اعْتِدَاءٌ

Wave Image
نَـــجَـــا وَتَـــمَـــاثَـــلَ رُبَّـــانُـــهَـــا
وَدَقَّ الْـــبَـــشَـــائِـــرَ رُكْـــبَــانُــهَــا
وَهَــلَّــلَ فِــي الْــجَــوِّ قَـيْـدُومُـهَـا
وَكَــبَّــرَ فِــي الْــمَــاءِ سُــكَّــانُــهَــا
تَــحَــوَّلَ عَــنْــهَــا الْأَذَى وَانْـثَـنَـى
عُــبَــابُ الْــخُـطُـوبِ وَطُـوفَـانُـهَـا
نَـجَـا «نُـوحُـهَـا» مِـنْ يَدِ الْمُعْتَدِي
وَضَـــلَّ الْــمَــقَــاتِــلَ عُــدْوَانُــهَــا
يَــدٌ لِــلْــعِــنَــايَــةِ لَا يَــنْــقَــضِــي
وَإِنْ نَــفِــدَ الْــعُــمْــرُ شُــكْــرَانُـهَـا
وَقَـــى الْأَرْضَ شَـــرَّ مَـــقَــادِيــرِهِ
لَــطِــيــفُ الــسَّــمَـاءِ وَرَحْـمَـانُـهَـا
وَنَــجَّــى الْــكِــنَــانَــةَ مِـنْ فِـتْـنَـةٍ
تَـــهَـــدَّدَتِ الــنِّــيــلَ نِــيــرَانُــهَــا
يَــسِـيـلُ عَـلَـى قَـرْنِ شَـيْـطَـانِـهَـا
عَــقِــيــقُ الــدِّمَــاءِ وَعِــقْــيَـانُـهَـا
فَـيَـا «سَعْدُ» جُرْحُكَ سَاءَ الرِّجَالَ
فَــلَا جُــرِحَــتْ فِــيــكَ أَوْطَـانُـهَـا
وَقَــتْــكَ الْــعِـنَـايَـةُ بِـالـرَّاحَـتَـيْـنِ
وَطَـــوَّقَ جِـــيــدَكَ إِحْــسَــانُــهَــا
مَــنَــايَــا أَبَــى الـلـهُ إِذْ سَـاوَرَتْـكَ
فَــلَــمْ يُــلْــقِ نَــابَــيْــهِ ثُـعْـبَـانُـهَـا
حَــوَتْ دَمَــكَ الْأَرْضُ فِـي أَنْـفِـهَـا
زَكِـــيًّـــا كَأَنَّـــكَ «عُــثْــمَــانُــهَــا»
وَرَقَّــتْ لِآثَــارِهِ فِــي الْــقَــمِـيـصِ
كَأَنَّ قَـــمِـــيـــصَـــكَ قُـــرْآنُـــهَـــا
وَرِيـعَـتْ كَـمَـا رِيعَتِ الْأَرْضُ فِيكَ
نَــوَاحِــي الــسَّــمَــاءِ وَأَعْــنَـانُـهَـا
وَلَـوْ زُلْـتَ غُـيِّـبَ «عَـمْرُو» الْأُمُورِ
وَأَخْــلَـى الْـمَـنَـابِـرَ «سَـحْـبَـانُـهَـا»
•••
رَمَــــاكَ عَــــلَــــى غِـــرَّةٍ يَـــافِـــعٌ
مُــثَــارُ الــسَّــرِيــرَةِ غَــضْــبَـانُـهَـا
وَقِــدْمًــا أَحَــاطَـتْ بِأَهْـلِ الْأُمُـورِ
مُــيُــولُ الــنُّــفُــوسِ وَأَضْـغَـانُـهَـا
تَـلَـمَّـسَ نَـفْـسَـكَ بَـيْـنَ الـصُّـفُوفِ
وَمِــنْ دُونِ نَــفْــسِــكَ إِيــمَــانُـهَـا
يُـــرِيـــدُ الْأُمُــورَ كَــمَــا شَــاءَهَــا
وَتَأْبَـــى الْأُمُــورُ وَسُــلْــطَــانُــهَــا
وَعِــنْــدَ الَّـذِي قَـهَـرَ الْـقَـيْـصَـرَيْـنِ
مَـــصِــيــرُ الْأُمُــورِ وَأَحْــيَــانُــهَــا
وَلَـوْ لَـمْ يُـسَـابِـقْ دُرُوسَ الْـحَـيَاةِ
لَــبَــصَّــرَهُ الــرُّشْــدَ لُــقْــمَــانُــهَــا
فَإِنَّ الــلَّــيَــالِــي عَـلَـيْـهَـا يَـحُـولُ
شُــعُــورُ الــنُّــفُــوسِ وَوِجْـدَانُـهَـا
وَيَـخْـتَـلِـفُ الـدَّهْـرُ حَـتَّـى يَـبِـيـنَ
رُعَـــاةُ الْـــعُـــهُـــودِ وَخُـــوَّانُــهَــا
•••
أَرَى مِـصْـرَ يَـلْـهُـو بِـحَـدِّ الـسِّـلَاحِ
وَيَـــلْـــعَــبُ بِــالــنَّــارِ وِلْــدَانُــهَــا
وَرَاحَ بِــغَــيْــرِ مَــجَــالِ الْـعُـقُـولِ
يُــجِــيــلُ الــسِّـيَـاسَـةَ غِـلْـمَـانُـهَـا
وَمَـا الْـقَـتْـلُ تَـحْـيَـا عَـلَـيْـهِ الْبِلَادُ
وَلَا هِــمَّــةُ الْــقَــوْلِ عُــمْــرَانُــهَــا
وَلَا الْــحُــكْـمُ أَنْ تَـنْـقَـضِـي دَوْلَـةٌ
وَتُـــقْـــبِـــلَ أُخْـــرَى وَأَعْــوَانُــهَــا
وَلَـكِـنْ عَـلَـى الْجَيْشِ تَقْوَى الْبِلَادُ
وَبِــالْــعِــلْــمِ تَــشْــتَــدُّ أَرْكَــانُــهَـا
فَأَيْــنَ الــنُّــبُــوغُ وَأَيْــنَ الْـعُـلُـومُ
وَأَيْـــنَ الْـــفُـــنُــونُ وَإِتْــقَــانُــهَــا
وَأَيْــنَ مِــنَ الْـخُـلْـقِ حَـظُّ الْـبِـلَادِ
إِذَا قَــتَــلَ الــشِّــيــبَ شُــبَّــانُــهَـا
وَأَيْـنَ مِـنَ الـرِّبْـحِ قِـسْـطُ الرِّجَالِ
إِذَا كَـانَ فِـي الْـخُـلْـقِ خُـسْـرَانُـهَـا
وَأَيْــنَ الْــمُــعَــلِّــمُ مَــا خَــطْــبُــهُ
وَأَيْـــنَ الْـــمَـــدَارِسُ مَــا شَأْنُــهَــا
لَــقَـدْ عَـبَـثَـتْ بِـالـنِّـيَـاقِ الْـحُـدَاةُ
وَنَـــامَ عَـــنِ الْإِبْـــلِ رُعْــيَــانُــهَــا
إِلَـى الْـخُـلْـقِ أَنْـظُـرُ فِـيـمَـا أَقُـولُ
وَتَأْخُـــذُ نَــفْــسِــيَ أَشْــجَــانُــهَــا
•••
وَيَــا «سَـعْـدُ» أَنْـتَ أَمِـيـنُ الْـبِـلَادِ
قَــدِ امْــتَــلَأَتْ مِــنْــكَ أَيْــمَـانُـهَـا
وَلَــنْ تَــرْتَــضِـي أَنْ تُـقَـدَّ الْـقَـنَـاةُ
وَيُــبْــتَــرَ مِــنْ مِــصْـرَ سُـوادَنُـهَـا
وَحُــجَّــتُــنَـا فِـيـهِـمَـا كَـالـصَّـبَـاحِ
وَلَــيْــسَ بِــمُــعْــيِــيـكَ تِـبْـيَـانُـهَـا
فَــمِــصْــرُ الــرِّيَــاضُ وَسُـوادَنُـهَـا
عُــيُــونُ الــرِّيَــاضِ وَخُـلْـجَـانُـهَـا
وَمَــــا هُــــوَ مَــــاءٌ وَلَــــكِــــنَّــــهُ
وَرِيـــدُ الْــحَــيَــاةِ وَشِــرْيَــانُــهَــا
تُـــتَـــمِّـــمُ مِــصْــرَ يَــنَــابِــيــعُــهُ
كَــمَــا تَــمَّــمَ الْــعَــيْــنَ إِنْـسَـانُـهَـا
وَأَهْـــلُـــوهُ مُــنْــذُ جَــرَى عَــذْبُــهُ
عَــشِــيــرَةُ مِــصْــرَ وَجِــيــرَانُـهَـا
وَأَمَّـــا الـــشَّـــرِيـــكُ فَـــعِـــلَّاتُــهُ
هِــيَ الــشَّــرِكَــاتُ وَأَقْــطَــانُــهَــا
وَحَــرْبٌ مَــضَــتْ نَـحْـنُ أَوْزَارُهَـا
وَخَــيْـلٌ خَـلَـتْ نَـحْـنُ فُـرْسَـانُـهَـا
وَكَــمْ مَــنْ أَتَــاكَ بِــمَــجْــمُــوعَـةٍ
مِــنَ الْــبَـاطِـلِ، الْـحَـقُّ عُـنْـوَانُـهَـا
فَأَيْنَ مِنَ «الْمَنْشِ» «بَحْرُ الْغَزَالِ»
وَفَــيْــضُ «نِــيَـانْـزَا» وَتَـهْـتَـانُـهَـا
وَأَيْــنَ الــتَّــمَــاسِــيـحُ مِـنْ لُـجَّـةٍ
يَــمُــوتُ مِــنَ الْــبَــرْدِ حِـيـتَـانُـهَـا
وَلَــــكِــــنْ رُءُوسٌ لِأَمْـــوَالِـــهِـــمْ
يُــحَــرِّكُ قَــرْنَــيْــهِ شَــيْــطَــانُـهَـا
وَدَعْـوَى الْـقَـوِيِّ كَـدَعْـوَى السِّبَاعِ
مِــنَ الــنَّــابِ وَالـظُّـفْـرِ بُـرْهَـانُـهَـا

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: نجاة سعد زغلول من محاولة اغتيال.
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: المتقارب
  • عصر القصيدة: الحديث

عن الشاعر

أحمد شوقي: شاعر مصري، يُعَدُّ أحد أعظم شعراء العربية في مختلِف العصور، بايعه الأدباء والشعراء في عصره على إمارة الشعر فلقب ﺑ «أمير الشعراء». كان صاحب موهبة شعرية فَذَّةٍ، وقلم سَيَّال، لا يجد عناء في نظم الشعر، فدائمًا ما كانت المعاني تتدفق عليه كالنهر الجاري؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، فبلغ نتاجه الشعري ما لم يبلغه تقريبًا أيُّ شاعر عربي قديم أو حديث، حيث وصل عدد أبيات شعره إلى ما يتجاوز ثلاثةً وعشرين ألف بيت وخمسمائة.

وُلد «أحمد شوقي علي» بحي الحنفي بالقاهرة في عام ١٨٦٨م، لأبٍ شركسي وأُمٍّ ذات أصول يونانية، لكنه نشأ وتربَّى في كنف جَدته لأمه التي كانت تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل. أُدخل شوقي في الرابعة من عمره الكُتَّاب فحفظ فيه قدرًا من القرآن، ثم انتقل بعدها ليُتِمَّ تعليمه الابتدائي، وأظهر الصبي في صغره ولعًا بالشعر، جعله يَنْكَبُّ على دواوين فحول الشعراء فيحفظ وينهل منها قدر ما يستطيع، ولما أتمَّ الخامسة عشرة من عمره التحق بقسم الترجمة الذي أُنشِئَ حديثًا بمدرسة الحقوق، سافر بعدها إلى فرنسا ليكمل دراسته القانونية، ورغم وجوده في باريس آنذاك، إلا أنه لم يُبْدِ سوى تأثرٍ محدودٍ بالثقافة الفرنسية، فلم ينبهر بالشعراء الفرنسيين أمثال: رامبو، وبودلير، وفيرلين. وظل قلبه معلقًا بالشعراء العرب وعلى رأسهم المتنبي.

يُعَدُّ أحمد شوقي من مؤسسي مدرسة الإحياء والبعث الشعرية مع كل من: محمود سامي البارودي، وحافظ إبراهيم، وعلي الجارم، وأحمد محرم. وقد التزم شعراء هذه المدرسة بنظم الشعر العربي على نهج القدماء، خاصة الفترة الممتدة بين العصر الجاهلي والعباسي، إلا أنه التزامٌ مازَجَه استحداث للأغراض الشعرية المتناوَلَة، التي لم تكُن معروفة عند القدماء، كالقصص المسرحي، والشعر الوطني، والشعر الاجتماعي. وقد نظم شوقي الشعر بكل أغراضه: المديح، والرثاء، والغزل، والوصف، والحكمة.

بايع الأدباء والشعراء أحمد شوقي أميرًا لهم في حفلٍ أُقِيمَ بالقاهرة عام ١٩٢٧م، وظل الرجل مَحَلَّ إعجاب وتقدير ليس فقط بين الخاصة من المثقَّفين والأدباء بل من عموم الناس أيضًا، وفي عام ١٩٣٢م رحل شوقي عن عالمنا، وفاضت رُوحُهُ الكريمة إلى بارئها عن عمر يناهز أربعة وستين عامًا.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤