لِمَنْ جِيرَةٌ سِيمُوا النَّوَالَ فَلَمْ يُنْطُوا

Wave Image
لِـمَـنْ جِـيـرَةٌ سِيمُوا النَّوَالَ فَلَمْ يُنْطُوا
يُــظَــلِّــلُــهُـمْ مَـا ظَـلَّ يُـنْـبِـتُـهُ الْـخَـطُّ
رَجَـوْتُ لَـهُـمْ أَنْ يَـقْـرُبُـوا فَـتَـبَـاعَـدُوا
وَأَنْ لَا يَـشِـطُّـوا بِـالْـمَـزَارِ فَـقَـدْ شَطُّوا
يَـــمَــانُــونَ أَحْــيَــانًــا شَآمُــونَ تَــارَةً
يُـعَـالُـونَ عَـنْ غَـوْرِ الْـعِـرَاقِ لِـيَنْحَطُّوا
بِــنَــازِلَــةٍ سِــقْـطَ الْـعَـقِـيـقِ بِـمِـثْـلِـهَـا
دَعَـا أَدْمُـعَ الْـكِـنْدِيِّ فِي الدِّمَنِ السِّقْطُ
تَــجِــلُّ عَــنِ الــرَّهْــطِ الْإِمَـائِـيِّ غَـادَةٌ
لَـهَـا مِـنْ عَـقِـيـلٍ فِـي مَـمَـالِـكِـهَا رَهْطُ
وَحَـرْفٍ كَـنُـونٍ تَـحْـتَ رَاءٍ وَلَـمْ يَـكُـنْ
بِــدَالٍ يَــؤُمُّ الــرَّسْــمَ غَــيَّـرَهُ الـنَّـقْـطُ
قُــرَيْــطِــيَّــةُ الْأَخْـوَالِ أَلْـمَـعَ قُـرْطُـهَـا
فَـــسَـــرَّ الــثُّــرَيَّــا أَنَّــهَــا أَبَــدًا قُــرْطُ
إِذَا مَــشَــطَــتْــهَـا قَـيْـنَـةٌ بَـعْـدَ قَـيْـنَـةٍ
تَـضَـوَّعَ مِـسْـكًـا مِـنْ ذَوَائِـبِـهَـا الْمِشْطُ
تُـقَـلِّـدُ أَعْـنَـاقَ الْـحَـوَاطِبِ فِي الدُّجَى
فَــرِيــدًا فَـمَـا فِـي عُـنْـقِ مَـاهِـنَـةٍ لَـطُّ
وَيُـرْفَـعُ إِعْـصَـارٌ مِـنَ الـطِّـيـبِ لَا يُـرَى
عَـلَـيْـهِ انْـتِـصَـارٌ كُـلَّـمَـا سُـحِبَ الْمِرْطُ
غَـدَتْ تَـحْـتَ رَاحٍ يَجْذِبُ السِّتْرَ مِثْلَمَا
تَــنَــسَّــمَ رَاحٌ بِـالْـمُـدِيـرِ لَـهَـا تَـسْـطُـو
وَقَـدْ ثَـمِـلَ الْـحَـادِي بِـهَـا مِـنْ نَـسِيمِهَا
كَأَنْ غَــالَــهُ مِــنْ كَـرْمِ بَـابِـلَ إِسْـفِـنْـطُ
رَأَتْ كَــوْثَــرَيْ رِسْــلٍ وَخَــمْــرٍ بِـجَـنَّـةٍ
شَآمِــيَــةٍ مَــا أُكْــلُ سَــاكِـنِـهَـا خَـمْـطُ
يُــصَــبِّــحُـهَـا سَـيْـلَا حَـلِـيـبٍ وَقَـهْـوَةٍ
عَـلَـى أَنَّـهَـا تُـعْـطَى الصَّبُوحَ فَمَا تَعْطُو
كَـــتَـــابِــعِ أُمٍّ تَــبْــتَــغِــي تُــبَّــعًــا لَــهُ
وَمَـا ضَـاعَـهَـا نَـجْـلٌ سِـوَاهُ وَلَا سِـبْـطُ
إِذَا شَــرِبَ الْأُرْفِــيَّ مَــالَ بِــهِ الْــكَـرَى
إِلَــى سِــدْرَةٍ أَفْـنَـانُـهَـا فَـوْقَـهُ تَـغْـطُـو
أَجَـــارَتَــنَــا أَنْ صَــابَ دَارَةَ قَــوْمِــنَــا
رَبِـيـعٌ فَأَضْـحَـى مِـنْ مَـنَـازِلِـنَـا السَّنْطُ
إِذَا حَــمَـلَـتْـكِ الْـعِـيـسُ أَوْدَى بَأَيْـدِهَـا
جَــلَالُـكِ حَـتَّـى مَـا تَـكَـادُ بِـهِ تَـخْـطُـو
خَـدَتْ بِـسِـوَاكِ النَّاقِلَاتُكِ فِي الضُّحَى
بِــمَــشْــيٍ سِـوَاكٍ لَا تُـجِـدُّ وَلَا تَـمْـطُـو
إِذَا مَـا عَـصَـتْ حُـكْـمَ الْـعَـصَا فَأَعَادَهَا
لَـهَـا ضَـارِبٌ كَـانَـتْ إِجَـابَـتُـهَـا الـنَّحْطُ
أَمِــنْ أَرَبٍ فِــي حَــمْــلِ خِـدْرِكِ دَائِـمًـا
تَـــثَــاقَــلُ حَــتَّــى لَا يُــلِــمَّ بِــهِ حَــطُّ
خَـلِـيـلَيَّ لَا يَخْفَى انْحِسَارِي عَنِ الصِّبَا
فَــحُــلَّا إِسَــارِي قَـدْ أَضَـرَّ بِـيَ الـرَّبْـطُ
وَلِــي حَــاجَــةٌ عِــنْـدَ الْـعِـرَاقِ وَأَهْـلِـهِ
فَإِنْ تَـقْـضِـيَـاهَـا فَـالْـجَزَاءُ هُوَ الشَّرْطُ
سَــلَا عُــلَــمَــاءَ الْــجَـانِـبَـيْـنِ وَفِـتْـيَـةً
أَبَــنُّــوهُـمَـا حَـتَّـى مَـفَـارِقُـهُـمْ شُـمْـطُ
أَعِــنْــدَهُــمُ عِــلْــمُ الــسُّــلُــوِّ لِـسَـائِـلٍ
بِــهِ الــرَّكْـبُ لَـمْ يَـعْـرِفْ أَمَـاكِـنَـهُ قَـطُّ
وَمَـــا أَرَبِـــي إِلَّا مُـــعَـــرَّسُ مَــعْــشَــرٍ
هُمُ النَّاسُ لَا سُوقُ الْعَرُوسِ وَلَا الشَّطُّ
وَمَـــا سَـــارَ بِـــي إِلَّا الَّــذِي غَــرَّ آدَمًــا
وَحَـوَّاءَ حَـتَّـى أَدْرَكَ الـشَّـرَفَ الْـهَـبْـطُ
أَخَــازِنَ دَارِ الْــعِــلْـمِ كَـمْ مِـنْ تَـنُـوفَـةٍ
أَتَـتْ دُونَـنَـا فِـيـهَـا الْـعَـوَازِفُ وَالـلَّغْطُ
وَمَــحْـوَاةِ أَرْضٍ صَـدَّ مَـحْـوَةَ بُـعْـدُهَـا
وَحِـيُّ الْـمَـنَـايَـا مِـنْ أَسَـاوِدِهَـا نَـشْـطُ
إِذَا جَــمَــحَــتْ خَــيْــلُ الْـكَـلَامِ فَإِنَّـمَـا
لَـدَيْـكَ يُـعَـانِـي مِـنْ أَعِـنَّـتِـهَـا الـضَّبْطُ
وَمَــا أَذْهَــلَــتْــنِــي عَـنْ وِدَادِكِ رَوْعَـةٌ
وَكَـيْـفَ وَفِـي أَمْـثَـالِـهِ يَـجِـبُ الْـغَـبْطُ
وَلَا فِـــتْـــنَـــةٌ طَـــائِـــيَّــةٌ عَــامِــرِيَّــةٌ
يُـحَـرَّقُ فِـي نِـيـرَانِـهَـا الْجَعْدُ وَالسَّبْطُ
وَقَـدْ طَـرَحَـتْ حَـوْلَ الْـفُـرَاتِ جِـرَانَهَا
إِلَـى نِـيـلِ مِـصْـرٍ فَـالْـوَسَـاعُ بِهَا تَقْطُو
فَــوَارِسُ طَــعَّــانُــونَ مَــا زَالَ لِـلْـقَـنَـا
مَـعَ الشَّيْبِ يَوْمًا فِي عَوَارِضِهِمْ وَخْطُ
وَكُــلُّ جَــوَادٍ شَــفَّــهُ الـرَّكْـضُ فِـيـهِـمُ
وَجٍ يَـــتَــمَــنَّــى أَنَّ فَــارِسَــهُ سِــقْــطُ
وَنَــبَّــالَــةٍ مِــنْ بُــحْــتُــرٍ لَـوْ تَـعَـمَّـدُوا
بِـلَـيْـلٍ أَنَـاسِـيَّ الـنَّـوَاظِـرِ لَـمْ يُـخْـطُوا
أَلَا لَــيْــتَ شِــعْـرِي هَـلْ أَدِيـنُ رَكَـائِـبًـا
أَمُــطُّ بِــهَــا حَــتَّـى يُـطَـلِّـحَـهَـا الْـمَـطُّ
وَهَـلْ يُـنْـشِـطَـنِّـي مِـنْ عِـقَـالِـي إِلَيْكُمُ
رِضَـا زَمَـنِـي أَمْ كُـلُّ شِـيـمَـتِهِ سُخْطُ؟
إِذَا أَنَــا عَــالَــيْــتُ الْــقُــتُــودَ لِـرِحْـلَـةٍ
فَــدُونَ عُــلَــيَّــانَ الْـقَـتَـادَةُ وَالْـخَـرْطُ
وَإِنْ خَــلَــطَــتْــنِــي بِــالـتُّـرَابِ مَـنِـيَّـةٌ
فَـبَـعْـضُ تُـرَابِـي مِـنْ مَـوَدَّتِـكُـمْ خِـلْطُ
فَــيَـا لَـيْـتَـنِـي طَـارَتْ بِـكُـورِي إِذَا دَنَـا
بُــكُــورِي قَـطَـاةٌ بِـالـصَّـرَاةِ لَـهَـا وَقْـطُ
لِأَقْــضِــيَ هَـمَّ الـنَّـفْـسِ قَـبْـلَ مَـجَـلَّـةٍ
كَأَنَّ عِــظَــامِــي الْـبَـالِـيَـاتِ بِـهَـا خَـطُّ
إِخَــالُ فُــؤَادِي ذَاتَ وَكْــرٍ هَــوَى بِـهَـا
مِـنَ الـطَّـيْـرِ أَقْـنَى الْأَنْفِ مِخْلَبُهُ سَلْطُ
تَــحُــثُّ جَــنَــاحًــا مِـنْ حِـذَارِ مُـغَـاوِرٍ
صَـبَاحًا فَقَبْضٌ يَجْمَعُ الرِّيشَ أَوْ بَسْطُ
تَـذَكَّـرُ إِنْ خَـافَـتْ مِـنَ الْـمَـوْتِ أَفْـرُخًا
بِـيَـهْـمَـاءَ لَـمْ يُـمْـكِـنْ أَصَـاغِـرَهَا اللَّقْطُ
تَـجَـاوَبُ فِـيـهَـا الـزُّغْبُ مِنْ كُلِّ وِجْهَةٍ
سُـحَـيْـرًا كَـمَـا صَـاحَ الـنَّبِيطُ أَوِ الْقِبْطُ
تُــــبَــــادِرُ أَوْلَادًا وَتَــــرْهَــــبُ مَـــارِدًا
يَـهُـونُ عَـلَـيْـهَـا عِـنْـدَ أَفْـعَـالِهِ السَّحْطُ
وَعَــنْ آلِ حَــكَّــارٍ جَــرَى سَـمَـرُ الْـعُـلَا
بِأَكْـمَـلِ مَـعْـنًـى لَا انْـتِـقَـاصٌ وَلَا غَمْطُ
فَإِنْ يُـنْـسِـهِـمْ أَمْـرَ الـسَّـفِـيـنَةِ فَضْلُهُمْ
فَـلَـيْـسَ بِـمُـنْـسِـيَّ الْفِرَاقُ وَلَا الشَّحْطُ
أُولَـئِـكَ إِنْ يَـقْـعُـدْ بِـكَ الْـجَاهُ يَنْهَضُوا
بِــجَـاهٍ وَإِنْ يُـبْـخَـلْ بِـنَـائِـلَـةٍ يُـعْـطُـوا
يَــرُوقُــونَ أَلْــفَـاظًـا وَإِنْ لَـمْ يُـفَـكِّـرُوا
وَكَـتْـبًـا وَإِنْ لَـمْ يُـصْـلِـحِ الْـقَـلَـمَ الْقَطُّ
وَمَـا قَـسَـطُـوا إِلَّا عَـلَـى الْـمَـالِ وَحْدَهُ
وَذَلِـكَ مِـنْـهُـمْ فِـي مَـكَـارِمِـهِـمْ قِـسْطُ
نَــعَــمْ حَـبَّـذَا بُـؤْسَـى أَزَارَتْ بِـلَادَهُـمْ
وَلَا حَــبَّــذَا نُــعْــمَـى بِـدَارِهِـمُ تَـنْـطُـو
شَــكَــرْتُــهُــمُ شُـكْـرَ الْـوَلِـيـدِ بِـفَـارِسٍ
رِجَـالًا بِـحِـمْـصٍ كَـانَ جَـدَّهُـمُ السِّمْطُ
وَلَا خَـيْـرَ فِـي مَـنْ لَيْسَ يَبْسُطُ شُكْرَهُ
عَـلَـى الْـقُـلِّ إِنَّ الْـخَـيْـرَ نَـاقَـتُـهُ بِـسْطُ

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: قال أبو العلاء المعري هذه القصيدة وهو محتجب بمعرة النعمان يخاطب خازن دار العلم ببغداد، ويصف حال الفتنة الكائنة بالشام، وأمر الزورق الذي كان نزل معه إلى بغداد، ومعاونة أبي أحمد الحكاري له على تخليصه من أصحاب الأعشار.
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: العباسي الثاني

عن الشاعر

أبو العلاء المَعَرِّي: شاعرٌ وفيلسوفٌ وأديبٌ عربيٌّ مِنَ العصرِ العبَّاسي، اشتُهِرَ بآرائِه وفلسفتِه المثيرةِ للجدلِ في وقْتِه.

وُلِدَ «أحمد بن عبد الله بن سليمان القُضاعي التنُوخي المَعَرِّي» المعروفُ ﺑ «أبي العلاء المَعَرِّي» عامَ ٣٦٣ﻫ بمَعَرَّةِ النُّعمانِ بسُوريا، وفقَدَ بصَرَه وهو صغيرٌ نتيجةً لمَرضِه بالجُدَري. أخَذَ علومَ القراءاتِ القرآنيةِ بإسنادٍ عنِ الشُّيوخ، كما تعلَّمَ الحديثَ في سنٍّ مُبكِّرة، وقالَ الشِّعرَ وهو ابنُ إحدى عشرةَ سنة، ورحلَ إلى بغدادَ عامَ ٣٩٨ﻫ فأقامَ بها سنةً وسبعةَ أَشْهُر، ثُم اعتزَلَ الناسَ لبعضِ الوقت؛ فلُقِّبَ ﺑ «رَهِينِ المَحْبسَيْن»؛ العَمَى والدَّار.

أمَّا شِعْرُه، وهو ديوانُ حكمتِه وفلسفتِه، فالمطبوعُ منه حتى الآن: «اللُّزوميَّات»، و«سِقْطُ الزَّنْد». وقد تُرجِمَ الكثيرُ من شِعْرِه إلى غيرِ العربيَّة، وأمَّا كُتبُه فكثيرةٌ وفِهرسُها في «مُعجَمِ الأُدَباء». من تَصانيفِه كتابُ «الأَيْك والغُصُون» في الأدب، يَزيدُ على مائةِ جُزْء، و«تاج الحُرَّة» في النساءِ وأخلاقِهنَّ وعِظاتِهِن، و«عَبَث الوَلِيد» شرَحَ فيه دِيوانَ البُحْتُريِّ ونقَدَه، و«رِسالة المَلائِكة» وهي صَغِيرة، و«رِسالة الغُفْران»، و«الفُصُول والغَايات».

عاش المعري متفلسفًا زاهدًا في الدنيا؛ إذ كانَ يَدعمُ حقوقَ الحيوانِ ويُحرِّمُ إِيلامَه، ولذا كان نباتيًا؛ فلمْ يَأكُلِ اللحمَ خمسًا وأربعينَ سنة، كما كانَ يَلبسُ خشِنَ الثِّياب، وكان له أراءه الخاصة في العقيدة، التي جعلت الآراء تختلف حول حقيقة إيمانه؛ إذ ذهب البعض إلى تكفيره واتهامه بالإلحاد، وإخراجِه مِنَ الإسلام، بينما دافَعَ عنه عميدُ الأدبِ العربيِّ «طه حسين» في عِدَّةِ كِتاباتٍ ومُؤلَّفات؛ أشْهرُها «معَ أبي العلاءِ في سجنِه». 

ظلَّ حبيسًا في بيتِه حتى وفاتِه عامَ ٤٤٩ﻫ بمنزلِه بمَعَرَّةِ النُّعْمان، وقد أَوْصى أن يُكتَبَ على قبْرِه عِبارة: «هذا جَناهُ أبي عليَّ، وما جَنيْتُ على أَحَد.» ويَقصدُ أنَّ أباه بزَواجِه من أمِّه أوْقَعَه في دارِ الدُّنيا. وقد وقَفَ على قبْرِه جمْعٌ غفيرٌ من أُدباءِ عصْرِه وشُعرائِه ورَثَوْه بثمانينَ مَرْثَاة.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤