشْــبِــهُ عَــاشِــقًــا مَــتْـبُـولَا
تَــهْــتَــزُّ بَــيْــنَ يَــدِ الْــمَــغِــيـبِ كَأَنَّـهَـا
صَــبٌّ تَــمَــلْــمَـلَ فِـي الْـفِـرَاشِ عَـلِـيـلَا
ضَـحِـكَـتْ مَـشَـارِقُـهَـا بِـوَجْـهِـكَ بُـكْـرَةً
وَبَــكَــتْ مَــغَــارِبُــهَــا الــدِّمَــاءَ أَصِـيـلَا
مُــذْ حَـانَ فِـي نِـصْـفِ الـنَّـهَـارِ دُلُـوكُـهَـا
هَــبَــطَــتْ تَــزِيـدُ عَـلَـى الـنُّـزُولِ نُـزُولَا
قَــدْ غَــادَرَتْ كَــبِــدَ الــسَّــمَـاءِ مُـنِـيـرَةً
تَـــدْنُـــو قَـــلِـــيــلًا لِــلْأُفُــولِ قَــلِــيــلَا
حَـتَّـى دَنَـتْ نَـحْـوَ الْـمَـغِـيـبِ وَوَجْـهُـهَا
كَــالْــوَرْسِ حَــالَ بِــهِ الــضِّـيَـاءُ حُـئُـولَا
وَغَــدَتْ بِأَقْــصَــى الْأُفْـقِ مِـثْـلَ عَـرَارَةٍ
عَـــطِـــشَــتْ فَأَبْــدَتْ صُــفْــرَةً وَذُبُــولَا
غَــرَبَــتْ فَأَبْـقَـتْ كَـالـشُّـوَاظِ عَـقِـيـبَـهَـا
شَــفَــقًــا بِــحَــاشِـيَـةِ الـسَّـمَـاءِ طَـوِيـلَا
شَــفَــقٌ يَــرُوعُ الْـقَـلْـبَ شَـاحِـبُ لَـوْنِـهِ
كَــالــسَّــيْــفِ ضُـمِّـخَ بِـالـدِّمَـا مَـسْـلُـولَا
يَــحْــكِــي دَمَ الْـمَـظْـلُـومِ مَـازَجَ أَدْمُـعًـا
هَــمَــلَــتْ بِــهَـا عَـيْـنُ الْـيَـتِـيـمِ هُـمُـولَا
رَقَّـــتْ أَعَـــالِـــيـــهِ وَأَسْـــفَـــلُــهُ الَّــذِي
فِــي الْأُفْــقِ أُشْــبِـعَ عُـصْـفُـرًا مَـحْـلُـولَا
شَــفَــقٌ كَأَنَّ الــشَّــمْـسَ قَـدْ رَفَـعَـتْ بِـهِ
رُدْنًـــا بِـــذَوْبِ ضِـــيَـــائِــهَــا مَــبْــلُــولُا
كَــالْــخُــودِ ظَــلَّــتْ يَــوْمَ وَدَّعَ إِلْــفُــهَـا
تَــرْنُــو وَتَــرْفَــعُ خَــلْــفَــهُ الْــمِــنْــدِيـلَا
حَــتَّــى تَــوَارَتْ بِــالْـحِـجَـابِ وَغَـادَرَتْ
وَجْــهَ الْــبَــسِــيـطَـةِ كَـاسِـفًـا مَـخْـذُولَا
فَــــكَأَنَّــــهَــــا رَجُــــلٌ تَــــخَـــرَّمَ عِـــزَّهُ
قَــرْعُ الْــخُــطُــوبِ لَــهُ فَــعَــادَ ذَلِــيــلَا
وَانْــحَـطَّ مِـنْ غُـرَفِ الـنَّـبَـاهَـةِ صَـاغِـرًا
وَأَقَـــامَ فِـــي غَـــارِ الْـــهَــوَانِ خُــمُــولَا
•••
لَـمْ أَنْـسَ قُـرْبَ «الْأَعْـظَـمِـيَّـةِ» مَـوْقِفِي
وَالـــشَّـــمْـــسُ دَانِـــيَــةٌ تُــرِيــدُ أُفُــولَا
وَعَــنِ الْــيَــمِــيــنِ أَرَى مُــرُوجَ مَــزَارِعٍ
وَعَــنِ الــشِّــمَــالِ حَــدَائِــقًــا وَنَـخِـيـلَا
وَتَـــرُوعُ قَـــلْــبِــي لِــلــدَّوَالِــي نَــعْــرَةٌ
فِـي الْـبَـيْـنِ يَـحْـسِـبُـهَـا الْـحَـزِينُ عَوِيلَا
وَوَرَاءَ ذَاكَ الـــــزَّرْعِ رَاعِـــــي ثُـــــلَّـــــةٍ
رَجَــعَــتْ تَــؤُمُّ إِلَــى الْــمِــرَاحِ قُــفُــولَا
وَهُــنَــاكَ ذُو بِــرْذَوْنَــتَــيْـنِ قَـدِ انْـثَـنَـى
بِــهِــمَــا الْـعَـشِـيَّ مِـنَ الْـكِـرَابِ نَـحِـيـلَا
وَبِــمُــنْــتَــهَــى نَــظَــرِي دُخَـانٌ صَـاعِـدٌ
يَـــعْـــلُـــو كَـــثِـــيـــرًا تَــارَةً وَقَــلِــيــلَا
مَــدَّ الْــفُــرُوعَ إِلَــى الـسَّـمَـاءِ وَلَـمْ يَـزَلْ
بِـــالْأَرْضِ مُـــتَّـــصِـــلًا يَـــمُـــدُّ أُصُــولَا
وَتَــرَاكَــبَــتْ فِـي الْـجَـوِّ سُـودُ طِـبَـاقِـهِ
تَــحْــكِــي تُــلُــولًا قَــدْ حَــمَــلْــنَ تُـلُـولَا
فَوَقَفْتُ أُرْسِلُ فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْمَدَى
نَــظَــرًا كَــمَــا نَــظَــرَ الـسَّـقِـيـمُ كَـلِـيـلَا
وَالــشَّــمْــسُ قَـدْ غَـرَبَـتْ وَلَـمَّـا وَدَّعَـتْ
أَبْـــكَــتْ حُــزُونًــا بَــعْــدَهَــا وَسُــهُــولَا
غَــابَــتْ فَأَوْحَــشَــتِ الْـفَـضَـاءَ بِـكُـدْرَةٍ
سَــقِــمَ الــضِّــيَــاءُ بِــهَــا فَــزَادَ نُـحُـولَا
حَـتَّـى قَـضَـتْ رُوحُ الـضِّـيَـاءِ وَلَـمْ يَكُنْ
غَـــيْـــرُ الـــظَّــلَامِ هُــنَــاكَ عِــزْرَائِــيــلَا
وَأَتَـــى الـــظَّـــلَامُ دُجُـــنَّــةً فَــدُجُــنَّــةً
يُـــرْخِـــي سُـــدُولًا جَـــمَّـــةً فَــسُــدُولَا
لَــيْــلٌ بِـغَـيْـهَـبِـهِ الـشُّـخُـوصُ تَـلَـفَّـعَـتْ
فَــظَـلِـلْـتُ أَحْـسِـبُ كُـلَّ شَـخْـصٍ غُـولَا
ثُــمَّ انْــثَــنَــيْـتُ أَخُـوضُ غَـمْـرَ ظَـلَامِـهِ
وَتَــخِــذْتُ نَـجْـمَ الْـقُـطْـبِ فِـيـهِ دَلِـيـلَا
إِنْ كَـانَ أَوْحَـشَـنِـي الـدُّجَـى فَـنُـجُـومُهُ
بَــعَــثَــتْ لِـتُـؤْنِـسَـنِـي الـضِّـيَـاءَ رَسُـولَا
سُــبْـحَـانَ مَـنْ جَـعَـلَ الْـعَـوَالِـمَ أَنْـجُـمًـا
يَــسْــبَـحْـنَ عَـرْضًـا فِـي الْأَثِـيـرِ وَطُـولَا
كَــمْ قَــدْ تَـصَـادَمَـتِ الْـعُـقُـولُ بِـشَأْنِـهَـا
وَسَـعَـتْ لِـتَـكْـشِـفَ سِـرَّهَـا الْـمَـجْـهُـولَا
لَا تَــحْــتَــقِــرْ صِــغَــرَ الــنُّـجُـومِ فَإِنَّـمَـا
أَرْقَـى الْـكَـوَاكِـبِ مَـا اسْـتَـبَـانَ ضَـئِـيـلَا
دَارَتْ قَـدِيـمًـا فِـي الْـفَضَاءِ رَحَى الْقُوَى
فَــغَــدَا الْأَثِــيــرُ دَقِــيــقَـهَـا الْـمَـنْـخُـولَا
فَــاقْــرَأْ كِــتَــابَ الْــكَـوْنِ تَـلْـقَ بِـمَـتْـنِـهِ
آيَـــاتِ رَبِّـــكَ فُـــصِّـــلَــتْ تَــفْــصِــيــلَا
وَدَعِ الـــظُّـــنُـــونَ فَـــلَا وَرَبِّـــكَ إِنَّــهَــا
لَــمْ تُــغْــنِ مِــنْ عِـلْـمِ الْـيَـقِـيـنِ فَـتِـيـلَا

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الكامل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤