شُهَدَاءُ الْغُرْبَةِ

Wave Image
بُـــسْــتَــانَ آمَــالِــنَــا لَــقَــدْ ذَبَــلَــتْ
فِـــيـــكَ زُهُــورٌ مِــنْ آنُــفِ الــزَّهَــرِ
جَــنَــى الــرَّدَى نَــوْرَهَــا مُـخَـالَـسَـةً
كَـالـنَّـحْـلِ شَـارَ الـرِّيَـاضَ فِـي الْـبُكَرِ
فِـــي غُـــرْبَـــةٍ لَــمْ تَــكُــنْ مُــقَــدَّرَةً
أَنْ تَــغْــتَــدِي مِــنْ فَــوَاقِــرِ الْـفِـقَـرِ
وَرِحْـــلَـــةٍ قَــدْ حَــدَتْ إِلَــى سَــفَــرٍ
مَـــا بَـــعْـــدَهُ مِــنْ نَــوًى وَلَا سَــفَــرِ
أَوْدَى بِــهَـا قَـبْـلَ أَنْ تُـجَـرَّبَ فِـي الْـ
ـعَــيْـشِ امْـتِـزَاجُ الـصَّـفَـاءِ وَالْـكَـدَرِ
بَـلْ قَـبْلَ أَنْ تَبْلُوَ الْعَوَاطِفُ فِي الصَّـ
ـدْرِ وَهَـــزْمُ الـــصُّـــرُوفِ وَالْــغِــيَــرِ
بَــلْ قَــبْــلَ رَوْدِ الــصِّــلَالِ جَـنَّـتَـهَـا
وَنَــفْــثِــهِــنَّ الــسِّــمَــامَ فِـي الْـغُـدُرِ
مَــا قَــارَفُــوا سُــبَّــةً وَلَا خَــطَــمُـوا
أُنُـــوفَـــهُـــمْ بِـــالــشَّــنَــارِ وَالْــعَــرَرِ
مَـــا لَـــوَّثُـــوا رُوحَـــهُــمْ وَلَا بَــرَزُوا
إِلَّا بِـــوَجْـــهٍ يَـــفِـــي بِــمُــسْــتَــتِــرِ
أَبْـــنَـــاءَنَـــا كُـــنْـــتُـــمُ لَـــنَــا أَمَــلًا
يَــعْــمُــرُ قَــفْــرَ الْـمَـشِـيـبِ وَالْـكِـبَـرِ
كُــنْــتُـمْ كَـقَـوْسِ الْـغَـمَـامِ فِـي أُفُـقٍ
دَاجٍ مُـــسِـــفِّ الـــرُّكَــامِ وَالْــعَــكَــرِ
نَــبْــكِــيــكُــمُ بِــالْــقُــلُــوبِ دَامِــيَـةً
مِــنْ كَــرَمِ الــنَّــفْـسِ لَا مِـنَ الْـخَـوَرِ
أَبَــى لَــنَــا الــضَّــعْــفُ أَنَّ وَاجِــبَـنَـا
مَــا زَالَ حِــمْــلَ الْــفَــوَادِحِ الْــكُــبَـرِ
وَأَنْ نَــرُوضَ الــنُّــفُــوسَ مُــكْـرَهَـةً
عَــلَــى الَّــذِي تَــتَّــقِــي مِـنَ الـضَّـرَرِ
وَنَـــنْــفُــضَ الْــكَــفَّ غَــيْــرَ زَاهِــدَةٍ
مِـنَ الْـكَـثِـيـرِ الْـجَـلِـيـلِ ذِي الْـخَـطَرِ
كَــمَــا نَــفَــضْــنَـا الْـيَـدَيْـنِ وَا أَسَـفًـا
مِـــنْ مَــدَرٍ ضَــمَّــكُــمْ وَمِــنْ عَــفَــرِ
كَــــلَّا لَــــعَــــمْـــرِي لَأَنْـــتُـــمُ أَبَـــدًا
فِـي الْـقَـلْـبِ وَالـذِّهْـنِ مَـاثِلُو الصُّوَرِ
أَفْـــوَاهُـــنَـــا لَا تَـــزَالُ مُـــنْـــشِــدَةً
مَــا كَــانَ يُــصْــبِـيـكُـمُ إِلَـى الـصُّـوَرِ
وَمِـــلْءُ كُـــلِّ الـــصُّــدُورِ أُمَّــتُــكُــمْ
لَا مِـــلْءُ كُــلِّ الْــقُــبُــورِ وَالْــحُــفَــرِ
أَغْلَيْتُمُوهَا — لَا عَاشَ مُرْخِصُهَا —
فَـــلَـــمْ تُـــوَكِّـــلْـــكُــمُ بِــمُــنْــحَــدَرِ
يَــا لَــيْــتَ كُــلَّ الْــبَــنِـيـنَ مِـثْـلُـكُـمُ
حُــسْــنَ بَــلَاءٍ وَطُــهْــرَ مُــخْــتَــبَــرِ
تَــشِــبُّ فِــي صَــدْرِهِــمْ إِذَا ذَكَــرُوا
بِـــلَادَهُـــمْ نَـــارُ حُـــبِّــهَــا الْــغَــمَــرِ
كَأَنَّـــــهُ نَـــــغْــــمَــــةٌ مُــــؤَلَّــــفَــــةٌ
لِـــكُـــلِّ حُـــرِّ الْــجَــنَــانِ وَالْــوَطَــرِ
نُــفُــوسُــهُــمْ مَــعْــبَــدٌ لِــصُــورَتِـهَـا
سَـامِـي الـذُّرَى قَـائِـمٌ عَـلَـى الْـعُـصُرِ
قَـــدْ زُلْـــزِلَـــتْ كُـــلُّ أُمَّـــةٍ وَهَـــوَى
كُـــلُّ رَفِـــيـــعٍ مُـــوَطَّــدِ الْــحَــجَــرِ
وَرَاحَ يَــبْــنِــي الــطَّــمَــاحُ هَـيْـكَـلَـهُ
مِـنْ نَـقْـضِ هَـذِي الْـخَـرَائِـبِ الْـكُـثُرِ
لَـــكِـــنَّ نَــارَ الْــحَــيَــاةِ صَــائِــحَــةٌ
تُــرِيــدُ تَــمْــحِــيـصَ كُـلِّ ذِي وَضَـرِ
سَـــتَـــذْكُــرُونَ الْــغَــدَاةَ فِــي زُمَــرٍ
قَـدْ شَـيَّـعُـوهَـا بِـالـنَّـفْـسِ لَا الْـعُـشُرِ
قَـدْ مَـالَـتِ الـشَّـمْـسُ صَـوْبَ مَغْرِبِهَا
فِـي بُـرْدِ حُـسْـنٍ فِـي الْأُفْقِ مُسْتَطِرِ
هَــمَّــتْ بِــتَــوْدِيـعِـنَـا وَقَـدْ لَـبِـسَـتْ
أَفْـــوَافَ زَيْـــنٍ لَـــهَــا وَمُــفْــتَــخَــرِ
تَــنْأَى الْــهُــوَيْــنَــى كَأَنَّ عَــالَــمَــنَــا
مَــعْــهَــدُ لَــذَّاتِــهَــا لَــدَى الــصِّــغَــرِ
وَأَيُّ جَــمْــعٍ لَــنَــا مَــتَــى انْـحَـدَرَتْ
يَــخْــطُــو عَـلَـى دَقِّ طَـبْـلَـةِ الْـقَـدَرِ!

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: المنسرح
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

إبراهيم عبد القادر المازني: شاعرٌ وروائيٌّ وناقدٌ وكاتبٌ مصريٌّ مِن رُوَّادِ النهضةِ الأدبيةِ العربيةِ في العصرِ الحديث. استَطاعَ أن يجدَ لنفسِه مَكانًا مُتميِّزًا بين أقطابِ مُفكِّري عَصرِه، وأسَّسَ معَ كلٍّ مِن عباس العَقَّاد وعبد الرحمن شُكري «مدرسةَ الديوانِ» التي قدَّمتْ مفاهيمَ أدبيةً ونَقديةً جديدة، استوحَتْ رُوحَها مِن المدرسةِ الإنجليزيةِ في الأدَب.

وُلدَ «إبراهيم محمد عبد القادر المازني» في القاهرةِ عامَ ١٨٩٠م، ويَرجعُ أصلُه إلى قريةِ «كوم مازن» بمُحافظةِ المُنوفية. تخرَّجَ مِن مَدرسة المُعلِّمين عامَ ١٩٠٩م، وعملَ بالتدريسِ لكنه ما لبثَ أنْ ترَكَه ليَعملَ بالصحافة، حيثُ عملَ بجريدةِ الأخبار، وجريدةِ السياسةِ الأُسبوعية، وجريدةِ البلاغ، بالإضافةِ إلى صُحفٍ أُخرى، كما انتُخبَ عُضوًا في كلٍّ مِن مجمعِ اللغةِ العربيةِ بالقاهرةِ والمجمعِ العِلميِّ العربيِّ بدمشق، وساعَدَه دُخولُه إلى عالمِ الصحافةِ على انتشارِ كتاباتِه ومقالاتِه بينَ الناس.

قرَضَ في بدايةِ حياتِه الأدبيةِ العديدَ من دواوينِ الشعرِ ونَظْمِ الكلام، إلا أنه اتَّجهَ بعدَ ذلك إلى الكتابةِ النَّثريةِ واستغرقَ فيها، فقدَّمَ تُراثًا غَزيرًا من المقالاتِ والقصصِ والرِّوايات. عُرِفَ ناقدًا مُتميِّزًا، ومُترجِمًا بارعًا، فترجمَ مِنَ الإنجليزيةِ إلى العربيةِ العديدَ مِن الأعمالِ كالأَشعارِ والرواياتِ والقصص، وقالَ العقادُ عنه: «إنَّني لمْ أَعرفْ فيما عرفتُ مِن ترجماتٍ للنَّظمِ والنثرِ أديبًا واحدًا يفوقُ المازنيَّ في الترجمةِ مِن لغةٍ إلى لغةٍ شِعرًا ونثرًا.»

تميَّزَ أُسلوبُه سواءٌ في الكتابةِ الأدبيةِ أو الشِّعريةِ بالسخريةِ اللاذعةِ والفكاهة، واتَّسمَ بالسلاسةِ والابتعادِ عَنِ التكلُّف، كما تميَّزتْ موضوعاتُه بالعمقِ الذي يدلُّ على سعةِ اطِّلاعِه، ولا ريبَ في ذلك؛ فقد شملَتْ قراءاتُه العديدَ مِن كُتبِ الأدبِ العربيِّ القديم، والأدبِ الإنجليزيِّ أيضًا، هذا بالإضافةِ إلى قراءتِه الواسعةِ في الكُتبِ الفلسفيةِ والاجتماعية. وعمَدَ المازنيُّ في مدرستِه الأدبيةِ إلى وصفِ الحياةِ كما هي، دونَ إقامةِ معاييرَ أخلاقية، فكانَ في بعض كتاباتِهِ خارجًا عن التقاليدِ والأَعرافِ السائدةِ والمُتداوَلة.

وقد رحلَ المازنيُّ عن عالَمِنا في شهرِ أغسطس من عامِ ١٩٤٩م.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤