زَهْرَةُ الصَّخْرِ

Wave Image
آنَــسْــتَــنِــي بِــالْأَمَـلِ الْـمُـغْـرِي
يَـا مُـوحِـشِـي بِـالـنَّـظَـرِ الـشَّـزْرِ
أَعُــوذُ مِــنْ ذِكْــرِيــكَ بِـالـصَّـبْـرِ
وَأَيْــنَ مِــنِّــي رَاحَــةُ الــصَّــبْــرِ
يَـا نَـجْـمَ أَرْضِـي يَا سَمَاءَ الْهَوَى
تُـومِـضُ فِـيـهَـا أَنْـجُـمُ الـسِّـحْـرِ
خَـوَاطِـرِي الـسَّـوْدَاءُ مَـغْـرُوسَةٌ
فِـي الـذِّهْـنِ كَـالسَّرْحَةِ وَالصَّدْرِ
تَسْوَدُّ مِنْهَا الشَّمْسُ رَأْدَ الضُّحَى
فَـالْـعَـيْـشُ لَـيْـلٌ سَـابِـغُ الـسَّـتْـرِ
مَــا لِــي أَرَى كَــفِّــيَ مَــمْــلُـوءَةً
مِــنْ كُــلِّ مَــا أَكْــرَهُ مِـنْ دَهْـرِي
لَــكِــنَّــهَــا خَـالِـيَـةٌ مِـمَّـا عَـسَـى
يُـــحْــلِــي مَــذَاقَ الْأَلَــمِ الْــمُــرِّ
يَــا مُـجْـرِيَ الـنَّـهْـرِ إِلَـى الْـبَـحْـرِ
وَمُــسْـقِـطَ الـطَّـلِّ عَـلَـى الـزَّهْـرِ
وَجَـامِـعًـا بَـيْـنَ الـثَّـرَى وَالْـحَـيَا
عِــنْــدَ الْـتِـيَـاحِ الْأَرْضِ لِـلْـقَـطْـرِ
وَنَـاظِـمًـا فِـي خَيْطِ هَذَا الدُّجَى
عُــقُــودَ هَــذِي الْأَنْــجُـمِ الـزُّهْـرِ
وَوَاهِـبَ الْـمَـوْجَـةِ صَـدْرَ اخْـتِهَا
وَالْأَغْــصُــنِ الْــمُــيَّـسِ لِـلـطَّـيْـرِ
أَطْـفِـئْ بِـمَاءِ الْقُرْبِ جَمْرَ الْهَوَى
وَزَوِّجِ الْــحُــسْــنَ مِــنَ الـشِّـعْـرِ
لِأُغْــرِقَ الــسَّـاعَـاتِ فِـي قُـبْـلَـةٍ
مِــنْ خَــدِّهِ الْــوَاضِــحِ وَالـثَّـغْـرِ
مَــاذَا تُــرَى يَــمْــنَــعُـنِـي قُـرْبُـهُ
لَــوْ أَنَّ فِــي الْـعَـالَـمِ مَـنْ يَـدْرِي
أَبَــيْــنَــنَــا بَـحْـرٌ يَـرُدُّ الْـخُـطَـى
أَمْ تَــقْــذِفُ الـنِّـيـرَانُ بِـالْـجَـمْـرِ
أَمْ سُــدَّتِ الْأَرْضُ فَــلَا وِجْــهَــةٌ
أَمْ حَـالَ ظِـلُّ الْـمَـوْتِ أَنْ نَسْرِي
أَيَـنْـقَـضِـي الْـعُمْرُ وَمَا صَافَحَتْ
عَــيْــنَــايَ عَــيْــنَــيْــهِ بِـلَا ذُعْـرِ
وَلَا جَـرَى فِـي مِـسْـمَـعِي صَوْتُهُ
جَـرْيَ نَـمِـيـرِ الْـمَـاءِ فِـي الْـغُـدْرِ
وَلَا تَـــخَـــطَّــيْــتُ وَلَــوْ ظِــلَّــهُ
فَـمَـا انْـتِـفَـاعِـي الْـيَـوْمَ بِالْعُمْرِ؟
حَـتَّـى الْـكَـرَى يُـبْـدِيهِ لِي مُبْهَمًا
كَـالـزَّهْـرِ فِـي أَكْـمَـامِـهِ الْـخُـضْرِ
أَوْ حَـاجِـبِ الـشَّـمْـسِ إِذَا مَا بَدَا
بَــــيْـــنَ غَـــمَـــامٍ دَنِـــفِ الـــذَّرِّ
كَأَنَّــــمَــــا الْأَحْـــلَامُ أَسْـــتَـــارُهُ
تَــصْــرِفُ عَــنْــهُ نَــظَــرَ الْـفِـكْـرِ
أَدْعُـوهُ فِـي الْأَحْلَامِ حُلْوَ الْجَنَى
عَـلَـى سَـبِـيـلِ الْـهُـزْءِ وَالـسُّـخْـرِ
وَقَـــدْ أُنَــادِيــهِ، وَمَــا أَفْــتَــرِي،
يَـا زَهْـرَةً صِـيـغَـتْ مِـنَ الـصَّخْرِ
وَرُبَّــمَــا سَــمَّــيْــتُــهُ بِــاسْــمِــهِ
كَأَنَّـــمَـــا لَا شَـــكَّ فِـــي الْأَمْـــرِ
إِنْ كُــنْـتَ حَـقًّـا حُـلُـمًـا سَـاحِـرًا
فَــهَــلْ تُــرَى أَحْــلُــمُ بِــالْـهَـجْـرِ
وَبِــالْأَسَــى وَالْــحُـرُقَـاتِ الَّـتِـي
مَــا أَطْــفَأَتْــهَــا عَــبْــرَةٌ تَـجْـرِي
رَاحَ عَـلَـى عِـطْـفَيَّ ثَوْبُ الْأَسَى
مُـحْـلَـوْلِـكَ الْـمِـجْـوَلِ وَالـصَّـدْرِ
وَآدَنِـــي ثِـــقْـــلُ الْـــهَــوَى إِنَّــهُ
حَــقِــيــبَــةٌ مَــلْأَى مِــنَ الــشَّــرِّ
وَعَـــمَّـــقَ الْأَحْـــزَانَ أَنِّـــي أَرَى
نَـفْـسِـيَ فِـي مِـثْـلِ دُجَـى الْـقَبْرِ
يَــا لَــيْــتَ لِــلــزَّفْــرَةِ رُوحًـا إِذَا
أَصْـعَـدْتُـهَـا تَـكْـشِـفُ عَـنْ سِـرِّي
لَا غَـــايَـــةٌ لِـــي أَتَــعَــزَّى بِــهَــا
حِـــيــنًــا وَلَا أَقْــنَــعُ بِــالــذِّكْــرِ
هُــوَ الْــمُـنَـى لَـوْ أَنَّ لِـي حِـيـلَـةً
آهٍ عَــلَــى مُــلْــتَــمَـسِـي الْـوَعْـرِ
يَــا مِــلْءَ عَـيْـنِـي وَفُـؤَادِي أَمَـا
تَــنَـفَّـسُ الْـبُـلْـجَـةُ فِـي الْـفَـجْـرِ
ذِكْـرُكَ نُـسْـكٌ لِـيَ تَـحْتَ الدُّجَى
فَأَيْـــنَ مِـــحْـــرَابِــيَ وَا حَــرِّي!
وَأَيْــنَ لَا أَيْــنَ بَــخُــورُ الْــهَـوَى
أَنْــفَــاسُــكَ الْــقُـطْـرِيَّـةُ الـنَّـشْـرِ
يَـــا رَبِّ إِنِّـــي حَـــافِـــلٌ أَمْـــرَهُ
وَلَا أَرَاهُ حَــــــافِــــــلًا أَمْــــــرِي
لَـمْ تَـقْـضِ لِـي مِـنْـهُ سِـوَى حُبِّهِ
وَذَا قَـــضَـــاءٌ بَـــيِّـــنُ الْــجَــوْرِ
فَــازْدَحَــمَ الْــقَــلْــبُ بِأَحْــبَـابِـهِ
مِـثْـلَ ازْدِحَـامِ الـرَّأْسِ بِـالـشَّـعْرِ
فَــلَـيْـتَـنِـي كَـانَ لِـحُـبِّـي صَـدًى
يُــبِــيــتُــهُ مِــنِّــي عَــلَــى ذُكْــرِ
يَـا شِـقْـوَةَ الْـعَـاشِـقِ أَمْسَى وَمَا
يُــحِـسُّـهُ الْـمَـعْـشُـوقُ أَوْ يَـدْرِي
وَهَـلْ يُـفِـيـدُ الصَّبَّ أَنْ يَشْتَكِي
فِـي شِـعْـرِهِ طَـوْرًا وَفِـي الـنَّـثْـرِ
كَأَنَّــنِــي إِذْ أَتَــشَــكَّــى الْــهَـوَى
مُــحَــدِّثٌ نَـفْـسِـيَ فِـي الْـجَـهْـرِ
إِنْ هِـــيَ إِلَا أَسْـــطُـــرٌ قَـــلَّــمَــا
يَــعْــبُــرُهَـا وَا ضَـيْـعَـةَ الـشِّـعْـرِ
دَفَــنْــتُ فِـيـهَـا كُـلَّ مَـا مَـرَّ بِـي
وَهَــلْ لِــمَــا يُــدْفَــنُ مِـنْ نَـشْـرِ
مَــــا أَضْأَلَ الْآمَــــالَ زَادًا وَمَـــا
أَخْــوَنَــهَـا فِـي مَـوْقِـفِ الـنَّـصْـرِ
مَـنْ زَاحَـفَ الْأَيَّـامَ فِـي جَـيْشِهَا
فَــبِــالــطِّــلَا كَــرَّ عَــلَــى الْـبُـتْـرِ
وَمَـنْ أَبَـى غَـيْـرَ الْـمُـنَـى حِـيـلَةً
أَسْــلَــمَــهُ الْــحَــظُّ إِلَـى الْـعَـثْـرِ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: السريع
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

إبراهيم عبد القادر المازني: شاعرٌ وروائيٌّ وناقدٌ وكاتبٌ مصريٌّ مِن رُوَّادِ النهضةِ الأدبيةِ العربيةِ في العصرِ الحديث. استَطاعَ أن يجدَ لنفسِه مَكانًا مُتميِّزًا بين أقطابِ مُفكِّري عَصرِه، وأسَّسَ معَ كلٍّ مِن عباس العَقَّاد وعبد الرحمن شُكري «مدرسةَ الديوانِ» التي قدَّمتْ مفاهيمَ أدبيةً ونَقديةً جديدة، استوحَتْ رُوحَها مِن المدرسةِ الإنجليزيةِ في الأدَب.

وُلدَ «إبراهيم محمد عبد القادر المازني» في القاهرةِ عامَ ١٨٩٠م، ويَرجعُ أصلُه إلى قريةِ «كوم مازن» بمُحافظةِ المُنوفية. تخرَّجَ مِن مَدرسة المُعلِّمين عامَ ١٩٠٩م، وعملَ بالتدريسِ لكنه ما لبثَ أنْ ترَكَه ليَعملَ بالصحافة، حيثُ عملَ بجريدةِ الأخبار، وجريدةِ السياسةِ الأُسبوعية، وجريدةِ البلاغ، بالإضافةِ إلى صُحفٍ أُخرى، كما انتُخبَ عُضوًا في كلٍّ مِن مجمعِ اللغةِ العربيةِ بالقاهرةِ والمجمعِ العِلميِّ العربيِّ بدمشق، وساعَدَه دُخولُه إلى عالمِ الصحافةِ على انتشارِ كتاباتِه ومقالاتِه بينَ الناس.

قرَضَ في بدايةِ حياتِه الأدبيةِ العديدَ من دواوينِ الشعرِ ونَظْمِ الكلام، إلا أنه اتَّجهَ بعدَ ذلك إلى الكتابةِ النَّثريةِ واستغرقَ فيها، فقدَّمَ تُراثًا غَزيرًا من المقالاتِ والقصصِ والرِّوايات. عُرِفَ ناقدًا مُتميِّزًا، ومُترجِمًا بارعًا، فترجمَ مِنَ الإنجليزيةِ إلى العربيةِ العديدَ مِن الأعمالِ كالأَشعارِ والرواياتِ والقصص، وقالَ العقادُ عنه: «إنَّني لمْ أَعرفْ فيما عرفتُ مِن ترجماتٍ للنَّظمِ والنثرِ أديبًا واحدًا يفوقُ المازنيَّ في الترجمةِ مِن لغةٍ إلى لغةٍ شِعرًا ونثرًا.»

تميَّزَ أُسلوبُه سواءٌ في الكتابةِ الأدبيةِ أو الشِّعريةِ بالسخريةِ اللاذعةِ والفكاهة، واتَّسمَ بالسلاسةِ والابتعادِ عَنِ التكلُّف، كما تميَّزتْ موضوعاتُه بالعمقِ الذي يدلُّ على سعةِ اطِّلاعِه، ولا ريبَ في ذلك؛ فقد شملَتْ قراءاتُه العديدَ مِن كُتبِ الأدبِ العربيِّ القديم، والأدبِ الإنجليزيِّ أيضًا، هذا بالإضافةِ إلى قراءتِه الواسعةِ في الكُتبِ الفلسفيةِ والاجتماعية. وعمَدَ المازنيُّ في مدرستِه الأدبيةِ إلى وصفِ الحياةِ كما هي، دونَ إقامةِ معاييرَ أخلاقية، فكانَ في بعض كتاباتِهِ خارجًا عن التقاليدِ والأَعرافِ السائدةِ والمُتداوَلة.

وقد رحلَ المازنيُّ عن عالَمِنا في شهرِ أغسطس من عامِ ١٩٤٩م.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤