مَا فَعَلَتْ دِرْعُ وَالِدِي أَجَرَتْ

Wave Image
مَــا فَــعَـلَـتْ دِرْعُ وَالِـدِي أَجَـرَتْ
فِــي نَـهَـرٍ أَمْ مَـشَـتْ عَـلَـى قَـدَمِ
أَمِ اسْـتُـعِـيـرَتْ مِـنَ الْأَرَاقِـمِ فَـارْ
تَــدَّتْ عَــوَارِيَّــهَــا بَــنُــو الـرَّقَـمِ
أَمْ بِـعْـتِـهَـا تَـبْـتَـغِـيـنَ مَـصْـلَـحَةً
فِــي سَــنَــةٍ وَالـسَّـمَـاءُ لَـمْ تَـغِـمِ
فَــلَا الــثُّــرَيَّـا بِـجُـودِهَـا ثَـرِيَـتْ
أَرْضٌ وَلَا الْـفَـرْغُ مُـخْـضِلُ الْوَذَمِ
وَحُــوتُــهَــا جَــائِــلٌ عَــلَـى ظَـمَأٍ
فِـي نَـاضِـبِ الْـمَـاءِ غَـيْـرِ مُلْتَطِمِ
عَـابِـسَـةٌ لَـمْ يَـجُدْ بِهَا الْأَسَدُ الظَّـ
ـبْـــيَـــةَ إِلَّا ضَــعَــائِــفَ الــرِّهَــمِ
أَمْ كُــنْــتِ صَــيَّــرْتِـهَـا لَـهُ كَـفَـنًـا
فَـتِـلْـكَ لَـيْـسَـتْ مِـنْ آلَـةِ الـرَّجَمِ
لَـــعَـــلَّـــهُ أَنْ يَــجِــيءَ مُــدَّرِعًــا
يَـوْمَ رُجُـوعِ الـنُّـفُوسِ فِي الرِّمَمِ
أَمْ كُــنْــتِ أَوْدَعْــتِــهَـا أَخَـا ثِـقَـةٍ
فَـخَـانَ وَالْـخَـوْنُ أَقْـبَـحُ الـشِّـيَمِ
أَمْ صَـالِـحَـاتُ الْـبَـنَـاتِ إِضْـنَ بِهَا
زِيَــادَةً فِــي الــرِّعَــاثِ وَالْـخَـدَمِ
ضَــافِـيَـةٌ فِـي الْـمَـجَـرِّ صَـافِـيَـةٌ
لَــيْـسَـتْ بِـمَـطْـوِيَّـةٍ عَـلَـى قَـتَـمِ
كَأَنَّـــهَـــا وَالــنِّــصَــالُ تَأْخُــذُهَــا
أَضَــاةُ حَــزْنٍ تُــجَــادُ بِــالــدِّيَــمِ
أَوْ مَــنْـهَـلٌ طَـافَـتِ الْـحَـمَـامُ بِـهِ
فَـالـرِّيـشُ طَـافٍ عَـلَـيْهِ لَمْ يَصِمِ
ضَــنَّ بِــهَــا رَبُّــهَــا لِــضِــنَّــتِــهَـا
بِـــهِ وَكَــمْ ضِــنَّــةٍ مِــنَ الْــكَــرَمِ
تَــحْـسَـبُـهَـا مِـنْ رُضَـابِ غَـادِيَـةٍ
مَـجْـمُـوعَـةً أَوْ دُمُـوعِـهَـا السُّجُمِ
ضَــاحِــكَــةٌ بِــالـسِّـهَـامِ سَـاخِـرَةٌ
بِــالــرُّمْــحِ هَــزَّاءَةٌ مِــنَ الْـخُـذُمِ
عَــادَتُــهَــا أَرْمُــهَــا ظُــبًـى وَقَـنًـا
مِــنْ عَــهْــدِ عَــادٍ وَأُخْــتِــهَـا إِرَمِ
تَــغُــرُّهَــا غِــرَّةُ الــسَّــرَابِ نُـهًـى
فِــي نَــاجِــرِيِّ الـنَّـهَـارِ مُـحْـتَـدِمِ
أَوْ عَــمَـلُ الْـكُـفْـرِ مَـنْ يَـدِيـنُ بِـهِ
فِـي الْـبَـعْـثِ إِبَّـانَ مَـجْـمَعِ الْأُمَمِ
ذَاتُ قَــتِــيـرٍ شَـابَـتْ بِـمَـوْلِـدِهَـا
وَلَــمْ يَـكُـنْ شَـيْـبُـهَـا مِـنَ الْـقِـدَمِ
فَــمَــا عَــدَدْنَــا بَـيَـاضَـهَـا هَـرَمًـا
حِـيـنَ يُـعَـدُّ الْـبَـيَـاضُ فِـي الْهَرَمِ
مَــا خَــضَـبَـتْـهُ الْـمُـهَـنَّـدَاتُ لَـهَـا
وَلَا الْــعَـوَالِـي سِـوَى رَشَـاشِ دَمِ
فَـاعْـجَـبْ لِـرُؤْيَـاكَ غَـيْـرَ نَـاسِكَةٍ
قَـدْ غُـيِّـرَتْ بِـالـصَّـبِـيـبِ وَالْكَتَمِ
جِــذْمُ حَــدِيــدٍ أَبَــتْ وَجَـدِّكَ أَنْ
يَــقْــطَـعَ فِـيـهَـا مُـقَـطِّـعُ الْـجِـذَمِ
مَـلْـبَـسُ قَـيْـلٍ مَـا خِـيـطَ مُشْبِهُهُ
لِـــــدَارِمٍ قَــــبْــــلَــــنَــــا وَلَا دَرِمِ
رَآهُ كَـــهْـــلَانُ مِـــنْ مَــعَــاقِــلِــهِ
فِي الْحَرْبِ دُونَ الْعَبِيدِ وَالْحَشَمِ
عَــذَّبَــهَــا الْــهَــالِـكِـيُّ صَـانِـعُـهَـا
فِــي جَــاحِـمٍ مِـنْ وَقُـودِهِ ضَـرِمِ
يَـنْـفِـرُ عَـنْـهَـا ضَـبُّ الْـعَـذَاةِ كَـمَا
يَــهَــابُ نَــقْــعًـا مِـنْ بَـارِدٍ شَـبِـمِ
يَــدُ الْــمَــنَــايَــا إِذَا تُـصَـافِـحُـهَـا
أَعْـيَـا بِـهَـا مِـنْ يَـدَيْـنِ فِـي رَحِمِ
مَــعَــابِـلُ الـرَّمْـيِ عِـنْـدَهَـا عَـبَـلٌ
مُـلْـقًـى وَسُحْمُ النِّصَالِ كَالسَّحَمِ
فَــهْــيَ فَــمُ الْــعَــوْدِ بَــزَّهُـنَّ بِـهِ
وَهُــنَّ شَــوْكُ الْــقَــتَـادِ وَالـسَّـلَـمِ

عن القصيدة

  • مناسبة القصيدة: قال أبو العلاء المعري هذه القصيدة على لسان رجل يسأل أمه عن درع أبيه.
  • طريقة النظم: عمودي
  • لغة القصيدة: الفصحى
  • بحر القصيدة: المنسرح
  • عصر القصيدة: العباسي الثاني

عن الشاعر

أبو العلاء المَعَرِّي: شاعرٌ وفيلسوفٌ وأديبٌ عربيٌّ مِنَ العصرِ العبَّاسي، اشتُهِرَ بآرائِه وفلسفتِه المثيرةِ للجدلِ في وقْتِه.

وُلِدَ «أحمد بن عبد الله بن سليمان القُضاعي التنُوخي المَعَرِّي» المعروفُ ﺑ «أبي العلاء المَعَرِّي» عامَ ٣٦٣ﻫ بمَعَرَّةِ النُّعمانِ بسُوريا، وفقَدَ بصَرَه وهو صغيرٌ نتيجةً لمَرضِه بالجُدَري. أخَذَ علومَ القراءاتِ القرآنيةِ بإسنادٍ عنِ الشُّيوخ، كما تعلَّمَ الحديثَ في سنٍّ مُبكِّرة، وقالَ الشِّعرَ وهو ابنُ إحدى عشرةَ سنة، ورحلَ إلى بغدادَ عامَ ٣٩٨ﻫ فأقامَ بها سنةً وسبعةَ أَشْهُر، ثُم اعتزَلَ الناسَ لبعضِ الوقت؛ فلُقِّبَ ﺑ «رَهِينِ المَحْبسَيْن»؛ العَمَى والدَّار.

أمَّا شِعْرُه، وهو ديوانُ حكمتِه وفلسفتِه، فالمطبوعُ منه حتى الآن: «اللُّزوميَّات»، و«سِقْطُ الزَّنْد». وقد تُرجِمَ الكثيرُ من شِعْرِه إلى غيرِ العربيَّة، وأمَّا كُتبُه فكثيرةٌ وفِهرسُها في «مُعجَمِ الأُدَباء». من تَصانيفِه كتابُ «الأَيْك والغُصُون» في الأدب، يَزيدُ على مائةِ جُزْء، و«تاج الحُرَّة» في النساءِ وأخلاقِهنَّ وعِظاتِهِن، و«عَبَث الوَلِيد» شرَحَ فيه دِيوانَ البُحْتُريِّ ونقَدَه، و«رِسالة المَلائِكة» وهي صَغِيرة، و«رِسالة الغُفْران»، و«الفُصُول والغَايات».

عاش المعري متفلسفًا زاهدًا في الدنيا؛ إذ كانَ يَدعمُ حقوقَ الحيوانِ ويُحرِّمُ إِيلامَه، ولذا كان نباتيًا؛ فلمْ يَأكُلِ اللحمَ خمسًا وأربعينَ سنة، كما كانَ يَلبسُ خشِنَ الثِّياب، وكان له أراءه الخاصة في العقيدة، التي جعلت الآراء تختلف حول حقيقة إيمانه؛ إذ ذهب البعض إلى تكفيره واتهامه بالإلحاد، وإخراجِه مِنَ الإسلام، بينما دافَعَ عنه عميدُ الأدبِ العربيِّ «طه حسين» في عِدَّةِ كِتاباتٍ ومُؤلَّفات؛ أشْهرُها «معَ أبي العلاءِ في سجنِه». 

ظلَّ حبيسًا في بيتِه حتى وفاتِه عامَ ٤٤٩ﻫ بمنزلِه بمَعَرَّةِ النُّعْمان، وقد أَوْصى أن يُكتَبَ على قبْرِه عِبارة: «هذا جَناهُ أبي عليَّ، وما جَنيْتُ على أَحَد.» ويَقصدُ أنَّ أباه بزَواجِه من أمِّه أوْقَعَه في دارِ الدُّنيا. وقد وقَفَ على قبْرِه جمْعٌ غفيرٌ من أُدباءِ عصْرِه وشُعرائِه ورَثَوْه بثمانينَ مَرْثَاة.

تسجيل الدخول إلى حسابك

Sad Face Image

قم بتسجيل الدخول ليبدأ التحميل، وتحصل على جميع مزايا ومحتوى هنداوي فاونديشن سي آي سي.

تسجيل الدخول إنشاء حساب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤