السَّجَايَا فَوْقَ الْعِلْمِ وَفَوْقَ الْعَلَمِ

Wave Image
عِـــلْـــمٌ يُـــعَـــزِّزُهُ مِـــنْ دَوْلـــةٍ عَــلَــمُ
فِــي كُــلِّ عَـصْـرٍ بِـهِ قَـدْ سَـادَتِ الْأُمَـمُ
وَدَوْلَــةُ الْــقَــوْمِ لَـمْ تَـثْـبُـتْ قَـوَاعِـدُهَـا
إِلَّا بِأَنَّ سَـــجَـــايَـــاهُـــمْ لَـــهَـــا دِعَـــمُ
فَـلَـيْـسَ لِـلْـعِـلْـمِ مَـهْـمَـا اعْـتَـزَّ جَـانِـبُـهُ
نَــفْــعٌ إِذَا مَـا الـسَّـجَـايَـا الْـغُـرُّ تَـنْـعَـدِمُ
إِذَا اسْـتَـحَـالَـتْ سَـجَـايَـا الْـقَوْمِ فَاسِدَةً
فَــلَــيْــسَ يَــنْــفَــعُـهُـمْ عِـلْـمٌ وَلَا عَـلَـمُ
وَلَـيْـسَ يَـخْـتَـلُّ حَـبْـلُ الْـمُـلْكِ مُضْطَرِبًا
إِلَّا إِذَا اخْــتَــلَّــتِ الْأَخْــلَاقُ وَالــشِّــيَـمُ
لَـوْلَا سَـجَـايَـا عَـلَـى حُـبِّ الْـعُـلَا جُـبِلَتْ
مَــا سَـادَتِ الـنَّـاسُ لَا عُـرْبٌ وَلَا عَـجَـمُ
لَا خَـيْـرَ فِـي الْـعَيْشِ يَغْدُو فِيهِ صَاحِبُهُ
وَأَنْـــفُــهُ بِــاحْــتِــمَــالِ الــذُّلِّ مُــزْدَلَــمُ
مَـا بَـالُ قَـوْمِي عَلَى الْإِرْهَاقِ قَدْ صَبَرُوا
كَأَنَّ أَشْـــهُــرَ قَــوْمِــي كُــلُّــهَــا حُــرُمُ؟
قَـدْ أَنْـهَـضَـتْـهُـمْ إِلَـى الْـعَـلْـيَاءِ وَحْدَتُهُمْ
وَالْـيَـوْمَ أَقْـعَـدَهُـمْ عَـنْـهَـا أَنِ انْـقَـسَـمُوا
كَــانَ الــتَّــعَـاوُنُ غَـرْزًا فِـي غَـرَائِـزِهِـمْ
حَـازُوا بِـهِ الـشَّـرَفَ الْـوَضَّـاحَ وَاغْتَنَمُوا
ثُـمَّ اغْـتَـدَوْا بَـعْـدَ حِـيـنٍ فِي جَوَانِحِهِمْ
نَــارُ الـتَّـخَـاذُلِ بِـالـشَّـحْـنَـاءِ تَـضْـطَـرِمُ
قَــدْ زَالَ رُوحُ الــتَّــفَـادِي مِـنْـهُـمُ وَنَـمَـا
رُوحُ الــتَّـعَـادِي إِلَـى أَنْ مَـاتَـتِ الْـهِـمَـمُ
أَلْـقَـى الـتَّـخَـاذُلُ ضَـعْـفًـا فِـي عَـزَائِمِهِمْ
فَــالْأَجْــنَــبِـيُّ عَـلَـيْـهِـمْ ظَـلَّ يَـحْـتَـكِـمُ
تَــعَــاظَــمُــوا لِــعِـظَـامٍ يَـفْـخَـرُونَ بِـهَـا
وَهَــلْ يَــكُــونُ بِــعَــظْــمٍ رِمَّــةٍ عِــظَـمُ
دَاءُ الـــتَّأَخُّــرِ مِــنَّــا فِــي خَــلَائِــقِــنَــا
فَـقَـدْ فَـشَـا الدَّاءُ حَتَّى اسْتَفْحَلَ السَّقَمُ
كَــانَــتْ خَــلَائِــقُــنَــا لِــلْــعِـزِّ ضَـامِـنَـةً
حَــتَّــى فَـسَـدْنَ فَـزَالَ الْـعِـزُّ وَالـشَّـمَـمُ
وَأَصْــبَـحَـتْ عِـنْـدَنَـا الْـغَـايَـاتُ تَـابِـعَـةً
إِلَـى هَـوَى الـنَّـفْـسِ فِـيـمَـا شَأْنُـهُ عَـمَـمُ
نَـمْـشِـي مِـنَ الْـجَـهْـلِ فِي ظَلْمَاءَ ظَالِمَةٍ
بَــلِــيَّــتَــاهَـا عَـلَـيْـنَـا الـظُّـلْـمُ وَالـظُّـلَـمُ
حُــرِّيَّــةُ الْــفِــكْــرِ فِــيـنَـا غَـيْـرُ جَـائِـزَةٍ
وَالْــحُــرُّ مِــنَّــا مُــهَـانٌ لَـيْـسَ يُـحْـتَـرَمُ
لَا دَرَّ دَرُّ رِجَـــــالِ الــــدِّيــــنِ إِنَّــــهُــــمُ
قَـدْ أَظْـهَـرُوا فِـيـهِ مِـنْـهُمْ غَيْرَ مَا كَتَمُوا
وَاسْــتَــعْــمَــلُــوهُ كَـمَـا تَـهْـوَى مَآرِبُـهُـمْ
كَأَنَّـــــهُ لَـــــيْـــــسَ إِلَّا آلَـــــةً لَـــــهُــــمُ
تَـالـلـهِ مَـا كَـانَ فِـي الْإِسْـلَامِ مِـنْ حَـرَجٍ
عَــلَــى الْأَنَــامِ وَلَا فِــي نَــهْــجِـهِ غَـمَـمُ
بَــلْ كُــلُّــهُ جَــاءَ تَــيْــسِـيـرًا وَتَـبْـصِـرَةً
لِــلْــعَــامِــلِــيــنَ وَأَحْـكَـامًـا بِـهَـا حِـكَـمُ
لَـكِـنَّـمَـا الْـقَـوْمُ ظَـلُّـوا جَـامِـدِيـنَ عَـلَـى
مَـا مِـنْـهُ قَـدْ وَهَـمُـوهُ، بِـئْـسَ مَـا وَهَمُوا
إِذَا سَــلَــكْــتَ إِلَـى الْإِصْـلَاحِ مَـسْـلَـكَـهُ
فَأَنْــتَ فِــي رَأَيْــهِــمْ بِــالْـكُـفْـرِ مُـتَّـهَـمُ
وَإِنْ تَــصَــادَمْــتَ بِـالْـعَـادَاتِ تُـنْـكِـرُهَـا
فَأَنْـتَ فِـي زَعْـمِـهِـمْ بِـالـدِّيـنِ تَـصْـطَدِمُ
وَإِنْ أَتَـــيْــتَ بِــبُــرْهَــانٍ فَأَعْــجَــزَهُــمْ
لَـمْ يُحْسِنُوا الرَّدَّ بَلْ مِنْ عَجْزِهِمْ شَتَمُوا
وَإِنْ تَــقُــلْ لَــهُــمُ قَــوْلًا لِــتُــقْــنِــعَـهُـمْ
شَــدُّوا عَـلَـيْـكَ وَرَدُّوا قَـبْـلَـمَـا فَـهِـمُـوا
خَــلَائِــقٌ كَــظَــلَامِ الــلَّــيْـلِ مَـنْ يَـرَهَـا
يَــقُــلْ بِأَمْــثَــالِ هَــذِي تُـمْـسَـخُ الْأُمَـمُ
لِــلــهِ دَرُّ بَــنِــي مَــعْــرُوفَ إِذْ صَــبَـرُوا
عَـلَـى الـتَّـجَـالُـدِ مَـا كَـلُّـوا وَلَا سَـئِـمُـوا
أَخْــلَــوْا مَــنَــازِلَــهُــمْ لِــلْــكَــرِّ ثَــانِـيَـةً
كَــالْأُسْــدِ تَــرْتَــدُّ خَــلْـفًـا ثُـمَّ تَـقْـتَـحِـمُ
وَلَازَمُـوا الْـقَـفْـرَ عَـاشُـوا فِـي مَـجَـاهِـلِهِ
عَــيْــشَ الْــقَــنَــاعَـةِ لَا حُـلْـوٌ وَلَا دَسِـمُ
بِـــذَاكَ حُـــبُّــهُــمُ الْأَوْطَــانَ يَأْمُــرُهُــمْ
إِذْ هُـمْ بِـسِـيـمَـاءِ حُـبِّ الْمَوْطِنِ اتَّسَمُوا
بَــاتَــتْ دِمَـشْـقُ لَـهُـمْ تَـرْنُـو نَـوَاظِـرُهَـا
كَـمَـا رَنَـا لِـلـطَّـبِـيـبِ الْـمُـدْنَـفُ الـسَّـقِـمُ
أَيَّــامَ لَــمْ يَـبْـقَ مِـنْ بَـيْـتٍ بِـغُـوطَـتِـهَـا
إِلَّا ذَكَــــتْ فِــــيـــهِ نَـــارٌ أَوْ أُرِيـــقَ دَمُ
ثُـمَّ انْـضَـوَى بَـعْـدَمَـا اجْـتِيحَتْ مَعَالِمُهَا
مِـنْـهَـا إِلَـى جَـمْـعِـهِـمْ أَبْـطَـالُـهَـا الْـبُـهَـمُ
فَـاسْـتَـقْـتَلُوا فِي سَبِيلِ الذَّوْدِ عَنْ وَطَنٍ
صِـيـنَـتْ لَـهُ مِـنْ قَـدِيـمٍ عِـنْـدَهُـمْ ذِمَـمُ
كَــانُــوا أَشَــدَّ مَـضَـاءً مِـنْ صَـوَارِمِـهِـمْ
فَــلَــيْــسَ يَـثْـنِـيـهِـمُ ثَـانٍ إِذَا هَـجَـمُـوا
عِـنْـدَ الْـهُـجُـومِ كَـمَـوْجِ الْـبَحْرِ تُبْصِرُهُمْ
وَكَـالْـجِـبَـالِ الـرَّوَاسِـي هُـمْ إِذَا الْتَحَمُوا
صَـلَّـتْ سُـيُـوفٌ بِأَيْـدِيـهِـمْ يَـسِـلْـنَ دَمًـا
حَـتَّـى حَـكَـيْـنَ الْـغَـوَادِي حِـيـنَ تَـهْتَزِمُ
مَــنْ مُــبْــلِــغٌ لِـلْأَمِـيـرِ الـشَّـهْـمِ مَأْلُـكَـةً
كَــالــشَّــمْــسِ تُــشْــرِقُ إِلَّا أَنَّــهَــا كَـلِـمُ
إِلَــى فَـتَـى آلِ رَسْـلَانَ الْأُلَـى رَسَـخَـتْ
فِـي مَـعْـدِنِ الْـمَـجْـدِ مِـنْ قِدْمٍ لَهُمْ قَدَمُ
لِــبَـعْـضِـهِـمْ شُـهْـرَةٌ بِـالـسَّـيْـفِ وَاحِـدَةٌ
وَبَـعْـضُـهُـمْ شُـهْـرَتَـاهُ الـسَّـيْـفُ وَالْـقَـلَمُ
كَــعَــادِلٍ وَشَــكِــيــبٍ فِــي أَكُــفِّــهِــمَـا
جَـالَ الْـيَـرَاعُ وَصَـالَ الـصَّـارِمُ الْـخَـذِمُ
صَـبْـرًا فَـدَيْـتُـكَ بِـالْـعُـقْـبَـى وَإِنْ بَعُدَتْ
لِـلـصَّـابِـرِيـنَ وَعُـقْـبَـى الْـخَـائِـنِ الـنَّـدَمُ
وَلَــمْ يَــفُــتْــكَ نَــجَــاحٌ فِـي مُـحَـارَبَـةٍ
أَقَـلُّ مَـا حُـزْتَ فِـيـهَـا الْـمَـجْـدُ وَالْـكَـرَمُ
يَـا عَـادِلًا كَـاسْـمِـهِ لَا تَـنْـسَ مَـظْـلَـمَـتِي
عِـنْـدِي خُـصُـومٌ وَمَـا عِـنْـدِي لَـهُمْ حَكَمُ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: البسيط
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

معروف الرُّصافي: أديب وشاعر وأكاديمي عراقي له إسهامات معتبَرة في حقلَي التعليم والثقافة.

وُلِدَ معروف عبد الغني محمود الجباري في مدينة بغداد العراقية عام ١٨٧٥م وتلقَّى علومه الأوَّلِيَّة في الكتاتيب كباقي أقرانه، ثم التحق ﺑ «المدرسة العسكرية الابتدائية» لفترة، ولكنه انتقل للدراسة في المدارس الدينية حيث تتلمذَ على يد مجموعة من علماءِ بغداد الكبار، وقد لقَّبَهُ أحد شيوخه بمعروف الرُّصافي بدلًا من معروف الكرخي.

بعد تخرُّجه عمِل الرُّصافي معلمًا ﺑ «مدرسة الراشدية» ثم مدرسًا للأدب العربي ﺑ «المدرسة الإعدادية» ببغداد، وقد تنقَّل بين المدارس حتى أصبح مدرِّسًا للُّغة العربية ﺑ «الكلية الشاهانية» بإسطنبول، وكان أيضًا يمارس الصحافة؛ حيث عمل محررًا بجريدة «سبيل الرشاد».

انتُخِب الرصافي عضوًا ﺑ «مجلس المبعوثان» العثماني في عام ١٩١٢م (وهو شبيه بالمجالس النيابية الآن)، وتقديرًا لجهوده الأدبية والتعليمية انتُخِب عضوًا ﺑ «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثم عُيِّنَ مفتشًا بمديرية المعارف العراقية.

آمَن الرُّصافي بأهمية التعليم وعمِل على نشره بين العراقيين من خلال دعواته وجهاده المستمر لبناء المزيد من المدارس، محفِّزًا الأغنياء على دعم المشاريع التعليمية وكفالة طلبة العلم، حيث رأى أن طريق التحرُّر الوطني يمر بالمدارس. والحديث عن التحرُّر الوطني يَجرُّنا بالضرورة إلى نشاط الرُّصافي السياسي ورفضه للاحتلال البريطاني واستبداد السلطة؛ فنجده قد دبَّج المقالات وألَّف القصائد الحماسية محرِّضًا الشعب على النضال السياسي، وكذلك الثورة ضد التقاليد والجمود.

ترك الرُّصافي الكثير من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة التي عكست أسلوبَه الرصين ولغته المتينة جزْلة الألفاظ، وقد تنوعت الموضوعات التي كتب فيها ما بين السياسي والاجتماعي والأدبي والتاريخي، وكثيرًا ما أثارت كتبه ضجَّةً كبرى في الأوساط الثقافية؛ فكتابه الشهير «الشخصية المحمدية» اعتبره البعض تهجُّمًا على الدين ومقدساته.

تُوُفِّيَ الرُّصافي بعد حياة حافلة في عام ١٩٤٥م عن سبعين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤