بَعْدَ الْبَيْنِ

Wave Image
لَـقَـدْ طَـوَّحَـتْـنِـي فِـي الْـبِـلَادِ مُـضَاعَا
طَـوَائِـحُ جَـاءَتْ بِـالْـخُـطُـوبِ تِـبَـاعَـا
فَـبَـارَحْـتُ أَرْضًـا مَـا مَـلَأْتُ حَـقَـائِـبِي
سِــوَى حُــبِّـهَـا عِـنْـدَ الْـبَـرَاحِ مَـتَـاعَـا
عَــتَـبْـتُ عَـلَـى بَـغْـدَادَ عَـتْـبَ مُـوَدِّعٍ
أَمَــضَّــتْـهُ فِـيـهَـا الْـحَـادِثَـاتُ قِـرَاعَـا
أَضَــاعَـتْـنِـيَ الْأَيَّـامُ فِـيـهَـا وَلَـوْ دَرَتْ
لَــعَــزَّ عَــلَــيْــهَــا أَنْ أَكُــونَ مُـضَـاعَـا
لَـقَـدْ أَرْضَـعَـتْـنِـي كُـلَّ خَـسْـفٍ وَإِنَّـنِي
لَأَشْــكُــرُهَــا أَنْ لَــمْ تُــتِــمَّ رَضَــاعَــا
وَمَــا أَنَــا بِــالْـجَـانِـي عَـلَـيْـهَـا وَإِنَّـمَـا
نَــهَــضْــتُ خِـصَـامًـا دُونَـهَـا وَدِفَـاعَـا
وَأَعْــمَــلْــتُ أَقْــلَامِــي بِــهَـا عَـرَبِـيَّـةً
فَــلَــمْ تُــبْــدِ إِصْــغَـاءً لَـهَـا وَسَـمَـاعَـا
وَلَــوْ كُــنْــتُ أَدْرِي أَنَّــهَــا أَعْـجَـمِـيَّـةٌ
تَـخِـذْتُ بِـهَـا الـسَّـيْـفَ الْـجُـرَازَ يَـرَاعَا
وَلَـوْ شِـئْـتُ كَـايَـلْتُ الَّذِينَ انْطَوَوْا بِهَا
عَـلَـى الْـحِـقْـدِ صَـاعًـا بِـالْعِدَاءِ فَصَاعَا
وَلَـكِـنْ هِـيَ الـنَّـفْـسُ التَّيِ قَدْ أَبَتْ لَهَا
طِـبَـاعُ الْـمَـعَـالِـي أَنْ تَـسُـوءَ طِـبَـاعَـا
أَبَــيْــتُ عَــلَــيْــهِــمْ أَنْ أَكُــونَ بِــذِلَّـةٍ
وَتَأْبَـى الـضَّـوَارِي أَنْ تَـكُـونَ ضِـبَـاعَـا
عَـلَـى أَنَّـنِـي دَارَيْـتُ مَـا شَـاءَ حِقْدُهُمْ
فَـلَـمْ يُـجْـدِ نَـفْـعًـا مَـا أَتَـيْـتُ وَضَـاعَـا
وَأَشْـقَـى الْـوَرَى نَـفْسًا وَأَضْيَعُهُمْ نُهًى
لَــبِــيــبٌ يُــدَارِي فِــي نُــهَـاهُ رَعَـاعَـا
تَـرَكْـتُ مِـنَ الـشِّـعْـرِ الْـمَـدِيـحَ لِأَهْـلِـهِ
وَنَــزَّهْــتُ شِـعْـرِي أَنْ يَـكُـونَ قِـذَاعَـا
وَأَنْـشَـدْتُـهُ يَـجْـلُـو الْـحَـقِـيـقَةَ بِالنُّهَى
وَيَـكْـشِـفُ عَـنْ وَجْـهِ الـصَّـوَابِ قِنَاعَا
وَأَرْسَــلْــتُـهُ عَـفْـوًا فَـجَـاءَ كَـمَـا تَـرَى
قَــوَافِــيَ تَــجْــتَــابُ الْـبِـلَادَ سِـرَاعَـا
•••
وَقَـفْـتُ غَـدَاةَ الْـبَيْنِ فِي الْكَرْخِ وَقْفَةً
لَـهَـا كَـرَبَـتْ نَـفْـسِـي تَـطِـيـرُ شَـعَـاعَـا
أُوَدِّعُ أَصْـحَـابِـي وَهُـمْ مُـحْدِقُونَ بِي
وَقَـدْ ضِـقْـتُ بِـالْـبَـيْـنِ الْـمُـشِتِّ ذِرَاعَا
أُوَدِّعُـهُـمْ فِـي الْـكَرْخِ وَالطَّرْفُ مُرْسِلٌ
إِلَـى الْـجَـانِـبِ الـشَّـرْقِـيِّ مِـنْـهُ شُعَاعَا
وَأَدْعَــمُ رَأْسِــي بِــالْأَصَـابِـعِ مُـطْـرِقًـا
كَأَنَّ بِـــرَأْسِــي يَــا أُمَــيْــمُ صُــدَاعَــا
وَكُـنْـتُ أَظُـنُّ الْـبَـيْـنَ سَـهْـلًا فَمُذْ أَتَى
شَــرَى الْــبَـيْـنُ مِـنِّـي مَـا أَرَادَ وَبَـاعَـا
وَإِنِّــي جَــبَــانٌ فِــي فِــرَاقِ أَحِـبَّـتِـي
وَإِنْ كُـنْـتُ فِـي غَـيْـرِ الْـفِـرَاقِ شُجَاعَا
كَأَنِّــي وَقَــدْ جَــدَّ الْــفِـرَاقُ سَـفِـيـنَـةٌ
أَشَـالَـتْ عَـلَـى الـرِّيـحِ الْهَجُومِ شِرَاعَا
فَـمَـالَـتْ بِـهَـا الْأَرْوَاحُ وَالْـبَـحْـرُ مَـائِجٌ
وَقَــدْ أَوْشَــكَـتْ أَلْـوَاحُـهَـا تَـتَـدَاعَـى
فَـتَـحْـسَـبُـنِـي مِـنْ هِـزَّةٍ فِـيَّ أَفْـدَعًـا
تَــرَقَّــى هِــضَــابًــا زُلْــزِلَــتْ وَقِـلَاعَـا
فَـــمَــا أَنَــا إِلَّا قَــوْمَــةٌ وَانْــحِــنَــاءَةٌ
وَسِـــرٌّ أَذَاعَـــتْــهُ الــدُّمُــوعُ فَــذَاعَــا
رَعَـى الـلـهُ قَـوْمًـا بِـالـرُّصَـافَـةِ كُـلَّـمَـا
تَـــذَكَّـــرْتُـــهُــمْ زَادَ الْــفُــؤَادُ نِــزَاعَــا
أَبِـيـتُ، وَمَـا أَقْـوَى الْـهُـمُـومَ، بِمَضْجَعٍ
تُــصَـارِعُـنِـي فِـيـهِ الْـهُـمُـومُ صِـرَاعَـا
وَأَلْـهُـو بِـذِكْـرَاهُـمْ عَـلَـى الـسَّـيْـرِ كُلَّمَا
هَــبَــطْــتُ وِهَـادًا أَوْ عَـلَـوْتُ يَـفَـاعَـا
هُـمُ الْقَوْمُ أَمَّا الصَّبْرُ عَنْهُمْ فَقَدْ عَصَى
وَأَمَّـا اشْـتِـيَـاقِـي نَـحْـوَهُـمْ فَأَطَـاعَـا
لَـقَـدْ حَـكَّـمُـونِـي فِـي الْأُمُورِ فَلَمْ أَكُنْ
لِأَنْــــطِــــقَ إِلَّا آمِــــرًا وَمُــــطَـــاعَـــا
فَـلَـسْـتُ أُبَـالِـي بَـعْـدَ أَنْ جَـدَّ بَـيْـنَـهُمْ
زَجَــرْتُ كِــلَابًـا أَمْ قَـحَـمْـتُ سِـبَـاعَـا
سَــلَامٌ عَــلَــى وَادِي الـسَّـلَامِ وَإِنَّـنِـي
لَأَجْــعَــلُ تَــسْــلِـيـمِـي عَـلَـيْـهِ وَدَاعَـا
لَــهُ الــلــهُ مِــنْ وَادٍ تَــكَــاسَــلَ أَهْـلُـهُ
فَــبَــاتُــوا عِـطَـاشًـا حَـوْلَـهُ وَجِـيَـاعَـا
رَآهُــمْ عَــبِــيــدًا فَــاسْــتَــبَـدَّ بِـمَـائِـهِ
وَلَـمْ يَـجْـرِ بَـيْـنَ الْـمُـجْـدِبَـاتِ مُـشَاعَا
جَـرَى شَـاكِـرًا صُـنْـعَ الـطَّـبِـيـعَـةِ إِنَّـهَا
أَبَــانَــتْ يَـدًا فِـي جَـانِـبَـيْـهِ صَـنَـاعَـا
وَمَــا أَنْـسَ لَا أَنْـسَ الْـمِـيَـاهَ بِـدِجْـلَـةٍ
وَإِنْ هِـيَ تَـجْـرِي فِـي الْـعِـرَاقِ ضَيَاعَا
وَلَـوْ أَنَّـهَـا تَـسْـقِـي الْـعِـرَاقَ لَـمَـا رَمَتْ
بِـهِ الـشَّـمْـسُ إِلَّا فِـي الْـجِـنَـانِ شُعَاعَا
وَمَـا وَجَـدَتْ رِيـحٌ وَإِنْ قَـدْ تَـنَـاوَحَتْ
مَـــهَـــبًّـــا بِـــهِ إِلَّا قُــرًى وَضِــيَــاعَــا
سَأُجْـرِي عَـلَـيْـهَـا الـدَّمْـعَ غَـيْـرَ مُضَيِّعٍ
وَأَنْــدُبُ قَــاعًــا مِــنْ هُــنَـاكَ فَـقَـاعَـا
وَأَذْكُــرُ هَــاتِـيـكَ الـرِّبَـاعَ بِـحُـسْـنِـهَـا
فَـنِـعْـمَـتْ عَـلَـى شَـحْـطِ الْـمَزَارِ رِبَاعَا

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤