ذُعْرُ الْمُحِبِّ

Wave Image
تَــعَــزَّلَ قَــلْــبِــي كُـلَّ شَـجْـوٍ وَفَـرْحَـةٍ
فَــقَــرَّ كَــمَــا قَــرَّتْ رُفَــاتُ الْــمَــقَـابِـرِ
وَمَــا كُــنْــتُ أَدْرِي أَنَّ لِلْــحُــبِّ عَــوْدَةً
إِلَـى الْـقَـلْبِ حَتَّى خِفْتُ صَرْفَ الْمَقَادِرِ
أَخَــافُ عَــلَـيْـكَ الـضُّـرَّ حَـتَّـى كَـأَنَّـنِـي
أَخَـافُ عَـلَـى قَـلْـبِـي وَسَمْعِي وَنَاظِرِي
كَـتَـمْـتُ الْـهَـوَى فِي الْقَلْبِ حَتَّى أَذَاعَهُ
وَجِـــيـــبٌ وَإِشْـــفَــاقٌ لِأَنْــبَــاءِ ذَاعِــرِ
فَــوَاحَـسْـرَتَـا مَـا لِـي وَلِلْـحُـبِّ بَـعْـدَمَـا
وَهَـى مِـنْـهُ قَـلْـبِـي بَـيْـنَ جَـانٍ وَنَـافِـرِ!
أُحَـيِّـيـكَ فِـي رَغْـدِ الـسَّـلَامَةِ لَمْ يَخَفْ
عَـلَـيْـكَ شَـفِـيـقٌ مِـنْ صُـرُوفِ الـدَّوَائِرِ
وَلَــمْ أَدْرِ مَــا ذُعْـرُ الْـمُـحِـبِّ وَلَـمْ أَبِـتْ
أُبَـاعِـدُ عَـنْ قَـلْـبِـي مَـخُـوفَ الْـخَوَاطِرِ
وَيُـسْـعِـدُنِـي مِـنْ شِـدَّةِ الـنَّـحْـسِ أَنَّـهَـا
نَــذِيــرٌ بِــإِقْــبَــالِ الْــحِـمَـامِ الْـمُـغَـامِـرِ
أُعَــالِــجُ آلَامَ الــدُّهُــورِ الَّــتِــي خَــلَـتْ
كَــأَنِّــي مَــنَــاكِــيــدُ الـدُّهُـورِ الْـغَـوَابِـرِ
فَــلَــيْـتَـكَ تَـدْرِي مَـا لَـقِـيـتُ وَلَـوْ دَرَى
جَــنَـانُـكَ مَـا أَلْـقَـاهُ مَـا كُـنْـتَ هَـاجِـرِي
وَيَــا عَــجَــبًـا لَـوْ كُـنْـتَ تَـجْـهَـلُ أَنَّـنِـي
لِأَجْـلِـكَ أَقْـضِـي اللَّـيْلَ رَطْبَ الْمَحَاجِرِ
وَيَــا عَــجَــبًـا لَـوْ كُـنْـتَ تَـجْـهَـلُ أَنَّـنِـي
أَبِــيــتُ وَقَـلْـبِـي فِـي مَـخَـالِـبِ كَـاسِـرِ
أَمَــا خَــبَّـرَتْ عَـيْـنَـايَ عَـيْـنَـيْـكَ أَنَّـنِـي
أُحِـبُّـكَ حُـبَّ الـنَّـحْسِ خَصْبَ الْمَصَادِرِ
فَــقَــدْ خَــبَّــرَتْ عَـيْـنَـاكَ عَـيْـنَـيَّ إِنَّـمَـا
تَــرَاءَتْ لِــتَـشْـفِـي عَـاشِـقًـا جَـدَّ عَـاثِـرِ
شَــهِــيـدِيَ لَـيْـلٌ سَـامَـرَتْـنِـي نُـجُـومُـهُ
كَـمِ الْـتَـحْـتُ مِـنْ بَـرْحِ الْهُيَامِ الْمُخَامِرِ
وَكَــمْ بِــتُّ أَبْــكِــي أَسْــأَلُ اللــهَ رَاحَـةً
مِـنَ الْمَوْتِ لَوْ أَلْفَى لَدَى الْمَوْتِ نَاصِرِى
أَبِــنْ لِــيَ أَلْــفَــاظًــا مِــنَ الــنَّـارِ عَـلَّـهَـا
تُــؤَدِّيــكَ مَـا يَـلْـقَـاهُ قَـلْـبِـي وَنَـاظِـرِي
وَكُــلُّ بَــيَــانٍ عَــاجِــزُ اللَّــفْــظِ كَـاذِبٌ
فَـلَـيْـتَـكَ تُـلْـقِـي خَـاطِـرًا طَيَّ خَاطِرِي
وَلَــيْــتَــكَ رُوحٌ طَــيَّ رُوحِــيَ خَــابِــرٌ
وَلَـــيْـــتَـــكَ رَبٌّ عَــالِــمٌ بِــالــسَّــرَائِــرِ
وَمَــا إِنْ كَــتَــمْـتُ الْـحُـبَّ إِلَّا مَـخَـافَـةً
لِــفَــقْــدِكَ مِــنْ مَــسْــعَــاةِ لَاحٍ وَغَــادِرِ
فَـيَـا وَيْـحَ قَـلْـبِـي لَا صَـدِيـقٌ مُـصَـادِقٌ
وَلَا حِـــبَّ إِلَّا عَـــادَ عَـــوْنَ الْـــمَــقَــادِرِ
أَمِـــنْ أَرَبٍ أَحْـــيَـــا لِآسَـــى كَــأَنَّــنِــي
غِــذَاءٌ لِأَفْــوَاهِ الــشُّــجُــونِ الْــجَـوَائِـرِ
فَـيَـا نَـائِـيًـا أَغْـدِقْ عَـلَـى الْـقَلْبِ رَحْمَةً
بِـعَـيْـنَـيْـنِ نَـجْـلَاوَيْـنِ مِـنْ صُنْعِ سَاحِرِ
وَعَـطْـفُـكَ عِـنْـدِي نُـهْـزَةٌ لَـيْـسَ بَـعْدَهَا
إِلَـــى أَبَـــدِ الْآبَـــادِ إِسْـــعَـــادُ خَــاسِــرِ
فَــيَــا دَهْـرُ كَـفِّـرْ عَـنْ هُـمُـومِـيَ كُـلِّـهَـا
بِمَرْأَى حَنَانِ الْحُسْنِ مِنْ طَرْفِ هَاجِرِى
أَلَــيْــسَ قَــلِــيــلًا نُــهْــزَةٌ لَــوْ يَــنَـالُـهَـا
أَخُـو الْـمَـوْتِ مِـنْ خُلْدِ اللُّهَى وَالذَّخَائِرِ
فَـــيَـــا لَـــبَــلَائِــي لَا عَــزَاءَ أُصِــيــبُــهُ
عَـنِ الْـحُـبِّ وَالْـخِـلِّ الْـحَـبِـيبِ الْمُؤَازِرِ
وَإِنْ كُــنْــتُ أَدْرِي أَنَّ عَـيْـشِـيَ خُـدْعَـةٌ
وَحُــلْــمٌ تَــقَــضَّـى أَوْ أَكَـاذِيـبُ سَـامِـرِ
أَرَى الـزَّهْـرَ غَـضًّـا يَـانِـعًـا طَـلَّـهُ الـنَّـدَى
مَــلِــيًّـا بَـأَنْ يَـشْـجُـو ظِـمَـاءَ الـنَّـوَاظِـرِ
فَــأَحْــسَــبُــهُ دَمْــعًـا لِـذِكْـرَى غَـرَامِـنَـا
وَأَنْـــفَـــاسِ أَيَّـــامِ اللِّــقَــاءِ الْــغَــوَابِــرِ
أَتَـــذْكُـــرُ وَعْـــدًا بِـــاللِّــقَــاءِ بَــذَلْــتَــهُ
بِــمُــجْــتَــمَــعِ الْأَطْــيَـارِ بَـيْـنَ الْأَزَاهِـرِ
وَلَـيْـلًا طَـرَقْـنَـاهُ سَـمِـيرَيْنِ فِي الدُّجَى
كَـمَـا جَـالَ سِـرُّ الْـوَحْـيِ بَـيْـنَ الـسَّرَائِرِ
طَــرَقْــتُـكَ يَـا لَـيْـلَ اللِّـقَـاءِ فَـرُقْـتَـنِـي
بِــلَــذَّاتِ حُــبٍّ كَــالــنُّــجُـومِ الـزَّوَاهِـرِ
فَـهَـلْ مِـنْ مُـعِـيـدٍ لِـي لِـقَـاءً مَـضَـى لَنَا
وَعَــهْــدًا تَـقَـضَّـى بَـيْـنَ إِلْـفٍ وَنَـاصِـرِ؟
وَلَا تَــتْـرُكَـنِّـي ذَاكِـرًا عَـهْـدَ مَـا مَـضَـى
كَــعَـادٍ يُـرَجِّـي الـذُّخْـرَ بَـيْـنَ الْـمَـقَـابِـرِ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

عبد الرحمن شكري: شاعرٌ مِصْري، وأحدُ مُؤسِّسي مدرسةِ الديوانِ الشِّعرية، وصَفتْه الدكتورة «سهير القلماوي» بأنه الشَّاعرُ الذي أنزلَ العقلَ مِن على عَرشِه في إلهامِ الشُّعراء؛ فشِعْرُه خيالٌ مُتحرِّرٌ يرفضُ حدودَ الزمانِ والمكان. وقد أحدثَتْ أشعارُه نَقلةً تَجديدِيةً في مضمونِ الشِّعرِ العربي؛ فتحوَّلتْ به من شاطئِ العقلِ إلى بحرِ الخيال.

وُلِدَ «عبد الرحمن شكري عيَّاد» ببورسعيد عامَ ١٨٨٦م، لأسرةٍ ذاتِ أصولٍ مَغربِية، وقد كانَ لها دَورٌ مُؤثِّرٌ في حياتِه؛ حيثُ كانَ لزوجةِ أخيه «أحمد شكري» — المُولَعةِ برِوايةِ الحكاياتِ والأساطير — دورٌ في إثراءِ خيالِه، كما كانَ في مكتبةِ أبيه ما يُرضي نَهَمَه من دَواوينِ الشِّعر.

قَضى فَصْلًا من عُمرِه معَ أبيه ببورسعيد حتى نالَ الشَّهادةَ الابتدائية، ثُمَّ انتقلَ إلى الإسكندريةِ ليَلتحِقَ بمَدْرسةِ رأسِ التينِ الثانويةِ التي ظَلَّ بها أربعَ سَنواتٍ لينالَ منها الشَّهادةَ الثانويةَ (البكالوريا)، ثُم الْتَحقَ بمَدْرسةِ الحقوقِ إبَّانَ احتدامِ الحركةِ الوطنيةِ التي أتاحتْ له التعرُّفَ على «مصطفى كامل» زعيمِ الحركةِ الوطنيةِ في ذلكَ الوَقْت، والذي طلَبَ منه أنْ يعملَ مُحرِّرًا بجريدةِ «اللِّواء»، ونصَحَه أنْ يَلتحقَ بمدرسةِ المُعلِّمينَ فيَنهلَ من مَعِينِها ليكونَ عَوْنًا له في مَيْدانِ الصَّحافة.

وقد عطَّرَ «عبد الرحمن شكري» رَوْضةَ الأدبِ بالعديدِ من دواوينِه وقصائدِه، ومنها: دِيوانُ «ضَوْء الفَجر»، و«لَآلِئ الأَفْكار»، و«أناشيد الصِّبا»، و«زَهْر الرَّبيع»، و«الخَطَرات»، و«الأَفْنان»، و«أَزْهار الخَرِيف»، ونُشِر ديوانُه الثامنُ بعدَ مَوتِه ضمنَ الأعمالِ الكامِلة. بَدأَ شاعِرُنا صِراعَه معَ المرضِ صيفَ عامَ ١٩٥٧م، إلى أنْ صادَه الموتُ عامَ ١٩٥٨م.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤