لَقَدْ آنَ أَنْ يَثْنِي الْجَمُوحَ لِجَامُ

Wave Image
لَـقَـدْ آنَ أَنْ يَـثْـنِـي الْـجَـمُـوحَ لِـجَـامُ
وَأَنْ يَــمْــلِــكَ الـصَّـعْـبَ الْأَبِـيَّ زِمَـامُ
أَيُــوعِــدُنَــا بِــالــرُّومِ نَــاسٌ وَإِنَّــمَــا
هُـمُ الـنَّـبْـتُ وَالْـبِـيـضُ الرِّقَاقُ سَوَامُ
كَـأَنْ لَـمْ يَـكُـنْ بَـيْنَ الْمَخَاضِ وَحَارِمٍ
كَــتَــائِـبُ يُـشْـجِـيـنَ الْـفَـلَا وَخِـيَـامُ
وَلَـمْ يَـجْـلِـبُـوهَـا مِـنْ وَرَاءِ مَـلَـطْـيَـةٍ
تَـــصَـــدَّعُ أَجْـــبَـــالٌ بِـــهَـــا وَإِكَــامُ
كَــتَـائِـبُ مِـنْ شَـرْقٍ وَغَـرْبٍ تَـأَلَّـبَـتْ
فُــرَادَى أَتَــاهَــا الْـمَـوْتُ وَهْـيَ تُـؤَامُ
غَــرَائِــبُ دُرٍّ جُــمِّـعَـتْ ثُـمَّ ضُـيِّـعَـتْ
وَقَــد ضَــمَّ سِـلْـكٌ شَـمْـلَـهَـا وَنِـظَـامُ
بِـيَـوْمٍ كَـأَنَّ الـشَّـمْـسَ فِـيـهِ خَـرِيـدَةٌ
عَــلَــيْــهَــا مِــنَ الـنَّـقْـعِ الْأَحَـمِّ لِـثَـامُ
كَــأَنَّــهُــمُ سَــكْــرَى أُرِيــقَ عَــلَـيْـهُـمُ
بَــقَــايَــا كُــئُــوسٍ مِــلْــؤُهُــنَّ مُـدَامُ
فَـأَضْحَوْا حَدِيثًا كَالْمَنَامِ وَمَا انْقَضَى
فَــسِــيَّــانِ مِــنْــهُ يَــقْــظَــةٌ وَمَــنَـامُ
مَــحَـلٌّ بِـأَرْضِ الـشَّـامِ يَـطْـرُدُ أَهْـلَـهُ
وَلَـــكِـــنَّــهُــمْ عَــمَّــا يَــقُــولُ نِــيَــامُ
وَقَـدْ تَـنْـطِـقُ الْأَشْيَاءُ وَهْيَ صَوَامِتٌ
وَمَــا كُــلُّ نُـطْـقِ الْـمُـخْـبِـرِيـنَ كَـلَامُ
كَـفَـى بِـخِـضَـابِ الْـمَـشْـرَفِـيَّةِ مُخْبِرًا
بَـــأَنَّ رُءُوسًــا قَــدْ شَــقِــيــنَ وَهَــامُ
فَـإِنْ قَـعَـدَتْ عَـنْـهُ الْـحَـوَادِثُ حِـقْبَةً
فَــهَــا هِــيَ فِــيــمَــا لَا يَـشَـاءُ قِـيَـامُ
مَــضَــى زَمَــنٌ وَالْــعِــزُّ بَــانَ رِوَاقُــهُ
عَــلَـيْـهِ وَسَـيْـفُ الـدَّهْـرِ عَـنْـهُ كَـهَـامُ
وَمَــا الــدَّهْــرُ إِلَّا دَوْلَــةٌ ثُــمَّ صَــوْلَـةٌ
وَمَــا الْــعَــيْــشُ إِلَّا صِــحَّـةٌ وَسَـقَـامُ
زَمَـانَ قَـرَوْا بِـالْـمَـشْـرَفِـيِّ ضُـيُـوفَهُمْ
مَـــآلِـــكَ قَــوْمٍ وَالْــكُــمَــاةُ صِــيَــامُ
وَلَـوْ دَامَـتِ الـدَّوْلَاتُ كَـانُـوا كَغَيْرِهِمْ
رَعَـــايَـــا وَلَـــكِـــنْ مَـــا لَــهُــنَّ دَوَامُ
وَرَدُّوا إِلَـيْـكَ الـرُّسْـلَ وَالصُّلْحُ مُمْكِنٌ
وَقَــالُــوا عَـلَـى غَـيْـرِ الْـقِـتَـالِ سَـلَامُ
فَـلَا قَـوْلَ إِلَّا الـضَّـرْبُ وَالطَّعْنُ عِنْدَنَا
وَلَا رُسْـــــلَ إِلَّا ذَابِــــلٌ وَحُــــسَــــامُ
فَإِنْ عُدْتَ فَالْمَجْرُوحُ تُؤْسَى جِرَاحُهُ
وَإِنْ لَــمْ تَــعُــدْ مُــتْـنَـا وَنَـحْـنُ كِـرَامُ
فَــلَـسْـنَـا وَإِنْ كَـانَ الْـبَـقَـاءُ مُـحَـبَّـبًـا
بِــأَوَّلِ مَــنْ أَخْــنَــى عَــلَــيْـهِ حِـمَـامُ
وَحُـبُّ الْـفَـتَـى طُـولَ الْـحَـيَـاةِ يُـذِلُّهُ
وَإِنْ كَـــانَ فِـــيـــهِ نَـــخْــوَةٌ وَعُــرَامُ
وَكُـلٌّ يُـرِيـدُ الْـعَـيْشَ وَالْعَيْشُ حَتْفُهُ
وَيَــسْــتَـعْـذِبُ اللَّـذَّاتِ وَهْـيَ سِـمَـامُ
فَــلَـمَّـا تَـجَـلَّـى الْأَمْـرُ قَـالُـوا تَـمَـنِّـيًـا
أَلَا لَــيْــتَ أَنَّــا فِــي الــتُّــرَابِ رِمَــامُ
وَرَامُـوا الَّـتِـي كَـانَـتْ لَـهُـمْ وَإِلَـيْـهُـمُ
وَقَــدْ صَــعُــبَــتْ حَــالٌ وَعَــزَّ مَــرَامُ
وَظَــنُّـوكَ مِـمَّـنْ يُـطْـفِـئُ الْـبَـرْدُ نَـارَهُ
إِذَا طَــلَــعَــتْ عِـنْـدَ الْـغُـرُوبِ جَـهَـامُ
وَأَنَّــكَ تَــثْــنِــيــهَــا قُــبَــالَــةَ جِــلَّـقٍ
مَــتَــى لَاحَ بَــرْقٌ وَاسْــتَــقَـلَّ غَـمَـامُ
وَقَــالُـوا شُـهُـورٌ يَـنْـقَـضِـيـنَ بِـغَـزْوَةٍ
وَمَــا عَــلِــمُــوا أَنَّ الــقُــفُــولَ حَـرَامُ
لَـقَـدْ حَـكَـمُـوا حُـكْـمَ الْجَهُولِ لِنَفْسِهِ
رُوَيْــدَهُــمُ حَــتَّــى يَــطُــولَ مُــقَـامُ
وَحَـتَّـى يَـزُولَ الْـحَـوْلُ عَـنْهُمْ وَمِثْلُهُ
وَيَـــذْهَـــبَ عَـــامٌ بَــعْــدَ ذَاكَ وَعَــامُ
فَـلَـوْلَاكَ بَـعْـدَ اللـهِ مَـا عُـرِفَ الـنَّـدَى
وَلَا ثَــارَ بَــيْــنَ الْــخَــافِـقَـيْـنِ قَـتَـامُ
وَلَا سُـلَّ فِـي نَـصْـرِ الْـمَـكَـارِمِ صَـارِمٌ
وَلَا شُـــدَّ فِــي غَــزْوِ الْــعَــدُوِّ حِــزَامُ

عن القصيدة

  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: الطويل
  • عصر القصيدة: العباسي الثاني

عن الشاعر

أبو العلاء المَعَرِّي: شاعرٌ وفيلسوفٌ وأديبٌ عربيٌّ مِنَ العصرِ العبَّاسي، اشتُهِرَ بآرائِه وفلسفتِه المثيرةِ للجدلِ في وقْتِه.

وُلِدَ «أحمد بن عبد الله بن سليمان القُضاعي التنُوخي المَعَرِّي» المعروفُ ﺑ «أبي العلاء المَعَرِّي» عامَ ٣٦٣ﻫ بمَعَرَّةِ النُّعمانِ بسُوريا، وفقَدَ بصَرَه وهو صغيرٌ نتيجةً لمَرضِه بالجُدَري. أخَذَ علومَ القراءاتِ القرآنيةِ بإسنادٍ عنِ الشُّيوخ، كما تعلَّمَ الحديثَ في سنٍّ مُبكِّرة، وقالَ الشِّعرَ وهو ابنُ إحدى عشرةَ سنة، ورحلَ إلى بغدادَ عامَ ٣٩٨ﻫ فأقامَ بها سنةً وسبعةَ أَشْهُر، ثُم اعتزَلَ الناسَ لبعضِ الوقت؛ فلُقِّبَ ﺑ «رَهِينِ المَحْبسَيْن»؛ العَمَى والدَّار.

أمَّا شِعْرُه، وهو ديوانُ حكمتِه وفلسفتِه، فالمطبوعُ منه حتى الآن: «اللُّزوميَّات»، و«سِقْطُ الزَّنْد». وقد تُرجِمَ الكثيرُ من شِعْرِه إلى غيرِ العربيَّة، وأمَّا كُتبُه فكثيرةٌ وفِهرسُها في «مُعجَمِ الأُدَباء». من تَصانيفِه كتابُ «الأَيْك والغُصُون» في الأدب، يَزيدُ على مائةِ جُزْء، و«تاج الحُرَّة» في النساءِ وأخلاقِهنَّ وعِظاتِهِن، و«عَبَث الوَلِيد» شرَحَ فيه دِيوانَ البُحْتُريِّ ونقَدَه، و«رِسالة المَلائِكة» وهي صَغِيرة، و«رِسالة الغُفْران»، و«الفُصُول والغَايات».

عاش المعري متفلسفًا زاهدًا في الدنيا؛ إذ كانَ يَدعمُ حقوقَ الحيوانِ ويُحرِّمُ إِيلامَه، ولذا كان نباتيًا؛ فلمْ يَأكُلِ اللحمَ خمسًا وأربعينَ سنة، كما كانَ يَلبسُ خشِنَ الثِّياب، وكان له أراءه الخاصة في العقيدة، التي جعلت الآراء تختلف حول حقيقة إيمانه؛ إذ ذهب البعض إلى تكفيره واتهامه بالإلحاد، وإخراجِه مِنَ الإسلام، بينما دافَعَ عنه عميدُ الأدبِ العربيِّ «طه حسين» في عِدَّةِ كِتاباتٍ ومُؤلَّفات؛ أشْهرُها «معَ أبي العلاءِ في سجنِه». 

ظلَّ حبيسًا في بيتِه حتى وفاتِه عامَ ٤٤٩ﻫ بمنزلِه بمَعَرَّةِ النُّعْمان، وقد أَوْصى أن يُكتَبَ على قبْرِه عِبارة: «هذا جَناهُ أبي عليَّ، وما جَنيْتُ على أَحَد.» ويَقصدُ أنَّ أباه بزَواجِه من أمِّه أوْقَعَه في دارِ الدُّنيا. وقد وقَفَ على قبْرِه جمْعٌ غفيرٌ من أُدباءِ عصْرِه وشُعرائِه ورَثَوْه بثمانينَ مَرْثَاة.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤