خَمِيلَةُ الْحُبِّ

Wave Image
تَــمَــهَّــلْ رَعَــاكَ اللـهُ أَقْـضِ لُـبَـانَـتِـي
وَأَتْـلُ عَـلَـى تِـلْـكَ الـرِّيَـاضِ تَـحِـيَّـتِي
فَـإِنِّـي تَـعَـلَّـمْـتُ الْـهَـوَى فِـي ظِـلَالِـهَا
وَفِــيــهَــا رَأَيْـتُ الْـحُـسْـنَ أَوَّلَ رُؤْيَـةِ
تَـمَـهَّـلْ خَـلِـيـلِـي فِـي رُبَـاهَـا فَـعِنْدَهَا
نَـظَـرْتُ فَلَمْ أَمْلِكْ عَلَى الْحُبِّ نَظْرَتِي
نَــظَــرْتُ إِلَــى زَهْـرَيْـنِ؛ زَهْـرِ نَـبَـاتِـهَـا
وَزَهْـــرَةِ حُـــسْــنٍ نَــاضِــرٍ أَيِّ زَهْــرَةِ
هُـنَـا قَـدْ عَـرَفْـتُ الْعَيْشَ جَمًّا ضِيَاؤُهُ
وَقَـدْ كَـانَ قِـدْمًـا فِـي سَـوَادِ الـدُّجُـنَّةِ
هُـنَـا نَـالَـنِـي سِحْرُ الْهَوَى فِي نَسِيمِهَا
هُـنَـا كَـانَ بَـدْءُ الْـحُـبِّ قِدْمًا وَنَشْوَتِي
هُـنَـا مَـهْـدُ آمَـالِـي، هُـنَـا حُلْمُ يَقْظَتِي
هُـنَـا سَـكِـرَتْ نَـفْـسِـي غَـرَامًـا وَجُنَّتِ
هُـنَـا قَـدْ جَـرَعْـتُ الْـحُبَّ حَتَّى كَأَنَّنِي
جَــرَعْــتُ بِــهِ مِـنْ خَـمْـرَةٍ أَيِّ خَـمْـرَةِ
هُــنَــا زَادَ هَـذَا الْـقَـلْـبُ خَـفْـقًـا كَـأَنَّـهُ
جَـنَـاحُ قَـطَـاةٍ فِـي الـضُّـلُـوعِ أَجَـنَّـتِ
وَكَــمْ لِــيَ فِــيــهَـا مِـنْ أَمَـانٍ لَـذِيـذَةٍ
وَكَــمْ لِــيَ فِــيـهَـا مِـنْ لِـقَـاءٍ وَنَـظْـرَةِ
وَنَــاجَـيْـتُ فِـيـهَـا كُـلَّ غُـصْـنٍ لَـعَـلَّـهُ
رَأَى خَــطْـرَةً مِـنْ شُـبْـهَـةٍ أَيَّ خَـطْـرَةِ
وَسَـاءَلْـتُ فِـيـهَـا الطَّيْرَ هَلْ مَرَّ صِنْوُهُ
فَـغَـنَّـى مُـغَـنِّـي الـطَّـيْـرِ فِي كُلِّ أَيْكَةِ
وَنَــاجَـيْـتُ فِـيـهَـا كُـلَّ شَـادٍ وَأَعْـجَـمٍ
وَأَنْـتَ بَـعِـيـدٌ لَـسْـتَ تَـحْـنُـو لِلُـقْـيَتِي
وَهَـلْ تَـنْـفَـعُ الـنَّـجْوَى وَقَلْبُكَ صَخْرَةٌ
أَلَا خَـابَـتِ الـنَّـجْـوَى لَـدَى كُلِّ صَخْرَةِ
نَـعَمْ يَسْمَعُ النَّجْوَى الَّذِي طَابَ رُوحُهُ
فَــتُـعْـدِي عَـلَـى بُـعْـدٍ يَـرُوعُ وَغَـيْـبَـةِ
وَتُــدْنِــي أَلِــيـفًـا مِـنْ أَلِـيـفٍ مُـوَافِـقٍ
كَـأَنْ لَـمْ يَـرُعْ قَـلْـبَـيْـهِـمَا شَحْطُ غُرْبَةِ
فَـيَـا دَعْـوَةً بِـالـرَّوْضِ لَـمْ تَـلْقَ سَامِعًا
وَيَـا دَعْـوَةً بِـاللَّـيْـلِ، يَا طُولَ دَعْوَتِي!
إِلَامَ يُــحِــبُّ الْــقَــلْـبُ مَـنْ لَا يُـحِـبُّـهُ
وَحَـتَّى مَتَى يَحْنُو عَلَى غَيْرِ مُنْصِتِ؟
لَـعَـلَّـكَ يَـوْمًـا بَـعْـدَ شَـحْـطٍ مِنَ الصِّبَا
وَبَــعْــدَ مُــضِـيٍّ مِـنْ جَـمَـالٍ وَنَـضْـرَةِ
تَرَى فِي قَرِيضِي مَا مَضَى مِنْ نَضَارَةٍ
لِـوَجْـهِـكَ إِنَّ الْـحُـسْـنَ يُـجْـلَى بِذُكْرَةِ
فَـإِنَّ قَـرِيـضِـي جَـنَّـةُ الْـخُـلْـدِ حُـسْنُهُ
وَحُـسْـنُـكَ فِـيـهِ خَـالِـدٌ غَـيْـرُ مُـفْـلِـتِ
فَـلَا تَـنْـسَ حُـبِّـي عِـنْـدَهَـا وَلَوَاعِجِي
وَهَـلْ نَـافِـعِـي حُـبِّـي هُنَاكَ وَلَوْعَتِي؟
أَيُـرْضِـيـكَ شِـعْـرِي فِـيـكَ أَنَّـكَ وَحْيُهُ
وَأَنَّـكَ سِـحْـرِي يَـا حَـبِـيـبُ وَرُقْيَتِي؟
فَــمُــرْنِــيَ أَنْ أَهْــوَاكَ أَزْدَدْ مَــحَــبَّــةً
وَإِنْ كُـنْـتُ قَـدْ أَحْـبَـبْـتُ كُـلَّ مَـحَـبَّـةِ
فَــإِنَّ نَــعِــيــمًــا أَنْ أَبُــثَّــكَ لَـوْعَـتِـي
فَـتَـضْـحَـكَ جَـذْلَانًـا بِـبَـثِّـي وَعَـبْرَتِي
وَإِنَّ نَـــعِــيــمًــا أَنْ تَــرَانِــيَ بَــاكِــيًــا
فَـتَـمْـسَـحَ أَجْـفَـانِـي وَتُـوقِفَ دَمْعَتِي
فَـيَـا لَـيْـتَ شِـعْـرِي هَـلْ يَـرُوقُكَ أَنَّنِي
أُحِـبُّـكَ أَمْ تُـقْـرِي الْـهَـوَى كُـلَّ بِـغْـضَةِ
فَــإِنْ تَــكُــنِ الْأُخْــرَى فَـإِنِّـيَ مُـهْـلِـكٌ
مِـنَ اجْـلِـكَ حُـبِّي يَا حَبِيبُ وَمُهْجَتِي
فـــإِنَّ هَــلَاكَ الْــحُــبِّ حُــبٌّ لِــكَــارِهٍ
فَـإِنْ تَـمْـقُـتِ الـنَّـفْسَ الْمَشُوقَةَ أَمْقُتِ
فَـيَـا لَـيْـتَ لِـي مِـنْ صَـخْـرِ قَـلْـبِكَ آلَةً
فَــأَتْــلُــو عَــلَــيْـهَـا نَـغْـمَـةً أَيَّ نَـغْـمَـةِ
يَـئِـنُّ أَنِـيـنَ الْـعُـودِ مِـنْ شَـجْوِ ضَارِبٍ
فَــيَــسْـعَـدُ قَـلْـبِـي فِـي حَـنِـيـنٍ وَأَنَّـةِ
فَـيَـا صَـبْـوَةَ الْـقَـلْـبِ الْـعَـفِـيفِ وَهَمَّهُ
أُعِــيــذُكَ مِــنْ صَــدٍّ يَــرُوعُ وَجَــفْـوَةِ
بِـكَ الْـعَـيْـشُ حُـلْـوٌ وَالْـحَـيَـاةُ شَـهِيَّةٌ
فَــأَقْـطِـفُ مِـنْ أَثْـمَـارِ عَـيْـشٍ جَـنِـيَّـةِ
وَأَنْــهَـلُ فِـيـهِ مِـنْ رَحِـيـقٍ وَسَـلْـسَـلٍ
وَأُبْـــصِـــرُ فِـــيـــهِ جَــنَّــةً أَيَّ جَــنَّــةِ
وَأَنْـتَ جِـنَـانٌ أَنْـبَـتَ الْـحُـسْـنُ زَهْرَهَا
وَأَنْـــهَـــلَــهَــا مِــنْ كَــوْثَــرٍ فَــتَــرَوَّتِ
وَأَنْـتَ رَبِـيـعٌ لَـيْـسَ يُـخْشَى انْقِضَاؤُهُ
فَـأَيْنَ رَبِيعُ الْقَلْبِ، يَا طُولَ حَسْرَتِى؟!

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

عبد الرحمن شكري: شاعرٌ مِصْري، وأحدُ مُؤسِّسي مدرسةِ الديوانِ الشِّعرية، وصَفتْه الدكتورة «سهير القلماوي» بأنه الشَّاعرُ الذي أنزلَ العقلَ مِن على عَرشِه في إلهامِ الشُّعراء؛ فشِعْرُه خيالٌ مُتحرِّرٌ يرفضُ حدودَ الزمانِ والمكان. وقد أحدثَتْ أشعارُه نَقلةً تَجديدِيةً في مضمونِ الشِّعرِ العربي؛ فتحوَّلتْ به من شاطئِ العقلِ إلى بحرِ الخيال.

وُلِدَ «عبد الرحمن شكري عيَّاد» ببورسعيد عامَ ١٨٨٦م، لأسرةٍ ذاتِ أصولٍ مَغربِية، وقد كانَ لها دَورٌ مُؤثِّرٌ في حياتِه؛ حيثُ كانَ لزوجةِ أخيه «أحمد شكري» — المُولَعةِ برِوايةِ الحكاياتِ والأساطير — دورٌ في إثراءِ خيالِه، كما كانَ في مكتبةِ أبيه ما يُرضي نَهَمَه من دَواوينِ الشِّعر.

قَضى فَصْلًا من عُمرِه معَ أبيه ببورسعيد حتى نالَ الشَّهادةَ الابتدائية، ثُمَّ انتقلَ إلى الإسكندريةِ ليَلتحِقَ بمَدْرسةِ رأسِ التينِ الثانويةِ التي ظَلَّ بها أربعَ سَنواتٍ لينالَ منها الشَّهادةَ الثانويةَ (البكالوريا)، ثُم الْتَحقَ بمَدْرسةِ الحقوقِ إبَّانَ احتدامِ الحركةِ الوطنيةِ التي أتاحتْ له التعرُّفَ على «مصطفى كامل» زعيمِ الحركةِ الوطنيةِ في ذلكَ الوَقْت، والذي طلَبَ منه أنْ يعملَ مُحرِّرًا بجريدةِ «اللِّواء»، ونصَحَه أنْ يَلتحقَ بمدرسةِ المُعلِّمينَ فيَنهلَ من مَعِينِها ليكونَ عَوْنًا له في مَيْدانِ الصَّحافة.

وقد عطَّرَ «عبد الرحمن شكري» رَوْضةَ الأدبِ بالعديدِ من دواوينِه وقصائدِه، ومنها: دِيوانُ «ضَوْء الفَجر»، و«لَآلِئ الأَفْكار»، و«أناشيد الصِّبا»، و«زَهْر الرَّبيع»، و«الخَطَرات»، و«الأَفْنان»، و«أَزْهار الخَرِيف»، ونُشِر ديوانُه الثامنُ بعدَ مَوتِه ضمنَ الأعمالِ الكامِلة. بَدأَ شاعِرُنا صِراعَه معَ المرضِ صيفَ عامَ ١٩٥٧م، إلى أنْ صادَه الموتُ عامَ ١٩٥٨م.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤