لَوْلَا تَحِيَّةُ بَعْضِ الْأَرْبُعِ الدُّرُسِ

Wave Image
لَــوْلَا تَــحِـيَّـةُ بَـعْـضِ الْأَرْبُـعِ الـدُّرُسِ
مَـا هَـابَ حَـدُّ لِـسَانِي حَادِثَ الْحُبَسِ
هَـلْ تَـسْـمَـعُ الْـقَـوْلَ دَارٌ غَـيْـرُ نَاطِقَةٍ
وَفَـقْـدُهَـا السَّمْعَ مَقْرُونٌ إِلَى الْخَرَسِ
لَأَنْــسَــيَــنَّــكِ إِنْ طَــالَ الـزَّمَـانُ بِـنَـا
وَكَـمْ حَـبِـيـبٍ تَـمَـادَى عَـهْـدُهُ فَنُسِي
يَـا شَـاكِـيَ الـنُّـوَبِ انْهَضْ طَالِبًا حَلَبًا
نُـهُـوضَ مُضْنًى لِحَسْمِ الدَّاءِ مُلْتَمِسِ
وَاخْـلَـعْ حِـذَاءَكَ إِنْ حَـاذَيْـتَـهَـا وَرَعًـا
كَـفِـعْـلِ مُوسَى كَلِيمِ اللهِ فِي الْقُدُسِ
وَاحْـمِـلْ إِلَـى خَـيْـرِ وَالٍ مِـنْ رَعِـيَّتِهِ
أَزْكَـى الـتَّـحِـيَّاتِ لَمْ تُمْزَجْ وَلَمْ تُمَسِ
مُــقَــبِّــلِ الــرُّمْـحِ حُـبًّـا لِلـطِّـعَـانِ بِـهِ
كَــأَنَّــمَــا هُـوَ مَـجْـمُـوعٌ مِـنَ اللَّـعَـسِ
وَأَثْـبَـتِ الـنَّـاسِ قَلْبًا فِي ظَلَامِ سُرًى
وَلَا رَبِــيــئَــةَ إِلَّا مِــسْــمَــعُ الْــفَــرَسِ
قِــسْــنَــا الْأُمُــورَ فَـلَـمَّـا نَـالَ رُتْـبَـتَـهُ
مِــنَ الــسَّـعَـادَةِ سَـلَّـمْـنَـا وَلَـمْ نَـقِـسِ
لَـقَـدْ تَـوَاضَـعَـتِ الـدُّنْـيَـا لِـذِي شَرَفٍ
بِـمُـلْـبِـسَـاتِ الـدَّنَـايَـا غَـيْـرِ مُـلْـتَـبِسِ
لِـغَـاسِـلِ الْـكَـفِّ مِـنْ أَعْـرَاضِـهَـا مِائَةً
وَمَـا يُـجَـاوِزُ سَـبْـعًـا غَـاسِـلُ النَّجَسِ
غَـمْـرِ الـنَّـوَالِ وَلَـنْ تَـبْـقَـى عَلَى أَحَدٍ
حَـتَّـى تُـوَقَّـى بِـجُـودٍ ضِـدِّ مُـحْتَبِسِ
وَالـنَّـفْـسُ تَـحْـيَـا بِـإِعْـطَاءِ الْهَوَاءِ لَهَا
مِـنْـهُ بِـمِـقْـدَارِ مَـا أَعْـطَـتْـهُ مِنْ نَفَسِ
يَـا فَارِسَ الْخَيْلِ يَدْعُوكَ الْعِدَى أَسَدًا
مَـا اسْتُنْقِذَتْ مِنْ يَدَيْهِ عُنْقُ مُفْتَرَسِ
نَــالُـوا يَـسِـيـرَ حَـيَـاةٍ كَـابْـنِ لَـيْـلَـتِـهِ
مِـنَ الْأَهِـلَّـةِ أَوْ كَـالـنَّـجْـمِ فِي الْغَلَسِ
يَــجُــولُ كُــلُّ سَـوَادٍ فِـي عُـيُـونِـهِـمُ
كَالْأُكْمِ فِي السَّيْرِ عِنْدَ الْأَعْيُنِ النُّعُسِ
خَـفِّـضْ عَـلَـيْكَ فَلَيْسَ الْحَرْبُ غَانِيَةً
وَلَا الـنَّـجِـيـعُ خَلُوقًا مِيثَ فِي عُرُسِ
أَفْــنَــى قَـنَـاتَـكَ نَـزْعٌ لِلـنُّـفُـوسِ بِـهَـا
كَـذَلِـكَ الـنَّـزْعُ يُـبْـلِـي جِـدَّةَ الْـمَـرَسِ
أَطْــفَــتْ سِـنَـانَـكَ أَرْوَاحٌ تَـمُـوتُ بِـهِ
هُـبُـوبَ أَرْوَاحِ لَـيْـلٍ فِـي سَـنَى قَبَسِ
أَرَى جَـبِـيـنَـكَ هَـذِي الـشَّمْسَ خَالِقُهَا
وَقَــدْ أَنَــارَتْ بِـنُـورٍ عَـنْـهُ مُـنْـعَـكِـسِ
الْآنَ فَـالْـهُ عَـنِ الْـهَـيْـجَـاءِ مُـغْـتَـبِـطًا
طَـالَ امْـتِـرَاؤُكَ خِـلْفَيْ نَابِهَا الضَّبِسِ
مَـا رَبَّـةُ الْـغَيْلِ أُخْتُ الظَّبْيِ فُزْتَ بِهَا
بَـلْ رَبَّةُ الْغَيْلِ أُخْتُ الضَّيْغَمِ الشَّرِسِ
مِـنْ مَـعْـشَـرٍ لَا يَـخَـافُ الْـجَارُ بَأْسَهُمُ
غَـشَّـوْا صُـرُوفَ اللَّـيَـالِي بُرْدَ مُبْتَئِسِ
وَصَــاحَـبُـوهَـا بِـأَعْـرَاضٍ جَـوَاهِـرُهَـا
كَـجَـوْهَـرِ الْـبَـدْرِ لَا يَـدْنُـو مِنَ الدَّنَسِ
كَـأَنَّـمَـا الـضَّـرْبُ يَـفْـرِي مِـنْ كُلُومِهِمُ
أَكْـبَـادَ سِـرْبٍ رَعَيْنَ النَّوْرَ فِي الْكُنُسِ
سَـالَـتْ تَـضَـوَّعُ حَـتَّـى ظَنَّ جَارِحُهُمْ
قَسِيمَةَ الْمِسْكِ جُرْحَ الْفَارِسِ النَّدُسِ
كَــأَنَّ كُــلَّ سِــنَــانٍ صَــابَ عِــنْـدَهُـمُ
لِلـنَّـفْـعِ مِـبْـضَـعُ آسٍ مُـشْـفِـقٍ نَـطِسِ
الـطَّـارِحِـيـنَ لِـخَـوْضِ الْـمَوْتِ لَامَهُمُ
سَـحْـبَ الْأَجِلَّةِ خَلْفَ الضُّمَّرِ الشُّمُسِ
أَبَـــا فُـــلَانٍ دَعَـــاكَ اللــهُ مُــقْــتَــدِرًا
أَخَـا الْـمَـكَـارِمِ وَابْـنَ الـصَّارِمِ الْخَلِسِ
لَا يُــوهِـمَـنَّـكَ أَنَّ الـشِّـعْـرَ لِـي خُـلُـقٌ
وَأَنَّــنِــي بِــالْــقَــوَافِــي دَائِـمُ الْأَنَـسِ
فَــإِنَّــمَــا كَــانَ إِلْـمَـامِـي بِـسَـاحَـتِـهَـا
فِـي الـدَّهْـرِ إِلْـمَامَ طَيْرِ الْمَاءِ بِالْعَلَسِ
وَالـنَّـاسُ فِـي غَـمَـرَاتٍ مِـنْ مَـقَـالِـهِمُ
لَا يَـظْـفَـرُونَ بِـغَـيْـرِ الْـمَنْطِقِ الْوَدِسِ
وَلَا يُــفِــيــدُونَ نَـفْـعًـا فِـي كَـلَامِـهِـمِ
وَهَـلْ تُـفِـيـدُكَ مَـعْنًى نَغْمَةُ الْجَرَسِ؟
عَـسَـاكَ تَـعْـذِرُ إِنْ قَصَّرْتُ فِي مِدَحِي
فَـإِنَّ مِـثْـلِـي بِـهِـجْرَانِ الْقَرِيضِ عَسِ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: البسيط
  • عصر القصيدة: العباسي الثاني

عن الشاعر

أبو العلاء المَعَرِّي: شاعرٌ وفيلسوفٌ وأديبٌ عربيٌّ مِنَ العصرِ العبَّاسي، اشتُهِرَ بآرائِه وفلسفتِه المثيرةِ للجدلِ في وقْتِه.

وُلِدَ «أحمد بن عبد الله بن سليمان القُضاعي التنُوخي المَعَرِّي» المعروفُ ﺑ «أبي العلاء المَعَرِّي» عامَ ٣٦٣ﻫ بمَعَرَّةِ النُّعمانِ بسُوريا، وفقَدَ بصَرَه وهو صغيرٌ نتيجةً لمَرضِه بالجُدَري. أخَذَ علومَ القراءاتِ القرآنيةِ بإسنادٍ عنِ الشُّيوخ، كما تعلَّمَ الحديثَ في سنٍّ مُبكِّرة، وقالَ الشِّعرَ وهو ابنُ إحدى عشرةَ سنة، ورحلَ إلى بغدادَ عامَ ٣٩٨ﻫ فأقامَ بها سنةً وسبعةَ أَشْهُر، ثُم اعتزَلَ الناسَ لبعضِ الوقت؛ فلُقِّبَ ﺑ «رَهِينِ المَحْبسَيْن»؛ العَمَى والدَّار.

أمَّا شِعْرُه، وهو ديوانُ حكمتِه وفلسفتِه، فالمطبوعُ منه حتى الآن: «اللُّزوميَّات»، و«سِقْطُ الزَّنْد». وقد تُرجِمَ الكثيرُ من شِعْرِه إلى غيرِ العربيَّة، وأمَّا كُتبُه فكثيرةٌ وفِهرسُها في «مُعجَمِ الأُدَباء». من تَصانيفِه كتابُ «الأَيْك والغُصُون» في الأدب، يَزيدُ على مائةِ جُزْء، و«تاج الحُرَّة» في النساءِ وأخلاقِهنَّ وعِظاتِهِن، و«عَبَث الوَلِيد» شرَحَ فيه دِيوانَ البُحْتُريِّ ونقَدَه، و«رِسالة المَلائِكة» وهي صَغِيرة، و«رِسالة الغُفْران»، و«الفُصُول والغَايات».

عاش المعري متفلسفًا زاهدًا في الدنيا؛ إذ كانَ يَدعمُ حقوقَ الحيوانِ ويُحرِّمُ إِيلامَه، ولذا كان نباتيًا؛ فلمْ يَأكُلِ اللحمَ خمسًا وأربعينَ سنة، كما كانَ يَلبسُ خشِنَ الثِّياب، وكان له أراءه الخاصة في العقيدة، التي جعلت الآراء تختلف حول حقيقة إيمانه؛ إذ ذهب البعض إلى تكفيره واتهامه بالإلحاد، وإخراجِه مِنَ الإسلام، بينما دافَعَ عنه عميدُ الأدبِ العربيِّ «طه حسين» في عِدَّةِ كِتاباتٍ ومُؤلَّفات؛ أشْهرُها «معَ أبي العلاءِ في سجنِه». 

ظلَّ حبيسًا في بيتِه حتى وفاتِه عامَ ٤٤٩ﻫ بمنزلِه بمَعَرَّةِ النُّعْمان، وقد أَوْصى أن يُكتَبَ على قبْرِه عِبارة: «هذا جَناهُ أبي عليَّ، وما جَنيْتُ على أَحَد.» ويَقصدُ أنَّ أباه بزَواجِه من أمِّه أوْقَعَه في دارِ الدُّنيا. وقد وقَفَ على قبْرِه جمْعٌ غفيرٌ من أُدباءِ عصْرِه وشُعرائِه ورَثَوْه بثمانينَ مَرْثَاة.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤