الْأَعْمَى

Wave Image
مَـنْ مُـجِـيرِي مِنْ حَالِكَاتِ اللَّيَالِي؟
نُــوَبَ الــدَّهْـرِ مَـا لَـكُـنَّ وَمَـا لِـي؟!
قَـدْ طَـوَانِـي الـظَّـلَامُ حَـتَّـى كَـأَنِّي
فِـي دَيَـاجِـي الْـوُجُودِ طَيْفُ خَيَالِ
كُـــلُّ لَـــيْـــلٍ لَـــهُ زَوَالٌ وَلَـــيْــلِــي
دَقَّ أَطْــــنَــــابَـــهُ لِـــغَـــيْـــرِ زَوَالِ!
كُـــلُّ لَـــيْــلٍ لَــهُ نُــجُــومٌ، وَلَــكِــنْ
أَيْــنَ أَمْــثَــالُــهُــنَّ مِــنْ أَمْــثَـالِـي؟
تَـثِبُ الشَّمْسُ فِي السَّمَاءِ وَشَمْسِي
عُــقِــلَــتْ دُونَــهَــا بِــأَلْــفِ عِــقَـالِ
لَا أَرَى حِــيــنَـمَـا أَرَى غَـيْـرَ حَـظِّـي
حَـــالِـــكَ اللَّــوْنِ عَــابِــسَ الْآمَــالِ
•••
هُــوَ جُــبٌّ أَعِــيــشُ فِـيـهِ حَـزِيـنًـا
كَــاسِــفَ الــنَّـفْـسِ دَائِـمَ الْـبَـلْـبَـالِ
مَــا رَأَتْ بَـسْـمَـةَ الـشُّـمُـوسِ زَوَايَـا
هُ، وَلَا دَاعَــبَــتْ شُــعَــاعَ الْــهِــلَالِ
فَــإِذَا نِــمْــتُ فَــالــظَّــلَامُ أَمَــامِـي
أَوْ تَــيَــقَّــظْـتُ فَـالـسَّـوَادُ حِـيَـالِـي
أَتَــقَــرَّى الــطَّــرِيــقَ فِـيـهِ بِـكَـفِّـي
بَـــيْـــنَ شَـــكٍّ وَحَـــيْــرَةٍ وَضَــلَالِ
وَأُحِــسُّ الْــهَــوَاءَ فَــهْــوَ دَلِــيــلِـي
عَـنْ يَـمِـيـنِـي أَسِـيرُ أَوْ عَنْ شِمَالِي
كُــلَّــمَـا رُمْـتُ مِـنْـهُ يَـوْمًـا خَـلَاصًـا
عَـجَـزَتْ حِـيـلَـتِـي وَرَثَّـتْ حِـبَـالِي
عَــبَـثًـا أُرْسِـلُ الْأَنِـيـنَ مِـنَ الْـجُـبِّ
إِلَـى سَـاكِـنِـي الْـقُـصُـورِ الْـعَـوَالِـي!
مَــنْ لِـسَـارٍ بِـلَـيْـلَـةٍ طُـولُـهَـا الْـعُـمْـ
ـرُ، يَــجُــوبُ الْأَوْجَــالَ لِلْأَوْجَــالِ؟
مُـــتَـــرَدٍّ فِـــي هَـــاوِيَـــاتِ وِهَـــادٍ
لَاهِــثٍ فَــوْقَ شَــامِــخَــاتِ جِـبَـالِ
عِــنْـدَ صَـحْـرَاءَ لِلْأَعَـاصِـيـرِ فِـيـهَـا
ضَـحِـكُ الْـجِـنِّ أَوْ نَـحِيبُ السَّعَالِي
لَــمْ يَــزُرْهَـا وَشْـيُ الـرَّبِـيـعِ وَلَـكِـنْ
لَـكَ مَـا شِـئْـتَ مِـنْ نَـسِـيـجِ الرِّمَالِ
لَـيْـسَ لِلـطَّـيْـرِ فَـوْقَـهَـا مِـنْ مَـطَـارٍ
أَوْ بَـنِـي الْإِنْـسِ حَـوْلَـهَـا مِنْ مَجَالِ
خَــلَــقَ اللــهُ قَــفْــرَهَــا ثُــمَّ سَـوَّى
مِـــنْ ثَـــرَاهُ أَنَـــامِـــلَ الْـــبُـــخَّــالِ
رَهْــبَــةٌ تَــمْــلَأُ الْــجَــوَانِــحَ رُعْــبًـا
وَأَدِيـــمٌ وَعْـــرٌ كَــحَــدِّ الــنِّــصَــالِ
وَامْـــتِـــدَادٌ كَــأَنَّــهُ الْأَمَــلُ الــطَّــا
ئِــشُ مَــا ضَــاقَ ذَرْعُــهُ بِــمُــحَـالِ
سَـارَ فِـيـهَـا الْأَعْـمَى وَحِيدًا شَرِيدًا
حَــائِــرًا بَــيْــنَ وَقْــفَــةٍ وَارْتِـحَـالِ
فِــي هَــجِــيـرٍ مَـا خَـفَّ حَـرُّ لَـظَـاهُ
بِـــنَـــسِـــيـــمٍ، وَلَا بِـــبَــرْدِ ظِــلَالِ
مَـلَّ عُـكَّـازُهُ مِـنَ الـضَّـرْبِ فِـي الْأَرْ
ضِ عَــلَــى خَــيْــبَــةٍ وَرِقَّــةِ حَــالِ
يَـرْفَـعُ الـصَّـوْتَ لَا يَرَى مِنْ مُجِيبٍ
أَقْـفَـرَ الْـكَـوْنُ مِـنْ قُـلُـوبِ الرِّجَالِ!
•••
مَــنْ لِــهَــاوٍ فِــي لُــجَّـةٍ هِـيَ دُنْـيَـا
هُ وَأَيَّـــامُ بُـــؤْسِــهِ الْــمُــتَــوَالِــي؟
ظُــلَــمٌ بَــعْــضُـهَـا يُـزَاحِـمُ بَـعْـضًـا
كَـــلَـــيَـــالٍ كَـــرَرْنَ إِثْـــرَ لَــيَــالِــي
يَـفْـتَـحُ الْـمَـوْجُ مَـاضِـغَـيْـهِ فَيَهْوِي
ثُــمَّ يَــطْــفُــو مُــحَـطَّـمَ الْأَوْصَـالِ
لَا تَــرَى مِــنْــهُ غَــيْــرَ كَــفٍّ تُـنَـادِي
حِــيــنَــمَــا عَــقَّــهُ لِـسَـانُ الْـمَـقَـالِ
وَالـرِّيَـاحُ الـرِّيَـاحُ تَـعْـصِـفُ بِـالْمِسْـ
ـكِــيــنِ عَــصْــفَ الْأَيَّــامِ بِـالْآجَـالِ
يَـسْـمَـعُ الـسُّـفْـنَ حَـوْلَـهُ مَـاخِـرَاتٍ
مَـنْ يُـبَـالِـي بِـمِـثْـلِـهِ مَـنْ يُـبَـالِـي؟
يَـسْـمَـعُ الـرَّقْـصَ وَالْأَهَازِيجَ تَشْدُو
بَـيْـنَ وَصْـلِ الْـهَـوَى وَهَـجْرِ الدَّلَالِ
شُـغِـلَ الْـقَـوْمُ عَـنْـهُ بِالْقَصْفِ وَاللَّهْـ
ـوِ وَهَـامُـوا بِـحُـبِّ بِـنْـتِ الـدَّوَالِـي
مَـا لَـهُـمْ وَالـصَّـرِيـعَ فِي غَمْرَةِ اللُّجِّ
يَــــصُــــدُّ الْأَهْــــوَالَ بِـــالْأَهْـــوَالِ
لَا يُــرِيـدُونَ أَنْ يُـشَـابَ لَـهُـمْ صَـفْـ
ـوٌ بِـــنَـــوْحٍ لِلْـــبُـــؤْسِ أَوْ إِعْـــوَالِ
هَــكَـذَا تُـمْـحِـلُ الْـقُـلُـوبُ، وَأَنْـكَـى
أَنْ تُـــبَــاهِــي بِــذَلِــكَ الْإِمْــحَــالِ!
هَــكَــذَا تُــقْـبَـرُ الْـمُـرُوءَةُ فِـي الـنَّـا
سِ، وَيُـقْـضَـى عَـلَى كَرِيمِ الْخِلَالِ!
•••
مَــنْ لِــهَــذَا الْأَعْـمَـى يَـمُـدُّ عَـصَـاهُ
عَـاصِـبَ الْـبَـطْـنِ لَـمْ يَـبُحْ بِسُؤَالِ؟
مَــنْ رَآهُ يَــرَى خَـلِـيـطًـا مِـنَ الْـبُـؤْ
سِ هَــزِيــلًا يَــسِــيـرُ فِـي أَسْـمَـالِ
هُــوَ فِــي مَــيْــعَــةِ الــصِّـبَـا وَتَـرَاهُ
مُـطْـرِقَ الـرَّأْسِ فِي خُشُوعِ الْكِهَالِ
سَــاكِـنًـا كَـالـظَّـلَامِ، يَـحْـسَـبُـهُ الـرَّا
ءُونَ مَـعْـنًـى لِلْـيَـأْسِ فِـي تِـمْـثَـالِ
فَـقَـدَ الـضَّـوْءَ وَالْـحَـيَـاةَ، وَهَـلْ بَعْـ
ـدَ ضِـيَـاءِ الْـعَـيْـنَـيْنِ سَلْوَى لِسَالِ؟
مَــطَــلَــتْــهُ الْأَيَّــامُ وَالـنَّـاسُ حَـقًّـا
فَـقَـضَـى عَـيْـشَـهُ شَـهِـيـدَ الْـمِطَالِ
•••
مَـا رَأَى الـرَّوْضَ فِـي مَـآزِرِهِ الْخُضْـ
ـرِ يُــبَــاهِــي بِـحُـسْـنِـهَـا وَيُـغَـالِـي
مَـا رَأَى صَـفْـحَـةَ الـسَّـمَـاءِ وَمَا رُكِّـ
ـبَ فِــيــهَــا مِــنْ بَــاهِـرَاتِ اللَّآلِـي
مَـا رَأَى الـنِّـيـلَ فِـي الْـخَمَائِلِ يَخْتَا
لُ بِــأَذْيَــالِــهِ الْــعِــرَاضِ الــطِّــوَالِ
مَـا رَأَى فِـضَّـةَ الـضُّحَى فِي سَنَاهَا
أَوْ تَــمَــلَّــى بِــعَــسْــجَــدِ الْآصَــالِ
فَــدَعُـوهُ يَـشْـهَـدْ جَـمَـالًا مِـنَ الْإِحْـ
ـسَــانِ، إِنْ فَـاتَـهُ شُـهُـودُ الْـجَـمَـالِ
وَدَعُــوهُ يُــبْــصِـرْ ذُبَـالًا مِـنَ الـرَّحْـ
ـمَـــةِ إِنْ عَـــقَّــهُ ضِــيَــاءُ الــذُّبَــالِ
قَـدْ خَـبَـرْتُ الـدُّنْـيَـا فَـلَـمْ أَرَ أَزْكَـى
مِــنْ يَـمِـيـنٍ تَـفَـتَّـحَـتْ عَـنْ نَـوَالِ!
•••
أَيُّــهَــا الْــوَادِعُـونَ يَـمْـشُـونَ زَهْـوًا
بَــيْــنَ جَــبْــرِيَّــةٍ وَبَـيْـنَ اخْـتِـيَـالِ
يُـنْـفِـقُـونَ الْـقِـنْـطَارَ فِي تَرَفِ الْعَيْـ
ـشِ، وَلَا يُــحْــسِــنُـونَ بِـالْـمِـثْـقَـالِ
وَيَــرَوْنَ الْأَمْــوَالَ تُـنْـثَـرُ فِـي اللَّـهْـ
ـوِ، فَـــلَا يَـــجْـــزَعُـــونَ لِلْأَمْـــوَالِ
إِنَّ فِــي بَــلْــدَةِ الْــمُــعِــزِّ جُـحُـورًا
مُـــتْـــرَعَـــاتٍ بِــأَدْمُــعِ الْأَطْــفَــالِ
كُـلُّ جُـحْـرٍ بِـالْـبُـؤْسِ وَالْـفَقْرِ مَمْلُو
ءٌ، وَلَـــكِـــنَّـــهُ مِــنَ الــزَّادِ خَــالِــي
بَــسَــقَــتْ فِــيـهِ لِلْـجَـرَاثِـيـمِ أَفْـنَـا
نٌ تَـــدَلَّـــتْ بِـــكُـــلِّ دَاءٍ عُـــضَــالِ
لَـوْ رَأَيْـتَ الْأَشْـبَـاحَ مِـنْ سَـاكِـنِـيـهِ
لَــرَأَيْــتَ الْأَطْــلَالَ فِــي الْأَطْــلَالِ!
يَــرْهَــبُ الــنُّــورُ أَنْ يَــمُـرَّ بِـهِ مَـرًّا
وَتَــخْــشَــى أَذَاهُ رِيــحُ الــشَّــمَـالِ
تَـحْـسَـبُ الطِّفْلَ فِيهِ فِي كَفَنِ الْمَوْ
تَــى وَقَــدْ ضَــمَّــهُ الـرِّدَاءُ الْـبَـالِـي
أَيُّــهَــا الْأَغْــنِــيَــاءُ أَيْــنَ نَــدَاكُــمْ؟
بَــلَــغَ الــسَّــيْـلُ عَـالِـيَـاتِ الْـقِـلَالِ!
هُـمْ عِـيَـالُ الـرَّحْـمَـنِ مَـاذَا رَأَيْـتُـمْ
أَوْ صَــنَــعْــتُــمْ لِــهَـؤُلَاءِ الْـعِـيَـالِ؟
•••
رُبَّ أَعْــمَــى لَــهُ بَــصِــيـرَةُ كَـشْـفٍ
نَــفَــذَتْ مِــنْ غَــيَـاهِـبِ الْأَسْـدَالِ!
أَخَــذَ اللــهُ مِــنْــهُ شَـيْـئًـا وَأَعْـطَـى
وَأَعَــاضَ الْــمِــكْــيَـالَ بِـالْـمِـكْـيَـالِ
يَــلْـمَـحُ الْـخَـطْـرَةَ الْـخَـفِـيَّـةَ لِلـنَّـفْـ
ـسِ لَـهَـا فِـي الـصُّـدُورِ دَبُّ الـنِّمَالِ
وَيَــرَى الْــحَـقَّ فِـي جَـلَالَـةِ مَـعْـنَـا
هُ فَـيَـحْـيَـا فِـي ضَـوْءِ هَـذَا الْجَلَالِ
كَـانَ شَـيْـخُ الْـمَـعَـرَّةِ الْـكَوْكَبَ السَّا
طِـعَ فِـي ظُـلْـمَـةِ الْـقُـرُونِ الْخَوَالِي
فَــأَتَــى وَهْــوَ آخِــرٌ «مِــثْــلَـمَـا قَـا
لَ» بِــمَــا نَــدَّ عَـنْ عُـقُـولِ الْأَوَالِـي
•••
أَنْـقِـذُوا الْـعَـاجِـزَ الْـفَـقِـيرَ وَصُونُوا
وَجْـــهَـــهُ عَــنْ مَــذَلَّــةٍ وَابْــتِــذَالِ
عَـلِّـمُـوهُ، يَـطْـرُقْ مِـنَ الْـعَـيْـشِ بَابًا
وَامْــنَــحُــوهُ مَــفَــاتِــحَ الْأَقْــفَــالِ
لَا تَـضُـمُّـوا إِلَـى أَسَـاهُ عَـمَـى الْجَهْـ
ـلِ فَـيَـلْـقَـى الـنَّـكَـالَ بَـعْـدَ الـنَّـكَالِ
كُــلُّ شَــيْءٍ يُـطَـاقُ مِـنْ نُـوَبِ الْأَيَّـ
ـامِ إِلَّا عَــــمَــــايَــــةَ الْــــجُـــهَّـــالِ
عَـلِّـمُـوهُ، فَـالْـعِـلْـمُ مِـصْـبَـاحُ دُنْـيَـا
هُ وَلَا تَــكْــتَــفُــوا بِـصُـنْـعِ الـسِّـلَالِ
إِنْ جَــفَـاهُ الـزَّمَـانُ وَالْآلُ وَالـصَّـحْـ
ـبُ فَــكُــونُــوا لِــمِــثْــلِـهِ خَـيْـرَ آلِ
نَـزَلَ الْـوَحْـيُ فِـي الـتَّـرَفُّـقِ بِـالْأَعْـ
ـمَــى وَبــسْــطِ الْــيَـدَيْـنِ لِلـسُّـؤَّالِ
سَـوْفَ تَـتْـلُـو الْأَجْـيَالُ تَارِيخَ مِصْرٍ
فَـــأَعِـــدُّوا الــتَّــارِيــخَ لِلْأَجْــيَــالِ
بِالْأَيَادِي الْحِسَانِ يُمْحَى دُجَى الْبُؤْ
سِ وَتَـسْـمُـو الـشُّعُوبُ نَحْوَ الْكَمَالِ
يَــذْهَـبُ الْـفَـقْـرُ وَالـثَّـرَاءُ وَيَـبْـقَـى
مَــا بَــنَـى الْـخَـيِّـرُونَ مِـنْ أَعْـمَـالِ!

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: أقامت جمعية رعاية العميان بمصر في ١٥ من إبريل سنة ١٩٣٧م حفلة بدار الأوبرا، لحضِّ المحسنين على مدِّ يد الإحسان إلى هذه الطائفة البائسة؛ لتتمكَّن الجمعية من توسيع نطاقها وتثقيف عددٍ كبيرٍ من هؤلاء المكفوفين ليستطيعوا العيش وحدهم، وليستغنوا عن ذلِّ السؤال، وقد أُلقيَت هذه القصيدة في هذا الحفل.
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الخفيف
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

علي الجارم: أديب، وشاعر مصري، ورائد من رواد مدرسة الإحياء والبعث إلى جانب كل من أحمد شوقي وحافظ إبراهيم. أَثْرَت مؤلفاته المكتبة الأدبية العربية؛ حيث تعددت وتنوعت بين الدواوين الشعرية، والروايات الأدبية والتاريخية، إضافة إلى الكتب المدرسية، وكانت له مساهمات فعالة في حقل اللغة العربية. وقد اشتهر بغيرته على الدين واللغة والأدب، وتمكن من أن يحوز مكانة شعرية رائدة.

ولد علي صالح عبد الفتاح الجارم، بمدينة رشيد عام ١٨٨١م، تلك المدينة التي شهدت الكثير من أحداث مصر التاريخية. كان والده الشيخ محمد صالح الجارم عالمًا من علماء الأزهر، وقاضيًا شرعيًّا بمدينة دمنهور. تلقى علي دروسه الأولى بمدينة رشيد، فأتم بها التعليم الابتدائي، وواصل تعليمه الثانوي بالقاهرة حيث التحق بالأزهر الشريف، واختار بعد ذلك أن يلتحق بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة. سافر عام ١٩٠٨م إلى إنجلترا وتحديدًا نوتينجهام لإكمال دراسته، فدرس هناك أصول التربية، ثم عاد إلى مصر عام ١٩١٢م بعد أربع سنوات قضاها في الغربة.

عُيِّن الجارم عقب عودته مدرسًا بمدرسة التجارة المتوسطة، ثم تدرج في مناصب التربية والتعليم حتى عُيِّن كبير مفتشي اللغة العربية بمصر، كما عمل الجارم وكيلًا لدار العلوم، وكان عضوًا مؤسِّسًا لمجمع اللغة العربية، وقد مَثَّل مصر في عدد من المؤتمرات العلمية والثقافية.

سَخَّر الجارم طاقاته الإبداعية وإمكانياته الثقافية في إنجاز العديد من الروايات الأدبية التاريخية التي تتخذ من التاريخ العربي موضوعًا لها، مثل: «فارس بني حمدان» و«هاتف من الأندلس» و«مرح الوليد» و«خاتمة المطاف» و«نهاية المتنبي». توفي علي الجارم عام ١٩٤٩م عن ثمانية وستين عامًا، وقد رثاه كبار أدباء ومفكري عصره.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤