ثَالِثَةُ الْأَثَافِي

Wave Image
قَــعَـدَتْ بِـقَـارِعَـةِ الـطَّـرِيـقِ تَـنُـوحُ
وَالـطِّـفْـلُ يَـجْـذِبُ رُدْنَـهَـا وَيَـصِيحُ
تَـبْـكِـي وَقَـدْ ضَحِكَ الْحَرِيقُ بِدَارِهَا
كَـالْـبَرْقِ يَضْحَكُ فِي الدُّجَى وَيَلُوحُ
ضَحِيَتْ وَقَدْ قَلِصَ الظِّلَالُ فَوَجْهُهَا
لِــلــشَّـمْـسِ فِـي وَجَـنَـاتِـهِ تَـلْـوِيـحُ
جَـرَّ الْـحَـرِيـقُ عَـلَـى الـدِّيَـارِ ذُيُـولَهُ
فَـجَـرَى لِـذَلِـكَ دَمْـعُـهَـا الْـمَـسْـفُوحُ
وَلَـقَـدْ وَقَـفْـتُ حِـيَـالَـهَـا وَمَـدَامِعِي
تَـسْـخُـو سِـوَى أَنَّ الْـعَـزَاءَ شَـحِـيحُ
فَـغَـدَا يُـلَـقِّـنُـنِـي الْأَسَـى مِـنْ عَيْنِهَا
لَــحْــظٌ بِــرَقْـرَاقِ الـدُّمُـوعِ سَـبُـوحُ
يَــا أَيِّــمًــا أَجْـرَى الْـغَـدَاةَ دُمُـوعَـهَـا
بَـيْـتٌ بِـجَـائِـحَـةِ الْـحَـرِيـقِ مَـجُوحُ
لَا تَــهْــلِــكِــي جَــزَعًـا فَإِنَّ بُـيُـوتَـنَـا
مَــا لِــلْــمُــلِــمِّ بِأَهْــلِــهَــا تَــسْـرِيـحُ
أَعَــلَـيْـكِ أَنْـتِ تَـضِـيـقُ كُـلُّ دِيَـارِنَـا
هَـــذِي وَأَكْـــثَـــرُهَـــا دِيَــارٌ فِــيــحُ
فَـاقْـنَـيْ عَـزَاءَكِ فَـالْـحَيَاةُ وَإِنْ أَرَتْ
بَــعْــضَ الــسُّـرُورِ فَـكُـلُّـهَـا تَـتْـرِيـحُ
قِـفْ بِـالـدِّيَـارِ فَـقَـدْ أَنَـاخَ بِـهَا الْبِلَى
وَانْـظُـرْ فَـقَـدْ قَـرَعَـتْ بِـهِـنَّ السُّوحُ
نَـزَلَ الْـحَـرِيـقُ بِـهَـا فَـشَـتَّتَ شَمْلَهَا
فَـغَـدَتْ عِـرَاصًـا وَهْـيَ قَبْلُ صُرُوحُ
بَـكَـرَ الـشُّـوَاظُ بِـهَـا يُـنَضْنِضُ أَلْسُنًا
مِـنْ هَـوْلِ مَـطْـلَـعِـهَـا تَـذُوبُ الرُّوحُ
نَـشَـرَ الـلَّـهِـيـبُ عَلَى الْبُيُوتِ مُلَاءَةً
حَـمْـرَاءَ تَـصْـفِـقُ جَـانِـبَـيْـهَـا الـرِّيحُ
فَـتَـعَـبَّـسَـتْ مِـنْـهُ السَّمَاءُ وَأَمْطَرَتْ
نَــارًا وَقَــدْ أَخَـذَ الـلَّـهِـيـبُ يَـسِـيـحُ
وَعَـلَا الـدُّخَانُ عَلَى الْبُيُوتِ سَحَائِبًا
بَــرْقُ الْــمَــهَــالِــكِ بَــيْـنَـهُـنَّ لَـمُـوحُ
أَمَّــا الــشَّــرَارُ فَــكَـانَ وَبْـلًا مُـنْـبِـتًـا
نُــوَبًــا بِــرَائِــحَــةِ الــدَّمَــارِ تَــفُـوحُ
وَالـشَّـمْسُ قَدْ كُسِفَتْ بِجَوْنِ دُخَانِهِ
وَبَــدَتْ عَــلَــيْــهَـا سَـفْـعَـةٌ وَكُـلُـوحُ
•••
يَـا قَـوْمُ سَـاءَ مَـصِـيرُكُمْ فَإِلَى مَتَى
لَا تَــسْـمَـعُـونَ لِـمَـا يَـقُـولُ نَـصِـيـحُ
هَــلَّا أَخَـذْتُـمْ لِـلْـخُـطُـوبِ عَـتَـادَهَـا
كَــيْ لَا يَــكُــونَ لَــهَـا بِـكُـمْ تَـبْـرِيـحُ
هَــذَا الْــحَــرِيــقُ وَكُــلُّ يَــوْمٍ نَــارُهُ
تَـــغْــدُو عَــلَــيْــكُــمْ تَــارَةً وَتَــرُوحُ
فَــالــنَّـارُ مَـا بَـرِحَـتْ تَـفُـوهُ بِأَلْـسُـنٍ
ذُرْبٍ وَإِنَّ كَـــلَامَـــهَـــا لَــفَــصِــيــحُ
لِـمَ لَـمْ تَـعُـوا مَـا قُـلْـنَ قَـبْلُ مُكَرَّرًا؟
أَوَمَــا كَــفَــاكُــمْ ذَلِـكَ الـتَّـصْـرِيـحُ؟
نِـمْـتُـمْ إِلَـى نُـوَبِ الـزَّمَـانِ فَإِنْ أَتَتْ
قُــمْـتُـمْ كَـمَـا يَـتَـمَـلْـمَـلُ الْـمَـذْبُـوحُ
وَأَهَــمَّــكُـمْ أَدْنَـى الْأُمُـورِ وَفَـاتَـكُـمْ
نَــظَـرٌ إِلَـى الْأَمْـرِ الْـقَـصِـيِّ طَـمُـوحُ
كَـمْ فِـي الْحَوَادِثِ مِنْ نَذِيرٍ قَدْ أَتَى
فِــيــكُــمْ بِأَسْــرَارِ الــزَّمَــانِ يَـبُـوحُ
أَمَّــا الْــحَــرِيــقَـانِ الـلَّـذَانِ تَـقَـدَّمَـا
فَــكِــلَاهُــمَــا شِـقٌّ لَـكُـمْ وَسَـطِـيـحُ
قَـــدْ أَنْــذَرَاكُــمْ بِــالْــخَــرَابِ وَأَنْــبَآ
أَنَّ الــتَّــرَاخِـيَ فِـي الْأُمُـورِ قَـبِـيـحُ
عَـجَـبِي إِلَى تِلْكَ الْمَصَائِبِ كَيْفَ قَدْ
نُــسِــيَــتْ وَلَــمْ تَـبْـرَأْ لَـهُـنَّ جُـرُوحُ
سُـرْعَـانَ مَـا تَـنْسُونَ عُظْمَ مُصَابِكُمْ
وَلَــوَ انَّ شُــقَّــةَ مُــنْــتَــهَـاهُ طَـرُوحُ
لَا تَــسْــتَــنِــيـمُـوا لِـلـزَّمَـانِ فَأَخْـذُهُ
خَـلْـسٌ وَقَـوْسُ الْـحَـادِثَـاتِ ضَرُوحُ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الكامل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤