إِلَى الْأُمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ

Wave Image
هُـوَ الـلَّـيْـلُ يُـغْـرِيـهِ الْأَسَـى فَـيَـطُـولُ
وَيُــرْخِـي وَمَـا غَـيْـرُ الْـهُـمُـومِ سُـدُولُ
أَبِـــيــتُ بِــهِ لَا الْــغَــارِبَــاتُ طَــوَالِــعٌ
عَـــلَـــيَّ وَلَا لِـــلـــطَّـــالِــعَــاتِ أُفُــولُ
وَيَـنْـشُـرُ فِـيـهِ الـصَّـمْـتُ لِـبْدًا مُضَاعَفًا
فَـــتَــطْــوِيــهِ مِــنِّــي رَنَّــةٌ وَعَــوِيــلُ
وَلِــي فِــيــهِ دَمْـعٌ يَـلْـذَعُ الْـخَـدَّ حَـرُّهُ
وَحُــزْنٌ كَــمَــا امْـتَـدَّ الـظَّـلَامُ طَـوِيـلُ
بَــكَــيْـتُ عَـلَـى كُـلِّ ابْـنِ أْرْوَعَ مَـاجِـدٍ
لَــهُ نَــسَــبٌ فِــي الْأَكْــرَمِـيـنَ جَـلِـيـلُ
يُــلِــيــحُ مِــنَ الـضَّـيْـمِ الْـمُـذِلِّ بِـغُـرَّةٍ
لَــهَــا الْــبَــدْرُ تِـرْبٌ وَالـنُّـجُـومُ قَـبِـيـلُ
مِــنَ الْــعُــرْبِ أَمَّــا عِــرْضُــهُ فَـمُـوَفَّـرٌ
مَــصُــونٌ وَأَمَّــا جِــسْــمُــهُ فَــهَــزِيـلُ
لَــهُ سَــلَــفٌ عَــزُّوا فَــبَــزُّوا نَــبَــاهَــةً
وَلَــمْ تَــعْــتَــوِرْهُــمْ فَــتْــرَةٌ وَخُـمُـولُ
وَسَـارُوا بِـنَـهْـجِ الْـمَـكْـرُمَـاتِ تُـقِـلُّـهُـمْ
قَــلَائِــصُ مِــنْ سَـعْـيٍ لَـهُـمْ وَخُـيُـولُ
وَكَـانُـوا إِذَا مَـا أَظْـلَـمَ الـدَّهْـرُ أَشْـرَقَتْ
بِــهِ غُــرَرٌ مِــنْ مَــجْــدِهِــمْ وَحُـجُـولُ
أُولِـئَـكِ قَـوْمٌ قَـدْ ذَوَى رَوْضُ مَـجْدِهِمْ
وَلَــمْ تَــسْــرِ فِــيــهِ نَــسْــمَـةٌ وَقَـبُـولُ
وَقَـدْ أَعْطَشَتْهُ السُّحْبُ حَتَّى لَقَدْ عَلَتْ
عَــلَــى الــزَّهْــرِ مِـنْـهُ صُـفْـرَةٌ وَذُبُـولُ
رَعَـى الـلـهُ مِـنْ أَهْـلِ الْفَصَاحَةِ مَعْشَرًا
لَــهُــمْ كَـانَ فَـوْقَ الْـفَـرْقَـدَيْـنِ مَـقِـيـلُ
تَــرَامَــى بِــهِــمْ رَيْــبُ الـزَّمَـانِ كَأَنَّـمَـا
لَـــهُ عِـــنْـــدَهُــمْ دُونَ الْأَنَــامِ ذُحُــولُ
فَأَمْـسَـتْ مِـنَ الْـعُـمْـرَانِ خِـلْوًا بِلَادُهُمْ
فَـــهُـــنَّ حُـــزُونٌ قَـــفْـــرَةٌ وَسُــهُــولُ
وَعَـادَتْ مَـغَـانِـي الْـعِـلْـمِ فِـيهَا دَوَارِسًا
تُـــجَـــرُّ بِـــهَــا لِــلــرَّامِــسَــاتِ ذُيُــولُ
وَقَــوَّضَــتِ الْأَيَّــامُ بُــنْـيَـانَ مَـجْـدِهَـا
فَــرَبْــعُ الْــمَــعَــالِـي بَـيْـنَـهُـنَّ مَـحُـولُ
•••
نَــظَـرْتُ إِلَـى عَـرْضِ الْـبِـلَادِ وَطُـولِـهَـا
فَــمَــا رَاقَــنِــي عَـرْضٌ هُـنَـاكَ وَطُـولُ
وَلَــمْ تَــبْـدُ لِـي فِـيـهَـا مَـعَـاهِـدُ عِـزِّهَـا
وَلَــــكِــــنْ رُسُــــومٌ رَثَّـــةٌ وَطُـــلُـــولُ
نَــظَــرْتُ إِلَــيْــهَــا مِــنْ خِـلَالِ ذَوَارِفٍ
مِــنَ الــدَّمْـعِ طَـرْفِـي بَـيْـنَـهُـنَّ كَـلِـيـلُ
فَــكُــنْــتُ كَــرَاءٍ مِــنْ وَرَاءِ زُجَــاجَــةٍ
بِـعَـيْـنَـيْـهِ كَـيْـمَـا يَـسْـتَـبِـيـنَ ضَـئِـيـلُ
وَلَــمْ أَتَــبَــيَّــنْ مَــا هُــنَـالِـكَ مِـنْ عُـلًا
لِــكَــثْــرَةِ مَــا قَــدْ دَبَّ فِــيــهِ نُـحُـولُ
هُـنَـاكَ حَـنَـيْـتُ الـظَّـهْرَ كَالْقَوْسِ رَابِطًا
بِــكَــفِّــي عَــلَــى قَــلْـبٍ يَـكَـادُ يَـزُولُ
وَأَوْسَـعْـتُ صَـدْرِي لِـلْـكَآبَـةِ فَـاغْـتَـدَتْ
بِأَرْجَــائِــهِ تَــحْــتَ الـضُّـلُـوعِ تَـجُـولُ
وَأَرْسَـلْـتُ دَمْـعَ الْـعَـيْـنِ فَـانْـهَـلَّ جَارِيًا
لَــهُ بَــيْــنَ أَطْــلَالِ الــدِّيَــارِ مَــسِــيـلُ
أَأَمْــنَــعُ عَــيْـنِـي أَنْ تَـجُـودَ بِـدَمْـعِـهَـا
عَــلَــى وَطَــنِــي؟ إِنِّــي إِذَنْ لَـبَـخِـيـلُ
فَإِنْ تَـعْـجَـبُـوا أَنْ سَـالَ دَمْـعِـي لِأَجْـلِهِ
فَإِنَّ دَمِــي مِــنْ أَجْــلِــهِ سَــيَــسِــيــلُ
وَمَـا عِـشْـتُ أَنِّـي قَـدْ تَـنَـاسَـيْتُ عَهْدَهُ
وَلَـكِـنَّ صَـبْـرِي فِـي الْـخُـطُـوبِ جَمِيلُ
وَإِنَّ امْــرَءًا قَــدْ أَثْــقَــلَ الْــهَـمُّ قَـلْـبَـهُ
كَــقَــلْـبِـي وَلَـمْ يَـلْـقَ الـرَّدَى لَـحَـمُـولُ
أَفِـي الْـحَـقِّ أَنْ أَنْـسَـى بِـلَادِيَ سَـلْـوةً
وَمَــا لِــيَ عَــنْـهَـا فِـي الْـبِـلَادِ بَـدِيـلُ؟
أَقُــولُ لِـقَـوْمِـي قَـوْلَ حَـيْـرَانَ جَـازِعٍ
تَـــهِــيــجُ بِــهِ أَشْــجَــانُــهُ فَــيَــقُــولُ
مَـتَـى يَـنْـجَـلِـي يَـا قَوْمُ بِالصُّبْحِ لَيْلُكُمْ
فَــتَــذْهَــبَ عَـنْـكُـمْ غَـفْـلَـةٌ وَذُهُـولُ؟
وَيَـنْـطِـقَ بِـالْـمَـجْـدِ الْـمُـؤَثَّـلِ سَـعْـيُكُمْ
فَــيَــسْــكُــتَ عَــنْــكُــمْ لَائِـمٌ وَعَـذُولُ
تُـرِيـدُونَ لِـلْـعَـلْـيَـا سَـبِـيـلًا وَهَـلْ لَـكُـمْ
إِلَــيْــهَــا وَأَنْــتُـمْ جَـاهِـلُـونَ سَـبِـيـلُ؟!
أُنَـــاشِــدُكُــمْ أَيْــنَ الْــمَــدَارِسُ إِنَّــهَــا
عَـلَـى الْـكَـوْنِ فِـيـكُـمْ وَالْـحَـيَـاةِ دَلِـيلُ
وَأَيْـنَ الْـغَـنِـيُّ الْـمُـرْتَـجَـى فِـي بِلَادِكُمْ
يَــجُـوُدُ عَـلَـى تَـشْـيِـيـدِهَـا وَيَـطُـولُ؟
بِــلَادٌ بِــهَــا جَــهْــلٌ وَفَــقْــرٌ كِــلَاهُـمَـا
أَكُـــولٌ شَــرُوبٌ لِــلْــحَــيَــاةِ قَــتُــولُ
أَجَــلْ إِنَّــكُـمْ أَنْـتُـمْ كَـثِـيـرٌ عَـدِيـدُكُـمْ
وَلَــكِــنْ كَــثِــيــرُ الْـجَـاهِـلِـيـنَ قَـلِـيـلُ
وَلَــوْ أَنَّ فِــيــكُــمْ وَحْــدَةً عَــصِــبِـيَّـةً
لَــهَــانَ عَــلَــيْــكُــمْ لِــلْــمَـرَامِ وُصُـولُ
وَلَـكِـنْ إِذَا مُـسْـتَـنْـهِـضٌ قَـامَ بَـيْـنَـكُـمْ
تَــلَــقَّــاهُ مِــنْــكُــمْ بِــالْــعِـنَـادِ جَـهُـولُ
وَأَيُّ فَـــرِيـــقٍ قَـــامَ لِـــلْــحَــقِّ صَــدَّهُ
فَــرِيــقٌ طَــلُــوبٌ لِــلْــمُـحَـالِ خَـذُولُ
وَإِنْ كَـانَ فِـيـكُـمْ مُـصْـلِـحُـونَ فَـوَاحِدٌ
فَـــعُـــولٌ وَأَلْــفٌ فِــي مَــدَاهُ قَــئُــولُ
عَــلَـى أَنَّ لِـي فِـيـكُـمْ رَجَـاءً وَإِنْ أَكُـنْ
إِلَــى الْــيَأْسِ أَحْــيَــانًــا أَكَــادُ أَمِــيـلُ
أَلَـسْـتُـمْ مِـنَ الْـقَـوْمِ الْأُلَـى كَانَ عِلْمُهُمْ
بِــهِ كُــلُّ جَــهْــلٍ فِـي الْأَنَـامِ قَـتِـيـلُ؟
لَــهُــمْ هِــمَـمٌ لَـيْـسَ الـظُّـبَـاتُ تَـفُـلُّـهَـا
وَإِنْ كَـانَ مِـنْـهَـا فِـي الـظُّـبَـاتِ فُـلُـولُ
أَلَا نَـــهْـــضَـــةٌ عِـــلْــمِــيَّــةٌ عَــرَبِــيَّــةٌ
فَـــتُـــنْــعَــشَ أَرْوَاحٌ بِــهَــا وَعُــقُــولُ
وَيَــشْــجُــعَ رِعْــدِيـدٌ وَيَـعْـتَـزَّ صَـاغِـرٌ
وَيْـنَـشَـطَ لِـلـسَّـعْـيِ الْـحَـثِـيـثِ كَسُولُ
فَإِنْ لَــمْ تَــقُــمْ بَــعْــدَ الْأَنَــاةِ عَــزَائِـمٌ
فَــعَـتْـبِـي عَـلَـيْـكُـمْ وَالْـمَـلَامُ فُـضُـولُ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤