ذِكْرَى الشَّيْخِ الْخَالِصِي

Wave Image
أَدْهَــقَ الــدَّهْــرُ بِــالْــمَــنِــيَّـةِ كَـاسَـهْ
مِــنْ قَـدِيـمٍ وَطَـافَ يَـسْـقِـي أُنَـاسَـهْ
كَــيْـفَ يُـرْجَـى طُـولُ الْـبَـقَـاءِ لِـحَـيٍّ
جَـــعَـــلَ الـــلـــهُ عُــمْــرَهُ أَنْــفَــاسَــهْ
تَــعِــسَــتْ هَــذِهِ الْــحَــيَــاةُ وَإِنْ كَــا
نَــتْ لَــعَــمْــرِي خَــلَّابَــةً حَــسَّــاسَـة
قَــصَّــرَتْــهَــا يَــدُ الْــحَــوَادِثِ لَــكِــنْ
قَـدْ أَطَـالَـتْ بِـهَـا عَـلَـى الْـحَـيِّ بَـاسَهْ
غَــيْــرَ أَنَّ الــسَّـعِـيـدَ مَـنْ بَـانَ عَـنْـهَـا
وَهْــوَ مُــسْــتَــثْــمِــرٌ بِــهَــا أَغْـرَاسَـهْ
وَالَّـذِي عَـاشَ مُـؤْنِـسًـا وَحْـشَـةَ الـنَّـا
سِ مُـــمِـــدًّا بِـــفَــضْــلِــهِ إِيــنَــاسَــهْ
مِـثْـلُ ذَاكَ الـشَّـيْـخِ الَّـذِي مُـذْ فَـقَـدْنَـا
هُ فَــقَــدْنَــا بِــهِ الـنُّـهَـى وَالْـكِـيَـاسَـة
نُــعِــيَ الْــخَــالِــصِـيُّ فَـارْتَـجَّـتِ الْأَنْـ
ـفُــسُ حُــزْنًــا مُــضَـرَّجًـا بِـحَـمَـاسَـة
هُــوَ ذَاكَ «الْــمَــهْــدِيُّ» أَحْـرَزَ سَـبْـقًـا
حِــيــنَ أَجْـرَى إِلَـى الْـهُـدَى أَفْـرَاسَـهْ
هُــوَ ذَاكَ الْــحَــبْـرُ الَّـذِي كَـانَ لِـلـشَّـرْ
عِ مُـــقِـــيــمًــا دَلِــيــلَــهُ وَقِــيَــاسَــهْ
كَـانَ فِـي الـدِّيـنِ آيَـةَ الـلـهِ أَفْـنَـى الْـ
ـعُـــمْـــرَ فِــيــهِ رِعَــايَــةً وَحِــرَاسَــة
أُفُــقُ الْــعِــلْــمِ قَــدْ بَــدَا مُــكْــفَــهِـرًّا
عِـــنْــدَمَــا أَطْــفَأَ الــرَّدَى نِــبْــرَاسَــهْ
إِنْ بَـكَـاهُ الـدِّيـنُ الْـحَـنِـيـفِـيُّ شَـجْـوًا
فَــــلِأَنْ كَــــانَ رُكْـــنَـــهُ وَأَسَـــاسَـــهْ
كَــانَ رِدْءًا لِــلْــحَــقِّ مُــرْتَــدِيَ الـتَّـقْـ
ـوَى فَـكَـانَـتْ طُـولَ الْـحَـيَـاةِ لِـبَـاسَهْ
وَلَــقَــدْ كَــانَ فِــي الْــعُــلُــومِ إِمَـامًـا
حَـيْـثُ فِـيـهَـا انْـتَـهَـتْ إِلَـيْـهِ الرِّيَاسَة
•••
أَنَــا أَبْــكِــي عَـلَـيْـهِ مِـنْ جِـهَـةِ الْـعِـلْـ
ـمِ وَأُغْـضِي عَنْ خَوْضِهِ فِي السِّيَاسَة
لَا لِأَنِّــــي أَرَاهُ فِـــيـــهَـــا مَـــلُـــومًـــا
بَــلْ لِأَنِّــي أَعِــيــبُ فِــعْـلَ الـسَّـاسَـة
لَـيْـسَ فِـي هَـذِهِ الْـهَـنَـاتِ الـسِّـيَـاسِيَّـ
ـاتِ إِلَّا مَــا يَـنْـجَـلِـي عَـنْ خَـسَـاسَـة
قَـــدْ أَبَـــتْ هَـــذِهِ الـــسِّــيَــاسَــةُ إِلَّا
أَنْ تَــكُــونَ الْــغَــشَّـاشَـةَ الـدَّسَّـاسَـة
وَأَبَـــتْ أَنْ تُـــصَـــافِـــحَ الــنَّــاسَ إِلَّا
بِـــيَـــدٍ مِـــنْ خَـــدِيـــعَـــةٍ فَــرَّاسَــة
كُـــلَّـــمَـــا مَـــسَّـــتِ الْأُمُــورَ بِــكَــفٍّ
لَــوَّثَــتْــهَــا بِــمَــا بِـهَـا مِـنْ نَـجَـاسَـة
إِنَّ فِــي هَــذِهِ الــسِّــيَــاسَــةِ سَـهْـمًـا
جَـــعَــلَ الــلــهُ بَــاطِــلًا قِــرْطَــاسَــهْ
مَـا تَـعَـاطَـى غَـيْـرَ الْـخِـدَاعِ «غِلَادِسْـ
ـتُــونَ» فِــيــهَـا كَـلَّا وَلَا «دِلْـكَـاسَـهْ»
إِنْ أَحَــسَّــتْ بِــقُــوَّةٍ مِــنْ خَــصِـيـمٍ
كَــانَـتِ الـظَّـبْـيَ لَـمْ يُـزَايِـلْ كِـنَـاسَـهْ
وَهْـيَ إِنْ آنَـسَـتْ مِـنَ الْـخَـصْمِ ضَعْفًا
كَــانَــتِ الــلَّــيْــثَ مُــبْـرِزًا أَضْـرَاسَـهْ
لَــوْ أَرَدْنَــا إِفَــاضَــةً فِــي هِــجَــاهَــا
لَـــكَـــتَـــبْـــنَـــا لَــكُــمْ بِــهِ كَــرَّاسَــة
فَـــلِـــهَـــذَا أُجِـــلُّ عَـــنْـــهَـــا رِجَــالًا
شَــغَــلَــتْــهُـمْ عُـلُـومُـهُـمْ بِـالـدِّرَاسَـة
•••
رَحِـــمَ الـــلـــهُ شَـــيْــخَــنَــا إِنَّــهُ كَــا
نَ بَــعِــيــدًا عَــمَّـا تُـرِيـدُ الـسِّـيَـاسَـة
لَــيْــتَ تِــلْــكَ الْـعُـلُـومَ قَـدْ شَـغَـلَـتْـهُ
عَــنْ أُمُــورٍ لَا تُــشْــتَــرَى بِـنُـحَـاسَـة
أَنْــتَــجَــتْ بَــعْــدَهُ فَأَوْحَــشَ أَرْضًــا
فِــي الْــعِــرَاقَــيْــنِ عُـوِّدَتْ إِيـنَـاسَـهْ
فَــقَــضَــى بَــعْــدَ نَأْيِــهِ عَــنْ أُنَــاسٍ
طَــلَــبُــوا عِـلْـمَـهُ وَرَامُـوا اقْـتِـبَـاسَـهْ
•••
أَيُّـــهَـــا الْـــقَـــوْمُ إِنَّ هَـــذَا لَـــرَأْيِــي
فِــي فَــقِــيـدٍ لَـمْ تَـشْـهَـدُوا إِرْمَـاسَـهْ
فَإِذَا كُــــنْــــتُ قَــــدْ أَصَــــبْـــتُ وَإِلَّا
فَــانْـبِـذُوا مَـا أَقُـولُـهُ فِـي الْـكِـنَـاسَـة
لَـسْـتُ بِـالـشَّـاعِـرِ الَّـذِي يُـرْسِـلُ الـلَّفْـ
ـظَ جُــزَافًـا لِـكَـيْ يُـصِـيـبَ جِـنَـاسَـهْ
أَنَـــا لَا أَبْـــتَـــغِــي مِــنَ الــلَّــفْــظِ إِلَّا
مَــا جَــرَى فِــي سُــهُـولَـةٍ وَسَـلَاسَـة
إِنَّــمَــا غَـايَـتِـي مِـنَ الـشِّـعْـرِ مَـعْـنًـى
وَاضِــحٌ يَأْمَــنُ الــلَّــبِـيـبُ الْـتِـبَـاسَـهْ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الخفيف
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤